الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الواقعة
صحة القياس.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة 62].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} أي: الترابية لأبيكم آدم عليه السلام، واللحمية لأُمكم حواء رضي الله عنها، والنطفية لكم، وكل منها تحويل من شيء إلى آخر غيره، فما الذي شاهدتم قدرته على ذلك لا يقدر على تحويلكم بعد أن تصيروا تراباً إلى ما كنتم عليه أولاً من الصور؟ ولهذا سبَّب عما تقدم قوله تعالى: {فَلَوْلَا} أي: فهلا ولم لا {تَذَكَّرُونَ} أي تذكراً عظيماً تُكرهون أنفسكم عليه، فتعلمون أن من قدَر على النشأة الأولى قدر على الثانية، فإنها أقل ضعفاً لحصول المواد، وتخصيص الأجزاء وسبق المثال، وفيه دليل على صحة القياس).
(1)
وجه الاستنباط:
وقوع القياس هنا، وإرشاد الخلق بالدلالة على صحة الإعادة بصحة البداء.
(2)
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على صحة القياس؛ حيث جهَّلهم تعالى في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى فقال {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} ، وتركُ القياس إذا كان جهلاً كان القياس علماً، وكل ما كان من قبيل العلم فهو
(1)
السراج المنير (4/ 200)
(2)
ينظر: حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي (8/ 146).
صحيح.
(1)
وقوله {فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} يشهد لهذا فهوتحضيض على التذكر والاستدلال، فمن قدر على الأولى قدر على الأخرى حتماً فإنها أهون عليه.
وممن استنبط دلالة هذه الآية على صحة القياس: الزمخشري، والبيضاوي، والنسفي، وابن جزي، وأبو السعود، وحقي، والألوسي، وغيرهم.
(2)
وهي دلالة معتبرة صحيحة يعضدها احتجاجه تعالى على منكري البعث بالنشأة الأولى في آيات كثيرة من كتاب الله، قال تعالى:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 78] وقال سبحانه: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 19]، قال الماوردي
(3)
عند هذه الآية من سورة الروم: وفي هذا دليل على صحة القياس).
(4)
وقال القرطبي: (بيَّن كمال قدرته، أي كما أحيا الأرض بإخراج النبات بعد همودها، كذلك يحييكم بالبعث، وفي هذا دليل على صحة القياس).
(5)
والحق أن القياس حُجَّة، وهو دليل من الأدلة الشرعية المعتبرة لإثبات
(1)
ينظر: روح البيان لحقي (9/ 331).
(2)
ينظر: الكشاف (4/ 465)، وأنوار التنزيل (5/ 181)، ومدارك التنزيل (3/ 426)، والتسهيل لعلوم التنزيل (2/ 337)، وإرشاد العقل السليم (8/ 197)، روح البيان (9/ 331) روح المعاني (14/ 147).
(3)
هو علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي، أبو الحسن القاضي، له مصنفات في الفقه والتفسير والأصول والأدب، من تصانيفه (الحاوي) في الفقه، والتفسير القرآن (النكت والعيون)، و (الأحكام السلطانية)، وغيرها، توفي سنة 450 هـ. ينظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 5/ 267، وطبقات المفسرين للسيوطي ص 83، وطبقات المفسرين للأدنه وي ص 19.
(4)
النكت والعيون (4/ 305).
(5)
الجامع لأحكام القرآن (14/ 16).
الأحكام الشرعية بعد الكتاب والسُنَّة والإجماع، فلا يقاس إلا على ما ثبت بهما
(1)
، فيكون العمل بالقياس عملاً بما هو مستنبط من المنزل، وكأنه حكم بالمنزل وهو الكتاب والسُّنَّة.
(2)
وهو ماعليه جمهور العلماء من السلف والخلف، وثبت عن جمعٍ كثير من الصحابة رضي الله عنهم القول بالقياس والعمل به في الوقائع التي لا نصَّ فيها
(3)
، وبهذا يظهرصحة هذه الدلالة وقوتها، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: روضة الناظر لابن قدامة (2/ 165)، وكشف الأسرار للبزدوي (3/ 315)، والموافقات للشاطبي (5/ 197)، وإرشاد الفحول للشوكاني (2/ 110)، والمهذب في علم أصول الفقه المقارن للنملة (4/ 1483).
(2)
ينظر: المهذب في علم أصول الفقه المقارن لعبد الكريم النملة (4/ 1881).
(3)
كما فعل أبو بكر رضي الله عنه فإنه قاس الزكاة على الصلاة في قتال الممتنع منها، بجامع كونهما عبادتين من أركان الإسلام، ووافقه الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، فكان إجماعًا على صحة القياس. ينظر: روضة الناظر (2/ 155)، وشرح الطوفي (3/ 264).