الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المزمل
- فضيلة التجارة.
قال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20].
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (سوّى سبحانه في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين للمال الحلال، لنفقته على نفسه وعياله والإحسان، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال بمنزلة الجهاد؛ لأنه جَمَعه مع الجهاد في سبيل الله).
(1)
الدراسة:
استنبط الخطيب رحمه الله من الآية بدلالة الاقتران أن كسب المال الحلال بمنزلة الجهاد في سبيل الله، حيث قرن تعالى المسافرين لابتغاء فضل الله بالمجاهدين، إشارة إلى أنهم نحوهم في الأجر
(2)
، فذَكر سبحانه أعذار بني آدم التي تحول بينهم وبين قيام الليل، وهي المرض والسفر في تجارة أو غزو، فخفَّف عنهم القيام لها، والله تعالى ما ذكر هذين السببين لنسخ تحديد القيام إلا تنويهاً بهما، لأن في غيرهما من الأعذار ما هو أشبه بالمرض
(3)
، فدلَّ على فضلهما.
قال ابن الفرس: (في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} فضيلة التجارة، لسوقها في الآية مع الجهاد).
(4)
(1)
السراج المنير (4/ 471)
(2)
ينظر: روح المعاني للألوسي (15/ 126)
(3)
ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (29/ 285)
(4)
ينظر: أحكام القرآن (3/ 601)، وينظر: الإكليل للسيوطي (1/ 276).
وقال القرطبي: (سوَّى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله، والإحسان والإفضال، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال بمنزلة الجهاد، لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله).
(1)
وممن استنبط هذه الدلالة من سياق الآية غير ابن الفرس والقرطبي: السمرقندي، وابن عطية، والرازي، والنسفي، والسيوطي، والألوسي، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم.
(2)
وقد كان بعض الصحابة يتأوّل من هذه الآية فضيلة التجارة والسفر للتجر، كما روي عن عبدالله بن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما.
(3)
والذي يظهر والله تعالى أعلم هوأن هذه الآية تدل على فضيلة كسب المال الحلال، كما نصَّ عليه ابن الفرس، وغيره، أما جعله بمنزلة الجهاد في سبيل الله بدلالة الاقتران كما استنبطه الخطيب فليس بظاهر، وأين بذل النفس والمال في سبيل الله من كسب المال الحلال؛ وغاية ما في هذه الآية أنه تعالى ذَكر أعذار بني آدم التي تحول بينهم وبين قيام الليل فذكر المرض والسفر في التجارة أو الغزو في
(1)
الجامع لأحكام القرآن (19/ 55)
(2)
ينظر: بحر العلوم (3/ 512)، والمحرر الوجيز (5/ 391)، والتفسير الكبير (30/ 695)، ومدارك التنزيل (3/ 560)، والإكليل (1/ 276) قال السيوطي: هي أصل في التجارة.، وروح المعاني (15/ 126)، ومحاسن التأويل (9/ 346)، والتحرير والتنوير (29/ 285)
(3)
وإن كان إسنادها ضعيف، ولكنها في مجموعها تؤيد هذا الاستنباط. قال ابن عمر «ما خلق الله موتة بعد الموت في سبيل الله أحب إلي من أن أموت بين شعبتي رحلي أبتغي من فضل الله ضاربا في الأرض» وعن ابن مسعود:«أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء» . قال العراقي: رواه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند ضعيف. وأخرجه الثعلبي من رواية فرقد السبخى عن إبراهيم عن ابن مسعود موقوفا. وفرقد ضعيف. ينظر: تخريج أحاديث الإحياء (المغني عن حمل الأسفار)(1/ 516)، وينظر: معالم التنزيل للبغوي (5/ 172)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (19/ 56).
سبيل الله، وخفَّف عنهم القيام لها، بجامع قوة هذه الأعذار في الشغل عن القيام والذكر والقراءة، ولا يلزم من هذا الاقتران التسوية بين منزلة الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام بكسب المال الحلال والسعي للتجارة، وما ورد في ذلك من آثار كلها لا يخلو سندها من مقال، والله تعالى أعلم.