الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحجر
إيثار التلذذ والتنعم في الدنيا يؤدّي إلى طول الأمل.
قال الله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في الآية دليل على أنّ إيثار التلذذ والتنعم في الدنيا يؤدّي إلى طول الأمل وليس ذلك من أخلاق المؤمنين).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآية بدلالة اللازم استنباطاً تربوياً، وهو أن إيثار التلذذ والتنعم في الدنيا يؤدّي إلى طول الأمل، والركون إلى الدنيا وزينتها، وليس هذا من أخلاق المؤمنين، إذ المعنى: اتركهم يا محمد على ما هم عليه من الاشتغال بالأكل ونحوه من متاع الدنيا، ويلهِهُم توقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد، فإن إلهاء الأمل لهم عن اتّباعك سوف يعلمون عاقبته بعد حين، وفي هذا تهديد وزجر لهم، وأنه لا واعظ لهم إلا معاينة ما ينذرون به حين لا ينفعهم
(2)
، وهذا يدل على ذمِّ طول الأمل وسوء عاقبته وحرمان صاحبه.
(1)
السراج المنير (2/ 217)
(2)
ينظر: الكشاف للزمخشري (2/ 570)، وأنوار التنزيل للبيضاوي (3/ 206)
وهي فائدة حسنة، وافق الخطيب في استنباطها من الآية: الزمخشري، والرازي
(1)
، والبيضاوي، والنسفي، والخازن، وأبو حيان، والألوسي،
وغيرهم.
(2)
قال أبو حيان: في قوله: {يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} إشارة إلى أن التلذذ والتنعم وعدم الاستعداد للموت، والتأهب له، ليس من أخلاق من يطلب النجاة من عذاب الله في الآخرة.
(3)
ويؤيده هذا الاستنباط ما جاء في السُنَّة من ذم الدنيا والتحذير منها والتنبيه على عدم الاغترار بها، والتحذير من طول الأمل، كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر» .
(4)
قال الحسن البصري
(5)
: (ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل).
(6)
(1)
قال: (والأخبار في ذم الأمل كثيرة فمنها ماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يهرم ابن آدم ويشب فيه اثنان: الحرص على المال وطول الأمل»، وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إنما أخشى عليكم اثنين: طول الأمل واتباع الهوى، فإن طول الأمل ينسي الآخرة، واتباع الهوى يصد عن الحق). ينظر: التفسير الكبير (19/ 119)
(2)
ينظر: الكشاف (2/ 570)، والتفسير الكبير (19/ 119)، والجامع لأحكام القرآن (10/ 3)، وأنوار التنزيل (3/ 206)، ومدارك التنزيل (2/ 183)، ولباب التأويل (3/ 48)، والبحر المحيط (6/ 465).
(3)
البحر المحيط (6/ 465)
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب كراهة الحرص على الدنيا برقم (1047)، (2/ 724)
(5)
هو الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد، إمام أهل البصرة، تابعي، ثقة، فقيه، زاهد، كان من سادات التابعين، وأفتى في زمن الصحابة، توفي سنة 110 هـ. ينظر: طبقات المفسرين للداودي ص 106، وشذرات الذهب لابن العماد (1/ 244)، وطبقات المفسرين للأدنه وي ص 13.
(6)
أخرجه عن الحسن البيهقي في شعب الإيمان (13/ 255) برقم 10299، وأبو نعيم في حلية الأولياء (8/ 99)
فالأمل يُثبّط عن العمل، ومتى تمكن من القلب فسد واشتد علاجه، فلا ينفع فيه دواء. وشأن المؤمن الإقبال على ربه والانشغال بالطاعة، والاستعداد لما بعد الموت فلا تغره الدنيا الفانية عن الآخرة الباقية
(1)
، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن (10/ 3). وينظر: العاقبة في ذكر الموت لعبد الحق الأزدي المعروف بابن الخراط (1/ 65)