الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الفرقان
طلب الرياسة في الدين من المندوبات.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: (في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يحسن أن تطلب ويرغب فيها).
(1)
وجه الاستنباط:
أنه تعالى ذكر هذا الدعاء في معرض الثناء على عباد الرحمن فدلَّ على استحسانه.
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية أن الرياسة في الدين يحسن أن تُطلب ويُرغب فيها، لأنه تعالى أخبر في ثنايا حديثه عن صفات عباد الرحمن الذين أثنى عليهم أن من دعاءهم قولهم {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي اجعلنا أئمة يقتدي بنا من بعدنا، ويأتمون بنا في الخيرات
(2)
، فدلَّ باللازم على أن طلب الرياسة في الدين مندوب إليه.
(1)
السراج المنير (3/ 37)
(2)
على القول الراجح في معناها، وبه قال ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي، والربيع بن أنس، ينظر: جامع البيان (19/ 319)، والتفسير الوسيط (3/ 349)، وتفسير القرآن العظيم (6/ 133).
وممن استنبط هذه الدلالة من الآية، ونصَّ على أن طلب الرياسة في الدين على الندب: الماوردي، والقرطبي، والخازن، وابن عادل، والألوسي، وغيرهم.
(1)
وممن نصَّ على الوجوب: الزمخشري، والرازي، والنسفي، والسيوطي، وحقي
(2)
، والقاسمي، وغيرهم.
(3)
والحق أن طلب الرئاسة والإمامة مما يختلف حكمه بحسب نية صاحبه وغايته، فقد يُحمد وقد يُذم، والله يعلم المفسد من المصلح.
فأما المفسد الذي يسألها طلباً لعَرَض من الدنيا فلا ينبغي له
(4)
، وأما الناصح لله الذي يُحِبُّ أن يُطاع الله فلا يُعصى، وأن تكون كلمته هي العليا، ويكون الدين كله لله، ويحب الإمامة في الدين لأجل أن يكون في أعين الخلق جليلاً مهيباً في قلوبهم، مطاعاً كي يأتموا به، فمِثله لا يضُرُّه طلبها بل يُحمد عليه؛ لأنه داعٍ إلى الله، ويطلب ما يكون عوناً له على ذلك مُوصلاً إليه، بدلالة هذه الآية.
(5)
(1)
النكت والعيون (4/ 161)، والجامع لأحكام القرآن (13/ 83)، ولباب التأويل (3/ 320)، واللباب في علوم الكتاب (14/ 577)، وروح المعاني (10/ 52).
(2)
ونسبه إلى القفال، قال حقي:(قال القفال وغيره من المفسرين: في الآية دليل على أن طلب الرياسة في الدين واجب). ينظر: روح البيان (6/ 253)، وغرائب التفسير وعجائب التأويل للكرماني (2/ 824)
(3)
ينظر: الكشاف (3/ 296)، والتفسير الكبير (24/ 487)، ومدارك التنزيل (2/ 552)، والإكليل (1/ 198)، وروح البيان (6/ 253)، ومحاسن التأويل (7/ 445).
(4)
وفيه قال صلى الله عليه وسلم: " ليتمنين أقوام ولوا هذا الأمر أنهم خروا من الثريا وأنهم لم يلوا شيئا " أخرجه أحمد في المسند برقم (10737)(16/ 430)، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 946)
(5)
ينظر: الروح لابن القيم (1/ 252)، وزاد المعاد 3/ 582 بتصرف.
وكان من دعاء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قوله: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84]، وعن عروة
(1)
رضي الله عنه أنه كان يدعو بأن يجعله الله ممن يُحمل عنه العلم فاستجيب دعاؤه
(2)
، فدلَّ على أنه لا ضير من طلب الإمامة في الدين، بل هو على الندب والاستحسان، كما هي دلالة هذه الآية، والله تعالى أعلم.
(1)
هو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبدالله المدني، ثقة فقيه مشهور، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، توفي سنة 92 هـ وقيل غير ذلك. ينظر: وفيات الأعيان (3/ 255)، وتهذيب الكمال (5/ 154)
(2)
ينظر: تفسير القرآن للسمرقندي (2/ 547)