الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النمل
رحمة الأنبياء وأتباعهم ونزاهتهم عن الظلم والإيذاء.
قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18]
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أي: بحطمهم لكم لاشتغالهم بما هم فيه من أحوال السير، وقولها هذا يدل على عِلمها بأنهم لو شعروا بهم ما آذوهم؛ لأنهم أتباع نبيّ فهم رحماء).
(1)
وجه الاستنباط:
في قول النملة {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} تنبيه على رحمة الأنبياء وأتباعهم، كأنها عرفت أن النبي ومن تبعه لا يقع منه قتل هذه الحيوانات إلا على سبيل السهو.
الدراسة:
استنبط الخطيب من إشارة الآية في خطاب النملة بقولها {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أي: وهم لا يعلمون أنهم يحطمونكم؛ دلالتها باللازم على رحمة الأنبياء وأتباعهم؛ إذ لو شعروا لم يفعلوا ذلك، فدلَّ على رحمتهم ونزاهتهم عن الظلم والإيذاء.
وكأن فحوى هذا الكلام يشير إلى معنى العصمة للأنبياء من الظلم والإيذاء، وهو ما صرَّح به بعض المفسرين كالرازي، والبيضاوي، والنيسابوري، وغيرهم.
(2)
(1)
السراج المنير (3/ 84).
(2)
ينظر: التفسير الكبير (24/ 549)، وأنوار التنزيل (4/ 157)، وغرائب القرآن (5/ 300).
قال الرازي: (قوله {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} كأنها عرفت أن النبي معصوم فلا يقع منه قتل هذه الحيوانات إلا على سبيل السهو، وهذا تنبيه عظيم على وجوب الجزم بعصمة الأنبياء عليهم السلام.
وقال البيضاوي: ({وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بأنهم يحطمونكم إذ لو شعروا لم يفعلوا كأنها شعرت عصمة الأنبياء من الظلم والإِيذاء).
وممن أشار إلى هذه الدلالة من الآية: الرازي، والبيضاوي، والخازن، والنيسابوري، وأبو السعود، وحقي، وغيرهم، وهو مفهوم حكاية معنى الآية من قول: السمرقندي، والسمعاني، وغيرهم).
(1)
والعصمة للأنبياء عليهم السلام ثابتة في التبليغ عن الله تعالى، فهم لا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم، وهم معصومون أيضاً من الوقوع في الكبائر، وأما الصغائر فأكثر العلماء على أنهم ليسوا بمعصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرُّون عليها
(2)
.
والظاهر أن ربط عصمة الأنبياء بدلالة هذه الآية على هذا المعنى بعيد، وقد جرت عادة الأشاعرة في المبالغة في مسألة العصمة للأنبياء، لكن الخطيب رحمه الله هنا لم يُصرِّح بالعصمة وإن كانت دلالة كلامه تؤول إليها، وصرَّح بها غيره، أما
(1)
ينظر: التفسير الكبير (24/ 549)، وأنوار التنزيل (4/ 157)، ولباب التأويل (3/ 341)، وغرائب القرآن (5/ 300)، وإرشاد العقل السليم (6/ 278)، وروح البيان (6/ 334). وينظر: تفسير القرآن للسمرقندي (2/ 576)، وتفسير السمعاني (4/ 86).
(2)
قال شيخ الإسلام: (القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر " أبو الحسن الآمدي " أن هذا قول أكثر الأشعرية وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء). مجموع الفتاوى (4/ 319).
دلالة الآية على رحمة الأنبياء وأتباعهم فهي دلالة صحيحة ظاهرة، والله تعالى أعلم.