الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الانفطار
- الشاهد لا يشهد إلا بعد العلم.
قال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} (الانفطار: 10 - 13)
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (وفي هذه الآية دلالة على أنّ الشاهد لا يشهد إلا بعد العلم، لوصف الملائكة بكونهم حافظين كراماً كاتبين).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآية دلالتها باللازم على أن الشهادة لا تجوز إلا بعد العلم؛ لأنه تعالى وصف هؤلاء الملائكة الحفظة بهذه الصفات، من كونهم حافظين، كراماً، وكاتبين، يعلمون، فاجتمعت لهم كل صفات التأهيل، مِن حِفظ، وعلو منزلة، وعلم بما يكتبون، ومنها يُعلم أنه لا يختلط عليهم عمل يُعمل، لكونهم حفظة لا يضيعون شيئاً، وهذا تنبيه أنه لا يجوز لأحد الشهادة إلا بعد العلم، إذ من شروط الشهادة: العلم بحقيقة ما يشهد به، ومما يحقق هذا العلم الضبط بكل ما يمكن أن يعين على الضبط والحفظ، كما هو الحال في الكتابة والتقييد.
قال ابن عاشور: (اعلم أنه يُنتزع من هذه الآية أن هذه الصفات الأربع هي عماد الصفات المشروطة في كل من يقوم بعمل للأمة في الإسلام من الولاة وغيرهم، فإنهم حافظون لمصالح ما استُحفظوا عليه، وأول الحفظ الأمانة وعدم التفريط، فلا بد فيهم من الكرم وهو زكاء الفطرة وطهارة النفس، ومن الضبط فيما يجري على يديهم بحيث لا تضيع المصالح العامة ولا الخاصة بأن يكون ما
(1)
السراج المنير (4/ 563).
يصدره مكتوباً، أو كالمكتوب مضبوطاً لا يُستطاع تغييره، ويمكن لكل من يقوم بذلك العمل بعد القائم به، أو في مغيبه أن يعرف ماذا أجري فيه من الإعمال، وهذا أصل عظيم في وضع الملفات للنوازل والتراتيب، ومنه نشأت دواوين القضاة، ودفاتر الشهود، والخطاب على الرسوم، وإخراج نسخ الأحكام وعقود النكاح).
(1)
وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: الرازي، وابن عاشور، والشنقيطي، وغيرهم.
(2)
واستنباط شرط العلم بالشهادة من هذه الآية ملحظ دقيق لطيف، من لطائف الاستنباط عند الخطيب، ومعلوم أنه لا يجوز للمسلم أن يشهد إلا بما شاهده أو علمه عن يقين، قال تعالى:{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81]، وقال سبحانه:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]، أما الشهادة بلا علم فهي من أكبر الكبائر، ولا يحل لأحد أن يشهد إلا بعلم، بل لا يصح أن يُسمى شاهداً إلا بعد أن يكون عنده علم بالشهادة
(3)
، وبهذا يظهر صحة دلالة هذه الآية على استنباط الخطيب، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (30/ 180) بتصرف يسير.
(2)
ينظر: التفسير الكبير (31/ 78)، والتحرير والتنوير (30/ 180)، وأضواء البيان (8/ 451)
(3)
ينظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام لمحمد بن فرامرز بن علي (2/ 370)، والذخيرة للقرافي (10/ 151)، وحاشية البجيرمي على شرح المنهج (4/ 384)، والمغني (10/ 188).