الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة ص
تقدم اليمين من أيوب عليه السلام.
قال تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (قوله سبحانه وتعالى: {فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} يدل على تقدُم يمينٍ منه عليه الصلاة والسلام.
(1)
وجه الاستنباط:
نهيه عن الحنث عقب أمره بأخذ الضغث والضرب به.
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على تقدم يمين من أيوب عليه السلام لأنه تعالى نهاه عن الحنث بعد ما أمره بأخذ الضغث والضرب به، وهي دلالة ظاهرة من معنى الآية؛ فقوله تعالى {فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} أي: فاضرب بالضغث الذي يشتمل على مائة عود صغار كما جاء في تفسيره
(2)
، وقوله {وَلَا تَحْنَثْ} أي: ولا تدع الضرب فتحنث. قيل: هذا لأيوب خاصة، وقيل: له وللناس عامة.
(3)
(1)
السراج المنير (3/ 507)
(2)
الضغث: قبضةُ حشيشٍ مختلطة الرَطْبِ باليابس، وهي ما يجمع من شيء مثل حزمة الرطبة، وكملء الكف من الشجر أو الحشيش والشماريخ ونحو ذلك مما قام على ساق. ينظر: الصحاح (1/ 285)، ولسان العرب (2/ 163) مادة (ضغث)، وينظر: جامع البيان (21/ 212)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 335).
(3)
ينظر: جامع البيان (21/ 216)، وتفسير السمعاني (4/ 447)، والإكليل (1/ 222).
قال القاسمي: (دلَّ قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} الآية على تقدم يمين منه عليه السلام، وقد رووا هنا آثاراً في المحلوف عليه، لم يصح منها شيء، فالله أعلم به ولا ضرورة لبيانه؛ إذ القصد الإعلام برحمة أخرى ونعمة ثانية عليه، صلوات الله عليه. وهي الدلالة إلى المخرج من الحنث، برخصة وطريقة سهلة سمحة ترفع الحرج).
(1)
وممن أشار إلى هذه الدلالة من الآية: الرازي، والقاسمي، وغيرهما.
(2)
قال الكيا الهراسي: (ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن من فعل ذلك فقد برَّ في يمينه
(3)
، وخالف مالك ورآه خاصاً بأيوب عليه السلام.
(4)
والظاهر أنها خاصة بأيوب عليه السلام فإن الله تعالى أرخص له رفقاً بامرأته
(5)
، لبِرّها به وإحسانها إليه، ليجمع له بين بِره في يمينه ورفقه بامرأته، ولذلك امتنَّ عليه بهذا، وذكره في جملة ما منَّ عليه به، فيختص هذا به كاختصاصه بما ذُكر معه، ولو كان هذا الحكم عاماً لكل واحد لما اختص أيوب بالمنة عليه.
(6)
ودلالة هذه الآية على تقدم يمين من أيوب، دلالة صحيحة، في غاية الظهور، والله تعالى أعلم.
(1)
محاسن التأويل (8/ 264).
(2)
ينظر: التفسير الكبير (26/ 399)، ومحاسن التأويل (8/ 264).
(3)
ينظر: الأم (7/ 85)، والمجموع شرح المهذب (18/ 80) ومغني المحتاج للخطيب الشربيني (6/ 221)
(4)
أحكام القرآن للكيا الهراسي (4/ 361)، وينظر: أحكام القرآن لابن العربي (4/ 71)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/ 213).
(5)
ينظر: تفسير عبد الرزاق (3/ 123)، والتفسير الوسيط للواحدي (3/ 558).
(6)
قال ابن كثير: وقد استدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الأيمان وغيرها وأخذوها بمقتضاها ومنعت طائفة أخرى من الفقهاء من ذلك، وقالوا: لم يثبت أن الكفارة كانت مشروعة في شرع أيوب عليه السلام فلذلك رُخص له في ذلك، وقد أغنى الله هذه الأمة بالكفارة. تفسير القرآن العظيم (7/ 76)، وينظر: المغني لابن قدامة (9/ 614).
عدم غواية إبليس ليوسف عليه السلام، وتكذيب ما نُسب إليه من القبائح.
قال الله تعالى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 83].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (قيل إن غرض إبليس من هذا الاستثناء أنه لا يقع في كلامه الكذب؛ لأنه لو لم يَذكُر هذا الاستثناء، وادَّعى أنه يغوي الكل لظهر كذبه حين يعجز عن إغواء عباد الله تعالى المخلصين، وعند هذا يقال: إن الكذب شيء يستنكف منه إبليس فليس يليق بالمسلم، وهذا يدل على أن إبليس لا يغوي عباد الله تعالى المخلصين، وقد قال تعالى في صفة يوسف عليه السلام {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، فتحصل من مجموع الآيتين أن إبليس ما أغوى يوسف عليه السلام وما نُسب إليه من القبائح كذب وافتراء).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب بدلالة الجمع بين الآيات أن إبليس ما أغوى يوسف عليه السلام وما نُسب إليه عليه السلام من الفاحشة والقبائح كذب وافتراء؛ لأن إبليس أقرَّ بطهارته، فقال:{فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83] فاعترف بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين، ويوسف عليه السلام من المخلصين بشهادة الله تعالى، فقد وصفه سبحانه بقوله:{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ، فكان هذا إقراراً من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن الهدى، فدلَّ على كونه منزهاً عما افترى عليه الجهلة ونسبوه إليه.
(1)
السراج المنير (3/ 512).
وممن أشار لهذه الدلالة من مجموع الآيتين: الرازي، والخازن، والشهاب الخفاجي، وحقي، والألوسي، والقاسمي، وغيرهم.
(1)
قال ابن القيم رحمه الله – عن يوسف عليه السلام: (قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} فلمَّا أخلص لربه صَرف عنه دواعي السوء والفحشاء، فانصرف عنه السوء والفحشاء، ولهذا لما علِم إبليس أنه لا سبيل له على أهل الإخلاص استثناهم من شريطته التي اشترطها للغواية والإهلاك فقال {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} فالإخلاص هو سبيل الخلاص)
(2)
.
(3)
فتحصَّل من مجموع هاتين الآيتين أن إبليس ما أغوى يوسف عليه السلام، وهذا دليل براءته، كيف وهو عليه السلام من عباد الله تعالى المخلصين بشهادة الله تعالى، وقد استثناهم من عموم {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} .
(1)
ينظر: التفسير الكبير (26/ 415)، ولباب التأويل (2/ 522)، وحاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (5/ 168)، وروح البيان (4/ 238)، وروح المعاني (6/ 406)، ومحاسن التأويل (6/ 169).
(2)
قال ابن تيمية رحمه الله: (فأهل الإخلاص كما قال الله تعالى في حق يوسف عليه السلام {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} فامرأة العزيز كانت مشركة فوقعت مع تزوجها فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف عليه السلام مع عزوبته ومراودتها له، واستعانتها عليه بالنسوة وعقوبتها له بالحبس على العفة عَصَمه الله بإخلاصه لله، تحقيقا لقوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} و " الغي " هو اتباع الهوى). مجموع الفتاوى (15/ 421).
(3)
مفتاح دار السعادة (1/ 72)، وينظر: بدائع الفوائد (2/ 241).