الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المسد
- كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفاً بما دل عليه لقبه.
قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 1 - 4]
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({وَامْرَأَتُهُ} وهي أمّ جميل
(1)
، .. مثل زوجها في التباب والصليّ من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب، وعدل عن ذكرها؛ لأنّ صفتها القباحة وهي ضدّ كنيتها. قال البقاعي:«من هنا يؤخذ كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفاً بما دل عليه لقبه»
(2)
).
(3)
وجه الاستنباط:
التأسي بوصف الله تعالى لعباده في كتابه.
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآية بدلالة اللزوم كراهة التلقيب بناصر الدين، وشمس الدين، وصلاح الدين، وزين العابدين، ونحوها من الألقاب التي توحي بكمال صاحبها وعدالته، خاصة لمن كان ليس متصفاً بما دل عليه لقبه، وأسوء من ذلك حالاً من كانت صفته تناقض لقبه، بدلالة هذه الآية، حيث عدل تعالى عن ذكر أم جميل زوجة أبي لهب بكنيتها؛ لقبح فعلها وشناعة أمرها الذي يناقض صفتها، مع أنه ذكر أبو لهب بكنيته، فكان فيه إشارة إلى ما تقدَّم، أُسوة بوصف الله تعالى لها في كتابه.
(1)
هي أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أخت أبى سفيان صخر بن حرب، زوجة أبي لهب بن عبد العزى، وهي حمالة الحطب، المشار إليها في هذه السورة. ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 371)(النوع السابع: المبهمات كامرأة)، ووفيات الأعيان (6/ 157)
(2)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (22/ 341)
(3)
ينظر: السراج المنير (4/ 708)
وقد سبق الخطيب إلى هذا الاستنباط من الآية البقاعي
(1)
، ولم أقف عليه عند غيره من المفسرين عند هذه الآية.
والمتحصل من كلام أهل العلم في التلقيب مضافاً إلى الدين، سواء للعلماء أو السلاطين أو خلافهم من المسلمين أو غيرهم ما يلي:
أولاً: أن هذا من محدثات القرون المتأخرة، من واردات الأعاجم على العرب المسلمين، فلا عهد للقرون المفضلة بذلك، لا سيما الصدر منها.
ثانياً: حرمة تلقيب الكافر بذلك، ويلحق به تلقيب المبتدع والفاسق والماجن.
ثالثاً: فيما عدا ذلك مختلف بين الحرمة والكراهة والجواز، والأكثر على كراهته
(2)
.
(3)
ومن هنا يظهر أنه لا ينبغي التسمي ولا التلقيب بمثل هذه الألقاب، لأن أكثر العلماء على كراهتها كما تقدم، وبدلالة الإشارة إلى كراهة ذلك، كما نصَّ عليه الخطيب من هذه الآية الكريمة وإن كانت لا تظهر من الآية كل الظهور، إلا أنها موافقة لقول أهل العلم، وقد ذُكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية كراهته لتلقيبه بتقي الدين فكان يقول:«لكن أهلي لقبوني بذلك فاشتهر»
(4)
، وذلك لما فيها من التزكية، والله تعالى أعلم.
(1)
نظم الدرر (22/ 341)، وهي من الاستنباطات التي صرَّح فيها الخطيب بمن نقل عنه واستفاد منه.
(2)
ينظر: مغني المحتاج (4/ 295)، وحاشية ابن عابدين (5/ 265 ومابعدها)، والفواكه الدواني (1/ 461)
(3)
ينظر: معجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد (1/ 92). وينظر: منهاج السنة النبوية (4/ 206)، وتحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم (1/ 136)
(4)
وكان الإمام النووي يكره تلقيبه بمحيي الدين، وكذا ابن القيم، وغيرهما من علماء أجلاء رحمهم الله. ينظر: معجم المناهي اللفظية (1/ 545)