المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وعليه فيُقال للجهلة الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام ما - الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير

[أسماء بنت محمد الناصر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌مجال البحث وحدوده:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌فأما الدراسات التي عنيت بتفسير الخطيب الشربيني فهي:

- ‌وأما دراسة موضوع الاستنباط لذاته أو عند المفسرين فقد سجل في رسائل علمية نوقش بعضها، والبعض لا يزال قيد الإعداد والمناقشة، وهي:

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌التمهيد

- ‌أولاً: - تعريف الاستنباط، ونشأته، وعلاقته بالتفسير. - أهميته، وطرق التوصل إليه

- ‌أولاً: تعريف الاستنباط:

- ‌ثانياً: نشأة الاستنباط وعلاقته بالتفسير:

- ‌ثالثاً: أهمية علم الاستنباط:

- ‌طريق الوصول إلى الاستنباط:

- ‌ثانياً: التعريف بالخطيب الشربيني رحمه الله

- ‌اسمه ونشأته:

- ‌شيوخه:

- ‌مكانته العلمية وآثاره:

- ‌مؤلفاته:

- ‌عقيدته ومذهبه:

- ‌أولاً: التوحيد:

- ‌ثانياً: الإيمان:

- ‌ثالثاً: القرآن:

- ‌رابعاً: النبوات:

- ‌خامساً: القدر:

- ‌سادساً: السببية وأفعال المخلوقات:

- ‌سابعاً: التحسين والتقبيح:

- ‌وفاته

- ‌ثالثاً: التعريف بتفسير"السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير

- ‌القيمة العلمية لتفسير السراج المنير، ومنهجه فيه:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌الباب الأول:منهج الخطيب الشربيني في الاستنباطمن خلال تفسيره "السراج المنير

- ‌الفصل الأول:أقسام الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره

- ‌المبحث الأول:الاستنباط باعتبار موضوع المعنى المستنبط

- ‌المطلب الأول: الاستنباطات في علوم القرآن

- ‌ومن الأمثلة على استنباطاته في علوم القرآن:

- ‌أولاً: في مناسبات الألفاظ:

- ‌ثانياً: في أسرار التقديم والتأخير في القرآن

- ‌ثالثاً: في فوائد التكرار في القرآن الكريم:

- ‌رابعاً: في جواز وقوع النسخ في القرآن:

- ‌خامساً: في قصص القرآن:

- ‌سادساً: في المنطوق والمفهوم:

- ‌سابعاً: في الخصوص والعموم:

- ‌المطلب الثاني: الاستنباطات العقدية:

- ‌القسم الأول: استنباطات فيها تقرير مباشر لمسائل العقيدة، وهي على نوعين:

- ‌النوع الأول: تقرير مسائل على عقيدته الأشعرية:

- ‌النوع الثاني: تقرير مسائل على عقيدة أهل السنة والجماعة:

- ‌القسم الثاني: استنباطات فيها تقرير لمسائل عقدية على مذهب أهل السنة والجماعة والرد على مخالفيهم

- ‌المطلب الثالث: الاستنباطات الأصولية

- ‌المطلب الرابع: الاستنباطات الفقهية:

- ‌القسم الأول: استنباطات فقهية كلية، وهي ما يعرف بالقواعد الفقهية

- ‌حجية سد الذرائع:

- ‌الأصل في الأشياء الإباحة:

- ‌القسم الثاني: استنباطات لمسائل فقهية فرعية متنوعة، وهذا هو الأغلب في استنباطات الخطيب الفقهية

- ‌المطلب الخامس: الاستنباطات اللغوية

- ‌المطلب السادس: الاستنباطات التربوية السلوكية

- ‌المبحث الثاني:الاستنباط باعتبار ظهور النص المستنبط منه وخفائه

- ‌المطلب الأول: الاستنباط من ظاهر النص

- ‌المطلب الثاني: الاستنباط من نص غير ظاهر المعنى

- ‌المبحث الثالث:الاستنباط باعتبار الإفراد والتركيب

- ‌المطلب الأول: الاستنباط من الآية الواحدة

- ‌المطلب الثاني: الاستنباط بالربط بين آيتين أو أكثر

- ‌الفصل الثاني:دلالات وطرق الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره

- ‌المبحث الأول:الاستنباط بدلالة النص (مفهوم الموافقة)

- ‌المبحث الثاني:الاستنباط بدلالة المفهوم (مفهوم المخالفة)

- ‌المبحث الثالث:الاستنباط بدلالة الالتزام

- ‌المبحث الرابع:الاستنباط بدلالة التضمن

- ‌المبحث الخامس:الاستنباط بدلالة الاقتران

- ‌المبحث السادس:الاستنباط بدلالة الجمع بين النصوص

- ‌الفصل الثالث:أساليب الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره، ومميزاته

- ‌المبحث الأول:أساليب الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره

- ‌المبحث الثاني:مميزات الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره

- ‌الفصل الرابع:مصادر الاستنباط عند الخطيب الشربيني:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول:المصادر الأصلية، وهي التي يعتمد عليها غالباً

- ‌أولاً: الرازي:

- ‌ثانياً: البيضاوي:

- ‌ثالثاً: الزمخشري:

- ‌رابعاً: القرطبي:

- ‌خامساً: البغوي:

- ‌المبحث الثاني:المصادر الفرعية، وهي التي لا يعتمد عليها إلا قليلاً أو نادراً

- ‌أولا: الخازن

- ‌ثانياً: أبو حيان

- ‌ثالثاً: ابن عادل الحنبلي

- ‌رابعاً: البقاعي

- ‌الباب الثاني:جمع ودراسة الاستنباطات عند الخطيب الشربينيفي تفسيره من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف

- ‌سورة الأنفال

- ‌سورة التوبة

- ‌سورة يونس

- ‌سورة هود

- ‌سورة يوسف

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة إبراهيم

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم

- ‌سورة طه

- ‌سورة الحج

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعراء

- ‌سورة النمل

- ‌سورة القصص

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة لقمان

- ‌سورة الأحزاب

- ‌سورة سبأ

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة الزمر

- ‌سورة غافر

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌سورة الزخرف

- ‌سورة الجاثية

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمد

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة الطلاق

- ‌سورة الملك

- ‌سورة الجن

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الضحى

- ‌سورة البينة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة قريش

- ‌سورة المسد

- ‌سورة الناس

- ‌الخاتمة

الفصل: وعليه فيُقال للجهلة الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام ما

وعليه فيُقال للجهلة الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام ما نسبوا، إن كانوا من أتباع الله سبحانه فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته عليه السلام، وإن كانوا من أتباع إبليس فليقبلوا شهادته

(1)

، والله تعالى أعلم.

‌سورة الزمر

فضيلة العلم.

قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({قُلْ هَلْ يَسْتَوِي} أي: في الرتبة {الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} أي: وهم الذين صفتهم أنهم يقنتون آناء الليل ساجدين وقائمين {وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أي: وهم صفتهم عند البلاء والخوف يوحدون، وعند الراحة والفراغ يشركون، وإنما وصف الله تعالى الكفار بأنهم لا يعلمون؛ لأن الله تعالى وإن أعطاهم آلة العلم، إلا أنهم أعرضوا عن تحصيل العلم، فلهذا جعلهم الله تعالى كأنهم ليسوا من أولي الألباب من حيث إنهم لم ينتفعوا بعقولهم وقلوبهم، وفي هذا تنبيه على فضيلة العلم).

(2)

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على فضيلة العلم؛ حيث نفى تعالى استواء الفريقين فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ، فجعل القانتين هم العلماء، وذلك تنويه ظاهر برفعة العلم ومذمة الجهل.

(1)

التفسير الكبير (18/ 441).

(2)

السراج المنير (3/ 525).

ص: 683

وفي الآية أيضاً إشعار بأن الذين يعلمون هم العاملون بعلمهم، إذ عبَّر عنهم أولا بلفظ (القانت)، ثم نفى المساواة بينه وبين غيره، ليكون تأكيداً له، وتصريحاً بأن غير العالم كأن ليس بعالم.

(1)

وفي هذا إشارة إلى تحقير العلماء غير العاملين وأنهم عند الله جهلة، وأن من لم يعمل فهو غير عالم، وهذا تنبيه عظيم على فضيلة العلم.

(2)

وممن وافق الخطيب في استنباط هذه الدلالة من الآية: الرازي، والبيضاوي، والنيسابوري، وحقي، والألوسي، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم.

(3)

ويؤيد هذا الاستنباط قوله صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياءلم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".

(4)

وقوله صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»

(5)

وإنما كان المطيع هو العالم كما هي دلالة الآية؛ لأن علمه هو الذي دلَّه، وقوَّمه، فرسخ في قلبه وتأصَّل، وظهر أثره عليه ظاهراً وباطناً حتى لا يمكنه مخالفته واتباع هواه.

(6)

(1)

ينظر: محاسن التأويل للقاسمي (8/ 282).

(2)

ينظر: روح البيان (8/ 82)، والتحرير والتنوير (23/ 313).

(3)

ينظر: التفسير الكبير (26/ 429)، وأنوار التنزيل (5/ 38)، وغرائب القرآن (5/ 617)، وروح البيان (8/ 82)، وروح المعاني (12/ 237) محاسن التأويل (8/ 282)، والتحرير والتنوير (23/ 313).

(4)

تقدم تخريجه

(5)

تقدم تخريجه

(6)

ينظر: محاسن التأويل للقاسمي (8/ 282)

ص: 684

وبهذا يظهر أن دلالة هذه الآية على ما استنبطه الخطيب صحيحة ظاهرة المعنى، وقد مضى الحديث عن قريب منها في أول سورة البقرة

(1)

، والله تعالى أعلم.

(1)

ينظر الاستنباط رقم: (11).

ص: 685

فضل قيام الليل على النهار.

قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9].

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في هذه الآية دلالة على أن قيام الليل أفضل من قيام النهار.)

(1)

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على أن قيام الليل أفضل من قيام النهار؛ لأنه تعالى نصَّ على ذكر الليل دون النهار، ففيه إشارة إلى أفضليته وميزته.

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: الرازي، والخازن، وأبو حيان، وابن عادل، والنيسابوري، وغيرهم.

(2)

قال أبوحيان: (في الآية دليل على فضل قيام الليل، وأنه أرجح من قيام النهار).

(3)

وحكى الرازي بعد تنبيهه على أفضلية قيام الليل على قيام النهار تأكيده من وجوه أربعة فقال: (ويؤكده وجوه:

الأول: أن عبادة الليل أستر عن العيون فتكون أبعد عن الرياء.

(1)

السراج المنير (3/ 524)

(2)

ينظر: التفسير الكبير (26/ 428)، ولباب التأويل (4/ 52)، والبحر المحيط (9/ 189)، واللباب في علوم الكتاب (19/ 463)، وغرائب القرآن (5/ 616).

(3)

البحر المحيط (9/ 189).

ص: 686

الثاني: أن الظلمة تمنع من الإبصار، ونوم الخلق يمنع من السماع، فإذا صار القلب فارغاً عن الاشتغال بالأحوال الخارجية عاد إلى المطلوب الأصلي، وهو معرفة الله.

الثالث: أن الليل وقت النوم، فتركه يكون أشق فيكون الثواب أكثر.

الرابع: قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6].)

(1)

ويشهد لصحة هذه الدلالة ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة، بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم»

(2)

قال النووي: (فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار).

(3)

كما يدلَّ له ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على العلانية»

(4)

، فكما أن صدقة السر تطفئ الخطيئة، وتطفئ غضب الرب، فكذلك صلاة الليل.

(5)

فثبت بهذا فضل صلاةِ الليل على صلاة النَّهار، وأن الاستكثار من صلاة الليل بالقراءة فيها ما أمكن أعظم للأجر، وأرفع للدرجات، لأنها تجمع بين تخلية القلب من الرذائلِ بغفران الذنوب، وتحليته بالفضائل بكَسْب الحسنات، كما أن الليل موسم لتنزُّل الرحمات، ونزول الله تبارك وتعالى، فعظمت العبادة فيه؛ لأنه وقت فاضل،

(6)

وبهذا يظهر صحة دلالة هذه الآية على ما استنبطه الخطيب، والله تعالى أعلم.

(1)

ينظر: التفسير الكبير (26/ 428)

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم برقم (203)، (2/ 821).

(3)

شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 55)

(4)

ينظر: تفسير يحيى بن سلام (2/ 787).

(5)

ينظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/ 142).

(6)

ينظر: الهداية الى بلوغ النهاية (12/ 7791)، وقيام الليل لمحمد بن نصر المروزي (1/ 189)، وعون المعبود وحاشية ابن القيم (7/ 59).

ص: 687

لا وجوب قبل مجيء الشرع.

قال الله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71].

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في الآية دليل على أنه لا وجوب قبل مجيء الشرع؛ لأن الملائكة بينوا لهم أنهم ما بقي لهم عذر، ولا على بعد مجيء الرسل عليهم الصلاة والسلام، فلو لم يكن مجيء الرسل شرطاً في استحقاق العذاب، لما بقي في هذا الكلام فائدة).

(1)

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على أنه لا تكليف قبل الشرع؛ حيث أن الملائكة علَّلوا توبيخهم للكفار بإتيان الرسل وتبليغ الكتب، فأجابوهم:{قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} .

وقد مضى الكلام عن هذه الدلالة نفسها عند قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وتقرير ماعليه أهل السنة في مسألة: أن الواجبات إنما تجب بالشرع لا بالعقل، ولا يجب شيء على أحد قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم.

(2)

يدلُّ له ماروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس قد فُرض عليكم الحج فحُجوا، فقال رجل: أكُلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال: لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما أُهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم

(1)

السراج المنير (3/ 554).

(2)

ينظر: استنباطات سورة الإسراء {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ، الاستنباط رقم:(141).

ص: 688

واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه ".

(1)

فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن الأشياء التي لم يبين لهم فيها تكليف بأمر أو نهي، وأمرهم بالبقاء على ما كانوا عليه، وهو عدم التكليف لعدم وجود الشرع، فدلَّ على أنه لا تكليف فيها قبل ورود الشرع.

قال الإمام النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: "ذروني ما تركتكم" دليل على أن الأصل عدم الوجوب، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين

(2)

لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]

(3)

، وغيرها من الأدلة الظاهرة.

وممن استنبط هذه الدلالة من هذه الآية في سورة الزمر: الرازي، والبيضاوي، وأبو السعود، وحقي، والألوسي، وغيرهم).

(4)

فالأصل في الأعمال قبل ورود الشرع العلم بالمكلف به، ويؤيده أنه لو كان المرء مكلفًا بالعمل لكان تكليفًا بما لا يطاق؛ لأنه تكليف بما لا سبيل إلى الوصول

(1)

تقدم تخريجه عن أبي هريرة في صحيح البخاري.

(2)

ينظر: المنخول للغزالي (1/ 76)، والمحصول للرازي (1/ 139)، والإحكام للآمدي (1/ 79).

(3)

ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 101)، ونقل هذا الاستدلال الإمام ابن حجر رحمه الله في: فتح الباري (13/ 261).

(4)

ينظر: التفسير الكبير (27/ 479)، وأنوار التنزيل (5/ 49)، وإرشاد العقل السليم (7/ 264)، وروح البيان (8/ 142).

ص: 689