‌المطلب الثاني: الاستنباط من نص غير ظاهر المعنى - الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير

‌

‌المطلب الثاني: الاستنباط من نص غير ظاهر المعنى

.

والاستنباط هنا يتوقف على الرجوع للتفسير؛ لأن النص فيه غير ظاهر المعنى، فعلى المُستنبِط معرفة معنى الآية وتفسيرها الصحيح أولاً قبل الاستنباط منها.

قال القرطبي

(1)

: (فمن لم يُحكِم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثُر غلطُه، ودخل في زمرة من فسَّر القرآن بالرأي، والنقلُ والسماع لا بُدَّ له منه في ظاهر التفسير أولاً، ليتَّقِي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط، .. ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر).

(2)

وقد يكون الاستنباط في هذا القسم صحيحاً أو غير صحيح، وذلك يعود إلى الخلاف في التفسير الذي ينبني عليه بطلان الاستنباط فيما لو ترجّح أحد المعنيين على الآخر، أو على غيره من المعاني.

ومن أمثلة الاستنباط من نص غير ظاهر المعنى:

- عند قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 10]

قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ({وَأَصْبَحَ} أي: عقب الليلة التي حصل فيها فراقه {فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى} أي: قلبها الذي زاد احتراقه شوقاً وخوفاً وحزناً، وهذا يدل على أنها ألقته ليلاً).

(1)

وللمفسرين في قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ} وجهان: أحدهما: أنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها فارغاً في النهار. والثاني: أنها ألقته نهاراً، ومعنى أصبح: أي صار.

والأظهر أن لفظ «أصبح» بمعنى: صار، كما عليه عموم المفسرين، وهو الأغلب في استعماله.

(2)

- عند قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]

قال الخطيب رحمه الله: (وفي هذا دليل على أن التيمم لا يرفع الحدث؛ لأنه غيّاه بقوله: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا}).

(3)

وفي معنى هذه الآية خلاف بين المفسرين، فحمل بعضهم الآية على ظاهرها وقال المراد: إلا أن تكونوا مسافرين ولا تجدوا الماء فتيمموا، فمُنع الجنب من الصلاة حتى يغتسل إلا أن يكون في سفر ولا يجد ماء فيصلي بالتيمم، وقال آخرون: بل المراد من الصلاة: مواضع الصلاة وهي المساجد، كقوله تعالى:{وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] ومعناه: لا تقربوا المسجد وأنتم جنب إلا مجتازين فيه للخروج منه، وعليه فلا يقيم.