الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المجادلة
مدنية
وهي ألف وسبعمائة واثنان وتسعون حرفًا، وأربعمائة وثلاث وسبعون كلمةً، واثنتان وعشرون آيةً.
باب ما جاء فِي فضل قراءتها
عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأ سُورةَ المُجادَلةِ كُتِبَ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ يَوْمَ القِيامةِ"
(1)
.
ورُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ قَرَأ سُورةَ المُجادَلةِ أُجِيرَ مِنْ فَتّانِ القَبْرِ"
(2)
.
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} ؛ أي: تُخاصِمُكَ وتُحاوِرُكَ وتُراجِعُكَ {فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} ؛ أي: تتَضَرَّعُ إليه وتَشْكُو، يقال: اشْتَكَيْتُ ما بِي وشَكَوْتُ.
(1)
ينظر: الكشف والبيان 9/ 252، الوسيط 4/ 258، الكشاف 4/ 79، مجمع البيان 9/ 407.
(2)
لَمْ أعثر له على تخريج.
تَنَزَّلَتْ هذه الآيةُ في شأن خَوْلةَ بنت مالك بن ثَعْلَبةَ
(1)
وزَوْجِها أوْسِ بن الصّامِتِ
(2)
، وقصتها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مشهورة
(3)
، وذلك أنَّ زَوْجَها ظاهَرَ مِنْها، فَأتَت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول اللَّه: إنَّ زَوْجِي أوْسَ بنَ الصّامِتِ ظاهَرَ مِنِّي، بعد أن قَدُمَتْ معه صُحْبَتِي، ونَثَرْتُ له كِنانَتِي
(4)
، ولِي مِنْهُ صِبْيةٌ صِغارٌ، إنْ ضَمَّهُمْ إليه ضاعُوا، وإنْ ضَمَمْتُهُمْ إلَيَّ جاعُوا، أشْكُو إلَى اللَّه عُجَرِي وَبُجَرِي
(5)
، تريد: جَمِيعَ أمْرِي الظّاهِرَ والباطِنَ، فنَزَلَتْ هذه الآياتُ فِي الظِّهارِ، وكان هذا أوَّلَ ظِهارٍ فِي الإسلام.
(1)
خَوْلةُ بنت مالك بن ثعلبة بن فِهْرٍ، وقيل: خولة بنت ثعلبة، وقيل: خُوَيْلةُ، كانت زَوْجَ أوْسِ ابنِ الصّامِتِ، رَوَى عنها يوسف بن عبد اللَّه بن سلام. [أسد الغابة 5/ 442 - 444، الإصابة 8/ 114 - 116].
(2)
أوس بن الصامت بن قيس بن أصْرَمَ الأنصاري الخزرجي، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، آخَى النَّبِيُّ بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، شَهِدَ بَدْرًا وأكثر المشاهد، وتوفِّيَ في خلافة عثمان رحمه الله. [أسد الغابة 1/ 146، الإصابة 1/ 302].
(3)
رَوَى الحاكمُ هذه القصةَ عن السيدة عائشة في المستدرك 2/ 481 كتاب التفسير: سورة المجادلة، وابنُ ماجَهْ في سننه 1/ 666 كتاب النكاح: باب الظهار، وينظر: أسباب النزول ص 273، لباب النقول ص 189.
(4)
نَثَرْتُ له كِنانَتِي: كناية عن إنْجابِ الأولاد.
(5)
قال أبو عبيد: "أخْبَزتُهُ بِعُجَرِي وَبُجَرِي؛ أي: أظهرته من ثقتي به على معايبي". كتاب الأمثال لأبي عبيد ص 60، وقال المبرد:"قال الأصمعي: هو قول سائرٌ في أمثال العرب: "لَقِيَ فُلَانٌ فُلَانًا فَأبتَّهُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ". الكامل للمبرد 1/ 216، وينظر: جمهرة اللغة 1/ 461، جمهرة الأمثال 1/ 364، فصل المقال ص 65، مجمع الأمثال 1/ 237 - 238، أساس البلاغة: بجر، عجر، المستفصى للزمخشري 1/ 93، شمس العلوم 7/ 4379، النهاية لابن الأثير 1/ 97.
وأصل العُجَرِ: العُقَدُ النّاتِئةُ فِي العَصَبِ، والبُجَرُ: العُقَدُ النّاتِئةُ فِي البَطْنِ.
قوله: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} يعني خَوْلةَ والنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، والتَّحاوُرُ: المُحاوَرةُ وهي المُخاطَبةُ، وأصله ما يُحِيرُ الإنسانُ؛ أي: يُدِيرُ من الكلام، يقال: كَلَّمْتُهُ فَما أحارَ جَوابًا
(1)
{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لتحاوركما {بَصِيرٌ (1)} به.
قوله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} قرأ الحسن وأبو عمرو ونافع وابن كثير: {يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ} بتشديد الظاء والهاء من غير ألف، وقرأ أبو جعفر وشَيْبةُ ويَحْيَى بنُ وَثّاب والأعمشُ وابنُ عامر وحمزةُ والكسائيُّ وأحمدُ بنُ مجاهد
(2)
: {يَظّاهَرُونَ} بفتح الياء والظاء والهاء مع التشديد فيها
(3)
والألِفِ، وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ وعاصمٌ:"يُظاهِرُونَ" بضم الياء وكسر الهاء وتخفيف الظاء
(4)
.
والمعنى: تُحَرِّمُونَهُنَّ تَحْرِيمَ ظُهُورِ الأُمَّهاتِ، وكل ما كان من الأُمِّ مُحَرَّمًا على الابن أن يراه، كالفرج والبطن والفَخِذَيْنِ وأشباهِ ذلك، فهو بِمَنْزِلةِ الظَّهْرِ على الأصح.
(1)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 106/ ب، 107/ أ.
(2)
أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، أبو بكر التميمي البغدادي، مقرئ محدث نحوي، كان كبير العلماء بالقراءات في عصره، وكان حسن الأدب فَطِنًا جَوادًا، توفِّي سنة (324 هـ)، من كتبه: القراءات الكبير، قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قراءة ابن كثير. [غاية النهاية 1/ 139 - 142، سير أعلام النبلاء 15/ 272 - 274، الأعلام 1/ 261].
(3)
يعني: فِي الظاء.
(4)
وقرأ أُبَيٌّ: {يَتَظَاهِرُونَ} ، وقرأ قتادة والحسن:{يُظَهِّرُونَ} ، ينظر في هذه القراءات: السبعة 628، إعراب القراءات السبع 2/ 354، مختصر ابن خالويه ص 154، تفسير القرطبي 17/ 273، البحر المحيط 8/ 231، الإتحاف 2/ 525.
و {الَّذِينَ} في موضع رفع بالابتداء، ويجوز على قول سيبويه أن يكون في موضع نصب بـ {بَصِيرٌ}
(1)
.
وقوله: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} قرأه العامة بكسر التاء، وهي في موضع نصب على خبر {مَا} ، كقوله:{مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ}
(2)
، وقيل: على معنى: ليس هن بأمهاتهم، وقرأ المفضلُ وعاصمٌ في بعض الروايات بضم التاء
(3)
على المبتدأ والخبرِ، على لغة بني تميم؛ لأنهم لا يُعْمِلُونَ "ما" عَمَلَ "لَيْسَ" كَفِعْلِ أهْلِ
(1)
يعني أن سيبويه يُجِيزُ إعْمالَ "فَعِيلٍ"، من صيغ المبالغة، عَمَلَ الفِعْلِ، فقد قال سيبويه:"وَأجْرَوُا اسْمَ الفاعل، إذا أرادوا أن يبالغوا في الأمر، مُجْراهُ إذا كان على بناء "فاعِلٍ"؛ لأنه يريد به ما أراد بـ "فاعِلٍ" من إيقاع الفعل إلا أنه يريد أن يُحَدِّثَ عن المبالغة". الكتاب 1/ 110، ثم استشهد سيبويه على إعمال "فَعِيلٍ" بقول ساعِدةَ بن جُؤَيّةَ:
حَتَّى شَآها كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلٌ
…
باتَتْ طِرابًا، وَباتَ اللَّيْلُ لَمْ يَنَمِ
الكتاب 1/ 114، ولم يجز المُبَرِّدُ إعمالَ "فَعِيلٍ"، فقال:"فأما ما كان على "فَعِيلٍ" نحو رَحِيمٍ وعَلِيمٍ، فقد أجاز سيبويه النصب فيه، ولا أراه جائزًا، وذلك أن فَعِيلًا إنما هو اسم الفاعل من الفعل الذي لا يتعدى، فما خَرَجَ إليه من غير ذلك الفعل فَمُضارِعٌ له مُلْحَقٌ به. . . واحْتَجَّ سيبويه بقول الشاعر:
حَتَّى شَآها كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلٌ
…
باتَتْ طِرابًا، وَباتَ اللَّيْلُ لَمْ يَنَمِ
والظرف إنما يعمل فيه معنى الفعل كَعَمَلِ الفعل، كان الفعل متعدِّيًا أو غَيْرَ مُتَعَدِّ". المقتضب 2/ 113 - 114، وينظر: إعراب القرآن 4/ 371، مشكل إعراب القرآن 2/ 362، النكت للأعلم ص 246 - 248، شرح المفصل 6/ 72، 73، شرح التسهيل لابن مالك 3/ 80، شرح الكافية للرضي 3/ 491، ارتشاف الضرب 5/ 2281 - 2283، مغني اللبيب ص 568، 569، الدر المصون 6/ 284 - 285، خزانة الأدب 8/ 155 - 163 وغيرها.
(2)
يوسف 31.
(3)
وبها قرأ أيضًا السُّلَمِيُّ وأبو مَعْمَرٍ، ينظر: السبعة ص 628، تفسير القرطبي 17/ 279، البحر المحيط 8/ 231.
الحِجازِ
(1)
، ولكنهم يرفعون ما بعده على الابتداء والخبر، قال الفراء
(2)
: وهي لغة أهل نَجْدٍ، وأنشدوا على لغتهم:
344 -
وَيَزْعُمُ حِسْلٌ أنَّهُ فَزعُ قَوْمِهِ
…
وَما أنْتَ فَرْعٌ يا حُسَيْلُ وَلا أصْلُ
(3)
وقوله: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} رفع بالابتداء؛ أي: ما أُمَّهاتُهُمْ {إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} {اللَّائِي} جَمْعُ "الَّتِي"، يقال: اللَّائِي واللَّاتِي، ومحله رفع خبر ابتداءٍ محققٍ.
قوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} المُنْكَرُ: هو الذي لا يُعْرَفُ، والزُّورُ: الكَذِبُ، وهما نعتان لمصدر محذوف، وهو نصب بالقول؛ أي: لَيَقُولُونَ قَوْلًا مُنْكَرًا وَقَوْلًا زُورًا، يعني: كَذِبًا وبُهْتانًا
(4)
{وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)} عَفا عنهم وغَفَرَ لهم بإيجاب الكَفّارةِ عليهم.
قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} ؛ أي: يعودون إلى الجِماعِ الذي حَرَّمُوا على أنفسهم، فنَهاهُم اللَّهُ عز وجل عن الجِماعِ حَتَّى يُكَفِّرُوا.
(1)
قال سيبويه: "هذا باب ما أُجْرِيَ مُجْرَى "لَيْسَ" في بعض المواضِع بلُغةِ أهل الحجاز، ثم يصير إلى أصله، وذلك الحرف "ما"، تقول: ما عَبْدُ اللَّهِ أخاكَ، وما زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، وأما بنو تميم فَيُجْرُونَها مُجْرَى "أمّا" و"هَلْ"، أي: لا يُعْمِلُونَها في شيءٍ، وهو القياس لأنه ليس بِفِعْلٍ، وليس "ما" كـ "لَيْسَ"، ولا يكون فيها إضمار". الكتاب 1/ 57.
(2)
معانِي القرآن 2/ 42، 43، 3/ 139.
(3)
البيت من الطويل، لِعَمْرِو بن خُوَيْلِدٍ، ويُرْوَى:"وَيَزْعُمُ حِسْدٌ. . . يا حُسَيْدُ".
اللغة: حِسْلٌ: اسم رجل، والحِسْلُ: ولد الضَّبِّ، وحُسَيْلٌ: تصغيره، فَرْعُ القومِ: شَرِيفُهُمْ، وتَفَرَّعَ القَوْمَ: عَلاهُمْ وفاقَهُمْ.
التخريج: الحيوان 6/ 94، الجليس الصالح الكافِي 1/ 265، الوسيط 4/ 260، الإنصاف ص 694، زاد المسير 8/ 183.
(4)
قاله مكي في مشكل إعراب القرآن 2/ 363.
وقوله: {لِمَا} بمعنى "إلى"، كقوله تعالى:{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}
(1)
؛ أي: إلَيْها، وقولِهِ:{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ}
(2)
؛ أي: إلى ما نُهُوا عنه، وقوله:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}
(3)
؛ أي: إلى آبائِهِمْ، قال الشاعر:
345 -
فَلَمّا التَقَى فُرْسانُنا وَرِجالُهُمْ
…
دَعَوْا يا لَكَعْبٍ! واعْتَزَيْنا لِعامِرِ
(4)
أي: انْتَسَبْنا إلَى عامر.
ويجوز أن يكون {لِمَا} بمعنى: بِما قالوا، وهو قول الأخفش
(5)
، ويجوز أن يكون بمعنى: فِيما قالُوا، وهو قول الفراء
(6)
، وكُلٌّ في ذلك جائزٌ.
وفي الآية تقديم وتأخير، قال الأخفش
(7)
: تقدير الآية: والذين يُظاهِرُونَ
(1)
الزلزلة 5.
(2)
المجادلة 8.
(3)
الأحزاب 5، وكون اللام بمعنى "إلى" هو قول الفراء وابن قتيبة، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 139، أدب الكاتب ص 410، وينظر: شفاء الصدور ورقة 108 - 109، عين المعاني ورقة 132/ أ.
(4)
في الأصل: "لِعارِم"، وهو خطأ، والبيت من الطويل، للرّاعِي النُّمَيْرِيِّ، من قصيدة يُخاطِبُ بها ابن نَعّاجٍ الكلبيَّ، ورواية ديوانه:"فَلَمّا التَقَت. . . . . . دعوا يا لَكَلبٍ"، ويُرْوَى صدره:
فَلَمّا لَحِقْنا والجِيادُ عَشِيّةً
التخريج: ديوانه ص 134، الكتاب 2/ 380، غريب الحديث للهروي 1/ 302، شرح أبيات سيبويه 2/ 49، شفاء الصدور ورقة 109/ أ، مقاييس اللغة 4/ 309، الفائق 2/ 425، ضرائر الشعر لابن عصفور ص 181، اللسان: عزو، عمر، التاج: عمر.
(5)
لَمْ أقف على هذا القول.
(6)
قال الفراء: "يصلح فيها في العربية: ثم يعودون إلَى ما قالوا وفِيما قالوا، يريد: يرجعون عَمّا قالوا". معانِي القرآن 3/ 139.
(7)
ينظر قوله في إعراب القرآن للنحاس 4/ 373، تهذيب اللغة 3/ 127، مشكل إعراب القرآن 2/ 363، الوسيط 4/ 261، اللسان: عود.
مِنْ نِسائِهِمْ فَتَحْرِيرُ رَقَبةٍ لِما قالُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ إلى نسائهم؛ أي: فَعَلَيْهِمْ تَحْرِيرُ رَقَبةٍ لِما نَطَقُوا به مِنْ ذِكْرِ التحريم، والتقديم والتأخير كثيرٌ في التنزيل {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} قال الزَّجّاجُ
(1)
: ذلكم التغليظ في الكَفّارةِ تُوعَظُونَ به؛ أي: إنَّ غِلَظَ الكَفّارةِ وَعْظٌ لَكُمْ حَتَّى تَتْرُكُوا الظِّهارَ {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)} .
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ؛ أي: يُعادُونَهُما ويُخالِفُونَ أمْرَهُما ويُحارِبُونَهُما، وقيل: يُجانِبُونَهُما؛ أي: يَكُونُونَ في حَدٍّ، واللَّهُ ورَسُولُهُ في حَدٍّ، والأصل: يُحادِدُونَ، فأدغمت الدال في الدال.
وقوله: {كُبِتُوا} ؛ أي: أُهْلِكُوا وأُذِلُّوا وأُخْزُوا، يقال: كَبَتَ اللَّهُ فُلَانًا: إذا أذَلَّهُ وأخْزاهُ، والمَرْدُودُ بالذُّلِّ يقال له: مَكْبُوتٌ
(2)
{كَمَا كُبِتَ} ؛ أي: أُهْلِكَ {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من أهل الشِّرك، والكاف في موضع نصب؛ لأنها نعت لمصدر محذوف
(3)
{وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} يعني القرآن {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)} من الهَوانِ.
ثم بَيَّنَ وَقْتَ ذلك العذابِ، فقال:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} يعني بذلك الخَلْقَ كُلَّهُمْ، يبعثهم من قبورهم أحياءً، والعامل في {يَوْمَ}:{عَذَابٌ مُهِينٌ} ، و {جَمِيعًا} نصب على الحال.
قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} قرأه العامة بالياء لأجل الحائل، وقرأ أبو جعفر بالتاء
(4)
لتأنيث النَّجْوَى، والأوَّلُ أصَحُّ وأفْصَحُ، قاله
(1)
معانِي القرآن وإعرابه 5/ 135.
(2)
قاله الواحدي في الوسيط 4/ 263.
(3)
أي: كَبْتًا مِثْلَ كَبْتِ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ، قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 374.
(4)
وهي أيضًا قراءة أبِي حَيْوةَ وشَيْبةَ والأعرج وعيسى بن عمر، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 154، المحتسب 2/ 315، تفسير القرطبي 17/ 289، البحر المحيط 8/ 233.
الثعلبي
(1)
، و {نَجْوَى} مصدر مضاف، قال الفراء
(2)
: إن شئت خفضت الثلاثة على نعت النجوى، وإن شئت أضفت النجوى إليها.
ويَجُوزُ رفعه على موضع {نَجْوَى} ، ويَجُوزُ نصبه على الحال من المضمر الذي فِي {نَجْوَى} ، و {مِنْ} زائدة، يقال: ما جاءَنِي مِنْ رَجُلٍ؛ أي: ما جاءَنِي رَجُلٌ
(3)
.
والنَّجْوَى: الحَدِيثُ سِرًّا كان أو علانيةً
(4)
، ومعنى قوله:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} ؛ أي: مِنْ حديثٍ يكون بين ثلاث {إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} يعني: بالإحاطة بِهِمْ والعِلْمِ لا فِي العَدَدِ، يسمع نَجْواهُمْ ويَعْلَمُ فَحْواهُمْ {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} قرأه العامة:"أكْثَرَ" بالفتح، وهو في محل الخفض على العطف، وقرأ يعقوب وأبو حاتم بالرفع
(5)
(1)
الكشف والبيان 9/ 256.
(2)
معانِي القرآن 3/ 140.
(3)
من أول قوله: "ويجوز رفعه على موضع نجوى" ليس من كلام الفراء، بل هما وجهان آخران في إعراب "ثَلاثةٍ"، قالهما النحاس، فالرفع على أنه بَدَلٌ من موضعِ "نَجْوَى"؛ لأنه فاعل بـ "كانَ" التامة، و"مِنْ" زائدة، والنصب على أنه حال من الضمير في "نجْوَى" على أنه بمعنى مُتَناجِينَ. إعراب القرآن 4/ 375، والوجه الثاني أجازه الفراء في معاني القرآن 3/ 140، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 364، الفريد للهمداني 4/ 441.
(4)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 110/ أ، وقال الزجاج:"النَّجْوَى في الكلام: ما تَنْفَرِدُ به الجماعةُ أو الاثنان، سِرًّا كان أو ظاهرًا". معانِي القرآن وإعرابه 2/ 104، وحكاه عنه الأزهري في التهذيب 11/ 198، والمشهور أن النجوى هي الكلام المُسَرُّ، قال الخليل:"والنَّجوُ: كَلامٌ بَيْنَ اثنين كالسِّرّ والتَّسارّ، تقول: ناجَيْتُهُمْ وَتَناجَوْا فيما بينهم". العين 6/ 187، وينظر: جمهرة اللغة: نجو، المحيط في اللغة 7/ 188، المحكم والمحيط الأعظم 7/ 386.
(5)
قرأ يعقوب وأبو حاتم والحسن وابن أبي إسحاق والأعمش وأبو العالية وأبو حيوة =
على محل الكلام قبل دخول "مِنْ"، وقرأ الزُّهْرِيُّ:"أكْبَرَ"
(1)
بالباء المعجمة بنقطة من أسفل.
قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} ؛ أي: بِما يُزَيِّنُ الشيطانُ لليهود والمنافقين ذلك النجوى
(2)
؛ لِيَحْزُنَ المؤمنين، وذلك أن المؤمنين إذا رَأوا اليهود والمنافقين مُتَناجِينَ، قالوا: لعلهم يَتَناجَوْنَ لَمّا بَلَغَهُمْ عن إخواننا الذين خرجوا في السَّرايا قَتْلٌ أو مَوْتٌ أو هَزِيمةٌ، قال اللَّه تعالى:{وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} يريد: فِي الضُّرِّ {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} يَكِلُونَ أُمُورَهُمْ إلَى اللَّه، ونصب {شَيْئًا} ؛ لأنه مفعول ثانٍ، والمفعول الأول الهاء والميم.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} ؛ أي: تَوَسَّعُوا، ومنه قولهم: مَكانٌ فَسِيحٌ: إذا كان واسعًا، قرأ عاصم والسُّلَمِيُّ والحسن:"فِي المَجالِسِ" بالألف على الجمع، وقرأ قتادة:"تَفاسَحُوا فِي المَجالِسِ" بالألف فيهما، وقرأ الآخرون:"فِي المَجْلِسِ"
(3)
يعنون: فِي مَجْلِسِ
= وسلّامٌ وعيسى بن عمر ونصر بن عاصم: {وَلَا أَكْثَرَ} بالرفع، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 154، تفسير القرطبي 17/ 290، البحر المحيط 8/ 233.
(1)
وبها قرأ، أيضًا الحسن ومجاهد والخليل بن أحمد ويعقوب وعكرمة، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 154، تفسير القرطبي 17/ 290، البحر المحيط 8/ 234.
(2)
قوله: "ذلك النجوى" فيه تذكير للمشار إليه وهو "النجوى" مع أن النجوى مؤنثة؛ لأن آخرها ألِفَ تأنيثٍ مقصورةً، ينظر: المفصل للزمخشري ص 201، إلا إن كان يراد بالنجوى التَّناجِي، وهو مذكر.
(3)
قرأ الحسن بخلاف عنه، وعيسى بن عمر وقتادةُ وداودُ بنُ أبِي هند:"تَفاسَحُوا"، وقرأ عاصم وقتادة والحسن وعيسى بن عمرو السُّلَمِيُّ وزِرُّ بن حُبَيْشٍ:"فِي المَجالِسِ" جمعًا، =
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
(1)
، وهو الاختيار؛ لأن المَجْلِسَ يُؤَدِّي معناه عن المَجالِسِ كُلِّها مَجْلِسُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِ.
وقوله: {فَافْسَحُوا} ؛ أي: أوْسِعُوا، يقال: فَسَحَ يَفْسَحُ فَسْحًا: إذا أوْسَعَ في المَجْلِسِ، وقوله:{يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} يعني: يُوَسِّعِ اللَّهُ لكم الجنةَ والمجالس فيها، وهو جواب الأمر، وفيه معنى المجازاة.
قوله: {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} قرأ أهل المدينة والشام وعاصم بضم الشين، وقرأ الآخرون بكسرها
(2)
، وهما لغتان
(3)
، والمعنى: قُومُوا وتَحَرَّكُوا وارْتَفِعُوا عن مواضعكم حتى تُوسِعُوا لغيركم، ومنه يقال: قَعَدَ على نَشَزٍ من الأرض؛ أي: على مكان مرتفع، وقيل: معناه: انْهَضُوا إلى الصلاة والجهاد والذِّكْرِ وعَمَلِ الخَيْرِ، ولا تُقَصِّرُوا {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وهذا أيضًا جواب الأمر، والعِلْمُ نصب على خَبَرِ ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ،
= وقرأ الباقون بالإفراد، ينظر: السبعة ص 628، 629، المحتسب 2/ 315، تفسير القرطبي 17/ 297، البحر المحيط 8/ 235، الإتحاف 2/ 527.
(1)
قاله مجاهد وقتادة والزجاج والنحاس، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 139، إعراب القرآن 4/ 378، الحجة للفارسي 4/ 35، الوسيط للواحدي 4/ 265، تفسير القرطبي 17/ 296.
(2)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي والأعمش والحسن وطلحة: "انْشِزُوا" بكسر الشين، ورُوِيتْ عن أبِي بكر عن عاصم، وقرأ الباقون وحَفْصٌ عن عاصم بضم الشين، ينظر: السبعة ص 629، تفسير القرطبي 17/ 299، البحر المحيط 8/ 235، الإتحاف 2/ 527.
(3)
قال الفراء: "وهما لغتان، كقولك: "يَعْكِفُونَ" و"يَعْكُفُونَ"، و"يَعْرِشُونَ" و"يَعْرُشُونَ". معاني القرآن 3/ 141، وينظر: إعراب القرآن 4/ 379، تهذيب اللغة 11/ 304، معاني القراءات 3/ 61، الحجة للفارسي 4/ 35 - 36.