الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه ولا يقدر على الامتثال
(1)
، وبهذا يظهر صحة دلالة هذه الآية على استنباط الخطيب، والله تعالى أعلم.
سورة غافر
شرف الإيمان وفضله.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} [غافر: 7]
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} ولا يخفى على أحد أن حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمده مؤمنون؟
أجيب: بأن فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله، والترغيب فيه، كما وصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في غير موضع من كتابه بالصلاح)
(2)
.
وجه الاستنباط:
التصريح بالإيمان مع كونه معروفاً في جانب الملائكة.
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على فضل الإيمان وشرفه وأهله، لأنه تعالى نصَّ على إيمان حملة العرش، مع ظهوره، فدلَّ على مزيد عناية وتشريف،
(1)
ينظر: الموافقات للشاطبي (5/ 334)
(2)
السراج المنير (3/ 564).
وإشعارٍ بعلة دعائهم للمؤمنين في قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} حيث أخبر بما يتضمن تشريف أهل الإيمان، ويزيدهم رجاء، وهو أن الملائكة الحاملين للعرش ومن حوله، وهم الذين لا ذنوب لهم، يستغفرون للمؤمنين ويسألون الله لهم الرحمة والجنة، وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة، فالمؤمن بإيمانه تسبَّب لهذا الفضل العظيم.
(1)
قال ابن جزي: (إن قيل: ما فائدة قوله {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} ومعلوم أن حملة العرش ومن حوله يؤمنون بالله؟ فالجواب أن ذلك إظهار لفضيلة الإيمان وشرفه).
(2)
وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: الزمخشري، وابن عطية، والرازي، والبيضاوي، والنسفي، وابن جزي، والنيسابوري، والقاسمي، والألوسي، وابن عاشور، وغيرهم.
(3)
وهي دلالة صحيحة، والظاهر أن معنى الآية يحتمل هذه الدلالة، كما يحتمل غيرها من الدلائل، إذ في الإخبار عنهم أيضاً بأنهم يؤمنون مع كونه معلوماً في جانب الملائكة فائدة أخرى وهي: التنويه بشأن الإيمان بأنه حال الملائكة، والتعريض بالمشركين أن لم يكونوا مثل أشرف المخلوقات
(4)
، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: المحرر الوجيز (4/ 547)، وتيسير الكريم الرحمن (1/ 732)
(2)
التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 227)
(3)
ينظر: الكشاف (4/ 152)، والمحرر الوجيز (4/ 547)، والتفسير الكبير (27/ 488)، وأنوار التنزيل (5/ 52)، ومدارك التنزيل (3/ 200)، والتسهيل 2/ 227)، وغرائب القرآن (6/ 23)، ومحاسن التأويل (8/ 303)، وروح المعاني (12/ 345)، والتحرير والتنوير (24/ 90).
(4)
ينظر: التحرير والتنوير (24/ 90).
المشاركة في الإيمان توجب النصح والشفقة وإن اختلفت الأجناس.
قال الله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (وفي ذلك تنبيه على أن الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة، وأبعث على إمحاض الشفقة، وإن تفاوتت الأجناس وتباعدت الأماكن، فإنه لا تجانس بين ملَك وإنسان ولا بين سماوي وأرضي قط، ولكن لما جاء جامع الإيمان جاء معه التجانس الكلي والتناسب الحقيقي، حتى
استغفر من حول العرش لمن فوق الأرض، قال تعالى:{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5]).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآية دلالتها باللازم على كون المشاركة في الإيمان توجب النصح والشفقة، وإن اختلفت الأجناس؛ لأنها أقوى الروابط كما قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} فإنه لا تجانس بين الملك والإنسان، ولكن لما جمعهم جامع الإيمان جاء التجانس، فاستغفر من حول العرش لمن فوق الأرض، وهذا من كمال رحمته سبحانه.
فجاء التنبيه للمؤمنين في هذه الآية أن يكونوا أشفق وأنصح لبعضهم من بني جنسهم كما هو حال الملائكة مع بني آدم، فإن الأُخوة في الدين من أوثق عرى الإيمان وأشرف الروابط.
(1)
السراج المنير (3/ 564).
وكما قيل: كمال السعادة مربوط بأمرين: التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله، كما هي متمثلة في هذه الآية فقوله تعالى:{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} مشعر بالتعظيم لأمر الله، وقوله {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} مشعر بالشفقة على خلق الله، أفاده الرازي.
(1)
وممن أشار إلى هذا التنبيه من معنى الآية: الزمخشري، والرازي، والبيضاوي، والنسفي، وأبو حيان
(2)
، والنيسابوري، وأبو السعود، وحقي، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم.
(3)
وهو تنبيه لطيف جديربالإشارة إليه، لاسيما في فضيلة الإحسان إلى الإخوان، والتواصي والتناصح بينهم، لكن ربطه بهذه الآية ليس بالقريب الظاهر، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: التفسير الكبير (27/ 488).
(2)
نقله عن الزمخشري في كشافه ثم قال: وهو كلام حسن. البحر المحيط (9/ 238)
(3)
ينظر: الكشاف (4/ 152)، والتفسير الكبير (27/ 488)، وأنوار التنزيل (5/ 52)، ومدارك التنزيل (3/ 200)، والبحر المحيط (9/ 238)، وغرائب القرآن (6/ 23)، وإرشاد العقل السليم (7/ 267)، وروح البيان (8/ 157)، ومحاسن التأويل (8/ 303).
جواز وصفه تعالى بصفة المقت وثبوتها في حقه.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (دلت الآية على أنه يجوز وصفه تعالى بأنه مقت بعض عباده، إلا أنها صفة واجبة التأويل في حق الله تعالى كالغضب والحياء والعجب.)
(1)
وجه الاستنباط:
أن الله تعالى نصَّ على هذه الصفة، ونسبها لنفسه كما نسبها لعباده.
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية دلالتها بالنَّص على جواز وصفه تعالى بأنه مقت بعض عباده بدلالة هذه الآية؛ حيث وصف تعالى نفسه بأنه كبر مقتاً عنده سبحانه، كما كبر مقتاً عند الذين آمنوا فدلَّ على إثبات هذه الصفة له تعالى.
وممن استنبط هذه الدلالة من هذا الموضع من الآية: الرازي، وغيره.
(2)
وهذه الدلالة صحيحة في نفسها، غير أن قول الخطيب:"إلا أنها صفة واجبة التأويل في حق الله كالغضب والحياء والتعجب " هو على معتقد الأشعرية في آيات الصفات.
(3)
(1)
السراج المنير (3/ 577).
(2)
ينظر: التفسير الكبير (27/ 513)
(3)
ينظر: الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 466 - 487 - 509)، والإرشاد للجويني (1/ 157 - 158)
والذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات صفات الله تعالى كما جاءت، من غير تأويل، فأثبتوا لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، ونفوا عنه مانفاه عن نفسه من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل، وعلى هذا مضى أئمة السلف يُجرون هذه النصوص على ظاهرها، وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل
(1)
، ويمرونها كما جاءت
(2)
، فصفة المقت في هذه الآية صفةٌ فعلية خبريَّة ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة الصحيحة
(3)
، والدليل عليها من الكتاب قوله تعالى:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [غافر: 10].
قال ابن تيمية عند هذه الآية: (فوصف تعالى نفسه بأنه يمقت الكفار، ووصفهم بالمقت، وليس المقت مثل المقت)
(4)
.
(5)
(1)
ينظر: أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات لمرعي الكرمي (1/ 60)، ومعارج القبول للحكمي (1/ 147)، والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين (1/ 70)، وشرح العقيدة الواسطية للعثيمين (1/ 270)، والمفسرون بين التأويل والإثبات للمغراوي ص 1217 وما بعدها.
(2)
قال السفاريني: (مضت أئمة السلف على الإيمان بظاهر ما جاء في الكتاب من آيات الصفات، وكان الزهري، ومالك، والأوزاعي، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وعبد الله بن المبارك، والإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وغيرهم رحمهم الله يقولون في آيات الصفات: مروها كما جاءت. وقال سفيان بن عيينة: وكل ما وصف الله نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. لوامع الأنوار البهية (1/ 219)
(3)
ينظر: صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي السقاف (1/ 321).
(4)
التدمرية (1/ 26)، ومجموع الفتاوى (3/ 13).
(5)
قال ابن تيمية: (المقت يراد به نفس المقت ويراد به الممقوت كما في الخلق ونظائره ومثله قوله {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] أي: كبر ممقوتاً، أي مقته مقتاً، والمقت البغض الشديد، وهو من جنس الغضب المناسب لحال هؤلاء). الاستقامة (1/ 18 - 19)
والدليل عليها من السنة ما أخرجه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "وإنَّ الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم؛ عربهم وعجمهم؛ إلا بقايا من أهل الكتاب".
(1)
وخلاصة القول أن المقت صفة ثابتة لله تبارك وتعالى على الحقيقة، على ما يليق به، ولا تُشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق. فلا يجوز التأويل فيها، ولا يجوز التفويض أيضاً؛ لأن ذلك كله مخالف لصريح النصوص الشرعية الثابتة.
وما عليه مؤولوا هذه الصفات من المعتزلة، ومتأخري الأشاعرة، فهو مخالف لمنهج السلف الصالح، إذ التأويل في باب الصفات من الأمور المبتدعة، لم يقل به أحد من الصحابة، ولا من التابعين، وهو خلاف المعروف المتواتر عن أئمة السنة والحديث
(2)
. والله تعالى أعلم.
(1)
أخرجه مسلم في كتاب الجنة ونعيمها وصفة أهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (4/ 2197) برقم (2865)
(2)
ينظر: إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لابن جماعه (1/ 47)، ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (1/ 28) قال:(تنازع الناس في كثير من الأحكام ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها.)، وينظر للاستزادة تفصيل الرد عليهم في الاستنباط رقم (97).