الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة محمد
حبوط العمل في المرتد مشروط بالموت على الكفر.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [محمد: 34].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (دلَّت هذه الآية على ما دَّلت عليه آية البقرة من أنّ إحباط العمل في المرتدّ مشروط بالموت على الكفر).
(1)
وجه الاستنباط:
قوله تعالى {ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} يدل بمفهومه على أنه قد يُغفر لمن لم يمت على كفره سائر ذنوبه.
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآية دلالتها بمفهوم المخالفة على أنّ حبوط العمل في المرتدّ مشروط بالموت على الكفر
(2)
، فهذه الآية والتي في البقرة قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا
(1)
السراج المنير (4/ 18)
(2)
واختلف في هذه المسألة هل يحبط العمل بالردة أم لا؟
والراجح أن العمل لا يحبط إلا بالموت على الردة لقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} فشرط الله هذا الشرط، فمن ارتد عن دينه ومات على الكفر فهو حابط العمل، وأما من ارتد ثم عاد إلى الإسلام فإن عمله الصالح الذي قام به قبل رِدته لم يحبط بل هو مكتوب له عند الله. ينظر: فتاوى السبكي (1/ 56)، والمجموع للنووي (3/ 5)، وأحكام القرآن لابن العربي (1/ 147)، ومغني المحتاج للخطيب الشربيني (5/ 427)، وشرح رياض الصالحين لابن عثيمين (5/ 59).
وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 217] مقيدتان لكل نص مطلق فيه إحباط العمل بالكفر، فهو مقيد بالموت عليه، فقال هنا:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} لم يتوبوا منه، {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} أي لا بشفاعة ولا بغيرها، لأنه قد تحتَّم عليهم العقاب، ووجب عليهم الخلود في النار.
ومفهوم الآية الكريمة أنهم إن تابوا من ذلك قبل موتهم، فإن الله يغفر لهم ويرحمهم، ويدخلهم الجنة، ولو كانوا قد أفنوا أعمارهم في الكفر بالله والصد عن سبيله، والإقدام على معاصيه، فالاعتبار بالوفاة على الكفر، وهو الذي يوجب الخلود في النار.
(1)
وممن أشار إلى هذه الدلالة من الآية: البيضاوي، والألوسي، والسعدي، والشنقيطي
(2)
، وغيرهم.
(3)
قال النووي في ثنايا حديثه عن بعض مسائل الصلاة: ( .. والمسألة مبنية على أصل سبق، وهو أنه عندنا لا تبطل الأعمال بالردة إلا أن تتصل بالموت وعندهم يبطل بنفس الارتداد، احتجوا بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ
(1)
ينظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي (1/ 790).
(2)
قال رحمه الله عند هذه الآية: (ظاهر هذه الآية الكريمة أن المرتد يحبط جميع عمله بردته من غير شرط زائد، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن ذلك فيما إذا مات على الكفر، وهو قوله:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217].
ومقتضى الأصول حمل هذا المطلق على هذا المقيد، فيقيد إحباط العمل بالموت على الكفر، وهو قول الشافعي ومن وافقه، خلافا لمالك القائل بإحباط الردة العمل مطلقا، والعلم عند الله تعالى). أضواء البيان (1/ 329)
(3)
ينظر: أنوار التنزيل (5/ 125)، وروح المعاني (13/ 234)، وتيسير الكريم الرحمن (1/ 790)، وأضواء البيان (1/ 329).
} واحتج أصحابنا بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} فعلَّق حبوط العمل بشرطين الردة والموت عليها، والمُعلق بشرطين لا يثبُت بأحدهما، والآية التي احتجوا بها مُطلقة وهذه مقيدة فيُحمل المطلق على المقيد.
(1)
وعليه فتقييده سبحانه عدم المغفرة بالموت على الكفر؛ لأن باب التوبة وطريق المغفرة لا يغلقان على من كان حياً، وظاهر الآية العموم وإن كان السبب خاصاً.
(2)
وقوله {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} قطعٌ بأن من مات على الكفر لا يغفر الله له، كما أخبر سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، وبهذا يظهر قوة ما ذكره الخطيب، والله تعالى أعلم.
(1)
المجموع شرح المهذب (3/ 5).
(2)
حكمها عام في كل من مات على الكفر وإن صح نزوله في أصحاب القليب، ينظر: جامع البيان للطبري (22/ 187)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 255)