الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة عبس
علة إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن أم مكتوم رضي الله عنه.
قال الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس: 1 - 3]
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (قوله تعالى {وَمَا يُدْرِيكَ} أي: أيُّ شيء يجعلك دارياً بحاله {لَعَلَّهُ} أي: الأعمى {يَزَّكَّى}، وفي ذلك إيماء بأنّ إعراضه كان لتزكية غيره).
(1)
وجه الاستنباط:
أنه تعالى قال: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} ولعلَّ من الله تعالى للتحقيق
(2)
، ومنها يُفهم علة توليه عنه إلى غيره.
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآية دلالتها باللازم على علة إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن أم مكتوم
(3)
، وهي أنّه كان مشغولاً بتزكية غيره، وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو أشراف قومه إلى الله يرجو إسلامهم، فجعل يناديه، ويكرر النداء وهو لا يدري أنه مُقبل على غيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبس وجهه وأعرض عنه، وأقبل عليهم دونه يُكلمهم، فعاتب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات، فقال سبحانه:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} .
(1)
السراج المنير (4/ 584)
(2)
أضواء البيان (8/ 491)
(3)
هو عبد الله، وقيل: عمرو، بن قيس بن زائدة بن الأصم بن رواحة القرشي، العامري. من السابقين المهاجرين، وكان ضريراً، مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بلال، ينظر: سير أعلام النبلاء (1/ 360)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/ 79).
ففي الآية إشارة إلى علة إعراضه صلى الله عليه وسلم عن ابن أم مكتوم رجاء تزكية غيره وإسلامهم؛ فإنهم إذا أسلموا كان ذلك سبباً في إسلام من تحتهم وكان طمع النبي صلى الله عليه وسلم فيهم شديداً، وليس إعراضه احتقاراً لابن أم مكتوم- حاشاه عليه الصلاة والسلام وإنما قصَدَ تأليف قلوبهم ثقةً بما كان في قلب ابن أم مكتوم من الإيمان، وكأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن هؤلاء الأشراف يزدرونه إذا وجَّه وجهه لهذا الرجل الأعمى وأعرض عنهم، كما قال قوم نوح:{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} [هود: 11] فكان لعبوسه وتوليه عليه الصلاة والسلام سببان الأول: رجاء إسلامهم.
والثاني: ألا يزدروه عليه الصلاة والسلام في كونه يلتفت إلى هذا الرجل الأعمى الذي هو محتقر عندهم.
(1)
وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: البيضاوي، والبقاعي، والقاسمي، وغيرهم.
(2)
وهي دلالة لطيفة حسنة، كما أن الآية تحتمل دلالة أخرى، وهي التعريض بأن من تصدَّى صلى الله عليه وسلم لتزكيتهم وتذكيرهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكي والتذكر أصلاً، أفاده أبو السعود وغيره
(3)
، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: تفسير العثيمين جزء عم (1/ 60)، وينظر في سبب نزول هذه السورة جامع البيان للطبري (24/ 219)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (19/ 213)
(2)
ينظر: أنوار التنزيل (5/ 286)، ونظم الدرر في (21/ 252)، ومحاسن التأويل (9/ 405)
(3)
ينظر: إرشاد العقل السليم لأبي السعود (9/ 107)، وروح المعاني (15/ 243)