الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة البينة
وجوب النية في العبادات.
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (قوله تعالى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فيه دليل على وجوب النية في العبادات؛ لأنّ الإخلاص من عمل القلب، وهو أن يراد به وجه الله تعالى لا غيره، ومن ذلك قوله: {إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (الزمر: 11)).
(1)
وجه الاستنباط:
أن الإخلاص لا يكون بدون نية، فجعل الإخلاص وهو النية شرطاً في صحة العبادة.
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله -من الآية دلالتها باللازم على وجوب النية في العبادات لأن الإخلاص لا يكون بدونها
(2)
، فالإخلاص من عمل القلب، وهو عبارة عن النية الخالصة، وتجريدها عن شوائب الرياء، وهو الذي يراد به وجه الله تعالى لا غيره.
وعليه ففي الآية تنبيه على ما يجب من تحصيل الإخلاص من ابتداء الفعل إلى انتهائه، فقد دلَّت على أن كل مأمور به فلا بد وأن يكون منوياً، ولا بد من اعتبار النية في جميع المأمورات.
(3)
(1)
السراج المنير (4/ 660)
(2)
ينظر: الإكليل في استنباط التنزيل (1/ 295)
(3)
ينظر: لباب التأويل (4/ 455)، والتفسير الكبير (32/ 242).
قال الكيا الهراسي: (قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} يدل على وجوب النية في العبادات، لأن الإخلاص عمل القلب، وهو أن يريد وجه الله تعالى بالعمل، ولا يراد غيره به أصلاً).
(1)
واستنبط هذه الدلالة من الآية غيره من المفسرين كالرازي، والقرطبي، والسيوطي، والشوكاني، وغيرهم.
(2)
قال الشوكاني: (وهذه الآية من الأدلة الدالة على وجوب النية في العبادات لأن الإخلاص من عمل القلب).
(3)
وهي دلالة صحيحة نصَّ عليها كثير من أهل العلم، وأكدَّ هذا المعنى ابن القيم وغيره، قال رحمه الله في إعلام الموقعين:(فإن القربات كلها مبناها على النيات، ولا يكون الفعل عبادة إلا بالنية والقصد، ولهذا لو وقع في الماء ولم ينو الغسل أو دخل الحمام للتنظيف أو سبح للتبرد لم يكن غسله قربة ولا عبادة بالاتفاق، فإنه لم ينو العبادة فلم تحصل له، .. فالنية روح العمل ولبه وقوامه، وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلمتين كفتا وشفتا، وتحتهما كنوز العلم وهما قوله: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» فبيّن في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية، ولهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه، وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال.)
(4)
(1)
ينظر: أحكام القرآن للكيا الهراسي (4/ 431)
(2)
ينظر: التفسير الكبير (32/ 242)، والجامع لأحكام القرآن (20/ 144)، والإكليل (1/ 295)، وفتح القدير (5/ 580)
(3)
فتح القدير للشوكاني (5/ 580).
(4)
إعلام الموقعين (3/ 111) بتصرف يسير.
فدلَّ هذا على اشتراط النية في أعمال الطاعات
(1)
، وهو ما أفادته الآية الكريمة، فلا تصحُّ ولا تُجزئ إلاَّ مقترنةً بالنيَّة، ولا ثوابَ عليها إلاَّ على أساس النيَّة، وهو تنبيه حسن.
وخالف الجصاص في دلالة هذه الآية مشيراً إلى علاقة الإخلاص بالشرك، ونفى تعلقه بالنية.
(2)
والذي يظهر أن الإخلاص متعلق بالنية لما تقدم، وعليه فهذه الآية من الأدلة الدالة على وجوب النية في العبادات، وهو الذي عليه كثيرمن المفسرين
(3)
، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: الحاوي الكبير للماوردي (3/ 178)، واختلاف الأئمة العلماء لعون الدين ابن هبيرة (1/ 40)، والمغني (1/ 336)، وشرح عمدة الفقه لابن تيمية (1/ 166)، وبستان الأحبار مختصر نيل الأوطار لفيصل بن المبارك (1/ 61)
(2)
قال: (قوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} فيه أمر بإخلاص العبادة له، وهو أن لا يشرك فيها غيره لأن الإخلاص ضد الإشراك وليس له تعلق بالنية لا في وجودها ولا في فقدها، فلا يصح الاستدلال به في إيجاب النية لأنه متى اعتقد الإيمان فقد حصل له الإخلاص في العبادة ونفي الإشراك فيها آخر السورة). أحكام القرآن (5/ 374)
(3)
ينظر: أحكام القرآن للكيا الهراسي (4/ 431)، والتفسير الكبير (32/ 242)، والجامع لأحكام القرآن (20/ 144)، والإكليل في استنباط التنزيل (1/ 295)، وفتح القدير (5/ 580).