الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الزخرف
ذم التقليد وحُرمته.
قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} الآية [الزخرف: 19]
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({شَهَادَتُهُمْ} أي: قولهم فيهم أنهم إناث، الذي لا ينبغي أن يكون إلا بعد تمام المشاهدة، فهو قول ركيك، سخيف، ضعيف، كما أشار إليه التأنيث {وَيُسْأَلُونَ} عنها عند الرجوع إلينا، قال الكلبي
(1)
ومقاتل: «لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما يدريكم أنهم إناث؟ قالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا» ، فقال تعالى:{سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} عنها في الآخرة.»
(2)
، وهذا يدل على أن القول بغير دليل منكر، وأن التقليد حرام يوجب الذم العظيم).
(3)
وجه الاستنباط:
لما عاب الله تعالى عليهم القول الذي قالوه لا عن دليل، دلَّ على أن القول بغير دليل باطل.
(4)
(1)
هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي المفسر. وكان أيضا رأسا في الأنساب إلا أنه شيعي متروك الحديث. يروي عنه ولده هشام وطائفة توفي سنة 146 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (6/ 249)
(2)
ينظر: معالم التنزيل للبغوي (4/ 157)، زاد المسير لابن الجوزي (4/ 75).
(3)
السراج المنير (3/ 658)
(4)
ينظر: التفسير الكبير للرازي (3/ 568).
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية استنباطاً أصولياً، وهو دلالتها باللازم على أن القول بغير دليل منكر، وهذا يستلزم ذم التقليد وحُرمته، حيث أوضح تعالى كذب هؤلاء المشركين بالله ملائكته، ووبَّخهم، وبيَّن جهلهم في نسبة الأولاد إلى الله سبحانه، ثم في تحكمهم بأن الملائكة إناث وهم بنات الله، ثم كيف حكموا بأنهم إناث من غير دليل.
(1)
فدلَّ هذا على أن القول بغير دليل باطل، ودلَّ باللازم على ذم التقليد واتباع جهل الآباء كما جاء في رواية الكلبي ومقاتل.
والتقليد هو: قبول القول بغير دليل أو حجة
(2)
، واشتقاقه من القِلادة، فالتقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به
(3)
؛ لأنها تكون في الرقبة، فاشتُقَّ التقليد منها؛ كأن المقلد يُطوِّق المجتهد تبعات ما قلَّده فيه من إثم، في حالة غشه في دينه وكتمه عنه العلم الصحيح.
(4)
وحُكم التقليد مختلف فيه بين الجواز والمنع، ولكل من المجيز والمانع دليله، وقيل يجوز التقليد في الفروع دون الأصول والعقائد.
(5)
وقد أجمع جمهور الأصوليين على ذم التقليد بدون حجة وحرمته.
(6)
ولا
(1)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 73)
(2)
ينظر: العدة في أصول الفقه لأبي يعلى (4/ 1216)، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (6/ 59).
(3)
ينظر: معجم مقاييس اللغة (5/ 19)، والقاموس المحيط للفيروز آبادي (1/ 329) مادة (قلد).
(4)
ينظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 650)
(5)
ينظر حكم التقليد وأدلته في: روضة الناظر لابن قدامه (2/ 380)، وكشف الأسرار شرح أصول البزدوي (3/ 388): البحر المحيط للزركشي (8/ 329) والمختصر في أصول الفقه لابن اللحام (1/ 166)، وإرشاد الفحول للشوكاني (2/ 241)، والمستدرك على مجموع الفتاوى للقاسم (2/ 254).
(6)
ينظر: الأحكام للآمدي (4/ 230)، والإبهاج في شرح المنهاج للسبكي (5/ 438)
شك أن اتباع الرجل غيره على تقدير أنه مُحِق بلا نظر واستدلال، وتمييز بين كونه حقاً أو باطلا أنه بهَّذا التفسير باطل، وليس بحجة؛ لأن فِعل غيره وقوله محتمل للصواب والخطأ، والمحتمل لا يصلح دليلا وحجة، ولهذا ردَّ الله تعالى على الكفرة احتجاجهم باتباع الآباء.
(1)
أما مع وضوح الدليل، وبيانه فإن التقليد حرام؛ نصَّ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره، فقال: ولا يجوز التقليد مع معرفة الحكم اتفاقاً، وقبله لا يجوز على المشهور إلا أن يضيق الوقت.
(2)
فالتقليد بمنزلة أكل الميتة يحل للضرورة، أما مع وجود لحم مذكّى فلا تؤكل الميتة؛ فمع وجود الدليل من الكتاب، والسنة، وتبينه للمسلم فإنه لا يحل له أن يقلد؛ ولهذا لم يأمر الله بسؤال أهل العلم إلا عند عدم العلم فقال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: 43، 44]، أما إذا كنا نعلم بالبينات، والزبر فلا نسألهم؛ ونأخذ من البينات، والزبر.
(3)
وممن استنبط ذم التقليد من موضع هذه الآية: الرازي، وغيره.
(4)
ويؤيده ذم الله التقليد في غير ما آية في القرآن كقوله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} الآية [الزخرف: 22] وقوله: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67] وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31].
(1)
ينظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (3/ 388)، وينظر: الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/ 432).
(2)
الاختيارات الفقهية (1/ 625).
(3)
ينظر: تفسير سورة البقرة للعثيمين (2/ 133).
(4)
التفسير الكبير (27/ 625).
وبهذا يظهر صحة هذا الاستنباط، والقول بمنع التقليد من غير دليل ولاحجة، كما استنبطه الخطيب، والله تعالى أعلم.