الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى تستغني، قيل له: وما غنى الجارية؟ قال: حتى تتزوج. ويستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق به ما لم تنكحي» وبقصة ابنة حمزة.
2890 -
ويرشحه أن في الحديث «من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» والله أعلم.
[الأحق بكفالة الطلفل بعد الأم]
قال: وإذا لم تكن أم أو تزوجت الأم، فأم الأب أحق من الخالة.
ش: إذا لم تكن أم أو تزوجت الأم، أو قام بها مانع من فسق ونحوه، فإن أم الأب مقدمة على الخالة، على المشهور من الروايتين، والمختار لعامة الأصحاب، لأنها جدة وارثة، فقدمت كأم الأم، ولأن لها ولادة ووراثة، فأشبهت أم الأم، وعن أحمد رواية أخرى أن الأخت من الأم والخالة يقدمان على أم الأب استدلالا بحديث ابنة حمزة.
2891 -
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه، «أن ابنة حمزة اختصم فيها
علي وجعفر وزيد رضي الله عنهم، فقال علي: أنا أحق بها، هي ابنة عمي، وقال جعفر: هي بنت عمي، وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال:«الخالة بمنزلة الأم» متفق عليه.
2892 -
ورواه أحمد أيضا من حديث علي رضي الله عنه، وفيه:«والجارية عند خالتها، فإن الخالة والدة» وكذلك رواه أبو داود من حديث علي رضي الله عنه، وقال:«إنما الخالة الأم» فجعل الخالة بمنزلة الأم، ولا ريب أن الأم مقدمة على أم الأب، فكذلك من بمنزلتها، وهذا ظاهر في الاستدلال، فعلى هذه الرواية قال أبو الخطاب ومن تبعه: يكون هؤلاء أحق من الأخت من الأم، ومن جميع العصبات، وقال أبو البركات: يحتمل على هذه الرواية تقديم نساء الحضانة على كل رجل، ويحتمل أن يقدمن إلا على من أدلين به، ويحتمل تقديم نساء الأم على الأب وأمهاته، وسائر من في جهته، وأن كل امرأة في درجة رجل تقدم هي ومن أدلى بها عليه. انتهى.
وعلى الأولى ظاهر كلام الخرقي أن أم الأب مقدمة على أم الأم، لقوله: فإن لم تكن أم، أو تزوجت الأم فأم الأب أحق من الخالة، وصرح بذلك بعد في قوله: والأخت من الأب أحق من الأخت من الأم، وخالة الأب أحق من خالة الأم؛ وهذا إحدى الروايتين، وهو أن قرابة الأب كأمه وأخته، ومن يدلي به هل تقدم على قرابة الأم كأمها وأختها ومن يدلي بها؟ على روايتين منصوصتين، (إحداهما) قرابة الأب مقدمة، كما يقوله الخرقي، وهو مقتضى قول القاضي في تعليقه، وفي جامعه الصغير، والشيرازي وابن البنا، لتقديمهم الأخت للأب على الأخت للأم، وذلك لأن التمييز له مزية في التقديم، وقرابة الأب ساوت قرابة الأم في القرب، وتميزت عنها بإدلائها بعصبة (والرواية الثانية) قرابة الأم مقدمة، وهو اختيار القاضي في روايتيه، وابن عقيل في تذكرته، لتمييز قرابة الأم بإدلائها بمن تقدم على الأب وهو الأم.
وقد تضمن كلام الخرقي أن المرأة إذا تزوجت سقطت حضانتها، وهو المذهب في الجملة بلا ريب، لما تقدم من قوله: صلى الله عليه وسلم «أنت أحق به ما لم تنكحي» (وعنه) في الجارية خاصة لا تسقط حضانتها بالتزويج، نظرا لحديث ابنة حمزة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها لها مع كونها كانت مزوجة، وأجيب عن هذا بأنها كانت زوجة لقريب، وإنما تسقط الحضانة إذا كانت مزوجة بأجنبي، وهذه مسألة تستثنى من كلام الخرقي،
وهو أن التزويج مسقط للحضانة إلا بقريب من الطفل، وقيل: شرط القريب أن يكون جدا للطفل، ومقتضى كلام أبي محمد في المغني أن من شرطه أن يكون من أهل الحضانة، وإذًا لا يحسن منه الجواب عن الحديث، لأن جعفرا رضي الله عنه كان ابن عمها، وليس هو من أهل الحضانة، وحيث قيل: إن التزويج مسقط للحضانة فذلك بمجرده من غير دخول، على مقتضى كلام الخرقي وعامة الأصحاب، إعمالا لظاهر الحديث، ولأبي محمد احتمال أن حقها لا يسقط إلا بالدخول، نظرا إلى المعنى المقتضي لإسقاط حقها بالتزويج، وهو الاشتغال بالزوج والتخصيص به، وذلك منتف قبل الدخول، والله أعلم.
قال: والأخت من الأب أحق من الأخت من الأم، وأحق به من الخالة، وخالة الأب أحق من خالة الأم.
ش: قد تقدم هذا، وأن مذهب الخرقي أن قرابة الأب تقدم على قرابة الأم، فلا حاجة إلى إعادته، وتقدم أن عن أحمد رواية أخرى مشهورة بالعكس، ورواية أخرى أن الخالة أحق من أم الأب، وأن على هذه الرواية تقدم الخالة على الأخت من الأب، لتقديمها على من أدلت به.
قال: وإذا أخذ الولد من الأم إذا تزوجت، ثم طلقت عادت على حقها من كفالته.
ش: لا نزاع عندنا في ذلك، إذا كان الطلاق بائنا، لأن حقها
إنما زال لمعنى، وهو الاشتغال بالزوج، فإذا طلقت زال ذلك المعنى، فتعود إلى ما كانت عليه، واختلف فيما إذا كان الطلاق رجعيا، فظاهر كلام الخرقي - وهو الذي نصبه القاضي في تعليقه، وقطع به جمهور أصحابه، كالشريف، وأبي الخطاب، والشيرازي، وابن البنا وابن عقيل في التذكرة - أن حقها يعود، نظرا إلى زوال اشتغالها به، لعزلها عن فراشه، وعدم القسم لها عليه، وقال القاضي: قياس المذهب أن حقها لا يعود حتى تنقضي عدتها، بناء على أن الرجعية مباحة، فاشتغالها بالزوج لم يزل، وعلى هذا فقول الخرقي جار على قاعدته من تحريم الرجعية، وأبو محمد خرج الوجه الثاني من كون النكاح قبل الدخول مزيلا للحضانة مع عدم الشغل، والله أعلم.
قال: وإذا تزوجت المرأة فلزوجها أن يمنعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها، أو يخشى عليه التلف.
ش: للزوج منع المرأة من رضاع ولدها من غيره، ومن رضاع ولد غيرها بطريق الأولى، إذ عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان، ما لم يضر بها، سوى أوقات الصلوات، والرضاع يفوت الاستمتاع في بعض الأوقات، فكان له المنع، كالخروج من منزله، فإن اضطر الولد إليها، بأن لا يوجد مرضعة سواها، أو لا يقبل الولد ثدي غيرها، وخشي عليه التلف، فليس للزوج المنع نظرا لحفظ النفس
المقدم على حق الزوج، وملخصه أنه يجب ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، وقول الخرقي: من رضاع ولدها. ظاهر سياق كلامه أنه من غيره، وإلا كان يقول: وللزوج منع المرأة من رضاع ولدها. وفي بعض النسخ: ولدها من غيره.
قال: وعلى الأب أن يسترضع لولده إلا أن تشاء الأم أن ترضعه بأجرة مثلها، فتكون أحق به من غيرها، سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة.
ش: قد دل كلام الخرقي على مسألتين (إحداهما) أن إرضاع الولد على الأب وحده، وليس له إجبار أمه على رضاعه مطلقا، ولظاهر قوله سبحانه:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] الآية إلى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وقوله سبحانه: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] ومتى اختلفا فقد تعاسرا (المسألة الثانية) أن الأم إذا شاءت أن ترضعه بأجرة مثلها كان لها ذلك، وقدمت على غيرها إذا كانت مفارقة من الزوج بلا نزاع، وكذلك إذا كانت في حباله على المشهور، وقيل: بل إذا كانت في حباله كان له منعها بأجرة وبغيرها، ومبنى الخلاف على فهم الآية الكريمة، وذلك لأن إرضاعه كنفقته، والجامع أن بنيته لا تقوم
إلا بهما، ونفقته لو كان كبيرا عليه، فكذلك إرضاعه إذا كان صغيرا، ولظاهر الآية الكريمة:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] فإن الله سبحانه جعل حكمه الشرعي أن الوالدات يرضعن أولادهن، لكن هل المراد كل والدة، اعتمادا على عموم اللفظ، فتدخل فيه المطلقة وغيرها، أو المراد به الوالدات المطلقات، لذكرهن في سياق المطلقات، والسياق والسباق يخصصان؟ فيه قولان، فعلى الثاني إذا كان المراد المطلقات فالمزوجات لم تتناولهن الآية، وإذًا للزوج منعهن من الإرضاع، نظرا لحقه من الاستمتاع، كما له ذلك في ولد غيره، وقول الخرقي: بأجرة مثلها. مفهومه أنها إذا طلبت أكثر من أجرة المثل لم تكن أحق به، وهو كذلك، لطلبها ما ليس لها، فتدخل في قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] نعم لو طلبت أكثر من أجرة المثل، ولم يوجد من ترضعه إلا بمثل تلك الأجرة، فقال أبو محمد: الأم أحق، لتساويهما في الأجرة، وميزة الأم، وقوله: فتكون أحق به. مقتضاه وإن وجد متبرعة برضاعه، وهو كذلك، اعتمادا على إطلاق الآية الكريمة، والله سبحانه أعلم.