الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون ذلك من ضمان البائع. رواية واحدة. والخرقي رحمه الله لم يتعرض للقبض، فقد يقال: إن كلامه محمول على ما قبل القبض، والذي أخذ منه القاضي في روايتيه مذهب الخرقي، وهو رواية أبي طالب، ظاهرها كذلك، فإنه قال: إذا اشتروا الغنيمة في أرض العدو، ثم غلبوا عليها، لا يؤخذ منهم الثمن، لأنه لم يسلم لهم ما اشتروه، وعلى هذا يرتفع الخلاف، ويكون قبل القبض من مال البائع، وبعده من مال المشتري.
وأبو الخطاب ترجم المسألة بما إذا وقع بعد لزوم البيع، وقد فهم من كلام الخرقي أنه يجوز قسم الغنيمة وتبايعها في دار الحرب، وهو كذلك.
[تحريق العدو بالنار وقطع الشجر وقتل الدواب في الجهاد]
قال: وإذا حورب العدو لم يحرقوا بالنار.
ش: أي لا يرموا بالنار ونحو ذلك، (وهو إحدى الروايتين) ، وبها قطع أبو محمد في المغني.
3414 -
لما روى «أبو هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: «إن وجدتم فلانا وفلانا - لرجلين من قريش - فأحرقوهما بالنار» . ثم قال حين أردنا الخروج: «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما» » . رواه البخاري، وأبو داود، والترمذي وصححه.
3415 -
وفي الصحيح أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يعذب بالنار إلا رب
النار» . ويستثنى من ذلك إذا لم يقدر عليهم إلا بذلك، ارتكابا لأدنى المفسدتين لدرء أعلاهما، ولهذا جاز رمي المسلم المتترس به إذا خيف على المسلمين، وكذلك إذا كانوا يفعلون ذلك بنا نفعل بهم، لينتهوا عن ذلك، ولعموم:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وقَوْله تَعَالَى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، ونحو ذلك.
3416 -
وعلى هذا يحمل ما روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرية يقال لها أبنى فقال: «أيتها صباحا ثم حرق» . رواه أحمد وأبو داود،
ويحمل ذلك على أنه كان قبل النهي عن التحريق.
(والرواية الثانية) : يجوز رميهم بالنار، لحديث أسامة.
3417 -
ولما روى سعيد بإسناده عن صفوان بن عمرو وحريز بن عثمان، أن جنادة بن أبي أمية الأزدي، وعبد الله بن قيس الفزاري، وغيرهما من ولاة البحر ومن بعدهم، كانوا يرمون العدو من الروم وغيرهم بالنار، ويحرقونهم هؤلاء لهؤلاء، وهؤلاء لهؤلاء. قال عبد الله بن قيس: ولم يزل أمراء المسلمين على ذلك. ويحمل ما تقدم على ما إذا صاروا في قبضتنا، فإنه لا نزاع أنهم لا يحرقون، ويستثنى من ذلك على هذه الرواية ما إذا كان تحريقهم يضر بالمسلمين، فإنه لا يفعل بلا ريب.
قال: ولم يغرقوا النخل.
3418 -
ش: لما روي عن يحيى بن سعيد، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان يزيد أمير ربع من تلك الأرباع، فقال: إني موصيك بعشر خلال: لا تقتلوا امرأة، ولا
صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطع شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تغرقن شاة، ولا بعيرا إلا لمأكله، ولا تغرقن نخلا، ولا تحرقه، ولا تغلل، ولا تجبن. رواه مالك في الموطأ.
3419 -
وروي عن مكحول قال: «أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه ثم قال: «إذا غزوت - فذكر أشياء قال: - ولا تحرقن نخلا، ولا تغرقنه، ولا تؤذين مؤمنا» » .
3420 -
وعن القاسم مولى عبد الرحمن، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وذكر نحوه: - «ولا تحرقن نخيلا ولا تغرقها، ولا تقطع شجرة ثمر، ولا تقتلن بهيمة ليست لك بها حاجة، واتق أذى المؤمن» . رواهما أبو داود في المراسيل.
3421 -
ولعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النحل، وقتل شيء
من الحيوان صبرا، وحكم تغريقه حكم قتله.
قال: ولا تعقر شاة ولا دابة إلا لأكل لا بد لهم منه.
ش: أما عقر ذلك وإتلافه لغير الأكل فلا يخلو إما أن يكون في الحرب، أو في غيرها، فإن كان في الحرب فإنه يجوز بلا خلاف، قاله أبو محمد، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، إذ قتل بهائمهم مما يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم، وهو المراد كيف ما أمكن. ولهذا جاز قتل نسائهم وصبيانهم في البيات، بخلاف ما إذا قدر عليهم منفردين، وقد تقدم حديث المددي الذي عقر فرس الرومي، وإن كان في غير حال الحرب لم يجز، لما تقدم في وصية أبي بكر رضي الله عنه ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان صبرا، واختار أبو محمد جواز ذلك إن كان مما يستعين به الكفار في القتال، كالخيل، بشرط أن يعجز المسلمون عن سياقته وأخذه، لأنه
يحرم إيصال ذلك إلى الكفار بالبيع ونحوه، فتركه لهم بلا عوض أولى بالتحريم، ومال أبو العباس إلى الجواز على سبيل المقابلة، كما سيأتي في الزرع، وأما العقر للأكل فإن لم يكن بد من ذلك فيباح بلا خلاف. إذ ذلك يبيح مال المعصوم، فالكافر أولى، وإن لم تكن الحاجة داعية إلى ذلك فإن كان الحيوان لا يراد إلا للأكل كالدجاج والحمام، وسائر الطيور، فهذا كالطعام في قول الجميع، قاله أبو محمد، وإن كان مما يحتاج إليه في القتال كالخيل، لم يبح ذبحه للأكل في قولهم جميعا، قاله أبو محمد أيضا. وإن كان قد تقدم أنه هو يبيح عقر هذا لغير الأكل بشرطه فللأكل أولى، وإن كان غير ذلك كالبقر والغنم ونحوهما لم يبح في قول الخرقي وغيره.
3422 -
وقال القاضي: ظاهر كلام أحمد إباحة ذلك، وهو اختيار أبي محمد، لظاهر ما تقدم
عن أبي بكر رضي الله عنه وقياسا لذلك على الطعام، وأبو البركات قال: لا يعقر إلا لأكل يحتاج إليه، فيحتمل أن يكون كقول الخرقي، ويحتمل أن يكون أعم، واستثنى أبو محمد من قول الخرقي أن يأذن الإمام في ذلك.
3423 -
لما روى عطية بن قيس قال: كنا إذا خرجنا في سرية فأصبنا غنما نادى منادي الإمام: ألا من أراد أن يتناول شيئا من هذه الغنم فليتناول، إنا لا نستطيع سياقها. رواه سعيد.
قال: ولا يقطع شجرهم، ولا يحرق زرعهم إلا أن يكونوا يفعلون ذلك في بلدنا، فنفعل بهم ذلك لينتهوا.
ش: حرق الشجر والزرع ينقسم ثلاثة أقسام، (أحدها) : يجوز بلا خلاف على ما قال أبو محمد، وهو ما إذا كانوا يفعلون ذلك بنا فنفعل ذلك بهم لينتهوا، ولما تقدم، أو لا يقدر عليهم إلا بذلك، كالذي يقرب من حصونهم، ويمنع من قتالهم، أو يستترون به من المسلمين ونحو ذلك، قال أبو محمد: أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة طريق، أو تمكن من قتال أو سد بثق أو إصلاح طريق، أو ستارة منجنيق، ونحو ذلك.
(القسم الثاني) : ما يضر بالمسلمين قطعه، لكونهم ينتفعون ببقائه للعلف أو الاستظلال، أو أكل الثمرة، أو لكون العادة لم تجر بذلك بيننا وبين عدونا، فإذا فعلناه بهم فعلوه بنا، فلا يجوز دفعا للضرر المنفي شرعا.
(القسم الثالث) : ما عدا هذين، وهو ما لا ضرر فيه ولا نفع سوى غيظ الكفار والإضرار بهم، فهذا فيه روايتان. (إحداهما) - وهي اختيار الخرقي وأبي الخطاب -: لا يجوز، لما تقدم في وصية أبي بكر رضي الله عنه وحديث القاسم. (والثانية) - وهي أظهر -: يجوز، لما تقدم في حديث أسامة رضي الله عنه.
3424 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق، ولها يقول حسان:
وهان على سراة بني لؤي
…
حريق بالبويرة مستطير
وفي ذلك نزلت: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} [الحشر: 5] الآية» ، متفق عليه، ويحمل دليل الرواية الأولى على ما فيه نفع لنا، وقرينة ذلك قوله: شجر مثمر.