الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} ، قال المفسرون
(1)
: إن اليهود قالت: خَلَقَ اللَّهُ السماواتِ والأرضَ وما بينهما في ستة أيام، أوَّلُها يومُ الأحَدِ، وآخِرُها يَوْمُ الجُمُعةِ، واستراح يوم السبت، فلذلك لا نعمل فيه شيئًا، فَأكْذَبَهُم اللَّهُ بقوله:{وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)} أي: تَعَبٍ، يقال: لَغَبَ يَلْغُبُ لُغُوبًا: إذا أعْيا من التَّعَبِ
(2)
.
{فَاصْبِرْ} يا محمد {عَلَى مَا يَقُولُون} من بَهْتِهِمْ وكُفْرِهِمْ، وهذا قَبْلَ أن يُؤْمَرَ بالقتال {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}؛ أي: صَلِّ للَّهِ {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} يعني الفجر {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)} يعني: الظهر.
فصل
عن جرير بن عبد اللَّه قال: كُنّا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فنَظَرُوا إلى القمر ليلةَ البَدْرِ، فقال:"إنكم سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيانًا كما تَرَوْنَ هذا، لا تُضامُونَ فِي رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغْلَبُوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وقبل الغروب"، رواه البخاري
(3)
.
(1)
ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 80، جامع البيان 26/ 329، 330، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 49، الكشف والبيان 9/ 106، الوسيط 4/ 170، زاد المسير 7/ 22، تفسير القرطبي 17/ 24.
(2)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 54/ أ، وفيه لغة أخرى، يقال: لَغِبَ بالكسر، وهي ضعيفة كما قال الأزهري في "التهذيب" 8/ 138، وينظر: الصحاح للجوهري 1/ 220.
(3)
صحيح البخاري 1/ 138 - 139، 143، كتاب مواقيت الصلاة: باب فضل صلاة العصر، وباب فضل صلاة الفجر، 6/ 48 كتاب تفسير القرآن: سورة ق، 8/ 179 كتاب التوحيد: باب قول اللَّه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} .
قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)} قولان، قيل: أراد النَّوافِلَ؛ لأن الآية عامّةٌ، فهي على العُمُومِ، إلّا أن يقع دليلٌ، وقيل: هما ركعتان بعد المغرب، رَوَى ذلك ابنُ عباس عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} بفتح الهمزة، جعلوه جمع دُبْرٍ بمعنى خَلْفَ، وقرأ الباقون:"وَإدْبارَ" بالكسر
(2)
، جعلوه مصدر أدْبَرَ الشَّيءُ إدْبارًا: إذا وَلَّى، وأجمعوا جميعًا على الكسر في:{وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}
(3)
، وقيل: من قرأ بنصب الألف فنَصْبُهُ على أنه اسم أُقِيمَ مُقامَ الظَّرْفِ، ومن قرأ بخفض الألف فنَصْبُهُ على الظَّرْفِ؛ لأن معناه: خَلْفَ السُّجُودِ
(4)
.
(1)
روى الحاكم بسنده عن ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الركعتان قبل صلاة الفجر إدْبارُ النجوم، والركعتان بعد المغرب أدْبارُ السجود". المستدرك 1/ 320 كتاب صلاة التطوع: باب الركعتين قبل صلاة الفجر، ورواه ابن أبِي شيبة عن عَلِيِّ وعُمَرَ وأبِي هريرة في المصنف 2/ 40 - 405، ورواه الترمذي في سننه 5/ 67 أبواب تفسير القرآن: سورة الطور.
(2)
قرأ بكسر الهمزة: ابنُ عباس وابن كثير ونافع وحمزة وخلف وابن محيصن وأبو جعفر وشيبة وعيسى بن عمر والأعمش وشبل وطلحة، ينظر: السبعة ص 607، معانِي القراءات 3/ 27، الحجة للفارسي 3/ 416، تفسير القرطبي 17/ 26، البحر المحيط 8/ 128، الإتحاف 2/ 489.
(3)
الطور 49.
(4)
على كلتا القراءتين هو منصوب على الظرفية بتقدير مضاف؛ أي: وَقْتَ أدْبارِ السُّجُودِ، أو وَقْتَ إدْبارِ السُّجُودِ، قال سيبويه:"هذا باب ما يكون فيه المصدر حِينًا لِسَعةِ الكلام والاختصار، وذلك قولك: مَتَى سِيرَ عَلَيْهِ؛ فيقول: مَقْدَمَ الحاج، وخُفُوقَ النَّجْمِ، وخِلَافةَ فُلَانٍ، وصَلاةَ العَصْرِ، وإنما هو: زَمَنَ مَقْدَمِ الحاجِّ، وحِينَ خُفُوقِ النَّجْمِ، ولكنه على سَعةِ الكلام والاختصار". الكتاب 1/ 222.
وقال الفارسي: "والمصادر تُجْعَلُ ظُرُوفًا على إرادةِ إضافةِ أسْماءِ الزمانِ إليها وحَذْفِها"، =
قوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ} يعني صَيْحةَ النَّفْخةِ لِيَقُومُوا {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} وهو إسرافيل عليه السلام، ينادي بالحشر فيقول: يا أيها الناس! هَلُمُّوا إلى الحِسابِ {مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)} قيل: من صخرة بيت المقدس، ينادي: أيَّتُها اللُّحُومُ المُتَمَزِّقةُ، والأوْصالُ المُتَفَرِّقةُ، والشُّعُورُ السّاقِطةُ، قومِي إلَى رَبِّكِ لِيُجازِيكِ بِعَمَلِكِ، قرأ نافع وأبو عمرو:"المُنادِي" بياء في الوصل فقط، وقرأ الباقون بحذفها فِي الحالين، إلّا ابن كثير فإنه يُثْبِتُ الياءَ في الحالين
(1)
.
ومعنى "واسْتَمِعْ"؛ أي: وقِفْ، إذِ المراد: واذْكُرْ واسْتَمِعْ هذا الكلامَ يا محمد! وهو صفة لـ "يَوْمَ"، ومعنى "قَرِيبٍ": أدْنَى وأقْرَبُ مكانٍ من الأرض إلى السماء بثمانيةَ عَشَرَ مِيلًا، وهي صخرة بيت المقدس. قال صاحب "إنسان العين"
(2)
: ورَوَى الواحِدِيُّ عن الكَلْبِيِّ أنه قال: هي أقْرَبُ من الأرض إلى السماء بِاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا
(3)
.
وقوله: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ} ؛ أي: بالبعث أنه كائِن حَقًّا، و {يَوْمَ} نصب على البدل من الأول، وقوله:{ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)} من القبور، وهو
= ثم أوْرَدَ الفارسيُّ الأمثلةَ التي ذكرها سيبويه ثم قال: "وكذلك يُقَدَّرُ في قوله: وَقْتَ إدْبارِ السُّجُودِ، إلا أن المضاف المحذوف في هذا الباب لا يكاد يظهر، ولا يُسْتَعْمَلُ، فهذا أدْخَلُ في باب الظروف مِنْ قَوْلِ مَنْ فَتَحَ". الحجة 3/ 416، وينظر أيضًا: الكشف عن وجوه القراءات 2/ 285، 286، البحر المحيط 8/ 128، الدر المصون 6/ 182.
(1)
قرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر: "المُنادِي" باثبات الياء في الوصل فقط، وقرأ ابن كثير ويعقوب وابن محيصن بإثباتها وصلًا ووقفًا. ينظر: السبعة ص 607، معانِي القراءات 3/ 292، الحجة للفارسي 3/ 416، 417، البحر المحيط 8/ 129، النشر 2/ 376، الإتحاف 2/ 490.
(2)
عين المعانِي ورقة 126/ أ.
(3)
الوسيط للواحدي 4/ 172.
ابتداء وخبر {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} أراد: نُمِيتُ في الدنيا، ونُحْيِي للبعث {وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)} بعد البعث، وهو قوله تعالى:{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} جمع سَرِيعٍ، وهو نصب على الحال، مجازه: فَيَخْرُجُونَ من قبورهم سِراعًا
(1)
إلى إجابة الدعي الذي دعاهم إليه {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)} أي: جَمْعٌ علينا هَيِّنٌ أن نبعثهم بعد الموت ثم نَحْشُرُهُمْ، ليس كما ظَنَّ قَوْمُكَ يا مُحَمَّدُ، وهذا جواب لقولهم:"ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ".
ثُمَّ عَزَّى نَبيَّهُ صلى الله عليه وسلم فقال: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} يعني كفار مكة من الأذى والتكذيب {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} ؛ أي: بِمُسَلَّطٍ، والجَبّارُ في كلام العرب: المُتَكَبِّرُ الذي لا يُرامُ، وهو مأخوذ من جَبّارِ النَّخْلِ، وهو الذي قد ارتفع عن أن تَنالَهُ اليَدُ، والجَبّارُ: القَتّالُ الذي يَقْتُلُ على الغَضَبِ، وهو من الأضداد
(2)
.
وقوله: {فَذَكِّرْ} فَعِظْ يا محمد {بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)} وعذابِي في الآخرة لِمَنْ عَصانِي، وخالَفَ أمْرِي فَيَحْذَرُ المَعاصِي، وإنما يتذكر من يخشى، واللَّه أعلم، وباللَّه التوفيق.
* * *
(1)
قال النحاس: "سِراعًا: نصب على الحال، قيل: من الهاء والميم، وقيل: لا يجوز الحال من الهاء والميم، لأنَّهُ لا عامِلَ فيها، ولكن التقدير: فَيَخْرُجُونَ سِراعًا". إعراب القرآن 4/ 234، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 321، البيان للأنباري 2/ 388، الفريد للهمداني 4/ 358، البحر المحيط 8/ 129.
(2)
من أول قوله: "والجبار في كلام العرب: المتكبر". قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 54/ ب، وأضاف النقاش:"والجَبّارُ: المُصْلِحُ لِلشَّأْنِ من: جَبَرَ العَظْمَ: إذا أصْلَحْتَهُ وَرَدَدْتَهُ إلى حاله"، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 11/ 58، الصحاح 2/ 608.