الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا قد سرق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما إخاله سرق» فقال السارق: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه، ثم ائتوني به» فقطع فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تب إلى الله» فقال: تبت إلى الله، فقال:«تاب الله عليك» رواه الدارقطني، ورواه عبد الرزاق من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا، وهل الزيت من بيت المال، أو من مال السارق؟ فيه وجهان، المجزوم به منهما عند أبي محمد أنه من بيت المال، وابن حمدان بنى على أنه احتياط له، أو من تتمة الحد.
[حكم السارق إذا عاد للسرقة بعد القطع]
قال: فإذا عاد قطعت رجله اليسرى.
ش: أما قطع رجله فلما يأتي في المسألة الآتية، مع الأمن من المحذور الذي في قطع الثالثة.
3175 -
مع أن ذلك قول العامة، منهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، وناهيك بهم.
3176 -
وما روى الدارقطني عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا قطع على السارق بعد قطع يمينه» فمنقطع، مع أنه والله أعلم مخالف للإجماع، وأما كونها اليسرى فلأنه أرفق به، لتمكنه من المشي على خشبة ونحو ذلك، بخلاف ما لو قطعت اليمنى، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك في المحاربين، فقال:{أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المائدة: 33] والله أعلم.
قال: من مفصل الكعب.
ش: كما في اليد.
قال: وحسمت.
ش: لما تقدم في اليد، والله أعلم.
قال: فإن عاد حبس ولا تقطع غير يد ورجل.
ش: هذا إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار الخرقي وأبي بكر، وأبي الخطاب في خلافه، وابن عقيل والشيرازي، وأبي محمد وغيرهم، لعموم:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] إلى قوله: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المائدة: 33] وهذا محارب لله ورسوله، فشملته الآية، وقد أشار علي رضي الله عنه إلى ذلك.
3177 -
فروى سعيد: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عائذ قال: أتي عمر رضي الله عنه برجل أقطع اليد والرجل قد سرق، فأمر به عمر رضي الله عنه أن تقطع رجله. فقال علي رضي الله عنه: إنما قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] إلى آخر الآية، وقد قطعت يد هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله، فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها، إنما تعزره، أو تودعه السجن، فاستودعه السجن، ولأن ذلك بمنزلة إهلاكه، فإنه لا يمكنه أن يتوضأ، ولا يغتسل، ولا يتحرز من نجاسته،
ولا يزيلها عنه، ولا يدفع عن نفسه، ولا يأكل ولا يبطش، وبذلك علل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
3178 -
فروى سعيد: حدثنا أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، قال: حضرت علي بن أبي طالب أتي برجل مقطوع اليد والرجل، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، قال: قتلته إذا وما عليه القتل، بأي شيء يأكل الطعام، بأي شيء يتوضأ للصلاة؟ بأي شيء يغتسل من جنابته؟ بأي شيء يقوم على حاجته؟ فرده إلى السجن أياما ثم أخرجه، فاستشار الصحابة فقالوا مثل قولهم الأول، وقال لهم مثل ما قال أول مرة، فجلده جلدا شديدا ثم أرسله.
(والرواية الثانية) : تقطع يده اليسرى في الثالثة، والرجل اليمنى في الرابعة.
3179 -
لما روى جابر رضي الله عنه قال: «جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقال: «اقتلوه» قالوا: يا رسول الله إنما سرق، فقال:«اقطعوه» فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال:«اقتلوه» فقالوا: يا رسول الله إنما سرق. فقال: «اقطعوه» فقطع ثم جيء به في الثالثة فقال: «اقتلوه» قالوا: يا رسول الله إنما سرق. فقال: «اقطعوه» فقطع ثم أتي به الرابعة فقال: «اقتلوه» فقالوا: يا رسول الله إنما سرق. فقال: «اقطعوه» فقطع فأتي به الخامسة فقال: «اقتلوه» قال جابر رضي الله عنه: فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر، ورمينا عليه
بالحجارة.» رواه أبو داود وهذا لفظه والنسائي. وروى النسائي نحو ذلك أيضا من رواية الحارث بن حاطب رضي الله عنه، ولأن أبا بكر رضي الله عنه فعل ذلك، كما تقدم عنه.
3180 -
وكذلك روي عن عمر رضي الله عنه حكاه عنه أحمد، واحتج به، وهما اللذان أمرنا بالاقتداء بهما، وقد أجاب أبو محمد عن الحديث بأنه في شخص استحق القتل، بدليل الأمر بقتله في أول مرة، وقد يقال على هذا بأنه إذا كان مستحق القتل، فكيف جاز تأخيره، مع أنه إذا اجتمع مع القتل غيره سقط، واستوفي القتل، فكيف قطع، والذي يظهر في الجواب عن الأمر بالقتل أن هذا مما علم الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر فيه، وأن أمر هذا يؤول إلى القتل ولا بد، وأنه لا يجيء منه خير، فهو كالصبي الذي قتله الخضر، الذي طبع كافرا.
3181 -
وفي النسائي ما يشعر بهذا، فروى عن الحارث بن حاطب «أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتي بلص فقال:«اقتلوه» فقالوا: يا رسول الله إنما سرق، فقال:«اقتلوه» فقالوا: يا رسول الله إنما سرق،
قال: «اقطعوا يده» قال: ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه، حتى قطعت قوائمه كلها، ثم سرق أيضا الخامسة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا، حين قال اقتلوه، ثم دفعه إلى فتية من قريش، منهم عبد الله بن الزبير، وكان يحب الإمارة. فقال: أمروني عليكم، فأمروه عليهم، فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه» . اهـ.
والذي يظهر الرواية الثانية إن ثبتت الأحاديث، فإن النسائي ضعف حديث جابر رضي الله عنه وقال: لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا، فعلى المذهب فيمنع من تعطيل منفعة الجنس، وهما اليدان والرجلان، وهل يمنع من تعطيل عضوين من شق؟ على وجهين.
(وعلى الثانية) لا أثر لذلك، فعلى هذا من سرق وهو أقطع اليد اليسرى، والرجل اليمنى، قطعت يده اليمنى على الثانية دون الأولى، لإفضائه إلى تعطيل منفعة الجنس، وإن كان أقطع اليد اليسرى فقط، قطعت يمينه على
الثانية دون الأولى. لكن في قطع رجله اليسرى وجهان، بناء على تعطيل منفعة الشق، واستقصاء التفريع له محل آخر.
(تنبيه) : أطلق الخرقي الحبس، وتبعه الشيخ، وقال القاضي في الجامع، والشيرازي وابن البنا: يحبس حتى يحدث توبة، وقال ابن حمدان: يحبس ويعزر حتى يتوب، والله أعلم.
قال: والحر والحرة والعبد والأمة في ذلك سواء.
ش: الاتفاق في الحر والحرة بشهادة النص بذلك. قال سبحانه وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الآية، ولفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قطع سارق رداء صفوان، وقطع المخزومية، أما العبد والأمة فهو قول العامة، لعموم النص، ولما تقدم عن عمر رضي الله عنه في الرقيق الذين سرقوا الناقة.
3182 -
وروى القاسم عن أبيه أن عبدا أقر بالسرقة عند علي رضي الله عنه فقطعه. رواه أحمد.
3183 -
وعن نافع أن عبدا لابن عمر رضي الله عنهما سرق وهو آبق، فبعث به إلى سعيد بن العاص وهو أمير المدينة ليقطع يده، فقال سعيد: لا تقطع يد الآبق، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: في أي كتاب الله وجدت هذا؟ فأمر به
ابن عمر رضي الله عنهما فقطعت يده.
3184 -
وكذلك قضى به عمر بن عبد العزيز أيضا، رواه مالك في الموطأ.
3185 -
وقطعت عائشة رضي الله عنها يد عبد. . رواه مالك أيضا في الموطأ. وهذه قضايا اشتهرت ولم تنكر، فكانت حجة.
ويدخل في الحر المسلم والكافر، فيقطع الذمي بسرقة مال المسلم، وكذلك يقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي. أما الحربي الذي لا أمان له فلا يقطع المسلم بالسرقة من ماله، ولا هو بسرقة مال المسلم، فإن كان له أمان قطع المسلم بسرقة ماله. وهل يقطع هو بسرقة مال المسلم؟ فيه وجهان: أصحهما:
يقطع.
والثاني وهو اختيار ابن حامد: لا يقطع، ويدخل في العبد العبد الآبق، وذلك لعموم ما تقدم، ويؤيده قصة ابن عمر.
3186 -
أما ما رواه الدارقطني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على العبد الآبق إذا سرق قطع، ولا على الذمي» فقال: الصواب أنه موقوف، والله أعلم.
قال: ويقطع السارق وإن وهبت له السرقة بعد إخراجها.
3187 -
ش: لما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد؛ فقد وجب» رواه النسائي وأبو داود.
3188 -
أخرى: إني قد وهبتها له» . . رواه النسائي.
وهذا يدل على أن ملك العين المسروقة بعد الرفع إلى الحاكم لا يؤثر، بخلاف ما قبله. وكذلك قيد أبو محمد المسألة، بل وزاد: والمطالبة بها؛ وإن كان كلام الخرقي مطلقا.
وقوله: بعد إخراجها يحترز عما لو وهبت له السرقة قبل إخراجها، فإنه لا قطع قطعا، والله أعلم.
قال: ولو أخرجها وقيمتها ثلاثة دراهم، فلم يقطع حتى نقصت قيمتها قطع.
ش: اعتبارا بحال الإخراج، لأنه به كمل السبب، ولعموم:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] والله أعلم.