الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذلك حذَّروا من تحتهم من الاستماع خشية أن يميلوا إليه، ويستحوذ على عقولهم كما استحوذ عليهم هُم مِن قبل، وفي هذا أعظم دلالة على ضعف داعيهم، وقوة داعي الحق سبحانه مهما بلغ بهم من الكيد له والوقوف ضده، فإن الله تعالى مُتم نوره ولو كره الكافرون، وهي إشارة ظاهرة، والله تعالى أعلم.
سورة الشورى
عصاة المؤمنين من أهل الجنة.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [الشورى: 22].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (روضة الجنة أطيب بقعة فيها، وفيه تنبيه على أن عصاة المؤمنين من أهل الجنة؛ لأنه خصَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم في روضات الجنات، وهي: البقاع الشريفة من الجنة، فالبقاع التي دون تلك الروضات لا بد وأن تكون مخصوصة بمن كان دون الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
(1)
وجه الاستنباط:
(1)
السراج المنير (3/ 633)
تخصيص جزاء المؤمنين العاملين للصالحات بروضات الجنات يدل على أن غيرها من الأماكن في الجنة لغير المذكورين، وغيرهم ليس إلا الذي آمن ولم يعمل صالحا وهو الفاسق.
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على أن عصاة المؤمنين من أهل الجنة لأنه خصَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم في روضات الجنات، وعليه فالبقاع التي دون تلك الروضات لا بد وأن تكون مخصوصة بمن كان دون الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
وممن استنبط هذه الدلالة موافقاً الخطيب: الرازي، والخازن، والنيسابوري، وغيرهم.
(2)
قال الخازن: (فيه تنبيه على أن الجنة منازل غير الروضات، هي لمن هو دون الذين عملوا الصالحات من أهل القبلة).
(3)
وكما هو معلوم أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن أصحاب المعاصي من المسلمين تحت مشيئة الله تعالى يوم القيامة، ولا يخلد أحد منهم في النار.
(4)
قال ابن تيمية: (ومذهب أهل السنة والجماعة أن فساق أهل الملة ليسوا مخلدين في
(1)
ينظر: غرائب القرآن للنيسابوري (6/ 73)
(2)
ينظر: التفسير الكبير (27/ 593)، ولباب التأويل (4/ 97)، وغرائب القرآن (6/ 73).
(3)
لباب التأويل في معاني التنزيل (4/ 97).
(4)
ينظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز (1/ 359)، والقول السديد شرح كتاب التوحيد لابن سعدي (1/ 9).
النار، كما قالت الخوارج والمعتزلة، وليسوا كاملين في الدين والإيمان والطاعات، بل لهم حسنات وسيئات، يستحقون بهذا العقاب وبهذا الثواب).
(1)
وإذا ثبت هذا فالذي يظهر والله تعالى أعلم أن هذه الدلالة صحيحة في نفسها، غير أن استنباطها من هذه الآية بعيد؛ لأن تخصيص جزاء المؤمنين العاملين للصالحات بروضات الجنات فيه معنى الترغيب وزيادة التأكيد لمعنى النعيم المقيم في الجنات، ولا يُفهم منه بالضرورة كون عصاة المؤمنين في منزلة أدنى منهم، وأيضاً قد تكون إضافة الروضات إلى الجنات من باب إضافة العام إلى الخاص فتكون الجنات كلها روضات، والله تعالى أجل وأعلم.
(1)
مجموع الفتاوى (7/ 679).
لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم متعبداً قبل النبوة بشرع.
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبداً قبل النبوة بشرع، وفي المسألة خلاف للعلماء
(1)
، فقيل: كان يتعبد على دين إبراهيم عليه السلام وقيل: غيره).
(2)
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله بدلالة اللازم من الآية أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبداً قبل النبوة بشرع؛ لأنه تعالى نفى عنه العلم بالكتاب والإيمان قبل النبوة.
وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: البيضاوي، وابن عاشور.
(3)
وغيرهما
(4)
.
والحق أن هذه الدلالة غير صحيحة، وأهل الأصول على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا مؤمنين قبل الوحي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعبد الله قبل الوحي على دين إبراهيم، وهو الصحيح
(5)
، ولم يتبين له شرائع دينه
(6)
.
(1)
ينظر: الإبهاج للسبكي (2/ 303) والإحكام للآمدي (4/ 190)، والعدة لأبي يعلى (3/ 756)، والتمهيد (2/ 411)، وأصول السرخسي (2/ 99)، وتيسير التحرير لابن الهمام (3/ 131).
(2)
السراج المنير (3/ 560)
(3)
قال: في هذه الآية حجة للقائلين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبداً قبل نبوءته بشرع. التحرير والتنوير (25/ 153)
(4)
ينظر: أنوار التنزيل (5/ 85)، والمرجع السابق.
(5)
لقوله تعالى {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} [آل عمران: 68]، وقوله سبحانه {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123]. ينظر: أصول السرخسي (2/ 99)، وإرشاد الفحول للشوكاني (2/ 177)، وكشف الأسرار شرح أصول البزدوي (3/ 212)
(6)
قال ابن كثير: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} يعني: القرآن، {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} أي: على التفصيل الذي شُرع لك في القرآن. تفسير القرآن العظيم (7/ 217)، وينظر: معالم التنزيل للبغوي (4/ 153).
فقوله {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} توقيف على عظيم المنة، والقصدُ به تعداد النعمة عليه صلى الله عليه وسلم بأن علَّمه الله ما لم يكن يعلم، واحتجاج على نبوته لكونه أتى بما لم يكن يعلمه ولا تعلَّمه من أحد
(1)
.
وقيل: الإيمان في هذا الموضع يراد به الصلاة
(2)
. دليله {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، يعني: صلاتكم، إذ هي بعض ما يتناوله الإيمان، ولم يُرد به الإيمان الذي هو الإقرار بالله تعالى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة يوحد الله تعالى، ويحج ويعتمر، ويبغض الأصنام، ولا يأكل ما ذُبح على النصب، فكان يتعبد على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولم تتبين له شرائع دينه إلا بعد الوحي إليه.
(3)
والأقرب أن الآية واردة في معرض الامتنان والإيمان على ظاهره، وهي تدل على أنه صلى الله عليه وسلم عرف الكتاب والإيمان بعد أن لم يكن عارفاً، والتمسك به على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبداً بشرع من قبله – كما ذكر الخطيب رحمه الله ضعيف
(4)
، وهو مذهب
(1)
ينظر: التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 253)، والبحر المحيط (9/ 351).
(2)
كما روي عن ابن خزيمة. ينظر: البحر المحيط لأبي حيان (9/ 351).
(3)
ينظر: روح البيان لحقي (8/ 347)
(4)
ينظر: روضة الناظر (1/ 458) والمستدرك على مجموع الفتاوى لمحمد بن قاسم (2/ 130).
الأشاعرة والمعتزلة
(1)
، لأن عدم الدراية لا يلزم منه عدم التعبد، بل يلزم منه سقوط الإثم إن لم يكن تقصيراً
(2)
، والله تعالى أعلم.
(1)
ينظر: معالم التنزيل (4/ 153)، والجامع لأحكام القرآن (16/ 57)، ولباب التأويل (4/ 104).
(2)
ينظر: المستصفى للغزالي (1/ 165)، والمحصول للرازي (3/ 263)، والإحكام للآمدي (4/ 190).