الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة فاطر
العالم أعلى درجة من العابد.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28]
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ} أي: الذي له جميع صفات الكمال {مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني
(1)
، فالخشية بقدرة معرفة المخشي، والعالم يعلم الله فيخافه ويرجوه، وهذا دليل على أن العالم أعلى درجة من العابد لقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] بيَّن تعالى أن الكرامة بقدر التقوى، والتقوى بقدر العلم لا بقدر العمل، فمن ازداد منه علماً ازداد منه خشية وخوفاً، ومن كان علمه به أقل كانت خشيته أقل).
(2)
الدراسة:
استنبط الخطيب بدلالة الجمع بين الآيات أفضلية العالم على العابد؛ لأنه تعالى أخبر أن العلماء أخشى عباد الله له، فالخشية بقدر معرفة الله سبحانه، والعالم يعرف الله حق المعرفة فيخافه ويخشاه حق الخشية، ولهذا قال:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فأثبت الخشية للعلماء، وحصرَ الخشية فيهم بأسلوب الحصر {إِنَّمَا} ، وهذا يفيد أن كل من خشي الله فهو عالم، وكلما كانت المعرفة به أتمّ والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر، وأوجبت له خشية الله الكف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية الله،
(1)
ينظر: معالم التنزيل للبغوي (3/ 693)، وزاد المسير لابن الجوزي (3/ 510)
(2)
السراج المنير (3/ 395).
وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، حيث بيَّن تعالى أن الكرامة بقدر التقوى، والتقوى بقدر العلم، فثبت أن الكرامة بقدر العلم لا بقدر العمل.
(1)
وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: الجصاص
(2)
، والرازي، وغيرهما.
(3)
ويدل له ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فضل العالم على العابد كف 0 ضلي على أدناكم»
(4)
. وقوله عليه الصلاة والسلام «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب»
(5)
ويؤيد دلالة هذه الآية أيضاً أن عمل العابد قاصر على نفسه، والعالم عمله متعدٍ نفعه إلى الغير، كما أن العابد إذا مات انقطع عمله، والعالم المنتفع بعلمه لا ينقطع عمله ما دام نفعه الذي نُسِب إليه، فأين أحدهما من الآخر؟.
(6)
(1)
ينظر: أحكام القرآن للجصاص (5/ 246)، وتيسير الكريم الرحمن (1/ 689)
(2)
قال الجصاص: (قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} - إلى قوله- {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 7 - 8] خبرٌ أن خير البرية من خشي ربه، وأخبر في الآية أن العلماء بالله هم الذين يخشونه، فحصل بمجموع الآيتين أن أهل العلم بالله هم خير البرية). أحكام القرآن (5/ 246)
(3)
ينظر: المرجع السابق، والتفسير الكبير للرازي (26/ 236)
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
ينظر: تفسير القرآن الكريم لابن القيم (1/ 82)، وتفسير القرآن العظيم (6/ 544)، وتفسير ابن رجب الحنبلي (2/ 104).
وهذه الدلالة صحيحة، جاء التأكيد عليها في مواضع أخرى كثيرة، والله تعالى أجلُّ وأعلم.