الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة يس
فوائد مستنبطة من قصة مؤمن آل ياسين.
قال الله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: 26 - 27]
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (ولما أفضى به إلى الجنة {قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} أي: بغفران ربي لي المحسن إلي في الآخرة بعد إحسانه في الدنيا بالإيمان في مدة يسيرة بعد طول عمري في الكفر {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} أي: الذين أعطاهم الدرجات العُلا، فنصح لقومه حياً وميتاً بتمني عملهم بالكرامة له ليعملوا مثل عمله فينالوا ما ناله.
ثم قال: تنبيه: في القصة حث على المبادرة إلى مفارقة الأشرار واتباع الأخيار، والحلم عن أهل الجهل، وكظم الغيظ والتلطف في خلاص الظالم من ظلمه، وأنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله وإن كان محسناً).
(1)
وجه الاستنباط:
الاقتداء بأفعال الصالحين، والاعتبار بحال من سبق.
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآيات في قصة مؤمن آل ياسين
(2)
دلالتها باللازم على عددٍ من الفوائد منها:
(1)
السراج المنير (3/ 417)
(2)
اسمه حبيب النجار، ينظر: جامع البيان للطبري (20/ 505)، والدر المنثور للسيوطي (7/ 51)
أولاً: الحث على المبادرة إلى مفارقة الأشرار واتباع الأخيار، كما فعل هذا المؤمن؛ حيث بادر إلى الاستجابة للحق، لمَّا استشعر حقيقة الإيمان، فسعى لأجل الحق الذي معه، وجاء من أجل أن يأمر الناس باتباع المرسلين، مع أنهم كانوا في غاية العناد والإعراض، وكانوا يهددون الرسل ويقولون:{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يس: 18]، ورغم هذا التهديد، فإن هذا المؤمن جهر بالحق ودعاهم إلى الإيمان بدعوة الرسل.
كما أن فيها دروساً في كظم الغيظ وعدم الانتصار للنفس والحلم عن أهل الجهل؛ فإن هذا المؤمن لم يلهه دخوله الجنة عن حال قومه، {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} فتمنى أن يعلموا ماذا لقي من ربه؛ ليعلموا فضيلة الإيمان فيؤمنوا، إشفاقاً عليهم، ليعملوا مثلما عمِل، ليجدوا مثلما وجد، وما تمنى هلاكهم، ولا الشماتة بهم، فكان مُتسماً بكظم الغيظ، وبحلمه على جهالتهم؛ ونصحه لقومه حياً وميتاً. فحقَّق الله مُناه، وأخبر عن حاله، وأنزل به خطابه، وعرَّف قومه ذلك.
(1)
وممن استنبط هذه الفائدة: الزمخشري، وابن عطية، والبيضاوي، والقرطبي، وحقي، والألوسي، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم.
(2)
قال القرطبي: (في هذه الآية تنبيه عظيم، ودلالة على وجوب كظم الغيظ، والحلم عن أهل الجهل، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي، والتشمر في تخليصه، والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به
(1)
ينظر: لطائف الإشارات للقشيري (3/ 215)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (22/ 371)
(2)
ينظر: الكشاف (4/ 11)، والمحرر الوجيز (4/ 451)، وأنوار التنزيل (4/ 266)، والجامع لأحكام القرآن (15/ 20)، وروح البيان (7/ 387)، ومحاسن التأويل (8/ 182)، والتحرير والتنوير (22/ 371)، وروح المعاني (11/ 400)
والدعاء عليه. ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته، والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام؟).
(1)
ومن فوائد الآيات أيضاً: أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله وإن كان محسناً، كما أخبر تعالى عنه أنه قال:{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} فنسب الفضل لله وحده، وما امتنّ به عليه من دخول الجنَّة ومغفرة ذنبه، مع أنه بذل ما بذل وسعى وأحسن في النصيحة لقومه، فدلَّ على أنه لا يدخل الجنة أحد إلا برحمته سبحانه.
ومن فوائدها: الثبات في الدعوة إلى الهدى والحق، مهما وقف ضدها الطغاة والمفسدون، حتى ولو عُذب المرء وأُهين، بل حتى لو قُتل، كما هو حال مؤمن آل ياسين، وذلك سبيل الأنبياء والمرسلين، ومن نهج نهجهم من الدعاة الصادقين إلى يوم الدين،
(2)
وفي سياق القصة غيرها من التنبيهات والفوائد الجليلة، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن (15/ 20)
(2)
ذكر بعض المفسرين غيرها من الفوائد ينظر: الكشاف (4/ 11)، ومحاسن التأويل (8/ 182)، وينظر: قصة مؤمن آل ياسين دروس وعبر لعبد الحميد السحيباني ص 7 وما بعدها.
نفي الجوع عن أهل الجنة.
قال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 55 - 57].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({لَهُمْ} أي: خاصة بهم {فِيهَا فَاكِهَةٌ} أي: لا تنقطع أبداً، ولا مانع لهم من تناولها ولا يتوقف ذلك على غير الإرادة، إشارة إلى أن لا جوع هناك؛ لأن التفكه لا يكون لدفع الجوع).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآية بدلالة اللازم: الإيماء إلى نفي الجوع عن أهل الجنة؛ لأنه تعالى قال {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} ، وإنما اختار من أنواع الأكل الفاكهة في هذا الموضع؛ لأنها أدلّ على التنعم والتلذذ وعدم الجوع
(2)
، فالفاكهة: ما يؤكل للتلذذ لا للشبع، وإنما خُصَّت بالذكر لأنها عزيزة النوال للناس في الدنيا، دلَّ عليه ذكر الاتكاء هنا؛ لأن شأن المتكئين أن يشتغلوا بتناول الفواكه.
(3)
وممن استنبط هذه الإشارة من الآية: الرازي، وابن عادل، وحقي، والألوسي، وغيرهم.
(4)
قال الألوسي: (فيه إشارة إلى أنه لا جوع هناك، وليس الأكل لدفع ألم الجوع، وإنما
(1)
السراج المنير (3/ 434)
(2)
ينظر: التفسير الكبير (26/ 295)
(3)
ينظر: التحرير والتنوير (23/ 43)
(4)
ينظر: التفسير الكبير (26/ 295)، واللباب في علوم الكتاب (16/ 246)، وروح البيان (7/ 418)، وروح المعاني (12/ 36).