الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه فيُقال للجهلة الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام ما نسبوا، إن كانوا من أتباع الله سبحانه فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته عليه السلام، وإن كانوا من أتباع إبليس فليقبلوا شهادته
(1)
، والله تعالى أعلم.
سورة الزمر
فضيلة العلم.
قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({قُلْ هَلْ يَسْتَوِي} أي: في الرتبة {الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} أي: وهم الذين صفتهم أنهم يقنتون آناء الليل ساجدين وقائمين {وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أي: وهم صفتهم عند البلاء والخوف يوحدون، وعند الراحة والفراغ يشركون، وإنما وصف الله تعالى الكفار بأنهم لا يعلمون؛ لأن الله تعالى وإن أعطاهم آلة العلم، إلا أنهم أعرضوا عن تحصيل العلم، فلهذا جعلهم الله تعالى كأنهم ليسوا من أولي الألباب من حيث إنهم لم ينتفعوا بعقولهم وقلوبهم، وفي هذا تنبيه على فضيلة العلم).
(2)
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على فضيلة العلم؛ حيث نفى تعالى استواء الفريقين فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ، فجعل القانتين هم العلماء، وذلك تنويه ظاهر برفعة العلم ومذمة الجهل.
(1)
التفسير الكبير (18/ 441).
(2)
السراج المنير (3/ 525).
وفي الآية أيضاً إشعار بأن الذين يعلمون هم العاملون بعلمهم، إذ عبَّر عنهم أولا بلفظ (القانت)، ثم نفى المساواة بينه وبين غيره، ليكون تأكيداً له، وتصريحاً بأن غير العالم كأن ليس بعالم.
(1)
وفي هذا إشارة إلى تحقير العلماء غير العاملين وأنهم عند الله جهلة، وأن من لم يعمل فهو غير عالم، وهذا تنبيه عظيم على فضيلة العلم.
(2)
وممن وافق الخطيب في استنباط هذه الدلالة من الآية: الرازي، والبيضاوي، والنيسابوري، وحقي، والألوسي، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم.
(3)
ويؤيد هذا الاستنباط قوله صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياءلم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
(4)
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»
(5)
وإنما كان المطيع هو العالم كما هي دلالة الآية؛ لأن علمه هو الذي دلَّه، وقوَّمه، فرسخ في قلبه وتأصَّل، وظهر أثره عليه ظاهراً وباطناً حتى لا يمكنه مخالفته واتباع هواه.
(6)
(1)
ينظر: محاسن التأويل للقاسمي (8/ 282).
(2)
ينظر: روح البيان (8/ 82)، والتحرير والتنوير (23/ 313).
(3)
ينظر: التفسير الكبير (26/ 429)، وأنوار التنزيل (5/ 38)، وغرائب القرآن (5/ 617)، وروح البيان (8/ 82)، وروح المعاني (12/ 237) محاسن التأويل (8/ 282)، والتحرير والتنوير (23/ 313).
(4)
تقدم تخريجه
(5)
تقدم تخريجه
(6)
ينظر: محاسن التأويل للقاسمي (8/ 282)
وبهذا يظهر أن دلالة هذه الآية على ما استنبطه الخطيب صحيحة ظاهرة المعنى، وقد مضى الحديث عن قريب منها في أول سورة البقرة
(1)
، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر الاستنباط رقم: (11).
فضل قيام الليل على النهار.
قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في هذه الآية دلالة على أن قيام الليل أفضل من قيام النهار.)
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على أن قيام الليل أفضل من قيام النهار؛ لأنه تعالى نصَّ على ذكر الليل دون النهار، ففيه إشارة إلى أفضليته وميزته.
وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: الرازي، والخازن، وأبو حيان، وابن عادل، والنيسابوري، وغيرهم.
(2)
قال أبوحيان: (في الآية دليل على فضل قيام الليل، وأنه أرجح من قيام النهار).
(3)
وحكى الرازي بعد تنبيهه على أفضلية قيام الليل على قيام النهار تأكيده من وجوه أربعة فقال: (ويؤكده وجوه:
الأول: أن عبادة الليل أستر عن العيون فتكون أبعد عن الرياء.
(1)
السراج المنير (3/ 524)
(2)
ينظر: التفسير الكبير (26/ 428)، ولباب التأويل (4/ 52)، والبحر المحيط (9/ 189)، واللباب في علوم الكتاب (19/ 463)، وغرائب القرآن (5/ 616).
(3)
البحر المحيط (9/ 189).
الثاني: أن الظلمة تمنع من الإبصار، ونوم الخلق يمنع من السماع، فإذا صار القلب فارغاً عن الاشتغال بالأحوال الخارجية عاد إلى المطلوب الأصلي، وهو معرفة الله.
الثالث: أن الليل وقت النوم، فتركه يكون أشق فيكون الثواب أكثر.
الرابع: قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6].)
(1)
ويشهد لصحة هذه الدلالة ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة، بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم»
(2)
قال النووي: (فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار).
(3)
كما يدلَّ له ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على العلانية»
(4)
، فكما أن صدقة السر تطفئ الخطيئة، وتطفئ غضب الرب، فكذلك صلاة الليل.
(5)
فثبت بهذا فضل صلاةِ الليل على صلاة النَّهار، وأن الاستكثار من صلاة الليل بالقراءة فيها ما أمكن أعظم للأجر، وأرفع للدرجات، لأنها تجمع بين تخلية القلب من الرذائلِ بغفران الذنوب، وتحليته بالفضائل بكَسْب الحسنات، كما أن الليل موسم لتنزُّل الرحمات، ونزول الله تبارك وتعالى، فعظمت العبادة فيه؛ لأنه وقت فاضل،
(6)
وبهذا يظهر صحة دلالة هذه الآية على ما استنبطه الخطيب، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: التفسير الكبير (26/ 428)
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم برقم (203)، (2/ 821).
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 55)
(4)
ينظر: تفسير يحيى بن سلام (2/ 787).
(5)
ينظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/ 142).
(6)
ينظر: الهداية الى بلوغ النهاية (12/ 7791)، وقيام الليل لمحمد بن نصر المروزي (1/ 189)، وعون المعبود وحاشية ابن القيم (7/ 59).
لا وجوب قبل مجيء الشرع.
قال الله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في الآية دليل على أنه لا وجوب قبل مجيء الشرع؛ لأن الملائكة بينوا لهم أنهم ما بقي لهم عذر، ولا على بعد مجيء الرسل عليهم الصلاة والسلام، فلو لم يكن مجيء الرسل شرطاً في استحقاق العذاب، لما بقي في هذا الكلام فائدة).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على أنه لا تكليف قبل الشرع؛ حيث أن الملائكة علَّلوا توبيخهم للكفار بإتيان الرسل وتبليغ الكتب، فأجابوهم:{قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} .
وقد مضى الكلام عن هذه الدلالة نفسها عند قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وتقرير ماعليه أهل السنة في مسألة: أن الواجبات إنما تجب بالشرع لا بالعقل، ولا يجب شيء على أحد قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم.
(2)
يدلُّ له ماروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس قد فُرض عليكم الحج فحُجوا، فقال رجل: أكُلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال: لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما أُهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم
(1)
السراج المنير (3/ 554).
(2)
ينظر: استنباطات سورة الإسراء {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ، الاستنباط رقم:(141).
واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه ".
(1)
فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن الأشياء التي لم يبين لهم فيها تكليف بأمر أو نهي، وأمرهم بالبقاء على ما كانوا عليه، وهو عدم التكليف لعدم وجود الشرع، فدلَّ على أنه لا تكليف فيها قبل ورود الشرع.
قال الإمام النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: "ذروني ما تركتكم" دليل على أن الأصل عدم الوجوب، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين
(2)
لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]
(3)
، وغيرها من الأدلة الظاهرة.
وممن استنبط هذه الدلالة من هذه الآية في سورة الزمر: الرازي، والبيضاوي، وأبو السعود، وحقي، والألوسي، وغيرهم).
(4)
فالأصل في الأعمال قبل ورود الشرع العلم بالمكلف به، ويؤيده أنه لو كان المرء مكلفًا بالعمل لكان تكليفًا بما لا يطاق؛ لأنه تكليف بما لا سبيل إلى الوصول
(1)
تقدم تخريجه عن أبي هريرة في صحيح البخاري.
(2)
ينظر: المنخول للغزالي (1/ 76)، والمحصول للرازي (1/ 139)، والإحكام للآمدي (1/ 79).
(3)
ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 101)، ونقل هذا الاستدلال الإمام ابن حجر رحمه الله في: فتح الباري (13/ 261).
(4)
ينظر: التفسير الكبير (27/ 479)، وأنوار التنزيل (5/ 49)، وإرشاد العقل السليم (7/ 264)، وروح البيان (8/ 142).