الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحجرات
البغي لا يزيل اسم الإيمان.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في هاتين الآيتين دليل على أنّ البغي لا يزيل اسم الإيمان لأنّ الله تعالى سمَّاهم أخوة مؤمنين مع كونهم باغين).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله بدلالة النص أنّ البغي لا يزيل اسم الإيمان؛ لأنه تعالى سمَّاهم مؤمنين مع وجود البغي، فدلَّت على أن الباغي مؤمن، وأنه يجب مُعاونة من بُغي عليه بعد النصح والسعي في المصالحة.
والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل
(2)
، وقد استفاد الخطيب هذه الدلالة من البغوي.
(3)
وممن استنبط هذه الدلالة من الآيات غيرهما: القرطبي، والبيضاوي، والنسفي، والخازن، والسعدي
(4)
، وابن عاشور، وغيرهم.
(5)
(1)
السراج المنير (4/ 51)
(2)
قال النووي: (الباغي في اصطلاح العلماء: هو المخالف للإمام العدل، الخارج عن طاعته بامتناعه من أداء واجب عليه أو غيره بشرطه). روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 50).
(3)
قال البغوي: (في هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين). معالم التنزيل (4/ 259).
(4)
قال السعدي: (وفي هاتين الآيتين من الفوائد، غير ما تقدم: أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية، ولهذا كان من أكبر الكبائر، وأن الإيمان والأخوة الإيمانية لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة). تيسير الكريم الرحمن (1/ 800).
(5)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن (16/ 323)، وأنوار التنزيل (5/ 135)، ومدارك التنزيل (3/ 353)، ولباب التأويل (4/ 180)، وتيسير الكريم الرحمن (1/ 800).
ويدل له ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سُئِل وهو القدوة في قتال أهل البغي- عن أهل الجمل وصِفِّين: أمُشركون هم؟ فقال: لا، من الشرك فرَّوا، فقيل: أمنافقون هم؟
فقال: لا، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا.
(1)
قال شيخ الإسلام: فقد جعلهم مع وجود الاقتتال والبغي مؤمنين إخوة؛ بل مع أمره بقتال الفئة الباغية جعلهم مؤمنين. وليس كل ما كان بغياً وظلماً أو عدواناً يُخرج عموم الناس عن الإيمان، ولا يوجب لعنتهم؛ فكيف يُخرج ذلك من كان من خير القرون؟.
(2)
وقوله تعالى بعدها {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} عقدٌ عقده الله بين المؤمنين، كما أخبر صلى الله عليه وسلم:«المؤمن أخو المؤمن، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره»
(3)
، وبهذا يظهر أن البغي لا يزيل اسم الإيمان كما دلت عليه الآية، والله تعالى أعلم
(1)
ينظر: معالم التنزيل (4/ 259)، والجامع لأحكام القرآن (16/ 323).
(2)
مجموع الفتاوى (35/ 74)، وينظر: مختصر منهاج السنة (1/ 192)
(3)
أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره ودمه، وعرضه، وماله برقم (32)(4/ 1986)
الحكمة من تشبيه المغتاب بآكل لحم أخيه.
قال الله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في هذا التشبيه إشارة إلى أنّ عرض الإنسان كدمه ولحمه؛ لأنّ الإنسان يتألم قلبه من قرض العرض، كما يتألم جسمه من قطع اللحم، وهذا من باب القياس الظاهر؛ لأنّ عرض الإنسان أشرف من لحمه ودمه، فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم الناس، لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى، لأنّ ذلك أشدّ ألماً، وقوله تعالى: {لَحْمَ أَخِيهِ} آكد في المنع؛ لأنّ العدوّ يحمله الغضب على مضغ لحم العدوّ، وفي قوله تعالى: {مَيْتًا} إشارة إلى دفع وهم، وهو أن يقال: إنّ الشتم في الوجه يؤلم فيُحرم، وأمّا الاغتياب فلا اطّلاع عليه فلا يؤلم، فيقال لحم الأخ وهو ميت أيضاً لا يؤلم، ومع هذا هو في غاية القبح، كما أنه لو اطلع عليه لتألم، فإنّ الميت لو أحس بأكل لحمه لآلمه، وفيه معنى لطيف، وهو أنّ الاغتياب أكل لحم الآدمي ميتاً، ولا يحل أكله إلا للمضطرّ بقدر الحاجة، والمضطرّ إذا وجد لحم الشاة الميتة ولحم الآدمي فلا يأكل لحم الآدمي، فكذلك المغتاب إذا وجد لحاجته مدفعاً غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية بدلالة النَّص الحكمة من تشبيه المغتاب بآكل لحم أخيه، وهي الإشارة إلى أن عرض الإنسان مثل دمه ولحمه، وهذا من باب القياس، وذلك لأن عرض المرء أشرف من لحمه، فإذا لم يحسُن أكل لحم الناس فترك أعراضهم أولى؛ لأن ذلك آلم، وأكَّده بقوله تعالى {لَحْمَ أَخِيهِ} إذ هو آكد في المنع،
(1)
السراج المنير (4/ 51).
فأكل المرء لحمه أخيه أقبح ما يكون، ففيه إشارة إلى أن الغيبة عظيمة عند الله.
كما أن في الإشارة بقوله: {مَيْتًا} فائدة أخرى نبَّه عليها الخطيب، وهي: دفع ما قد يُتوهم من أن الكلام في الوجه يؤُلم فيُحرم، وأما الغيبة فلا اطّلاع عليها للمغتاب فلا تؤلمه، فبيَّن أن أكل لحم الأخ وهو ميّت أيضاً لا يؤلم، ومع هذا فهوقبيح مستكره.
(1)
قال الشوكاني مستنبطاً هذه الدلالة: (وفيه إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه، وأنه كما يحرم أكل لحمه يحرم الاستطالة في عرضه، وفي هذا من التنفير عن الغيبة والتوبيخ لها، والتوبيخ لفاعلها، والتشنيع عليه ما لا يخفى، فإن لحم الإنسان مما تنفر عن أكله الطباع الإنسانية، وتستكرهه الجبلة البشرية، فضلا عن كونه محرما شرعاً).
(2)
وممن استنبط هذه الدلالة من معنى الآية: الرازي، والخازن، وابن عادل، وحقي، والشوكاني، وغيرهم.
(3)
وفيها لطيفة أخرى أشار إليها الخطيب: وهو أن الغيبة كأكل لحم الآدمي ميتاً، ولا يحل أكله إلا للمضطر بقدر الحاجة، فكذلك المغتاب إن وجد لحاجته مدفعاً غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب.
وممن نصَّ على هذه الإشارة: الرازي
(4)
، وغيره.
ومن المعلوم أن لحم الإنسان مستكره عند إنسان آخر، إلا أنه لا يكون مثل
(1)
ينظر: التفسير الكبير للرازي (28/ 110)، وروح البيان لحقي (9/ 88)
(2)
فتح القدير (5/ 77)
(3)
ينظر: التفسير الكبير (28/ 110)، ولباب التأويل (4/ 183)، واللباب في علوم الكتاب (17/ 551)، وروح البيان (9/ 88)، وفتح القدير (5/ 77)
(4)
المرجع السابق (8/ 111)