الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: تعريف الاستنباط:
الاستنباط في اللغة هو: الاستخراج والظهور بعد الخفاء، وأصله من النَّبَط، والنَّبَطُ: الماء الذي يَنْبُطُ من قَعر البِئْر إذا حُفِرت، وقد نَبَط ماؤها يَنبِط نَبْطاً ونبوطاً، وأَنبَطْنا الماءَ، أي: استنبطناه، يعني: انتهينا إليه.
(1)
فالنَّبَطُ: الماء المستنبطُ من الأرض، ومنه قول الشاعر:
قريبٌ ثَرَاهُ، ما يَنَالُ عَدُوُّه
…
لَه نَبَطَاً، آبِي الهوانِ، قَطُوبُ.
(2)
ونبطت الْبِئْر وأنبطتها إِذا استخرجت ماءها. وكل شَيْء أظهرته بعد خفائه فقد أنبطته واستنبطته.
واستنبطت من فلَان علماً أَو خَبراً أَو مَالاً إِذا استخرجته مِنْهُ.
واستنبطتُ هذا الْأَمر إذا فَكَّرتُ فيهِ فأظهرته.
(3)
(1)
ينظر: العين للفراهيدي (7/ 439)، ولسان العرب لابن منظور (7/ 410)
(2)
ينظر: شمس العلوم للحميري (10/ 6457)، وأساس البلاغة للزمخشري ص 804، وفيه: قريب نراه، ويروى البيت أيضاً:(عند الهوان قطوب).
(3)
ينظر: جمهرة اللغة لابن دريد الأزدي (1/ 362)، والقاموس المحيط للفيروز آبادي (1/ 689)
وعليه فالاستنباط: الاستخراج
(1)
؛ إذ النون والباء والطاء في لغة العرب كلمةٌ تدلُّ على استخراج الشيء والانتهاء إليه.
واستنبط الفقيه: إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه. قال تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]
(2)
قال الزجاج
(3)
: (معنى يستنبطونه في اللغة: يستخرجونه، وأصله من النبط، وهو الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر).
(4)
وقال ابن جرير
(5)
: (كلُّ من أخرج شيئاً كان مُستَتِراً عن إبصار العيون، أو عن معارف القلوب فهو مستنبطٌ له).
(6)
ومن هذه المعاني اللغوية يتبين ما يأتي:
أولاً: أن الاستنباط هو الاستخراج باتفاق أهل اللغة، وهو المعنى المطابق للَّفظ.
(1)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري (3/ 1162)، ومقاييس اللغة لابن فارس (5/ 381)
(2)
ينظر: لسان العرب (7/ 410)
(3)
هو: إبراهيم بن محمد بن السري بن سهل الزجاج النحوي، أبو إسحاق، كان من أهل العلم بالأدب والدين، وصنف كتاباً في (معاني القرآن)، وله كتاب (الأمالي)، وكتاب (الاشتقاق)، و (العروض) وغيرها، توفي سنة 311 هـ. ينظر: إنباه الرواة على أنباء النحاة لأبي الحسن القفطي (1/ 194)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (1/ 49).
(4)
معاني القرآن وإعرابه (2/ 83)
(5)
هو: محمد بن جرير بن يزيد الطبري، صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير، كان إماماً في التفسير والحديث والفقه والتاريخ وغيرها من الفنون، وله مصنفات عديدة تدل على سعة فضله وغزارة علمه، من الأئمة المجتهدين، توفي سنة 310 هـ. ينظر: وفيات الأعيان (4/ 191)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (14/ 267)، وطبقات المفسرين للداودي ص 374.
(6)
جامع البيان (7/ 255)
ثانياً: أن في الاستنباط نوعُ اجتهادٍ ومعاناة، دلَّ عليه صيغة اللفظ المفتتحة بحروف الطلب (الألف، والسين، والتاء)، فهي تدل على تطلب الشيء لأجل حصوله، فليس المراد مجرد الإنباط بل الاستنباط، وكأن فيها معنى التكلف في إعمال العقل الذي يحتاجه المستنبط حال الاستنباط
(1)
، وهذا الاجتهاد والعناء في نيل المستنبَط واضحٌ في ما يبذله مستنبِطُ الماء من البئر.
قال ابن القيم
(2)
: (الاستنباط هو: استخراج الشيء الثابت الخفي الذي لا يعثر عليه كل أحد)
(3)
ثالثاً: أن الاستنباط أقرب إلى باطن الكلام منه إلى ظاهره، وأقرب إلى المعاني منه إلى الألفاظ.
(4)
(1)
ينظر: مفهوم التفسير، والتأويل، والاستنباط، والتدبر، والمفسر. للدكتور: مساعد الطيار، ص 159.
(2)
هو محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي، أبو عبدالله، الشهير بابن القيم الجوزية، الإمام المفسر الفقيه الأصولي الحنبلي، تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية وحامل علمه، له المصنفات الشهيرة النافعة منها:(زاد المعاد)، و (بدائع الفوائد) وغيرهما كثير، توفي سنة 751 هـ.
ينظر: شذرات الذهب لابن العماد (6/ 352)، وطبقات المفسرين للأدنه وي، ص 284.
(3)
ينظر: مفتاح دار السعادة (2/ 104)
(4)
وينبغي التنبه إلى أن المعاني المستنبطة تتفاوت في القرب والبعد من معنى الآية، كما تتفاوت في الظهور والخفاء، وكُلُّ ذلك بحسب المعنى المستنبط، ووجه اتصاله بالمعنى الظاهر، وباستعراض أي من الكتب المفردة في الاستنباطات القرآنية يتضح ذلك بلا خفاء؛ فبينما نجد استنباطاً على التمام، إذ يتلوه آخر موغلاً في الإيهام، ثم استنباطٌ في القرب والظهور كأنه المعنى المباشر للَّفظ، ويتبعه آخر في البعد والخفاء، بما لا يكاد يُسفر عن وجه اتصاله بالآية. ينظر: معالم الاستنباط في التفسير لنايف بن سعيد الزهراني ص 44
قال البغوي
(1)
: (من العِلم ما يُدرَكُ بالتلاوة والرواية، وهو: النصُّ، ومنه ما يُدرَكُ بالاستنباط، وهو: القياس على المعاني المودعةِ في النصوص)
(2)
، والقياس نوعٌ من الاستنباط.
رابعاً: أنه يطلق على المحسوسات كما في استنباط الماء من البئر، وعلى المعاني كاستنباط الحُكم أو الفائدة بعد النظر والتأمل.
(3)
أمَّا تعريف الاستنباط في الاصطلاح فقد تفاوتت فيه عبارة العلماء:
فعرَّفه النووي
(4)
بقوله: (قال العلماء: الاستنباط استخراج ما خفي المراد به من اللفظ).
(5)
وقال ابن القيم: (الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفي على غير مستنبطه).
(6)
(1)
هو: الحسين بن مسعود بن محمد، أبو محمد البغوي، الفقيه الشافعي، يلقب بمحيي السنة، كان إماماً في التفسير والحديث والفقه، وله من التصانيف:(معالم التنزيل) في التفسير، و (شرح السنة) في الحديث، و (التهذيب) في الفقه، توفي سنة 516 هـ.
ينظر: طبقات المفسرين للسيوطي ص 50، وطبقات المفسرين للأدنه وي ص 158.
(2)
معالم التنزيل (1/ 667)
(3)
ينظر: منهج الاستنباط من القرآن للدكتور: فهد الوهبي ص 3، ومعالم الاستنباط في التفسير لنايف الزهراني، ص 20.
(4)
هو: محيي الدين، أبو زكريا، يحي بن شرف النووي، الإمام، الفقيه، الحافظ، صاحب التصانيف النافعة في الفقه، والحديث، له شرح على صحيح مسلم، ورياض الصالحين، توفي سنة 676 هـ. ينظر: تذكرة الحفاظ للقيسراني (4/ 470)، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص 513.
(5)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 158) ولعل نسبته إلى العلماء تُكسبه مزيد قوة؛ إذ ليس من كلام النووي وحده بل به قال جمع من العلماء.
(6)
إعلام الموقعين (1/ 397)، وينظر: البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (7/ 30).