الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كنت تعلمه شرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفني عنه " أي: أقلعه من خاطري أن لا أهمه بعد ذلك.
قوله: " واصرفه عني " أي: لا تقض لي به، ولا ترزقني إياه.
قوله: " حيث كان " أي: حيث كان الخيرُ.
قوله: " ثم رضِّني به " أي: ثم اجعلني راضيا بذلك، أي: بخيرك المقدور. والحديث أخرجه: البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه.
353- باب: فِي الاسْتِعاذةِ
أي: هذا باب في بيان الاستعاذة.
1510-
ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع: نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمر بن الخطاب قال: كان النبيُّ عليه السلام يتعوذُ من خمس: من الجبن، والبُخل، وسُوء العُمرِ، وفِتْنةِ الصّدْرِ، وعذابِ القبرِ " (1) .
ش- إسرائيل: ابن يونس، وأبو إسحاق: السبيعي.
قوله: " الجُبن "- بضم الجيم، وسكون الباء- الخوف، والجُبن الذِي يُؤكل- أيْضًا- وفيهما جاء ضم الباء، ويقال: الأذى يؤكل: جبن - بتشديد النون- ووجه استعاذته- عليه السلام من الجبن والبخل لما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام بحقوق الله تعالى، وإزالة المنكر، والإغلاظ على العصاة، ولأن بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات، ويقومُ بنصر المظلوم، وبالسلامة ومن البخل يقوم بحقوق وينبعث للإنفاق والجود ومكارم الأخلاق، ويمتنع من الطامع فيما ليس له.
(1) النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من فتنة القبر (8/ 262)، وباب: الاستعاذة من " فتنة الدنيا (7/ 266)، ابن ماجه: كتاب الدعاء باب:
ما تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم (3844)
قوله: " وسُوء العُمر " أراد به الخرف ، والخرفُ- بفتح الراء- فسادُ العقل من الكبر، وقد خرِف الرجل- بالكسر- فهو خرِفْ ، وإنما استعاذ منه لأنه حالةٌ يختل فيها أشرف الأشياء الذي هو العقل، ويعْجز به عن أداء العبادات.
قوله: " وفتنة الصدر " يجوز أن يكون المراد بها: ما يحصل فيه من الوساوس الشيطانية، ويجوز أن يكون المراد: ما يكون فيه من الهِمم إلى المعاصي، واكتساب الآثام ونحو ذلك ، وذلك لأن الصدر فيه القلبُ، وهو محل هذه الأشياء، وهو الأصل في أعمال سائر الأعضاء حتى إذا صلح هو صلحت الأعضاء، وإذا فسد فسدت الأعضاء على ما جاء في الحديث.
قوله: " وعذاب القبر " فيه إثبات عذاب القبر، ردا على المعتزلة. والحديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه.
1511-
ص- نا مسدد: نا المعتمر قال: سمعت أبي قال: سمعت أنس ابن مالك يقول: كان رسول الله- عليه السلام يقول: "اللهم إِني أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ، والجبنِ والبُخْلِ، والهرم، وأعوذُ بك من عذابِ القبرِ، وأعوذُ بك من فتنةِ المحيا والممات "(1) .
ش- المعتمر: ابن سليمان، وأبوه: سليمان بن طرخان.
قوله: " من العجز " وهو عدم القدرة على الخير، وقيل: هو ترك ما يجب فعله والتسويف به.
قوله: " والكسل " وهو عدم انبعاث النفس للخير، وقلةْ الرغبة فيه مع إمكانه.
قوله: " والهرم " - بفتحِ الهاء والراء ، كِبر السن ، وقد هرِم الرجل- بالكسر- وأهرمه اللهُ فهو هرِمٌ، وقوم هرمي.
(1) البخاري: كتاب الدعوات، باب: التعوذ من فتنة المحيا والممات (6367)، مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: التعوذ من العجز والكسل وغيره (2706)، النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من
الهم (8/ 258) .
قوله: " وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات " أي: من/ فتنة الحياة والموت. واختلفوا في المراد بفتنة الموت ، فقيل: فتنة القبر، وقيل: يحتمل أن يراد به الفتنة عند الاحتضار، قالوا: واستعاذته- عليه السلام من هذه الأشياء لتكمل صفاته في كل أحواله وشرعه- أيضًا- لتعليم أمته. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
1512-
ص- نا سعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد قالا: نا يعقوب بن عبد الرحمن- قال سعيد: الزهري-، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس ابن مالك قال: كنتُ أخدمُ النبي- عليه السلام فكنتُ أسمعُهُ كثيرا يقولُ: " اللهم إني أعوذُ بك من الهم والحُزْنِ وضِلع الدينِ وغلبة الرجالِ ". وذكر بعض ما ذكره التيْمي (1) .
ش- يعقوب بن عبد الرحمن: ابن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري - بتشديد الياء-.
وسعيد (2) : ابن خالد بن قارظ القارظي المدني الزهري. روى عن: ربيعة بن عماد الديلي، وسعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم. روى عنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ومحمد بن إسحاق بن يسار وغيرهم، قال الدارقطني: مدني يحتج به، قال ابن سعْد: توفي في آخر سُلْطان بني أمية، وله أحاديث. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
أوله: " وضلع الديْن " أي: ثقله، والضلعُ: الاعوجاج أي: يُثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال، يقال: ضلع- بالكسر- يطلع
(1) البخاري: كتاب الدعوات، باب: الاستعاذة من الجبن والكسل (6369)، الترمذي: كتاب الدعوات، باب رقم (71)(3484)، النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الهم (8/ 257) و (8/ 265، 274) .
(2)
كذا ترجم المصنف لراو آخر، وإنما المقصود هو سعيد بن منصور، والله أعلم.
ضلعا- بالتحريك- وضلع- بالفتح يضلع ضلْعا- بالتسكين- أي:
مال.
قوله: " ما ذكره التيمي " أي: سليمان بن طرخان التيمي الذي ذكر في الحديث الماضي، وهو والد المعتمر. والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي.
1513 -
ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن طاوس، عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله- عليه السلام كان يعلِّمُهُم هذا الدعاء كما يُعلِّمُهُم السورة من القرآن يقولُ:" اللهم إني أعوذُ بك من عذاب جهنم، وأعوذُ بك من عذاب القبر، وأعوذُ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذُ بك من فتنةِ المحيا والمماتِ "(1) .
ش- أبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدْرُس المكي.
قوله: " كان يُعلمهم " أي: يُعلّم الصحابة، وقد مر الكلام في المسيح الدجال في " كتاب " الصلاة في باب التشهد ". والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي،- والنسائي-.
1514 -
ص- نا إبراهيم بن موسى الرازي: أنا عيسى: نا هشام، عن أبيه، عن: عائشة- رضي الله عنها، أن النبي- عليه السلام كان يدْعُو بهؤلاء الكلمات:" اللهم إِني أعوذُ بك من فِتنةِ النارِ، وعذابِ النارِ، ومن شرِّ الغِنًى والفقرِ "(2) .
(1) مسلم ": كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما " يستعاذ منه في الصلاة (0 59)، والترمذي: كتاب الدعوات، باب رقم (77)(3494)، النسائي: كتاب الجنائز، باب: التعوذ من عذاب القبر (4؟ / 104) .
(2)
البخاري: كتاب الدعوات، باب: التعوذ من فتنة الفقر (6377)، مسلم: كتاب الجوكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: التعوذ من شر الفتن وغيرها
(589)
، الترمذي: كتاب الدعوات، باب: 77 (3495)، النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من شر فتنة الغنى (8 / 266)، ابن ماجه ": كتاب الدعاء، باب: لا تعوذ، منه رسول الله صلى الله عليه وسلم (3838) .
ش- عيسى: ابن يونس، وهشام: ابن عروة.
قوله: " من فتنة النار " أراد بها الذنوب والأعمال السيئة التي تكون سببا لدخول النار.
قوله: " ومن شر الغنا " شر الغنا: أن يرزق مالا ولم يرزق هداية إلى إخراج ما اوجب الله عليه فيه من الصدقات، والصرف في مصارفه الشرعية. وشر الفقر: قيل: فقر النفس، وقيل: فقر المال وشره: أن لا يرزق صبرًا على ذلك. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه أتم منه.
1515-
ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حمّاد: أنا إسحاق بن عبد الله، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ: " اللهم إني أعوذُ بك من الفقرِ والقلّة والذلة، وأعوذُ بك من أنْ أظلِم أو اظلم، (1) . ش- حماد: ابن سلمة، وإسحاق بن عبد الله: ابن زيد الأنصاري، وسعيد بن يسار: أبو الحُباب المدني.
قوله: " والقلة، يجوز أن تكون تفسيرا لقوله ، الفقر " إذا أريد بالفقر فقر المال وإذا أريد بالفقر فقر النفس يكون المراد من القلة الفقر- أعني: فقر المال
فإن قيل: قد ثبتت أحاديث كثيرة بفضل الفقر، فكيف تصحّ الاستعاذة منه؟ قلت: المراد منه: الفقر الذي يكون فيه التسخط وقلة الصبر، أو الوقوع في الحرام، أو شبهة للحاجة، وأما الفقر الذي فيه القناعة والصبر والرضا، فذاك مما كانت الأنبياء- عليهم السلام يفتخرون به، ثم من بعدهم من الصلحاء والزهداء.
قوله: " من أن أظلم "- بفتح الهمزة- إلي: أظلم غيري.
قوله: " أو أظلم "- بضم الهمزة وفتح اللام- أي: أو يظلمني غيري، والمعنى: وأعوذ بك من أن كون ظالما أو مظلوما. والحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه من حديث جعفر بن عياش/ عن أبي هريرة.
(1) النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الذلة (8 / 261) .
1516-
ص- نا ابن عوت: نا عبد الغفار بن داود: نا يعقوب بن عبد الرحمن، عن مُوسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: كان من دعاء رسول الله- عليه السلام: " اللهم إِني أعوذُ بك من زوال نِعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفُجاءةِ نقمتِك، وجميع سخطِك، (1) .
ش- محمد: ابن عوف الحمصي.
وعبد الغفار بن داود: ابن مهران بن زياد بن داود بن سليمان بن عمير أبو صالح الحراني، ولد بإفريقية سنة أربعين ومائة، وخرج به أبوه إلى البصرة وهو طفل، وكانت أمه من أهلها فنشأ بها، وتفقه وسمع الحديث بها من حماد بن سلمة، ثم رجع إلى مصر مع أبيه، فسمع من: الليث ابن سعْد، وابن لهيعة، ويعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني. روى عنه: ابن عوف وغيره، وتوفي بمصر سنة أربع وعشرين ومائتين.
قوله: " وفجاءة نقمتك "- بضم الفاء، وفتح الجيم والمد، وبفتح الفاء وسكون الجيم- مقصورة- على وزن ضربة لغتان بمعنى البغْتة من غير مقدمة، والنقمة: بكسر النون، وسكون القاف مثل نِعْمة، ويُقال: نقمة: بفتح النون، وكسر القاف مثل كلمة. والحديث أخرجه: مسلم. ورواه عن أبي زرعة الرازي أحدِ حفاظ الإسًلام وأكثرهم حفظا- ولم يرو مسلم في " صحيحه " عنه غير هذا الحديث، وهو من أقرآن مسلم، توفي بعد مسلم بثلاث سنين سنة أربع وستين ومائتين.
1517-
ص- حدثني عمرو بن عثمان: نا بقية: نا ضبارة بن عبد الله بن أبي السّليك، عن دويد بن نافع: نا أبو صالح السمان قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدْعو يقولُ: لا اللهم إني أعوذُ بك من الشِّقاقِ والنفاقِ، وسُوءِ الأخلاقِ " (2) .
(1) مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء96- (2739) .
(2)
النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق (8/ 264) .
ش- بقية: ابن الوليد.
وضبارة- بضم الضاد المعجمة وكسرها، وفتح الباء الموحدة بعدها ألف وبعدها راء- ابن عبد الله بن أبي السليك أبو شريح الشامي الحضرمي. روى عن: دويد بن نافع. روى عنه: بقية، قال السعْدي: روى حديثا معضلا. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
ودُويد- بضم الدال المُهْملة، وفتح الواو، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره دال- أيضا- ابن نافع القرشي الأموي مولاهم، أبو عيسى الدمشقي، ويقال: الحمْصي. روى عن: أم هانئ بنت أبي طالب، وعروة بن الزبير، وأبي صالح السمان، والزهري وغيرهم. روى عنه: أخوه مسلمة بن نافع، وضبارة بن عبد الله، وابنه: عبد الله ابن دويد، قال أبو حاتم: هو شيخ. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " يقُول " بدل من قوله " يدعو ". والشقاق: الخلاف والعداوة. والنفاق: يجوز أن يراد به المعنى المخصوص ، وهو الذي يسْتر الكفر ويظهر الإيمان، ويجوز أن يراد به الرياء كقوله- عليه السلام:" كثر منافقي هذه الأمة " قُراؤها " أراد بالنفاق هاهنا الرياء ، لأن كليهما إظهار غير ما في الباطن، ويجوز أن يراد به النفاق المذكور في قوله: " آية المنافق ثلاثا الحديث. والأخلاق: جمع خُلق- بضم اللام " وسكونها- وهو الطبع والسجية. والحديث أخرجه: النسائي. وفي "مختصر السنن ": في إسناده بقية، ودويْد بن نافع، وفيهما مقال
1518-
ص- نا محمد بن العلاء: أنا (1) ابن إدريس، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: ْ كان رسولُ الله- عليه السلام يقولُ: (اللهم إني أعُوذُ بك من الجُوع؟ فإنه بئس الضجِيعُ، وأعوذُ بك من الخِيانةِ ، فإنها بِئستِ البِطانة " (2) .
(1) في سنن أبي داود: اعن ".
(2)
النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الخيانة (8/ 263) .
30 هـ شرح سنن أبي داوود 5
ش- عبد الله: ابن إدريس "، ومحمد: ابن عجلان، وسعيد: المقبري.
قوله: " فإنه " أي: فإن الجوع بئس الضجيع. والضجيع: الذي يُضاجعك، من ضجع إذا وضع جنبه على الأرضْ يضجع ضجعًا وضجوعًا فهو ضاجع، وأضجع مثله وأضجعْته أنا.
قوله: " بئست البطانة " بطانة الرجل: صاحب سِرّه وداخلة أمره،
الذي يُشاورُه في أمره وأحْواله. والحديث أخرجه: النسائي.
1519-
ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري، عن أخيه: عباد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقولُ: كان رسولُ
اللهِ/عليه السلام يقول: " اللهم إني أعوذُ بك من الأرْبع: من علم لا ينفعُ، ومن قلبٍ لا يخْشعُ، ومن نفسٍ لا تشْبعُ، ومِن دعاء لا يُسْمعُ "(1) .
ش- عباد- بتشديد الباء- بن كيْسان، وهو ابن أبي سعيد المقبري.
روى عن: أبيه. روى عنه: أخوه: سعيد. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " من علم لا ينفع " العلم الذي لا ينفع وبال وحسْرة كمثل الحمار
الذي يحمل أسفارا. والقلب الذي لا يخشع: قلب قاسٍ لا ينقاد
للطاعة، ولا لأمور الشريعة. والنفس التي لا تشبع: استعارة من الحرص
والطمع والشره، وتعقق النفس بالآمال البعيدة. والدُعاء الذي لا يُسمعُ:
أي لا يُستجاب كلا دعاء، وجوده وعدمه سواء. هذا الحديث وغيره من
الأدعية المسْجُوعة دليل " قاله العلماء أن السجع المذموم في الدعاء هو
المتكلًف ، فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويُلْهي عن الضراعة
والافتقار وفرك القلب، فأما ما حصل بلا كلفة، ولا إِعْمال فكرٍ لكمال
(1) النسائي: (263/8) كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من نفس لا تشبع (8 /263)، وباب: الاستعاذة من دعاء لا يسمع (8 / 284)، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (3837) .
الفصاحة ونحو ذلك، أو كان محفوظا فلا بأس به، بل هو حسنٌ. والحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه. وأخرجه مسلم في " صحيحه" من حديث زيد بن أرقم، عن رسول الله- عليه السلام بنحوه أتم منه. وأخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله- عليه السلام، وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجْه.
1520-
ص- نا محمد بن المتوكل: نا المعتمر قال: قال أبو المعتمر: أرى أن أنس بن مالك حدثنا أن رسول الله- عليه السلام كان يقول: "إني (1) أعوذُ بك من صلاة لا تنفعُ " وذكر دعاءً آخر (2) .
ش- المعتمر: هو ابنً سليمان، وأبو المعتمر: سُليمان بن طرخان التيمي، والد المعتمر.
قوله: " أرى " على صيغة المجهول، أي: أظن أن انس بن مالك. وقد اتفق البخاري، ومسلم على الاحتجاج بحديث أبي المعتمر، غير انه لم يجزمْ بسماعه من أنسِ بن مالكِ.
1521-
ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن منصور، عن هلال ابن يساف، عن فروة بن نوفل الأشجعي قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عما كان رسولُ الله يدعو به، قالت: كان يقول: لا اللهم إني أعوذ بك من شرِّ ما عمِلتُ، ومن شرِّ ما لم أعْملْ، (3) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور: ابن المعتمر.
وفرْوة بن نوفل الأشجعي: روى عن: أبيه، وعائشة زوج النبي
(1) في سنن أبي داود: " اللهم إني "
(2)
تفرد به أبو داود.
(3)
مسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل (65/ 2716)، النسائي: كتاب السهو، باب: التعوذ في الصلاة
(3/ 56) ، وكتاب الاستعاذة، باب: من شر ما عمل وذكر الاختلاف على هلال (8/ 281)، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: ما تعوذ منه رسول الله
صلى الله عليه وسلم (3839) .
- عليه السلام. روى عنه: السّبِيعي، وهلال بن يساف، وشريك بن طارق. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1522-
ص- نا أحمد بن حنبل: نا محمد بن عبد الله بن الزبير ح ونا أحمد: نا وكيع- المعنى-، عن سعْد بن أوس، عن بلال العبْسي، عن شُتيْر بن شكلٍ، عن أبيه- قال في حديث أبي أحمد: شكل بن حميد- قال: قلتُ: يا رسول اللهِ " علمْنِي دعاء، قال: " قلْ: اللهم إني أعوذُ بك من شرِّ سمْعي، ومن شر بصرِي، ومن شر لِسانِي، ومن شرّ قلبِي، ومنْ شرِّ منيي" (1) .
ش- سعْد بن أوس. العبْسي، ويقال: العدوي، ويقال: العْدوي، أبو محمد الكاتب الكوفي، ويقال: البصري. سمع: الشعبي، وانس ابن سيرين، وبلالا (2) العبْسي وغيرهم. روى عنه: وكيع، وأبو نعيم، وأبو أحمد الزبيري وغيرهم، قال ابن معين: بصري ضعيف، وقال " أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وبلال: ابن يحيي العبْسي الكوفي. روى"عن: علي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وشتير بن شكل. روى عنه: سعْد بن أوس، وليث ابن أبي سليم، ووكيع، وحماد، وأبو أحمد الزُّبيْري. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وشتير- بضم الشين المعجمة، وفتح التاء ثالث الحروف، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها راء- ابن شكل- بفتح الشين المعجمة، وفتح الكاف بعدها لام- ابن حُميد العبْسي، أبو عيسى الكوفي. روى
(1) الترمذي: كتاب الدعوات، باب رقم (75) " (3492)، النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من شر الذكر (8 / 267) .
(2)
في الأصل: " وبلال "
عن: أبيه، وعلي بن أبي طالب، وحفصة زوجِ النبي- عليه السلام.
روى عنه: الشعبي، وأبو الضحى مسلم بن صُبيح، وعبد الله بن قيس.
روى له: الجماعة إلا البخاري.
وأبوه: شكل بن حُميد العبْسي/ من بني عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان. روى عن: النبي- عليه السلام، وعداده في أهل الكوفة.
روى عنه: ابنه شتير، ولم يرو عنه غيره، وقال أبو القاسم البغوي بعد
أن ذكر هذا الحديث: لا أعلم له غيره. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي.
قوله: " في حديث أبي أحمد " أبو احمد: كنية محمد بن عبد الله بن
الزبير المذكور.
قوله: " من شرِّ سمعي " شر السمعْ: أن يستمع إلى مالا يجوز سماعه.
وشر البصر: أن ينظر إلى مالا يحل رؤيته. وشر اللسان: أن يتكلم بما لا
يجوز. وشر القلب كثير، والفساد منه كما أن الصلاح منه.
قوله: " ومن شر منيي" أراد ذكره، وقال سعد بن أوس: والمني ماؤه.
والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي ، هذا حديث
حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجْه.
1523-
ص- نا عُبيد الله بن عُمر: نا مكي بن إبراهيم: نا عبد الله بن
سعيد، عن صيفي مولى أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي اليسر، أن رسول الله
عليه السلام كان يدْعو: " اللهم إني أعوذُ بك من الهدم، وأعوذُ بك من
التردِّي، ومن الغرْقِ (1) والحرْق والهرم، وأعوذُ بك أن يتخبّطنِي الشيطان
عند الموت، وأعوذُ بك أن أموت في سبيلك مُدبرا، وأعوذُ بك أن أموت
لدِيغًا " (2) .
(1) في سنن أبي داود: " وأعوذ بك من الغرق ".
(2)
النسائي ": كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من التردي والهدم (8/ 282)
ش- عبد الله بن سعيد: ابن أبي هند الفزاري.
وصيْفي مولى افلح مولى أبي أيوب الأنصاري، أبو زياد، ويقال: أبو سعيد. روى عن: أبي السائب مولى هشام بن زهرة. روى عنه: سعيد بن أبي هلال، ومالك بن أنس، وعُبيد الله بن عمر، وعبد الله بن سعيد، ومحمد بن عجلان. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
وأبو اليسر- بفتح الياء آخر الحروف، وبعدها سيئ مهملة مفتوحة وراء- كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غزيّة بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السُلمي، أبو اليسر، شهد العقبة وبدرًا وهو ابن عشرين سنة، وهو الذي أسر العباس بن عبد المطلب يومئذ. روى له: مسلم حديثا طويلا فيه ثلاثة أحاديث من رواية عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، مات سنة خمس وخمسين بالمدينة ، وهو آخر من مات من أهل بدر. روى له: الجماعة إلا البخاري.
قوله: " من الهدم "- بسكون الدال- من هدمْتُ البناء، والهدم
- بالتحريك- البناء المهدوم ، فعل بمعنى مفعول. واستعاذ بالله من أن يهدم عليه بناء أو جدار ونحوها، ومنه الحديث: إنه كان يتعوذ من الأهْدميْن، وهو أن ينْهار عليه بناء، أو يقع في بئر، أو أُهْوِيّة.
قوله: " من التردِّي " أي: السقوط من موضع عال، يُقال: ردى وتردّى لغتان كأنه تفعل من الرّدى: الهلاك.
قوله: " والهرم " وهو كِبر السن، وقد مر مرةً.
قوله: " أن يتخبطني الشيطان " أي: من أن يسْتولي علي الشيطان عند مفارقة الدنيا فيضلني، ويحول بيْني وبن التوبة، ويعُوقني (1) عن الخروج من مظلمة كانت عندي، أو معناه: يُؤيِسني من رحمة الله تعالى، أو أتكره الموت وأتأسفُ على الحياة. وقد رُوي أن الشيطان لا يكون في حال
(1) في الأصل: " ويعقوقِني ".
أشد على ابن آدم منه في حال الموت، يقول لأعوانه: دونكم هذا ، فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه.
قوله: " مُدبرا " المُدبر: الذي أدبر خيره.
قوله: " لديغا " أي: ملدوغًا؟ يقال: لدغه العقرب ولدغته الحية، أي: قرصته وعضته. والحديث أخرجه: النسائي.
1524-
ص- نا إبراهيم (1) بن موسى الرازي: أنا عيسى، عن عبد الله ابن سعيد قال: حدثني مولى ابن أبي أيوب، عن أبي اليسر، زاد (1) فيه:"والغمِّ "(2)
ش- عيسى: ابن يونس.
قوله: " زاد فيه " أي: في الحديث " والغم " أي: وأعوذ بك من الغم.
1525-
ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا قتادة، عن أنس، أن النبي- عليه السلام كان يقولُ:" اللهم إني أعوذُ بك من البرصِ والجُذام والجُنُونِ، وسيءِ الأسْقام (3) "(4) .
ش- حماد: ابن سلمة. والحديث أخرجه: النسائي.
إنما استعاذ من هذه الأسقام ، لأنها عاهات تُفْسد الخلقة وتُبْقي الشّين، وبعضُها يؤثر في العقل ، وليْست كسائر الأمراض/ التي إنما هي أعراض لا تدوم، كالحمى، والصداع، وسائر الأمراض التي لا تجري مجرى العاهات، وإنما هي كفارات وليست بعقوبات، والله أعلم.
1526-
ص- نا أحمد بن عبيد الله الغُداني: أنا حسان بن عوف، أنا
(1) غير واضحة في الأصل.
(2)
النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من التردي والهدم (8 / 283) .
(3)
في سنن أبي داود:" والجنون والجذام ومن سوء الأسقام"
(4)
النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الجنون (8/ 270) .
الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال:" دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومِ المسجد، فإذا هو برجُل من الأنصار يقالُ له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، مالي أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة (1) ؟ قال: هُموم لزمتني، ودُيون يا رسول الله، قال: أفلا أعلِّمُك كلاما إذا قلته (2) أذهب الله همّك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلتُ: بلى يا رسول اللهِ، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذُ بك من الهمِّ والحزْنِ، وأعوذُ بك من العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بك من البُخْلِ والجبنِ (3) ، وأعوذُ بك من غلبة الدّينِ وقهْرِ الرِّجالِ، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب اللهُ سبحانهُ همِّي، وقضُى عنِّي ديْني "(4) .
ش- أحمد بن عبيد الله بن سهيل بن صخر الغُداني البصري. روى عن: خالد بن الحارث، وروح بن المسيب الكلبي. روى عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: هو صدوق، مات سنة أربع وعشرين ومائتين (5) .
والغُداني بضم الغين المعجمة، وتخفيف الدال، نسبة إلى غدانة حي من يربوع، قاله: الجوهري.
وغسان بن عوف روى غن: الجريري. روى له: أبو داود. والجُريري سعيد بن إياس، وأبو نضرة المنذر بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو أمامة هذا يشبه أن يكون إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي، فان أبا أمامة اسعد بن زرارة مات سنة إحدى من الهجرة، ويقال: إنه أول من بايع رسول الله ليلة العقبة، وكان نقيبا عقبيا.
قوله: " وديون " بالرفع عطف على قوله: " هموم ".
قوله: " من الهم والحزن " قيل: هما واحد، قلت: ليس الأمر
(1) في سنن أبي داود:"الصلاة ".
(2)
في سنن أبي داود:" إذا أنت قلته"
(3)
في سنن أبي داود:" الجبن والبخل ".
(4)
تفرد به أبو داود.
(5)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 77) .
كذلك، قد ذكرت في شرحي على " الكلم الطيب " (1) : أن الهم إنما يكون في الأمر المتوقع، والحزن فيما قد وقع، والهم هو الحزن الذي يذيب الإنسان، يقول: همني الشيءُ، أي: أذابني، وسنام مهموم، أي: مذاب، ويقال: أهمني إذا طرح في قلبه الهم، وفي المثل: همك ما أهمك، كما تقول: شغلك ما شغلك " وباقي الألفاظ قد شرحناه.
وفي هذه الأحاديث التي تقدمت دليل لاستحباب الدعاء والاستعاذة من هذه الأشياء المذكورة وما في معناها، وهذا هو الصحيح الذي أجمع عليه العلماء، وأهل الفتاوى في الأمصار في كل الأعصار، وذهبت طائفة من الزهاد وأهل المعارف إلى أن ترك الدعاء أفضل استسلاما للقضاء، وقال آخرون منهم: إن دعي للمسلمين فحسن، وإن دعي لنفسه فالأولى تركه، وقال آخرون منهم: إن وجد في نفسه باعثا للدعاء استحب وإلا فلا، ودليل الفقهاء ظواهر القرآن والسّنّة في الأمر بالدعاء وفعله، والإخبار عن الأنبياء- عليهم السلام بفعله (2) .
(1) انظره (ص/ 335) بتحقيقي.
(2)
كتب في هامش المخطوط: " بلغ سماعي إلى هنا يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى الأولى عام ست وقت ما تم على الشيخ تقي الدين الدجوي بقراءتي عليه ".