الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المطففين
رؤية الله عز وجل في الآخرة.
قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} دلالة على أنّ أولياء الله يرون الله تعالى).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآية بدلالة مفهوم المخالفة أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة؛ فلو حجب الكل عن رؤيته لم يكن لتخصيص الكفار في هذه الآية فائدة، كما أنه تعالى ذكر هذا الحجاب في معرض الوعيد والتهديد للكفار، وما كان وعيداً وتهديداً للكفار لا يقع في حق المؤمنين، وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة في مسألة الرؤية.
قال الزجاج: (في هذه الآية دليل على أن الله عز وجل يُرى في القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة، ولا خسَّت منزلة الكفار بأنهم يُحجبون).
(2)
وقد استدل بها الإمامان مالك والشافعي على صحة رؤية المؤمن لله في الآخرة، قال الإمام مالك في هذه الآية:(لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه).
(3)
وقال ابن كثير: (قال الإمام أبو عبد الله الشافعي: في هذه الآية دليل على أن
(1)
السراج المنير (4/ 570)
(2)
معاني القرآن وإعرابه (5/ 299)
(3)
ينظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (3/ 468)، وينظر: الوسيط للواحدي (4/ 446)، ومعالم التنزيل للبغوي (5/ 225)، والمحرر الوجيز لابن عطية (5/ 452).
المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ. وهذا الذي قاله الإمام الشافعي رحمه الله في غاية الحسن، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية، كما دل عليه منطوق قوله:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23]. وكما دلَّت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة
(1)
، رؤية بالأبصار في عرصات القيامة، وفي روضات الجنان الفاخرة).
(2)
وأشار إلى هذه الدلالة من الآية غيرهم كالطبري، والواحدي، وابن عطية، والرازي، والقرطبي، والنسفي، وابن جزي، وابن القيم، وأبو حيان، والشوكاني، والألوسي، والسعدي، والشنقيطي، وغيرهم.
(3)
وتأوَّل المعتزلة هذه الآية أن معناها محجوبون عن رحمته وغفرانه، ولا يخفى فساد مذهبهم، ومخالفته صريح الكتاب والسنة.
قال الإمام أحمد: (وإنا لنرجو أن يكون الجهم وشيعته ممن لا ينظرون إلى ربهم ويحجبون عن الله، لأن الله قال للكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فإذا كان الكافر يحجب عن الله، والمؤمن يحجب عن الله، فما فضل المؤمن على الكافر.)
(4)
أما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم الدالة على الرؤية فمتواترة، رواها
(1)
سيأتي النصَّ على بعضٍ منها.
(2)
تفسير القرآن العظيم (8/ 351)
(3)
ينظر: جامع البيان (24/ 290)، والتفسير الوسيط (4/ 446)، والمحرر الوجيز (5/ 452)، والتفسير الكبير (31/ 89)، والجامع لأحكام القرآن (19/ 261)، ومدارك التنزيل (3/ 615)، والتسهيل (2/ 462)، وحادي الأرواح لابن القيم (1/ 292)، والبحر المحيط (10/ 429)، وفتح القدير (5/ 485)، وروح المعاني (15/ 280)، وتيسير الكريم الرحمن (1/ 916)، وأضواء البيان (2/ 40).
(4)
الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل (1/ 133).
أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن، تقدم بعضها، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن ناساً قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال فإنكم ترونه كذلك» ، الحديث، أخرجه الشيخان في الصحيحين بطوله
(1)
.
(2)
وهذا استنباط قوي صحيح، فلو كان الخلق كلهم محجوبون لما كان على الفجار في احتجاب ربهم نقص، ولا كان ذلك بِضائرهم؛ إذ هم والنبيون والشهداء والصالحون كلهم عن ربهم محجوبون.
(3)
ولو لم يكن احتجابه سبحانه عن عبده أشد أنواع العذاب عليه لم يتوعد به أعداءه، فلذة النظر إِلى وجهه الكريم، والدنو منه وقربه أعظم أنواع اللذات التي ينعم بها أولياؤه
(4)
، والله تعالى أعلم.
(5)
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
ينظر: شرح الطحاوية (1/ 215)
(3)
الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية لابن بطة العكبري (3/ 3)
(4)
ينظر: طريق الهجرتين لابن القيم (1/ 59)، ومفتاح دار السعادة (2/ 123)، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (1/ 292)، وينظر في الرد على المعتزلة: مجموع الفتاوى (6/ 499)، والإبانة عن أصول الديانة لابن أبي بردة (1/ 46)، والانتصار في الرد على المعتزلة للعمراني (2/ 641)، ولمعة الاعتقاد لابن قدامة (1/ 22)
(5)
تقدمت الإشارة إلى أن الأشاعرة يثبتون الرؤية، لكنهم يقولون:(نظرٌ لا إلى جهة)، وأنهم يختلفون في إثباتها عن أهل السنة والجماعة. فيجعلونها رؤية بقوى يحدثها الله في الأجسام يوم القيامة لا إلى جهة، أما أهل السنَّة فيجعلون الرؤية بالعينين إلى جهة العلو حيث اللهُ جلّ وعلا. ينظر الاستنباط رقم:(94).