المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة المائدة كل طالب علم ونحوه، عليه أن لا يأخذه إلا - الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير

[أسماء بنت محمد الناصر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌مجال البحث وحدوده:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌فأما الدراسات التي عنيت بتفسير الخطيب الشربيني فهي:

- ‌وأما دراسة موضوع الاستنباط لذاته أو عند المفسرين فقد سجل في رسائل علمية نوقش بعضها، والبعض لا يزال قيد الإعداد والمناقشة، وهي:

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌التمهيد

- ‌أولاً: - تعريف الاستنباط، ونشأته، وعلاقته بالتفسير. - أهميته، وطرق التوصل إليه

- ‌أولاً: تعريف الاستنباط:

- ‌ثانياً: نشأة الاستنباط وعلاقته بالتفسير:

- ‌ثالثاً: أهمية علم الاستنباط:

- ‌طريق الوصول إلى الاستنباط:

- ‌ثانياً: التعريف بالخطيب الشربيني رحمه الله

- ‌اسمه ونشأته:

- ‌شيوخه:

- ‌مكانته العلمية وآثاره:

- ‌مؤلفاته:

- ‌عقيدته ومذهبه:

- ‌أولاً: التوحيد:

- ‌ثانياً: الإيمان:

- ‌ثالثاً: القرآن:

- ‌رابعاً: النبوات:

- ‌خامساً: القدر:

- ‌سادساً: السببية وأفعال المخلوقات:

- ‌سابعاً: التحسين والتقبيح:

- ‌وفاته

- ‌ثالثاً: التعريف بتفسير"السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير

- ‌القيمة العلمية لتفسير السراج المنير، ومنهجه فيه:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌الباب الأول:منهج الخطيب الشربيني في الاستنباطمن خلال تفسيره "السراج المنير

- ‌الفصل الأول:أقسام الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره

- ‌المبحث الأول:الاستنباط باعتبار موضوع المعنى المستنبط

- ‌المطلب الأول: الاستنباطات في علوم القرآن

- ‌ومن الأمثلة على استنباطاته في علوم القرآن:

- ‌أولاً: في مناسبات الألفاظ:

- ‌ثانياً: في أسرار التقديم والتأخير في القرآن

- ‌ثالثاً: في فوائد التكرار في القرآن الكريم:

- ‌رابعاً: في جواز وقوع النسخ في القرآن:

- ‌خامساً: في قصص القرآن:

- ‌سادساً: في المنطوق والمفهوم:

- ‌سابعاً: في الخصوص والعموم:

- ‌المطلب الثاني: الاستنباطات العقدية:

- ‌القسم الأول: استنباطات فيها تقرير مباشر لمسائل العقيدة، وهي على نوعين:

- ‌النوع الأول: تقرير مسائل على عقيدته الأشعرية:

- ‌النوع الثاني: تقرير مسائل على عقيدة أهل السنة والجماعة:

- ‌القسم الثاني: استنباطات فيها تقرير لمسائل عقدية على مذهب أهل السنة والجماعة والرد على مخالفيهم

- ‌المطلب الثالث: الاستنباطات الأصولية

- ‌المطلب الرابع: الاستنباطات الفقهية:

- ‌القسم الأول: استنباطات فقهية كلية، وهي ما يعرف بالقواعد الفقهية

- ‌حجية سد الذرائع:

- ‌الأصل في الأشياء الإباحة:

- ‌القسم الثاني: استنباطات لمسائل فقهية فرعية متنوعة، وهذا هو الأغلب في استنباطات الخطيب الفقهية

- ‌المطلب الخامس: الاستنباطات اللغوية

- ‌المطلب السادس: الاستنباطات التربوية السلوكية

- ‌المبحث الثاني:الاستنباط باعتبار ظهور النص المستنبط منه وخفائه

- ‌المطلب الأول: الاستنباط من ظاهر النص

- ‌المطلب الثاني: الاستنباط من نص غير ظاهر المعنى

- ‌المبحث الثالث:الاستنباط باعتبار الإفراد والتركيب

- ‌المطلب الأول: الاستنباط من الآية الواحدة

- ‌المطلب الثاني: الاستنباط بالربط بين آيتين أو أكثر

- ‌الفصل الثاني:دلالات وطرق الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره

- ‌المبحث الأول:الاستنباط بدلالة النص (مفهوم الموافقة)

- ‌المبحث الثاني:الاستنباط بدلالة المفهوم (مفهوم المخالفة)

- ‌المبحث الثالث:الاستنباط بدلالة الالتزام

- ‌المبحث الرابع:الاستنباط بدلالة التضمن

- ‌المبحث الخامس:الاستنباط بدلالة الاقتران

- ‌المبحث السادس:الاستنباط بدلالة الجمع بين النصوص

- ‌الفصل الثالث:أساليب الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره، ومميزاته

- ‌المبحث الأول:أساليب الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره

- ‌المبحث الثاني:مميزات الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره

- ‌الفصل الرابع:مصادر الاستنباط عند الخطيب الشربيني:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول:المصادر الأصلية، وهي التي يعتمد عليها غالباً

- ‌أولاً: الرازي:

- ‌ثانياً: البيضاوي:

- ‌ثالثاً: الزمخشري:

- ‌رابعاً: القرطبي:

- ‌خامساً: البغوي:

- ‌المبحث الثاني:المصادر الفرعية، وهي التي لا يعتمد عليها إلا قليلاً أو نادراً

- ‌أولا: الخازن

- ‌ثانياً: أبو حيان

- ‌ثالثاً: ابن عادل الحنبلي

- ‌رابعاً: البقاعي

- ‌الباب الثاني:جمع ودراسة الاستنباطات عند الخطيب الشربينيفي تفسيره من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف

- ‌سورة الأنفال

- ‌سورة التوبة

- ‌سورة يونس

- ‌سورة هود

- ‌سورة يوسف

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة إبراهيم

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم

- ‌سورة طه

- ‌سورة الحج

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعراء

- ‌سورة النمل

- ‌سورة القصص

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة لقمان

- ‌سورة الأحزاب

- ‌سورة سبأ

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة الزمر

- ‌سورة غافر

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌سورة الزخرف

- ‌سورة الجاثية

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمد

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة الطلاق

- ‌سورة الملك

- ‌سورة الجن

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الضحى

- ‌سورة البينة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة قريش

- ‌سورة المسد

- ‌سورة الناس

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ ‌سورة المائدة كل طالب علم ونحوه، عليه أن لا يأخذه إلا

‌سورة المائدة

كل طالب علم ونحوه، عليه أن لا يأخذه إلا من أجلّ العلماء به وأحذقهم فيه.

قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في هذا فائدة جليلة، وهي أنّ على كل طالب لشيء أن لا يأخذه إلا من أجلّ العلماء به، وأشدّهم دراية له، وأغوصهم على لطائفه، وحقائقه، وإن احتاج في ذلك إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل، فكم من آخذ من غير مُتقِن قد ضيّع أيامه، وعضّ عند لقاء النحارير

(1)

أنامله.)

(2)

وجه الاستنباط:

لمّا كان الكلب المُعلَّم ترك حظّه، وأمسك ما اصطاده على صاحبه حلَّت فريسته، وجاز اقتناؤه، واستغرق في ذلك حكم خساسته، فكذلك حال من كانت أعماله وأحواله لله سبحانه مختصة، ولا يشوبها حظّ من الدنيا، تجِلّ رتبته، وتعلو حالته.

(3)

الدراسة:

(1)

النحرير: العالم المتقن، الحاذق العاقل، المجرب، البصير في كل شيء، وجمعه النحارير. ينظر: مختار الصحاح للرازي 1/ 306، ولسان العرب لابن منظور 5/ 197.

(2)

السراج المنير (1/ 411).

(3)

ينظر: لطائف الإشارات للقشيري 1/ 403.

ص: 313

استنبط الخطيب بدلالة اللازم من الآية أنَّ على كل طالب شيء أن لا يأخذه إلا من أجلّ العلماء به، وأشدّهم دراية له، فإن للعالِم الحاذق من الفضيلة ما ليس للجاهل، فالكلب إذا عُلِّم ودُرِّب وأتقن يكون له فضيلة على سائر الكلاب، وكذلك الإنسان إذا كان له علم وبصيرة أولى أن يكون له فضل على سائر الناس.

قال سبحانه: {مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} وهذا يُشعِر ويدل على فضل العلم وشرفه؛ إذ ذكر ذلك في معرض الامتنان، والمعنى: إن تعليمكم إياهن ليس من قِبَل أنفسكم، وإنما هو من العلم الذي علّمكم الله وألهمكم إياه، وهو أن جعل لكم رويّة وفكراً بحيث قبلتم العلم.

(1)

، فكذلك الجوارح يصير لها إدراك وشعور بحيث يقبلن الائتمار والانزجار؛ فيتبع الكلب الصيد بإرسال صاحبه له، وينزجر بزجره، وينصرف بأمره، ويمسك الصيد عليه، ولا يأكل منه.

قال الزمخشري: «(المكلِّب)

(2)

مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد لصاحبها ورائضها لذلك، بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف. واشتقاقه من (الكلب) لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه، أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة، يقال: هو كلب بكذا إذا كان ضارياً به.

وانتصاب (مُكلّبينَ) على الحال من (عَلّمتم). فإن قلتَ: ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بـ (عَلّمتم)؟ قلتُ: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريراً في علمه، مدرّيا فيه، موصوفاً بالتكليب».

(3)

(1)

ينظر البحر المحيط لأبي حيان 4/ 180. والأغراب في أحكام الكلاب لابن المبرد ص 106.

(2)

(المكلّب) بتشديد اللام وكسرها معلم كلاب الصيد ومضريها. ينظر: الصحاح للجوهري 1/ 213، ومختار الصحاح للرازي 1/ 272، ولسان العرب لابن منظور 1/ 722.

(3)

الكشاف 1/ 606.

ص: 314

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: السمرقندي، والزمخشري، والنسفي، وأبوحيان، وأبو السعود، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم.

(1)

قال أبو السعود: (وانتصابه - يعني (مُكلبين) - على الحالية من فاعل (عَلّمتم)، وفائدتها: المبالغة في التعليم، لما أن الاسم المكلّب لا يقع إلا على النحرير في علمه).

(2)

ومن المعلوم - كما هي دلالة الآية الكريمة - أنه كلما زاد علم المرء، زادت بصيرته وحذِق في فنونه، فكان أولى أن ينصرف الناس إليه، وكان أحرى أن ينتفع الناس بعلمه، فكم من جاهل قد أفنى عمره، وضيّع أوقاته في مجالسَ يُزعم أنها للعلم، والباطل فيها أكثر من الحق، والبدعة فيها أولى من السُنّة، فضاعت أيامه، وفرَّط في حظ كبير من العلم.

فأفادت هذه الآية أنه حريٌ بطالب العلم في أي فنٍ من فنونه أن يلتمسه عند أهله، وهم أهل الدراية والمعرفة الحاذقين فيه، المتمكِّنين منه، ولو بَعُدت بينهم المسافات، وفرقتهم الديار والأمصار.

وهذه الدلالة من الآية من لطائف الاستنباط عند الخطيب، ويؤيد صحتها ماجاء في فضل أهل العلم وجلالة قدرهم، وعلو رتبتهم على من سواهم من سائر الخلق، ويكفي أن أجر العالم المتصدي للخلق وفضله مُقدّم على أجر العابد بل الزاهد المنقطع للعبادة، كما أخبر صلى الله عليه وسلم «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»

(3)

، والله تعالى أعلم.

(1)

ينظر: تفسير القرآن للسمرقندي 1/ 371، والكشاف 1/ 606، ومدارك التنزيل 1/ 428، والبحر المحيط 4/ 180، وإرشاد العقل السليم 3/ 8، ومحاسن التأويل 4/ 38، والتحرير والتنوير 6/ 115.

(2)

إرشاد العقل السليم 3/ 8.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 315

أقل الصداق لا يتقدر.

قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: قوله تعالى: ({إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي: مهورهنّ، فتقييد الحلّ بإتيانها لتأكيد وجوبها والحث على الأولى، وأنّ من تزوّج امرأة وعزم أن لا يعطي صداقها كان في صورة الزاني، وتسميته بالأجر يدل على أنه لا حدّ لأقلّه كما أن أقل الأجر في الإجارة لا يتقدّر).

(1)

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على أن أقل الصداق لا يتقدر، إذ سماه أجراً، قياساً على الأجر في الإجارات فإنه لا يتقدر. فقال تعالى:{إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن، وسميت هنا (أجورا) مجازاً في معنى الأعواض عن المنافع الحاصلة من آثار عقدة النكاح، لأن المهر أجر البِضع، ولو كانت المهور أجوراً حقيقة لوجب تحديد مدة الانتفاع ومقداره وذلك مما تنزه عنه عقدة النكاح.

(2)

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: الرازي، وأبو حيان، وغيرهما.

(3)

(1)

السراج المنير (1/ 408).

(2)

ينظر: التحرير والتنوير (6/ 124)

(3)

ينظر: التفسير الكبير (11/ 295)، والبحر المحيط (4/ 186).

ص: 316

أما أقل الصداق فاختُلِف فيه فذهب أحمد والشافعي إلى أنه لا تقدير لأقله بل ما جاز أن يكون مبيعاً أو ثمناً جاز أن يكون صداقاً

(1)

، وقال مالك وأبوحنيفة: يتقدر بنصاب السرقة.

(2)

والصحيح أنه لا يتقدر، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي لم يجد ما ينفقه صداقاً:«التمس ولو خاتماً من حديد» ، فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال صلى الله عليه وسلم:«هل معك من القرآن شيء» ؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا - لسور سماها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«قد زوجتها بما معك من القرآن»

(3)

فدلّ على أن لا تقدير لأقل الصداق، لأنه قال:«التمس شيئاً» وهذا يدل على جواز أي شيء كان من المال، ولأنه قال:«ولو خاتماً من حديد» ، ولا قيمة لخاتم الحديد إلا أقل القليل.

ويدلّ له أيضاً قوله تعالى في هذه الآية: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فسمى المهر أجراً، وتسمية المهر بالأجر يدل على أن الصداق لا يتقدر، كما أن أقل الأجر لا يتقدر في الإجارات؛ لأن حكم الإجارة ثبت في المنفعة وكذلك حكم النكاح.

وهذا قول جمهور أهل العلم وجماعة أهل الحديث من أهل المدينة وغيرها

(4)

، كلهم أجازوا الصداق بقليل المال وكثيره، كما هو الظاهر من دلالة هذه الآية، والأحاديث الصحيحة تؤيده، والعلم عند الله تعالى.

(1)

ينظر: الأم للشافعي 7/ 282، والكافي في فقه الإمام أحمد 3/ 58، والمغني 7/ 210.

(2)

ينظر: المدونة 2/ 152، وبدائع الصنائع 5/ 12

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه كتاب: النكاح، باب: السلطان ولي، برقم (5135)(7/ 17)

(4)

ينظر: المدونة 2/ 152، والمهذب 2/ 56، والمبسوط 5/ 81، والمغني لابن قدامة 7/ 210، والكافي في فقه أهل المدينة 2/ 551.

ص: 317

وجوب الترتيب في الوضوء.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (الفصل بين الأيدي والأرجل المغسولة بالرأس الممسوح، فيه دليل على وجوب الترتيب في طهارة هذه الأعضاء، وعليه الشافعيّ

(1)

رضي الله تعالى عنه).

(2)

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية دلالتها بالنص على وجوب الترتيب في الوضوء؛ لأن إدخال الممسوح وهو (الرأس) بين المغسولات (الأيدي والأرجل) قرينة على أنه أريد به الترتيب

(3)

، فالعرب لا تقطع النظير عن النظير إلا لفائدة

(4)

، والفائدة هنا الترتيب.

(5)

(1)

ينظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب للسنيكي (1/ 34)، والمجموع (1/ 470)، ومغني المحتاج للخطيب الشربيني (1/ 54).

(2)

السراج المنير (1/ 414)

(3)

لأن" الفاء" في قوله: " فاغسلوا" توجب التعقيب فإنها لما كانت جواباً للشرط ربطت المشروط به، فاقتضت الترتيب في الجميع، ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/ 52)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/ 99)

(4)

قال النووي: (ذكر الله تعالى ممسوحًا بين مغسولات، وعادة العرب إذا ذكرت أشياء متجانسة وغير متجانسة، جمعت المتجانس على نسق، ثم عطفت غيرها، لا يخالفون ذلك إلا لفائدة، فلو لم يكن الترتيب واجبًا لما قطع النظير عن نظيره). ينظر: المجموع شرح المهذب (1/ 473).

(5)

ينظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 52)، والمهذب للشيرازي (1/ 469)

ص: 318

ويدل له أنه صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت، خرج من باب الصفا وهو يتلو قوله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ثم قال: «أبدأ بما بدأ الله به»

(1)

، فدلّ على وجوب البداءة بما بدأ الله به، وهو معنى كون الآية دالّة على الترتيب شرعاً

(2)

، ويعضد هذا أنه صلى الله عليه وسلم توضأ عمره كله مرتباً ترتيب القرآن، وفعله هذا بيان مجمل كتاب الله تعالى.

(3)

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية موافقاً الخطيب: ابن العربي، والرازي، والقرطبي، والبيضاوي، والخازن، وابن كثير، والسيوطي، وغيرهم.

(4)

وعلى وجوب الترتيب في الوضوء الشافعي

(5)

، وأحمد

(6)

. وذهب أبو حنيفة

(7)

، ومالك في المشهور عنه إلى أنه سنة.

(8)

قال الخازن: (احتج الشافعي على وجوب الترتيب بهذه الآية، وذلك أن الله تعالى أمر بغسل الوجه، ثم بغسل اليدين، ثم بمسح الرأس، ثم بغسل الرجلين، فوجب أن يقع الفعل مرتباً كما أمر الله تعالى، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث حجة الوداع «ابدأ بما بدأ الله

(1)

أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218)، (2/ 888).

(2)

ينظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 52)

(3)

ينظر: لباب التأويل (2/ 18)

(4)

ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/ 52)، والتفسير الكبير (11/ 299)، والجامع لأحكام القرآن (6/ 99)، وأنوار التنزيل (2/ 117)، ولباب التأويل (2/ 18)، وتفسير ابن كثير (3/ 51)، وتفسير الجلالين (1/ 137).

(5)

تقدم توثيقه

(6)

ينظر: الإنصاف (1/ 138)، وكشاف القناع للبهوتي (1/ 104)، والمغني (1/ 92)، والفروع لابن مفلح (1/ 154).

(7)

ينظر: تبيين الحقائق للزيلعي (1/ 6)، والمبسوط (1/ 55)، وحاشية ابن عابدين (1/ 122)، وبدائع الصنائع (1/ 18)،

(8)

ينظر: المدونة (1/ 14)، ومواهب الجليل (1/ 249) والتمهيد لابن عبدالبر (2/ 86)

ص: 319

به»، وهذا الحديث وإن ورد في قصة السعي بين الصفا والمروة، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء ما وردت إلا مرتبة كما وردت في نص الآية، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره من الصحابة أنه توضأ منكساً أو غير مرتب، فثبت أن ترتيب أفعال الوضوء كما أمر الله تعالى، ونصّ عليه في هذه الآية واجب.)

(1)

واحتج أبو حنيفة وأصحابه ومالك بهذه الآية أيضاً، وقالوا: الواو المذكورة في الآية للجمع لا للترتيب، ولو قلنا بوجوب الترتيب كان ذلك زيادة على النص، وذلك غير جائز

(2)

. وأجيب عنه بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا مرتباً، وبيان الكتاب إنما يؤخذ من السنة.

(3)

والذي يظهر والله تعالى أعلم صحة دلالة هذه الآية على استنباط الخطيب، وأن الترتيب في الوضوء واجب؛ لأن الأمر في قوله تعالى {فَاغْسِلُوا} للوجوب، ولأن الآية ما سِيقت إلا لبيان الواجب، ولهذا لم يذكر فيها شيء من السنن.

ويدل له أيضاً الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن جماعات من الصحابة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وكلهم وصَفُوه مرتباً مع كثرتهم، وكثرة المواطن التي رأوه فيها، وكثرة اختلافهم في صفاته، ولم يثبت فيه مع اختلاف أنواعه صفةٌ غير مرتَّبة، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان للوضوء المأمور به، ولو جاز ترك الترتيب لتركه في بعض الأحوال لبيان الجواز كما ترك التكرار في أوقات.

(4)

قال ابن القيم: (وكذلك كان وضوءه مرتبًا متواليًا، لم يُخلّ به مرة واحدة).

(5)

والله تعالى أعلم.

(1)

ينظر: لباب التأويل (2/ 18)

(2)

ينظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (2/ 110)، وينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/ 369)، وروح المعاني للألوسي (3/ 252)

(3)

ينظر: معالم التنزيل للبغوي (2/ 26)، ولباب التأويل للخازن (2/ 18)

(4)

ينظر: المجموع شرح المهذب للنووي (1/ 473)

(5)

زاد المعاد (1/ 194).

ص: 320

وجوب العدل وأهميته.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (فيها تنبيه عظيم على أنّ وجوب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة، فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه).

(1)

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية بدلالة النَّص (مفهوم الموافقة) تغليظ وجوب العدل مع المؤمنين؛ لأنه تعالى لما أكّد الأمر بالعدل مع الكفار بهذه القوة، دلَّ على تأكيد وجوبه مع إخواننا المؤمنين بطريق الأولى.

والمعنى: لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم فلا تجوروا عليهم، بل اعدلوا معهم وإن أساؤوا عليكم، وأحسِنُوا إليهم وإن بالغوا في أذِيّتكم، ثم قال سبحانه:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي العدل معهم أقرب إلى التقوى، فنهاهم تعالى أوّلاً أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثم استأنف فصرّح لهم بالأمر بالعدل تأكيداً وتشديداً، ثم ذكر لهم وجه الأمر بالعدل بقوله تعالى:{هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}

(2)

.

(1)

السراج المنير (1/ 414).

(2)

ينظر: الكشاف للزمخشري 1/ 613، ومدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 1/ 432.

ص: 321

فدلّ على تأكيد وجوب العدل وعنايته سبحانه به مع البَرّ والفاجر، فإذا كان وجوب العدل مع الكفار وهم أعداء الله بهذه الصفة من القوة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياء الله

(1)

، لاشك أنه أولى وألزم.

وممن أشار إلى هذه الدلالة من المفسرين: الزمخشري، والرازي، والبيضاوي، والنسفي، وأبو السعود، والألوسي، والقاسمي، وغيرهم.

(2)

والخطاب في الآية عام لجميع الخلق بأن لا يعاملوا أحداً إلا على سبيل العدل والإنصاف، وترك الميل والظلم، وقيل: الآية خاصة بالكفار لأنها نزلت في يهود خيبر لما هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

، والذي يظهر- والله تعالى أعلم - أن الآية وإن كان سببها خاصاً إلا أن المراد بها العموم؛ فقد أمر تعالى بالعدل وأكّد عليه هُنا وفي مواضع كثيرة لعموم الناس، فقال سبحانه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90]، وقال:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].

وحثّ سبحانه على العدل مع الكفار والمنافقين، ونهى أن يكون البغض لشخصٍ ما ولو بحق سبباً للحيد عن العدل الذي أمر الله تعالى به؛ فقال في العدل مع الكفار:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]، وقال سبحانه في هذه الآية {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ

(1)

ينظر: التفسير الكبير للرازي 11/ 320

(2)

ينظر: الكشاف 1/ 613، والتفسير الكبير 11/ 320، وأنوار التنزيل 2/ 117، ومدارك التنزيل 1/ 432، وإرشاد العقل السليم 3/ 12، وروح المعاني 3/ 254، ومحاسن التأويل 4/ 78.

(3)

ينظر: جامع البيان 10/ 96، والدر المنثور (3/ 35).

ص: 322

قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} فلا تعدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل بل اعدِلُوا أيها المؤمنون مع أوليائكم وأعدائكم.

(1)

فإذا كان وجوب العدل في حق الكفار بهذه المثابة فما الظن بوجوبه في حق المسلمين، لاشك أن سلامة صدر المؤمن لأخيه وأداء حقوقه كاملة من غير بخس شيء منها آكد وأوجب، والله تعالى أعلم.

(1)

قال ابن كثير: (ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم، فأرادوا أن يرشُوه ليرفق بِهم، فقال: «والله لقد جئتكم من عند أحبِّ الخلق إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حُبِّي إيّاه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بِهذا قامت السموات والأرض.») تفسير القرآن العظيم 1/ 565

ص: 323

قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (فإن قيل: كيف كان قول هابيل إنما يتقبل الله من المتقين جواباً لقوله لأقتلنك؟ أجيب: بأنه لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له: إنما أوتيت من قبل نفسك، لانسلاخها من لباس التقوى لا من قِبلي، فلِم تقتلني؟ ومالك لا تعاقب نفسك ولا تحملها على تقوى الله تعالى التي هي السبب في القبول، فأجابه بكلام حليم مختصر جامع لمعانٍ، وفيه إشارة إلى أنّ الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره، ويجتهد في تحصيل ما صار به المحسود محظوظاً لا في إزالة حظ المحسود، فإنّ ذلك مما يضرّه ولا ينفعه، وأنّ الطاعة لا تُقبل إلا من مؤمن متَّقٍ).

(1)

هذه الآية فيها دلالتان:

الدلالة الأولى:

حرمان الحاسد من تقصيره، والأجدر به تحصيل ما ينفعه لا ما يضره.

وجه الاستنباط:

قول هابيل في جوابه لأخيه {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} موعظة وتعريض بأثر حسده عليه.

الدراسة:

(1)

السراج المنير (1/ 425).

ص: 324

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على أنّه يجدر بالحاسد أن يرى حرمانه من تقصيره، ويجتهد في تحصيل ما ينفعه، لا في إزالة حظ المحسود، فإنّ ذلك مما يضرّه ولا ينفعه، وذلك لمّا كان الحسد من قابيل لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل فأجابه هابيل:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} فلمَ تقتلني؟ أي: ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله تعالى التي هي السبب في القبول، فإنما أوتيتَ من قِبل نفسك ولم يكن الذنب مني، وإنما لم يُتقبل منك لخيانتك وسوء نيتك.

(1)

وفي هذا موعظة له وتعريض بأثر حسده عليه، وأنه لا يضر إلا نفسه.

(2)

وممن وافق الخطيب في استنباط هذه الدلالة: البيضاوي، والشهاب الخفاجي، وغيرهما.

(3)

وهي إشارة لطيفة من الآية، فالحسد يضر الحاسد في الدين والدنيا، ولا يستضر بذلك المحسود، فإن الحاسد قد سخط قضاء الله تعالى فكرِه نعمته على عباده، وهذا قدح في الإيمان، ويكفيه أنه شارك إبليس في الحسد، ثم إن الحسد يحمل على إطلاق اللسان في المحسود بالشتم والتحيل على أذاه. وأما ضرره في الدنيا فإن الحاسد يتألم ولا يزال في كمد.

(4)

(1)

ينظر: بحر العلوم للسمرقندي (1/ 384)

(2)

ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (6/ 170)

(3)

ينظر: أنوار التنزيل للبيضاوي، وحاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي (3/ 233).

(4)

ينظر: غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب للسفاريني (2/ 285)

ص: 325

وعليه فتأثير الحسد على صاحبه أعظم من أثره على المحسود

(1)

، ويكفي في ذمّه أنه اعتراض على الله وحكمته، وسوء ظن به في قسمته بين عباده

(2)

، والله تعالى أعلم.

(1)

. ينظر: زاد المسير (1/ 101)، وأدب الدنيا والدين للماوردي (1/ 269).

(2)

ينظر في ذم الحسد وصنيعه بصاحبه: الرسالة القشيرية (1/ 289)، ومختصر شعب الإيمان للكرخي (1/ 92).

ص: 326

الدلالة الثانية:

لا يقبل الله تعالى الطاعة إلا من مؤمن متق.

وجه الاستنباط:

«إنما» في قول ابن آدم لأخيه {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} تفيد الحصر، فحصرَ القبول في أعمال المتقين.

(1)

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية بدلالة النَّص أن الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق، حيث أفاد قول هابيل لأخيه {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} حصرَ القبول في أعمال المتقين. والمعنى: أن الله يقبل من المتقين دون غيرهم، وعلى هذه الدلالة فإذا كان المراد من المتقين معناه المعروف شرعاً، المحكي بلفظه الدال عليه مراد ابن آدم، كان مفاد الحصر أن عمل غير المتقي لا يُقبل، فيحتمل أن هذا كان في شريعتهم، ثم نُسخ في الإسلام بقبول الحسنات من المؤمن وإن لم يكن متقياً في سائر أحواله.

(2)

وممن نصَّ على هذه الدلالة من الآية: الزمخشري، والرازي، والبيضاوي، وغيرهم.

(3)

قال الزمخشري: (فيه دليل على أن الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق، فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم).

(4)

(1)

ينظر: التحرير والتنوير (6/ 170).

(2)

ينظر: المرجع السابق

(3)

ينظر: الكشاف (1/ 624)، والتفسير الكبير (11/ 338)، وأنوار التنزيل (2/ 123)

(4)

المرجع السابق.

ص: 327

والحق أن هذه الدلالة على مذهب المعتزلة، وفيها إخراج لفظ التقوى عن معناه الصحيح المعروف عند أهل السنة. فالزمخشري - ومن تبعه - أراد أن ينتصرهنا لمعتقده الفاسد أن الإيمان هو جماع الطاعات، فمن شروط قبول الله تعالى الأعمال الصالحة عنده أن تكون صادرة عن الإيمان المطلق، وأن صاحب المعاصي لا يُتقبل عمله، فصاحب الكبيرة وإن أتى بأعمال كالجبال لا تنفعه، حتى يأتي بالتوبة الموجبة لمحوها.

قال أبو حيان: (ولم يخل من دسيسة الاعتزال على عادته، يحتاج الكلام في فهمه إلى هذه التقديرات، والذي قدرناه أولاً كافٍ وهو: أن المعنى لأقتلنك حسداً على تقبل قربانك، فعرَّض له بأن سبب قبول القربان هو التقوى وليس متقياً).

(1)

والذي عليه أهل السنّة والجماعة أن المؤمن إذا كان متقياً لله في عمله الذي تقرب به، فإنه مقبول، وإن كان عاصياً في غيره، وخالف في ذلك الخوارج، فذهبوا إلى أن مرتكب الكبيرة كافر، إلا أن يتوب، فلا يقبل الله صلاة الزاني ولا صيامه ولا زكاته، ولم يحكم عليه المعتزلة بالكفر، بل هو في منزلة بين المنزلتين، بين الكفر والإيمان، ولكنه في الآخرة من الخالدين في النار.

(2)

قال ابن عطية عند هذه الآية: (وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ أنها اتقاء الشرك

(3)

، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدُق فيها نيته مقبولة، وأما

(1)

البحر المحيط في التفسير (4/ 229).

(2)

ينظر: متن الطحاوية بتعليق الألباني (1/ 65)، والإيمان لابن تيمية (1/ 176)

(3)

ونقل عنه هذا الإجماع القرطبي، وأبو حيان، وغيرهم. ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/ 135)، والبحر المحيط في التفسير (4/ 229).

ص: 328

المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والختم بالرحمة، عُلِم ذلك بأخبار الله تعالى، لا أن ذلك يجب على الله تعالى عقلا).

(1)

وقال ابن جزي: (قوله تعالى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} استدلَّ بها المعتزلة وغيرهم على أن صاحب المعاصي لا يُتقبل عمله، وتأوَّلها الأشعرية بأن التقوى هنا يراد بها تقوى الشرك).

(2)

ولا يخفى بطلان قول الفرقتين ومخالفتهما لمنهج أهل السنة والجماعة.

قال ابن تيمية: (المعتزلة لهم أصل فاسد وافقوا فيه الخوارج في الحُكم، وإن خالفوهم في الاسم، فقالوا: إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار ولا يخرجون منها بشفاعة ولا غيرها، وعندهم يمتنع أن يكون الرجل الواحد ممن يعاقبه الله ثم يثيبه، وأما الصحابة وأهل السنة والجماعة فعلى أن أهل الكبائر يخرجون من النار ويشفع فيهم، وأن الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات - إلى أن قال -: وعلى هذا تنازع الناس في قوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} فعلى قول الخوارج والمعتزلة لا تقبل حسنة إلا ممن اتّقاه مطلقاً فلم يأت كبيرة، وعند المرجئة إنما يُتقبل ممن اتقى الشرك، فجعلوا أهل الكبائر داخلين في اسم «المتقين»، وعند أهل السنة والجماعة يتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصاً لله موافقاً لأمر الله، فمن اتّقاه في عمل تقبّله منه وإن كان عاصياً في غيره، ومن لم يتَّقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعاً في غيره).

(3)

(1)

المحرر الوجيز (2/ 179).

(2)

التسهيل لعلوم التنزيل (1/ 228)

(3)

مجموع الفتاوى (10/ 321) بتصرف يسير، وقال رحمه الله – في موضع آخر: وقد احتجت الخوارج والمعتزلة بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} قالوا: فصاحب الكبيرة ليس من المتقين، فلا يتقبل الله منه عملاً فلا يكون له حسنة، وأعظم الحسنات الإيمان فلا يكون معه إيمان فيستحق الخلود في النار. وقد أجابتهم المرجئة: بأن المراد بالمتقين من يتقي الكفر، فقالوا لهم: اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54 - 55]، وأيضاً فابنا آدم حين قرّبا قرباناً لم يكن المقرِب المردود قربانه حينئذ كافراً وإنما كفر بعد ذلك؛ إذ لو كان كافراً لم يتقرب، وأيضاً فما زال السلف يخافون من هذه الآية، ولو أريد بها من يتقي الكفر لم يخافوا، وأيضاً فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر لا أصل له في خطاب الشارع فلا يجوز حمله عليه، والجواب الصحيح: أن المراد من اتقى الله في ذلك العمل بأن يكون عملا صالحاً خالصاً لوجه الله تعالى وأن يكون موافقاً للسنة). مجموع الفتاوى (7/ 494) و (11/ 662)، وينظر: عدة الصابرين لابن القيم ص 88.

ص: 329

وقال السفاريني

(1)

في بيان وجه ذلك: (فإن قيل: إذا كان الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله به ورسوله، فمتى ذهب بعض ذلك بطل الإيمان، فيلزم تكفير أهل الذنوب كما تقوله الخوارج، أو تخليدهم في النار وسلبهم اسم الإيمان بالكلية كما تقوله المعتزلة، وكل هذين القولين شر من قول المرجئة، فإن من المرجئة جماعة من العباد والعلماء المذكورين عند الأمة بخير، وأما الخوارج والمعتزلة فأهل السنة والجماعة من جميع الطوائف مُطبقون على ذمهم).

(2)

وقال الذهبي

(3)

: (العمل الذي يمحو الله به الخطايا هو المتقبل، والله يقول {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} والناس لهم في الآية ثلاثة أقوال: فالخوارج والمعتزلة

(1)

هو محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، أبو العون، عالم بالحديث والأصول والأدب، ولد في سفارين من قرى نابلس، ورحل إلى دمشق، وأخذ عن علمائها، من كتبه: لوامع الأنوار البهية، كشف اللثام في شرح عمدة الأحكام، توفي رحمه االله سنة 1188 هـ في مدينة نابلس. ينظر: معجم المؤلفين (8/ 262)

(2)

لوامع الأنوار البهية (1/ 410).

(3)

محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي، مؤرخ الإسلام، حافظ لا يجارى، أتقن الحديث ورجاله، وعرف تراجم الناس، جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، توفي سنة 661 هـ. ينظر: الوافي بالوفيات (2/ 114)، وطبقات الشافعية للسبكي (9/ 100).

ص: 330

يقولون: لا يتقبل الله إلا من اتقى الكبائر، ويقولون صاحب الكبائر لا تقبل له حسنة بحال، والمرجئة يقولون: من اتقى الشرك فهو من المتقين وإن عمل الكبائر وترك الصلاة، والسلف والأئمة يقولون: لا يتقبل الله إلا ممن اتقاه في ذلك العمل ففعله كما أمر به مخلصاً.)

(1)

هذا تحقيق مذهب السلف الذي باينوا فيه الخوارج المارقين، وباينوا فيه المعتزلة الذين وافقوا الخوارج في المعنى وخالفوهم في اللفظ.

وقد دلَّ الكتاب والسنة من وجوه كثيرة على أن العبد يكون فيه خير وشر، وإيمان، وخصال كفر، وخصال نفاق، لا تخرجه عن الإيمان بالكلية. وأن الإيمان المطلق إنما يتناول الإيمان الممدوح الكامل كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الأنفال: 2 - 3] ونحو ذلك من النصوص.

وأما مطلق الإيمان الذي يدخل فيه الإيمان الكامل والإيمان الناقص، فإنه قد ثبت في الكتاب والسنة إطلاقه على العصاة من المؤمنين، وأجمع على ذلك سلف الأمة وأئمتها

(2)

، قال تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، ومن المعلوم دخول أي مؤمن من الأرِقّاء في هذا النص، وكذلك قوله تعالى:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] فسماهم إخوة بعد وجود الاقتتال. فالإيمان الذي يمنع

(1)

المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال (1/ 383).

(2)

ينظر: متن الطحاوية بتعليق الألباني (1/ 65)، والإيمان لابن تيمية (1/ 176)

ص: 331

صاحبه من التجرؤ على الزنا وشرب الخمر والسرقة ونحوها من الفواحش هو الإيمان الكامل، والإيمان الذي لا يمنع من ذلك هو الناقص.

وقد تواترت الأحاديث بخروج من في قلبه حبة خردل من إيمان

(1)

. والأحكام الأصولية والفرعية تدور مع أسبابها وعللها، وإذا وجد في العبد أسباب متعارضة عمِل كل سبب في مُسببه، فالطاعات سبب لدخول الجنة والثواب، والمعاصي سبب لدخول النار والعقاب، فأُعمل كل واحد في مقتضاه، ولكن لمَّا كانت رحمة الله قد سبقت غضبه، وفضله على العباد واسع، كان أقل القليل من الإيمان له الأثر المستقر الذي يضمحل ضده من كل وجه.

(2)

وبعد هذا البيان يظهر أن دلالة الآية على شرط حصول التقوى في قبول الأعمال، وأن صاحب المعاصي لا يُتقبل عمله، مخالف لمنهج السلف الصالح

(3)

، والله تعالى أجل وأعلم.

(1)

تقدم النص عليها وتخريجها.

(2)

ينظر: التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة للسعدي (1/ 108)،

وينظر: قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر للقنوجي (1/ 85).

(3)

ينظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (1/ 375)، وحاشية كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن قاسم (1/ 271)، وعقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي لصالح العبود (1/ 613)، وينظر: مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية لعبدالعزيز السلمان (1/ 130).

ص: 332

التنبيه على تعنت أهل الكتاب وعدم طلبهم حكم الله حقيقة، وإنما طلباً للرخصة.

قال الله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 43]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} استفهام تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به، والحال أنّ الحكم منصوص عليه في كتابهم الذي هو عندهم، وتنبيه على أنهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق وإقامة الشرع، وإنما طلبوا منه ما يكون أهون عليهم وإن لم يكن حكم الله تعالى في زعمهم).

(1)

وجه الاستنباط:

أن من عدَل عن حكم الله في كتابه الذي يدّعي أنه مؤمن به إلى تحكيم من لا يؤمن به ولا بكتابه، فهو لا يُحكِّم إلا رغبة فيما يقصده من مخالفة كتابه. وإذا خالفوا كتابهم لكونه ليس على وفق شهواتهم؛ فمخالفتهم لمحمد عليه الصلاة والسلام إذا لم يوافقهم أولى وأحرى.

(2)

الدراسة:

استنبط الخطيب بدلالة النص من هذه الآية أن اليهود ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق وإقامة الشرع، وإنما طلبوا منه ما يكون أهون عليهم، لأن الاستفهام

(1)

السراج المنير (1/ 435).

(2)

ينظر: البحر المحيط لأبي حيان 4/ 265.

ص: 333

في قوله تعالى {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ} في أكثر قول المفسرين هو للتعجب

(1)

، ومحل العجب هو قوله:{ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي من العجيب أنهم يتركون كتابهم بعد علمهم بما في التوراة من حدّ الزاني، ويحكمونك وهم غير مؤمنين بك، ثم يتولون بعد حُكمك إذا لم يرضهم!

(2)

فعدلوا عما يعتقدونه حُكماً حقاً إلى ما يعتقدونه باطلاً طلباً للرخصة.

قال الرازي: (فلا جرم ظهر جهلهم وعنادهم في هذه الواقعة من وجوه:

أحدها: عدولهم عن حكم كتابهم، والثاني: رجوعهم إلى حكم من كانوا يعتقدون فيه أنه مبطل، والثالث: إعراضهم عن حكمه بعد أن حكّموه).

(3)

وقال ابن عاشور: (جمعوا عدم الرضى بشرعهم وبحكمك! وهذه غاية التعنت المستوجبة للعجب في كلتا الحالتين، كما وصف الله حال المنافقين في قوله: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور: 48: 49]. ويحتمل أن يكون الاستفهام إنكاري

(4)

، أي: هم لا يحكمونك حقاً. ومحل الإنكار هو أصل ما يدل عليه الفعل من كون فاعله جاداً، أي: لا يكون تحكيمهم صادقاً، بل هو تحكيم صوري يبتغون به ما يوافق أهواءهم، لأن لديهم التوراة فيها حكم ما حكموك فيه من الرجم، وهو حكم الله،

(1)

ينظر: معالم التنزيل 2/ 54، والتفسير الكبير 11/ 362، وأنوار التنزيل 2/ 127، ومدارك التنزيل 1/ 448، والبحر المحيط 4/ 265، وإرشاد العقل 3/ 40، والتحرير والتنوير (6/ 206).

(2)

التحرير والتنوير (6/ 206).

(3)

التفسير الكبير 11/ 362.

(4)

ينظر: التسهيل لابن جزي (1/ 232)

ص: 334

وقد نبذوها لعدم موافقتها أهواءهم، ولذلك قدروا نبذ حكومتك إن لم توافق هواهم، فما هم بمحكِّمين حقيقة).

(1)

والأظهر أن الاستفهام للتعجب كما عليه أكثر المفسرين، وممن أشار إلى هذا التنبيه: الرازي، والبيضاوي، وأبو حيان، وأبو السعود، وابن عاشور، وغيرهم.

(2)

وعليه فالغرض من هذه الآية هو بيان عدم قصدهم حكم الله حقيقة، كما نص عليه الخطيب، وأنهم إنما قصدوا بذلك الرخصة والتخفيف فيما تحاكموا إليه فيه اتباعاً لأهوائهم وموافقة لشهواتهم وهي فائدة حسنة. والله تعالى أعلم.

(1)

التحرير والتنوير (6/ 206) بتصرف يسير.

(2)

ينظر: التفسير الكبير (11/ 362، وأنوار التنزيل 2/ 127، والبحر المحيط 4/ 265، وإرشاد العقل (3/ 40)، والتحرير والتنوير (6/ 206).

ص: 335

شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا.

قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} أي: طريقاً واضحاً في الدين ناسخاً لما قبله، وقد جعلنا شرعتك ناسخة لجميع الشرائع، وأمثاله مما يدلّ على أنّا لسنا متعبدين بالشرائع المتقدّمة، وأنّ كل رسول غير متعبد بشرع من قبله وهو محمول على الفروع، وما دلّ على الاجتماع كآية {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ}

(1)

محمول على الأصول).

(2)

وجه الاستنباط:

أن قوله تعالى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} يقتضي أن يكون كل نبي داعياً إلى شريعته فقط؛ لاختصاصه بها لا يشاركه في هذه الشريعة غيره من الأنبياء، فتكون كل أمَّة مختصة بالشريعة التي جاء بها نبيهم فحسب.

الدراسة:

استنبط الخطيب دلالة هذه الآية على أن شرع من قبلنا لا يلزمنا، لأن قوله {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} يدل باللازم على أنه يجب أن يكون كل رسول

ص: 336

مستقل بشريعة خاصة، وذلك ينفي كون أمة أحد الرسل مكلفة بشريعة الرسول الآخر.

وتجدر الإشارة هنا إلى خلاصة تحرير القول في مسألة (شرع من قبلنا) -كما أشار إليها الخطيب- إذ أن الأحكام في كل شريعة قسمان: أصول، وفروع: فالأصول كالإيمان بالله وحده، والبعث والجزاء والجنة والنار، قد اتفقت عليها شرائع الأنبياء جميعاً، أما الفروع فقد اختلفت فيها الشرائع، وهي التي وقع فيها الخلاف بين العلماء، ومحل النزاع في المسألة هو ما ثبت في شرعنا أنه شرع لمن قبلنا، ولم يثبت في شرعنا موافقته أو مخالفته - أي ورد في شرعنا وسُكِت عنه – وهذا مختلف فيه على قولين:

الأول: أنَّ شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يُنسخ، وورد من طريق وحي لا من طريقِ كتبِهم المحرَّفة.

(1)

الثاني: أنَّه ليس شرعاً لنا وليس بحجة، وهو مذهب أكثر الشافعية، وأحمد في رواية عنه، والأشاعرة والمعتزلة، ثم افترقوا فأحالتْهُ المعتزلة عقلاً وشرعاً، وأجازه الأشاعرة عقلاً ومنعوه شرعاً.

(2)

(1)

وهو قول جمهورِ العلماء من الأحنافِ والمالكيةِ وبعضِ الشَّافعية، وأصحِّ الرِّوايتين عن الإمام أحمد، وعليه أكثرُ أصحابه، واختار هذا القول القاضي أبو يعلى، وأبو الخطاب، وابن قدامة، وابن تيمية، وابن القيم من الحنابلة، والباجي، والقرافي، وابن الحاجب، من المالكية، والدبوسي، والبزدوي من الحنفية.

ينظر: العدة في أصول الفقه لأبي يعلى 3/ 571، وشرح الكوكب المنير 4/ 408، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد 1/ 145، وكشف الأسرار 3/ 315، ومجموع الفتاوى 7/ 19.

(2)

من أصحاب هذا القول: ابنُ حزم، والغزالي، والآمدي، والرَّازي، والشيرازي في آخرِ قولَيْه، وابنُ السمعاني، ينظر: البرهان في أصول الفقه للجويني 1/ 189، والمستصفى للغزالي 1/ 166، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/ 138، واللمع للشيرازي 1/ 63.

ص: 337

وقد تعلق القائلون بأنا لسنا متعبدين بشريعة من قبلنا بهذه الآية التي هي نص في المسألة، إذْ تفيدُ اختصاصَ كلّ رسول بشريعة لا يشاركه فيها غيره.

والذي يظهر أن اشتراك الشريعتين في بعض الأحكام لا ينفي اختصاص كلِّ نبي بشريعة اعتباراً بالأكثر- وهو ما اختلفوا فيه - لأن الشريعتين إذا اشتركتا في بعضِ الأحكام واختلفتا في بعضِها، صحَّ أنْ يكونَ شرعُ إحدى الشريعتين شرعًا لمن بعدَها؛ باعتبارِ البعضِ المتَّفقِ عليه، وصحَّ أنْ يكونَ لكلٍّ من النبيين شِرعة ومنهاج؛ باعتبار البعض المختلف فيه من غير تنافٍ، وعليه فقوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} لا ينفي كون شرع من قبلنا شرعاً لنا في بعض الأحكام.

(1)

قال أبو السعود: (قيل فيه دليل على أنا غير متعبدين بشرائع من قبلنا، والتحقيق أنا متعبدون بأحكامها الباقية من حيث إنها أحكام شرعتنا لا من حيث إنها شرعة للأولين).

(2)

وممن ذكر دلالة هذه الآية على معنى أننا غير متعبدين بشرع من قبلنا: ابن عطية، والقرطبي، والنسفي، وابن جزي، والسيوطي، وغيرهم.

(3)

واختاره: الرازي، والبيضاوي.

(4)

(1)

ينظر: شرح مختصر الروضة للصرصري (3/ 177).

(2)

إرشاد العقل السليم 3/ 46.

(3)

ينظر: المحرر الوجيز 2/ 200، والجامع لأحكام القرآن 6/ 211،، ومدارك التنزيل 1/ 452، والتسهيل 1/ 234، والإكليل 1/ 112.

(4)

ينظر: التفسير الكبير 12/ 372 وأنوار التنزيل 2/ 129.

ص: 338

والتحقيق خلاف ما عليه الخطيب وغيره؛ إذ أن اختصاص النبي عليه السلام بشريعة وبقوم يُبعث إليهم يجب أن لا ينفي حجة عمل شريعة بأحكام من سبقتها، فهنالك أحكام تقتضي النسخ والتغيير كالأحكام الطارئة العارضة التي تختص بقوم وزمن معين، وكالأحكام التي تحتاج إلى التخفيف أو التشديد، أو تحتاج إلى الزيادة عليها في التفصيل، وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة، فهذه هي الأحكام التي تختص بها كل شريعة، ويقابلها أحكام ثابتة لا تُنسخ ولا تتغير، كحكم تحريم القتل والزنا والسرقة، فهذه يُؤخذ ويُعمل بها في كل الشرائع، وكذلك أحكام الشرائع السابقة التي وردت في القرآن الكريم، والسُنَّة على وجه المدح والتقرير والسكوت عليها، يؤخذ ويُحكم بها في الشريعة.

وقد ذهب الجمهور إلى الأخذ والحُكم بأحكام شرع من قبلنا ما لم تنسخها أحكام الشريعة وما لم تُخالف الشريعة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، وبقوله تعالى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، وبما في صحيح البخاري وغيره: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالقصاص في السِنّ، وقال:(كتاب الله القصاص)

(1)

وليس في القرآنِ: السنُّ بالسنِّ، إلا ما حُكي فيه عن التوراة بقوله عز وجل {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]، فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم بشرائع الأنبياء السابقين إذ قضى بحُكم التوراة، ولو لم يكن شرعًا له لما قضى به.

(1)

أخرجه البخاري في كتاب: تفسير القرآن، باب:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر)[البقرة: 178]، برقم (4500)، (6/ 24).

ص: 339

وخلاصة القول في هذه المسألة أنَّ ما صحَّ مِن شرع مَن قبلنا من طريق الوحي من كتاب أو سنة، وليس من كتبهم المحرَّفة من غير إنكار ولا إقرار لها فهو شرعٌ لنا

(1)

، وهو ماعليه الجمهور، والله تعالى أعلم.

(1)

ينظر ترجيح هذا القول في: الوجيز في أصول الفقه الإسلامي للزحيلي (2/ 849)، وأصول الفقه للخضري ص 347.

ص: 340

علَّة النهي عن موالاة أهل الكتاب.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (قوله تعالى: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فيه إيماء إلى علة النهي، أي: فإنهم متفقون على خلافكم يوالي بعضهم بعضاً لاتحادهم في الدين وإجماعهم على مضارتكم).

(1)

الدراسة:

استنبط الخطيب بدلالة اللازم من إشارة قوله تعالى: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} علة النهي عن الولاية وهو اجتماعهم في الكفر والممالأة على المؤمنين

(2)

، والغرض منها تحذير المؤمنين وتعريفهم شرَّ عدوهم.

قال الطبري: (قوله: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} عنى بذلك: أن بعض اليهود أنصار بعضهم على المؤمنين، ويد واحدة على جميعهم، وأن النصارى كذلك، بعضهم أنصار بعض على من خالف دينهم ومِلَّتهم، مُعرفاً بذلك عباده المؤمنين: أن من كان لهم أو لبعضهم ولياً، فإنما هو وليهم على من خالف ملَّتهم ودينهم من المؤمنين، كما اليهود والنصارى لهم حرب. فقال- تعالى ذكره - للمؤمنين: فكونوا أنتم أيضا بعضكم أولياء بعض، ولليهودي والنصراني حرباً كما هم لكم حرب،

(1)

السراج المنير 1/ 437.

(2)

ينظر: البحر المحيط لأبي حيان 4/ 291

ص: 341

وبعضهم لبعض أولياء، لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيمان الحرب، ومنهم البراءة، وأبان قطع ولايتهم).

(1)

وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى، وبالبعض الآخر الطائفة الأخرى؛ للقطع بأنهم في غاية من العداوة والشقاق

(2)

كما أخبر عنهم سبحانه في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113].

قال أبو السعود: (والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل النهي، وتأكيد إيجاب الاجتناب عن المنهي عنه، أي بعضهم أولياء بعض، متفقون على كلمة واحدة في كل ما يأتون وما يذرون، ومن ضرورته إجماع الكل على مضادتكم، ومضارتكم بحيث يسومونكم السوء، ويبغونكم الغوائل فكيف يتصور بينكم وبينهم موالاة؟!)

(3)

وممن أشار إلى هذا المعنى من المفسرين: الطبري، والبيضاوي، والنسفي، وأبو حيان، وأبو السعود، والقاسمي، والسعدي، وغيرهم.

(4)

وعليه فالغرض من هذه الآية ومقصودها إرشاد الله تعالى عباده المؤمنين أن لا يتخذوا اليهود والنصارى أولياء؛ لأن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم،

(1)

جامع البيان 10/ 399

(2)

ينظر: جامع البيان (10/ 399)، والبحر المحيط (4/ 291)، وإرشاد العقل السليم (3/ 48)، وفتح القدير (2/ 57).

(3)

ينظر: إرشاد العقل السليم (3/ 48)

(4)

ينظر: جامع البيان (10/ 399)، وأنوار التنزيل (2 /) 130، ومدارك التنزيل (1/ 453)، البحر المحيط (4/ 291)، وإرشاد العقل السليم (3/ 48)، ومحاسن (4/ 162)، وتيسير الكريم الرحمن (1/ 235).

ص: 342

والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يكون العبد منهم

(1)

، ولهذا قال بعدها:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ، وهي إشارة حسنة، والله تعالى أعلم.

(1)

ينظر: تيسير الكريم الرحمن (1/ 235).

ص: 343

مشروعية الأذان.

قال الله تع الى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({وَإِذَا نَادَيْتُمْ} معطوف على الذي قبله، أي: ولا تتخذوا الذين إذا {نَادَيْتُمْ} أي: دعوتم {إِلَى الصَّلَاةِ} بالأذان {اتَّخَذُوهَا} أي: الصلاة {هُزُوًا وَلَعِبًا} بأن يستهزؤا بها ويتضاحكوا، ويقولوا: صاحوا كصياح العير، وفي هذا دليل على أنّ الأذان مشروع للصلوات المكتوبات).

(1)

وجه الاستنباط:

قوله تعالى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ} دلّ على أن للصلاة نداء وهو الأذان، فهي أصل فيه.

الدراسة:

استنبط الخطيب من هذه الآية دلالتها بمفهوم الموافقة على ثبوت شرعية الأذان في الكتاب كما دلت عليه السنة، والإجماع، وليس في كتاب الله تعالى ذكر الأذان إلا في هذا الموضع، وأما قوله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}

(1)

السراج المنير (1/ 443)

ص: 344

[الجمعة: 9] فهو خاص بنداء الجمعة

(1)

، وثبت في السنة قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم»

(2)

وممن ذكر دلالة هذه الآية على ثبوت الأذان من القرآن: الرازي، والقرطبي، والبيضاوي، والنسفي، وابن جزي، والسيوطي، وأبو السعود، والقاسمي، وغيرهم.

(3)

قال السيوطي: (قوله تعالى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} أصل في الأذان والإقامة).

(4)

وقال القاسمي: (دلّت على أن للصلاة نداء، وهو الأذان، فهي أصل فيه).

(5)

والذي يظهر أن هذه الآية دليل على ثبوت الأذان وليست دليلاً على مشروعيته كما أشار إليه الخطيب؛ لأنه تعالى قال: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ} ، ولم يقل «نادوا»

(1)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/ 30.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب: الأذان، باب (من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد)، برقم (628)(1/ 128)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق بالإمامة برقم (674)(1/ 465).

(3)

ينظر: التفسير الكبير 12/ 388، والجامع لأحكام القرآن 6/ 30، وأنوار التنزيل 2/ 133، ومدارك التنزيل 1/ 457، والتسهيل 1/ 236، والإكليل 1/ 113، ومحاسن التأويل 4/ 179.

(4)

الإكليل 1/ 113.

(5)

محاسن التأويل 4/ 179.

ص: 345

على سبيل الأمر، فهي جملة شرطية دلّت على سبق المشروعية لا على إنشائها بالشرط.

(1)

قال ابن عاشور: (والنداء إلى الصلاة هو الأذان، وما عُبر عنه في القرآن إلا بالنداء. وقد دلت الآية على أن الأذان شيء معروف، فهي مؤيدة لمشروعية الأذان وليست مشرعة له، لأنه شُرع بالسنة.)

(2)

وقوله وجيه جداً، والله تعالى أعلم.

قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة: 65]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (وفي هذا إعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم، ودلالة على سعة رحمة الله تعالى، وفتحه باب التوبة على كل عاص وإن عظمت معاصيه، وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى، وأنّ الإسلام يجبّ ما قبله وإن جلّ، وأن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم).

(3)

هذه الآية فيها أكثر من دلالة، الدلالة الأولى:

الإعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى، مع سعة رحمة الله، وفتحه باب التوبة لكل عاص.

وجه الاستنباط:

(1)

ينظر: البحر المحيط لأبي حيان 4/ 303.

(2)

التحرير والتنوير (6/ 242).

(3)

السراج المنير (1/ 443).

ص: 346

لمّا ذكر سبحانه وعده بتكفير ذنوب أهل الكتاب بقوله {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} مع عظمها وكثرتها بدلالة صيغة الجمع في السيئات، دلّ بمفهوم الموافقة على أن باب التوبة مفتوح لكل عاص، وأن الله واسع الرحمة بعباده.

الدراسة:

استنبط الخطيب من هذه الآية دلالتها على سعة رحمة الله تعالى، وفتحه باب التوبة لكل عاص، وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى، حيث ذكر تعالى قبائح أهل الكتاب وأقوالهم الباطلة، ثم دعاهم إلى التوبة، وأنهم لو آمنوا بالله وملائكته، وجميع كتبه، وجميع رسله، واتقوا المعاصي، لكفر عنهم سيئاتهم ولو كانت ما كانت، ولأدخلهم جنات النعيم، فدلَّ على كرم الله تعالى ورحمته، وجوده على عباده.

(1)

كما نبَّه تعالى بقوله عن أهل الكتاب {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} على عظم معاصيهم وكثرة ذنوبهم وتنوعها، والتي من أعظمها ما هم عليه من الشرك بالله، والجحود لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي ولو بلغت ذنوبهم التي اقترفوها ما بلغت، وإن كانت في غاية العظم ونهاية الكثرة لن نؤاخذهم بها، وباب التوبة أمامهم مفتوح، فما الظن بمن هو دونهم في المعصية والإسراف على نفسه؟ لاشك أنه تعالى أرحم به وأكرم.

وهي إشارة حسنة، وافق الخطيب في استنباطها من الآية: القاسمي، والسعدي، وغيرهما.

(2)

والله تعالى أعلم.

(1)

ينظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي (1/ 238).

(2)

ينظر: محاسن التأويل (4/ 189)، وتيسير الكريم الرحمن (1/ 238).

ص: 347

الدلالة الثانية:

الإسلام يجب ماكان قبله.

الدراسة:

لمّا ذكر سبحانه وعده بتكفير ذنوب أهل الكتاب بقوله {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} مع عظمها دلّ بدلالة الالتزام على أن الإسلام يهدم ما كان قبله من الذنوب والمعاصي.

وفي قوله تعالى في فاتحة هذه الآية: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا} ذكر سبحانه: الإيمان والتقوى، ورتَّب عليهما أمرين: قابل الإيمان بتكفير السيئات إذ الإسلام يجبُّ ما قبله، ورتّب على التقوى وهي امتثال الأوامر واجتناب المناهي دخول جنات النعيم.

(1)

ويشهد لصحة هذه الدلالة ما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟» .

(2)

قال أبو السعود في بيان هذه الآية {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} : (وتكرير اللام لتأكيد الوعد، وفيه تنبيه على كمال عظم ذنوبهم وكثرة معاصيهم، وأن الإسلام يجب ما قبله من السيئات، وإن جلت وجاوزت كل حد معهود.)

(3)

(1)

ينظر: البحر المحيط لأبي حيان (4/ 318)

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، برقم (121)، (1/ 112)

(3)

إرشاد العقل السليم (3/ 59)

ص: 348

وممن استنبط أيضاً دلالة هذه الآية على أن الإسلام يجب ماقبله: البيضاوي، وأبو حيان، والقاسمي، وغيرهم

(1)

، وهي دلالة قوية الظهور، والله تعالى أعلم.

(1)

ينظر: أنوار التنزيل (2/ 135)، والبحر المحيط (4/ 318)، ومحاسن التأويل (4/ 189)

ص: 349

الدلالة الثالثة:

الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم.

وجه الاستنباط:

أنه تعالى إنما وعدهم الغفران بشرط الإيمان والتقوى، ودليل الخطاب

(1)

يقتضي أنه لا يغفر لمن لم يؤمن ويتق منهم.

(2)

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية بدلالة مفهوم المخالفة أن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم، لأنه تعالى وعدهم الغفران بشرط الإيمان والتقوى فدلّ بمفهومه على أن من افتقد هذين الشرطين فليس بمؤمن. فمن أدرك بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ولم يُصدّق به فإنه يعتبر كافراً، ولايقبل منه غير الإسلام، كما أخبر تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]

وممن وافق الخطيب في استنباط هذه الدلالة من الآية: القشيري، والبيضاوي، والقاسمي، وغيرهم.

(3)

وقد جاء النص القاطع بأن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو أشركوا مع الله غيره، أو جحدوا نبوة نبي من الأنبياء أنهم كفرة، ولا يدفع عنهم الكفر إيمانهم أو التزامهم بكتابهم، فلو آمنوا حقاً بالنبي والكتاب لآمنوا بجميع

(1)

دليل الخطاب هو مفهوم المخالفة وقد تقدم بيانه.

(2)

ينظر: لطائف الإشارات للقشيري 1/ 437.

(3)

ينظر: لطائف الإشارات للقشيري 1/ 437، وأنوار التنزيل 2/ 135، ومحاسن التأويل 4/ 189.

ص: 350

الأنبياء والرسل. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150، 151] وقال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران: 70] وهو خطاب لأهل الكتاب المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وهم يؤمنون بعيسى والإنجيل، وبموسى والتوراة.

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 72] كما قال سبحانه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1] والأدلة في هذا كثيرة جداً، فكونهم أهل كتاب لا يمنع كونهم كفاراً، كما هو صريح كتاب الله، وعليه فكل من بلغته دعوة الإسلام ثم لم يؤمن بها، ولم يتبع النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم فهو كافر مخلد في النار أبدًا، إذ لا يسع أحد الخروج عنه، ولا يقبل منه سواه، ولا نجاة له بدونه، والله تعالى أعلم.

(1)

(1)

ينظر: فتاوى الشبكة الإسلامية على الشاملة (1/ 5645)

ص: 351

شدة تكليف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي: يحفظك ويمنعك منهم. فإن قيل: أليس قد شُج وجهه، وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، وأوذي بضروب من الأذى؟

أجيب: بأنّ معناه يعصمك من القتل فلا يصلون إلى قتلك، وفي هذا تنبيه على أنه يجب عليه أن يحتمل كل ما دون النفس من أنواع البلايا، فما أشدّ تكليف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام).

(1)

وجه الاستنباط:

أنه تعالى وعد نبيه صلى الله عليه وسلم العصمة من الناس أن يعتدوا عليه بالقتل، وفيه إشارة إلى أنه سيُصيبه ويلحقه من الأذى في سبيل الدعوة مادون القتل الكثير، حتى يأذن الله بإكمال الدين وإتمام الرسالة.

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على شدّة تكليف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأن حتماً عليه صلى الله عليه وسلم أن يحتمل كل ما دون النفس من أنواع الأذى؛ بدلالة الإشارة بقوله {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فأمرَه بإبلاغ الرسالة، ووعده بالعصمة من القتل، فدلَّ على أنه سيناله من أذى الكفار في سبيل الدعوة

(1)

السراج المنير (1/ 446).

ص: 352

مادون القتل الكثير، إلا أنه تعالى سيعصمه من الناس، حتى يأذن الله باكتمال الدين وإبلاغ الرسالة.

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: الرازي، وأبو حيان، وغيرهما.

(1)

والعصمة المقصودة في الآية هي: منعهم أن ينالوه صلى الله عليه وسلم بسوء، من قتل أو أسر أو غيره

(2)

، دفعاً لما قد يحمله على كتم البيان، وهو خوف لحوق الضرر من الناس.

وكل ذلك قد تحقق له صلى الله عليه وسلم، فقد عصمه الله وحفظه من كفار قريش عندما هموا بقتله في مكة- مع شدة العداوة، ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً - فصانه في ابتداء الرسالة بعمِّه أبي طالب، إذ كان رئيساً مُطاعاً كبيراً في قريش، ثم قيّض الله له الأنصار، فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى المدينة، فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود، فكلما همَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله، ورد كيده عليه، وعصمه من القتل في المدينة فيما حضره من غزوات، ولما سمَّ اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر: أعلمه الله به، وعصمه الله منها؛ فأخبرته الشاة أنها مسمومة، ومات الصحابي الذي كان معه

(3)

، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن بلَّغ الرسالة.

(4)

(1)

ينظر: التفسير الكبير (12/ 401)، والبحر المحيط (4/ 323).

(2)

ينظر: النكت والعيون (2/ 53)، والتفسير الوسيط (2/ 209)، وزاد المسير (1/ 569)، وينظر: فتح الباري لابن حجر (6/ 82).

(3)

قال النووي في شرح حديث الشاة المسمومة: (فيه بيان عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم، كما قال الله: (والله يعصمك من الناس) وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته مِن السم المهلك لغيره، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة، وكلام عضو منه له، فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:«إن الذراع تخبرني أنها مسمومة)» ). شرح صحيح مسلم (14/ 179).

(4)

ينظر تفصيله في: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 154)، وفتح القدير للشوكاني (2/ 69).

ص: 353

قال أبو حيان مؤيداً دلالة هذه الآية: (وأما شج جبينه وكسر رباعيته يوم أُحد فقيل: الآية نزلت بعد أحد

(1)

، فأما إن كانت قبله فلم تتضمن العصمة هذا الابتلاء ونحوه من أذى الكفار بالقول، بل تضمنت العصمة من القتل والأسر، وأما مثل هذه ففيها الابتلاء الذي فيه رفع الدرجات واحتمال كل الأذى دون النفس في ذات الله، وابتلاء الأنبياء أشد، وما أعظم تكليفهم .. ، وتضمنت هذه الجملة الإخبار بمغيب ووُجد على ما أخبر به، فلم يصل إليه أحد بقتل ولا أسر مع قصد الأعداء.)

(2)

وقال الشيخ بن باز في بيان وعد الله لنبيه بالعصمة في هذه الآية، وما أصابه عليه الصلاة والسلام:(أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء: فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام، بل أصابه شيء من ذلك، فقد جُرح يوم أحد، وكُسرت البيضة على رأسه، ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر، وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك، وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقاً شديداً، فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل، ومما كتبه الله عليه، ورفع الله به درجاته، وأعلى به مقامه، وضاعف به حسناته، ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله، ولا منعه من تبليغ الرسالة، ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ، فقد بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم.)

(3)

(1)

ينظر: معالم التنزيل للبغوي (2/ 69)،

(2)

البحر المحيط (4/ 323)

(3)

فتاوى الشيخ ابن باز (8/ 150)

ص: 354

وبهذا يظهر صحة الإشارة بالعصمة في هذه الآية كما استنبطها الخطيب إلى بيان شدة تكليف الأنبياء، والله تعالى أعلم.

ص: 355