الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارتها إلى السماء علما على الوحدانية، وإلى رسالته، وحكم بإيمانها، قال أبو محمد: ولو أشار الأخرس إشارة تدل على التسمية وعلم ذلك كان كافيا.
قلت: وهذا يقتضي أن التنبيه السابق في حال الغيبة، أما في حال الحضور فلا بد من العلم أو الظن بوجود التسمية.
[ذبيحة الجنب]
قال: وإن كان جنبا جاز أن يسمي ويذبح.
ش: لبقاء أهليته، إذ الجنابة لا تخرجه عن الإسلام، وقد قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا منع من ذلك. ويسمي كما يسمي عند اغتساله، لأن الذي منع منه هو قراءة القرآن، وليس المقصود بالتسمية على الذبيحة القراءة.
قال: والمحرم من الحيوان ما نص الله عز وجل عليه في كتابه.
ش: الذي نص الله عز وجل عليه في كتابه هو قوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] . إلى آخرها. ولا نزاع في تحريم هذه الأشياء في الجملة، (أما لحم الخنزير) فلا ريب في تحريمه، وكذلك بقية أجزائه، اعتمادا على الإجماع، أو أن الشحم ونحوه داخل في مسمى ذكر اللحم لكونه صفة له، بدليل قولهم: لحم سمين، أي: لحم شحيم، أو أن ذكر اللحم خرج مخرج الغالب، لأنه معظم ما يقصد، مع ما فيه من مراغمة الكفار الذين يتدينون بأكل لحمه.
(وأما الميتة) فيستثني منها ما استثناه المبين لكتاب ربه صلى الله عليه وسلم وهو الحوت والجراد، ويلحق بالحوت ما في معناه مما يسمى سمكا، أو مما لا يعيش إلا في البحر، أو مما مات فيه - على ما تقدم - نعم بقي النظر في الطافي فإن عموم الآية يقتضي تحريمه.
3552 -
وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لما سئل عن التوضؤ بماء البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» . يقتضي إباحته، فلا بد من
مرجح، (فقد يقال) بترجيح عموم الكتاب لقوته، ولهذا قيل: إن عموم الكتاب لا يتخصص بالسنة، وبما تقدم من حديث جابر رضي الله عنه:«وما مات فيه وطفا فلا تقربوه» .
» 3553 - وبما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما طفا من صيد البحر فلا تأكله.
(وقد يقال) بترجيح عموم السنة، لأن عموم الكتاب قد دخله التخصيص ولا بد، بخلاف عموم السنة فإنه قد شك في تخصيصه، والأصل عدم التخصيص، وبما تقدم من قول أبي بكر رضي الله عنه: الطافي حلال.
3554 -
وقول عمر رضي الله عنه في قوله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]، قال: صيده ما أصيد، وطعامه ما رمى به. وهذا تفسير من عمر رضي الله عنه وإذا يكون مخصصا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] ، وتكون السنة عاضدة لهذا التفسير، وما روي عن علي
- رضي الله عنه فلا يعرف أصله، وحديث جابر الصحيح وقفه عليه، وقد قال بعضهم: إن الآية الكريمة لا تخصيص فيها، بل وردت على ما يتعارفه الناس في العادة، والعرف في السمك أنه لا يطلق عليه ميتة، ولهذا إذا قيل: أكل فلان ميتة، لم يسبق الوهم إلى السمك والجراد، وكذلك إذا قال: أكل دما، لم يسبق إلى الكبد والطحال.
وقد أدخل بعضهم في الآية الكريمة الأجنة، وقد تقدم الاعتماد على رواية الرفع، وأن ذكاته عين ذكاة أمه، وإذا هي مذكاة لا ميتة على أن رواية النصب تخرج الحديث عن كثير فائدة، إذ الجنين إذا خرج حيا حياة مستقرة فلا يخفى حكم الذكاة في حقه، لأنه نفس أخرى.
ومما قيل بدخوله في الميتة: جلدها، ولبنها، وشعرها، وعظمها، والكلام على تسليم ذلك أولا، وعلى خروجه بالتخصيص ليس هذا محله.
وأما الدم فالمراد به ما عدا الكبد والطحال، إما بالخطاب العرفي، أو ببيان النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إن ذلك خرج بقوله سبحانه وتعالى في الآية الأخرى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] إذ الكبد والطحال لا يمكن سفحهما فلا يدخلان في الدم المحرم. (ومما قيل) أنه خرج بقوله سبحانه: {دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145]
ما على العروق، وما يبقى على اللحم من الدم. (ومما قيل) أيضا بخروجه الذباب ونحوه مما لا دم له سائل، ولذلك قيل بطهارة ميتته على المذهب، وبحله في رواية، وتحريم الخنافس ونحوها للخبث.
وأما {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173]، أي: الذي رفع عليه الصوت بتسمية غير الله، كأن يسمى عليه اسم المسيح - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه - أو اسم صنم، ونحو ذلك كما كانوا في الجاهلية يذبحون فيقولون: باسم اللات والعزى؛ وقد اختلف في حل ما ذبح كذلك، على قولين للعلماء هما روايتان عن إمامنا:(إحداهما) - وبها قطع أبو محمد، وحكاه عن القاضي، وصححها أبو البركات -: التحريم، لذلك.
3555 -
ولما في صحيح مسلم وغيره عن علي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لعن الله من ذبح لغير الله» .
و (الثانية) - ويحكى ذلك عن الشافعية -: الحل،
لقوله سبحانه: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] . وقد علم أنهم يذكرون اسم المسيح، فيكون المراد بالآية الأولى: من عدا أهل الكتاب.
وأما (المنخنقة) : فهي التي اختنقت بحبل أو غيره. (والمتردية) : التي تردت من جبل أو نحوه. (والنطيحة) : التي تنطح أو تنطح فتموت. (والموقوذة) : التي تقتل ضربا، يقال: وقذتها أقذها وقذا. وأوقذتها أوقذها إيقاذا: إذا أثخنتها ضربا. (وما أكل السبع) : التي أكل منها السبع، والعرب تسمي ما قتله السبع، وما أكل منه وبقيت منه بقية: أكيلة السبع، وهي فريسته. والحكم في هذه الأربعة أنها إذا أدرك ذبحها على التمام حلت وإلا فلا، وبيان ذلك أن قَوْله تَعَالَى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] إنما يرجع إلى ما تمكن ذكاته، وهو المنخنقة وما بعدها، أما الميتة والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، فلا يتصور فيه ذكاة، والمعنى: إلا الشيء الذي أدركت ذكاته من هذه الأربعة، وأصل الذكاة في اللغة: تمام الشيء، ومنه: الذكاء في السن والفهم تمامهما، فتمام السن: النهاية في الشباب، فقبل ذلك أو بعده لا يسمى ذكاء، وتمام الفهم: سرعة القبول، وذكيت النار: أتممت إشعالها،
فقوله سبحانه: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] أي: ما أدركتم ذبحه على التمام.
واختلف في الذبح على التمام ما هو في هذه الآية، (وعن إمامنا) في ذلك ثلاث روايات. (إحداهن) : بأن يكون في ذلك حياة يمكن أن تزيد على حركة المذبوح، أو تتحرك كحركة المذبوح عند الذبح، ولو بيد أو رجل أو طرف عين ونحو ذلك.
(الثانية) : أن ما يمكن أن يبقى معظم اليوم يحل، وما يعلم موته لأقل منه في حكم الميت.
(والثالثة) : ما تيقن أنه يموت من السبب في حكم الميت مطلقا، اختارها ابن أبي موسى.
واختار أبو محمد قولا رابعا أنها إن تيقن موتها بالسبب، كأن تعيش زمنا يكون الموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح، وإن كانت مما لا يتيقن موتها فكالمريضة، متى تحركت وسال دمها حلت وإلا فلا. وتوجيه هذه الأقوال، والاتساع في الآية الكريمة يحتاج إلى بسط لا يليق بهذا الشرح.
وقوله سبحانه: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] . أي: الحجارة التي كانت لهم يعبدونها، واحدها: نصاب، و (على)، قيل: بمعنى اللام، أي: وما ذبح لأجل الأصنام، والذابح للأصنام هم عبادها، فالمنع هنا للشرك، وعلى هذا يحل ما ذبحه الكتابي لعيده أو لكنيسته ونحو ذلك، وهو مذهبنا، لعموم: