المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

معناه: إنا فتحنا فتحًا مبينًا، لكي يُجْمَعَ لك مع المغفرة - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ٣

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الدخان

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فْصَلُ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الجاثية

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الأحقاف

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الفتح

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الحجرات

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة ق

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الذاريات

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الطور

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة النجم

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة القمر

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الرحمن

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الواقعة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الحديد

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة المجادلة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الحشر

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الامتحان

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌سورة الصف

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الجمعة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل في ذِكر بعض ما ورد من الأخبار في فَضْلِ هذا اليومِ وسُنَتِهِ

- ‌سورة المنافقين

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌سورة التغابن

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الطلاق

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة التحريم

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الملك

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: معناه: إنا فتحنا فتحًا مبينًا، لكي يُجْمَعَ لك مع المغفرة

معناه: إنا فتحنا فتحًا مبينًا، لكي يُجْمَعَ لك مع المغفرة تَمامُ النعمة في الفتح، فلما انضم إلى المغفرة شيءٌ حادثٌ واقعٌ حَسُنَ معنى "كَيْ"، هكذا ذكره ابن الأنباري عن أبِي عَبّاسٍ المُبَرِّدِ

(1)

.

قوله: {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} يعني: بالإسلام والنبوة والحكمة {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)} ؛ أي: إلى صراط مستقيم، ثم حُذِفَتْ "إلَى"، وانتصب الصراط؛ لأنه مفعول به في المعنى

(2)

.

ومعنى الآية: ليجتمع لك مع الفتح تَمامُ النعمة بالمغفرة والهداية إلى صراط مستقيم، وهو الإسلام {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ} على عدوك {نَصْرًا عَزِيزًا (3)} ذا عِزٍّ لا يقع معه ذُلٌّ.

‌فصل

عن أبِي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقوم -يعنِي: فِي الصلاة- حتى تَرِمَ قَدَماهُ، فقيل له: يا رسول اللَّه: أتصنع هذا وقد جاءك من اللَّه

(1)

هذا الكلام قاله ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء ص 900، ولَمْ يَحْكِهِ عن المبرد، وأما حكاية ابن الأنباري عن المبرد فقد أوردها الواحدي في الوسيط 4/ 133 - 134، ولكن الأزهري حكاه عن ابن الأنباري عن ثعلب، لا عن المبرد، وينظر: تهذيب اللغة 15/ 409، وكذلك ابن الجوزي في زاد المسير 7/ 423، ولَمْ أقف على أنه للمبرد.

(2)

قاله مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن 2/ 310. وهذه لغة أهل الحجاز، قال الأخفش: "وأهل الحجاز يقولون: هَدَيْتُهُ الطريقَ؛ أي: عَرَّفْتُهُ، وكذلك: هديته البَيْتَ في لغتهم، وغيرهم يُلْحِقُ فيه "إلَى". معانِي القرآن ص 16.

وقال أبو عبيدة: "ومن مجاز ما جاء على ثلاثة ألفاظ، فَأُعْمِلَتْ فيه أداتان في موضعين، وتُرِكَتا منه فِي موضع: قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، و"إلى الصراط" و"للصراط". مجاز القرآن 1/ 15.

ص: 96

عَزَّ وَجَلَّ أنْ قَدْ غَفَرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ "

(1)

.

قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} يعني النبي صلى الله عليه وسلم {شَاهِدًا} يريد: على هذه الأمة بالرسالة {وَمُبَشِّرًا} لهم بالنصر في الدنيا، والجنةِ في الآخرة {وَنَذِيرًا (8)} تُخَوِّفُ النارَ، وقيل: مبشرًا بالجنة للمطيعين ونذيرًا بالنار للعاصين، والنذير من اللَّه: المُعْلِمُ المُخْبِرُ، وهي

(2)

منصوبة على الحال من الكاف في "أرْسَلْناكَ"، والعامل فيها "أرْسَلَ" كما أنه هو العامل في صاحب الحال

(3)

.

قوله: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} يعني: لتصدقوا باللَّه أنه واحد لا شريك له {وَرَسُولِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {وَتُعَزِّرُوهُ} ؛ أي: تُعَظِّمُوهُ وتَنْصُرُوهُ وتُعاوِنُوهُ على أمْرِهِ كُلِّهِ، والتعزير: النُّصْرةُ بالسيف واللسانِ

(4)

{وَتُوَقِّرُوهُ} يعني: تُعَظِّمُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وتُبَجِّلُوهُ، وهاهنا وقف تام، ثم قال فِي التقديم:{وَتُسَبِّحُوهُ} يعني:

(1)

رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 251، 255، 6/ 115، والبخاري في صحيحه 2/ 44 كتاب الكسوف: باب التهجد بالليل، 6/ 44 كتاب تفسير القرآن: سورة الفتح، 7/ 183 كتاب الرقاق: باب الصبر عن محارم اللَّه، ومسلم في صحيحه 8/ 141، 142 كتاب صفة القيامة والجنة والنار: باب إكثار الأعمال.

(2)

يعني "شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" ثلاثتها.

(3)

وهي أحوال مُقَدَّرةٌ؛ أي: مُسْتَقْبَلةٌ، قال الزجاج:"فقوله: "شاهِدًا" حال مُقَدَّرةٌ؛ أي: يكون يوم القيامة، والبشارة والإنذار حالٌ يكون النبي صلى الله عليه وسلم مُلابسًا لها في الدنيا لِمَنْ شاهَدَهُ فيها من أمته، وحالٌ مقدرةٌ لمن يأتِي بعده من أمته إلى يوم القيامة مِمَّنْ لَمْ يشاهده". معانِي القرآن وإعرابه 5/ 21، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 310، البيان للأنباري 2/ 377.

(4)

هذا القول حكاه أبو عمر الزاهد عن ثعلب في ياقوتة الصراط ص 471، وحكاه الأزهري عن ثعلب عن ابن الأعرابي في تهذيب اللغة 2/ 130.

ص: 97

تسبحوا اللَّهَ {بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)}

(1)

يريد: تُصَلُّونَ لِله بالغَداةِ والعَشِيِّ، وهما منصوبان على الظرف والحال

(2)

.

قرأ ابن كثير وأبو عمرو أرْبَعَتَها بالياء

(3)

، واختاره أبو عبيد، قال

(4)

: لِذِكْرِ اللَّهِ تعالى المؤمنين قبله وبعده، فأما قبله فقوله:{فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} ، وأما بعده فقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} ، وقرأها الآخرون بالتاء، واختاره أبو حاتم على خطاب الحاضرين

(5)

، معناه: قُلْ لهم يا محمد، وقرأ محمد بن السَّمَيْفَعِ:{وَتُعَزِّزُوهُ} بالزّايَيْنِ

(6)

، غيره بالزاي والراء.

(1)

قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 32/ ب، وقال ابن الأنباري:{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} معناه: وَتُعَزِّرُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وتُوَقِّرُوهُ، فالوقف عليه غير تام؛ لأن قوله:{وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} نسق عليه، والتسبيح لا يكون إلا للَّه تعالى". إيضاح الوقف والابتداء ص 900 - 901.

وقال الدانِي: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} كافٍ، وهو للنبي صلى الله عليه وسلم، وما بعده للَّه تعالى، إذ التسبيح لا يكون إلا للَّهِ تعالى". المكتفى ص 332، وينظر: الوسيط 4/ 136، عين المعانِي ورقة 124/ أ.

(2)

{بُكْرَةً وَأَصِيلًا} منصوبان على الظرف، لا على الحال كما قال المؤلف، وهذا من باب التجوز في التعبير عنده.

(3)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن واليزيدي والحسن وأبو جعفر وأبو حَيْوةَ: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ} بالياء فيها جميعًا، ورَوَى عُبَيْدٌ عن هارون عن أبِي عمرو بالتاء فيها، وقرأها الباقون بالتاء. ينظر: السبعة ص 603، تفسير القرطبي 16/ 266، البحر المحيط 8/ 92، الإتحاف 2/ 481.

(4)

اختيار أبِي عبيد وقوله في كتابه غريب الحديث 4/ 23، وينظر أيضًا: الكشف والبيان 9/ 43، تفسير القرطبي 16/ 266.

(5)

ينظر اختيار أبِي حاتم في الكشف والبيان 9/ 43، تفسير القرطبي 16/ 266.

(6)

هذه قراءة ابن عباس واليَمانِيِّ، ولَمْ أقف على أنها قراءة لابن السميفع، ينظر: المحتسب 2/ 275، البحر المحيط 8/ 92.

ص: 98

قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ} يعني أعْرابَ غِفارٍ وجُهَيْنةَ وأشْجَعَ وأسْلَمَ ومُزَيْنةَ {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعني بني حنيفة أتباع مُسَيْلِمةَ الكَذّابِ، وهو قول أكثر المفسرين، وقيل: أراد به فارس والروم {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} قرأه العامة بالنون في محل الرفع [عطفًا] على قوله: {تُقَاتِلُونَهُمْ}

(1)

، وفِي حرف أُبَيٍّ:"أوْ يُسْلِمُوا"

(2)

يعني: حَتَّى يُسْلِمُوا

(3)

كقول امرئ القيس:

259 -

. . . . أوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرا

(4)

(1)

هذا أحد قولين لسيبويه في هذه الآية، والآخر: أن يكون مرفوعًا على الاستئناف، على تقدير: أوْ هُمْ يُسْلِمُونَ، ينظر: الكتاب 3/ 47، وينظر أيضًا: الأصول لابن السراج 2/ 155، إعراب القرآن للنحاس 4/ 200، مشكل إعراب القرآن 2/ 310.

(2)

هذه قراءة أُبَيٍّ وابن مسعود وزيد بن عَلِيٍّ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 143، تفسير القرطبي 16/ 273، البحر المحيط 8/ 94.

(3)

هذا موافق لقول الكوفيين، فهم يُقَدِّرُونَ "أوْ" هنا بـ "حَتَّى"، وأما سيبويه والبصريون فإنهم يقدرونها بـ "إلّا أنْ"، أي: إلّا أنْ يُسْلِمُوا، وأجاز المبرد والزجاج كِلا الوجهين، ينظر: الكتاب 3/ 47، معانِي القرآن للفراء 3/ 66، المقتضب 2/ 27، 28، 3/ 306، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 24، إعراب القرآن 4/ 200، مشكل إعراب القرآن 2/ 311.

(4)

هذه قطعة من بيت من الطويل، وهو بتمامه:

فَقُلتُ لَهُ: لا تَبكِ عَينُكَ إنّما

نُحاوِلُ مُلكًا أو نَموتَ فَنُعذَرا

اللغة: الضمير في "لَهُ" يعود لصاحبه الذي ذكره في البيت السابق، وصاحبه هذا هو عمرو ابن قميئة.

التخريج: ديوانه ص 66، الكتاب 3/ 47، معانِي القرآن للفراء 2/ 71، المقتضب 2/ 27، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافِيِّ 2/ 59، الخصائص 1/ 263، الصاحبي 171، الأزهية ص 122، الحلل ص 260، أمالِيُّ ابن الشجري 3/ 78، شرح المفصل 7/ 22، 33، أمالِيُّ ابن الحاجب ص 313، شرح التسهيل لابن مالك 4/ 26، شرح الكافية للرضي 4/ 73، البحر المحيط 8/ 94، رصف المبانِي ص 133، اللسان: أوا، الجنى الدانِي ص 231، الخزانة 4/ 412، 8/ 544، 547.

ص: 99

قوله: {قُلْ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا} شرط وجزاء، وقيل: معناه: فإن تطيعوا أبا بكر وعُمَرَ يُؤْتكُم اللَّه أجرًا حسنًا، يعني الجنة {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} تُعْرِضُوا عن طاعتهما {كَمَا تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عن طاعة محمد صلى الله عليه وسلم {مِنْ قَبْلُ} يعني عام الحُدَيْبيةِ {يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)} وهو النار، وهذه الآية تدل على خلافة الشيخينَ أبِي بكر وعُمَرَ رضي الله عنهما؛ لأن اللَّه تعالى وَعَدَ على طاعتهما الجنةَ، وعلى مخالفتهما النارَ

(1)

.

قوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} يعني غنيمة خَيْبَرَ {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} ؛ أي: كَفَّ أيْدِيَ الكفار عنكم بإلقاء الرعب في قلوبهم {وَلِتَكُونَ} يعني الغنيمة {آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، حيث وعدهم أن يصيبوها {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)}؛ أي: إلى صراط مستقيم، وقد تقدم نظيرها

(2)

.

ثم قال: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} محل "أُخْرَى" نصب بالعطف على قوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} ، وتقديره: ووعدكم مغانمَ أخرى

(3)

، يريد: مدائن فارس والروم، وقيل

(4)

: محل "أُخْرَى" رفع بإضمار حرف الصفة،

(1)

قاله مقاتل ورافع بن خديج والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للنحاس 6/ 504، الوسيط 4/ 138، زاد المسير 7/ 431، 432، تفسير القرطبي 16/ 272.

(2)

في الآية الثانية من هذه السورة 3/ 96.

(3)

هذا قول الزجاج والنحاس ومكي بن أبي طالب، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 26، إعراب القرآن 4/ 201، مشكل إعراب القرآن 2/ 311.

وذهب الزمخشري إلى أن "مَغانِمَ" معطوف على "هَذِهِ" في قوله: "فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ"؛ أي: فَعَجَّلَ لكم هذه المغانمَ ومغانمَ أخري، ينظر: الكشاف 3/ 547.

(4)

يعني أن {أُخْرَى} فاعل بالجار والمجرور، وهذا على مذهب الكوفيين، وأما البصريون فإنهم يجعلون {أُخْرَى} على هذا التأويل مبتدأ، والجارَّ والمجرور المحذوف خبرًا مقدَّمًا، =

ص: 100

تقديره: ولكم مغانمُ أخرى {قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} ؛ أي: حَواها لكم وحَفِظَها عليكم حتى تفتحوها وتأخذوها {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من فتح القرى وغير ذلك {قَدِيرًا (21)} .

قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني أسَدًا وغَطَفانَ وأهل خَيْبَرَ، وقيل: يعني كفار قريش {لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ} لانْهَزَمُوا عنكم يا معشر المؤمنين؛ لأنّ اللَّهَ ينصركم عليهم {ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22)} قال ابن عباس: مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ اللَّه خَذَلَهُ اللَّهُ ولَمْ يَنْصُرْهُ.

ثم ذكر أن سُنّةَ اللَّه النُّصْرةُ لأوليائه، فقال:{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ} قال ابن عباس: يريد: هذه سُنَّتِي في أهل طاعتي وأهل معصيتي، أنْصُرُ أوليائي وأخْذُلُ أعدائي، وانتصب "سُنّةَ اللَّه" لعدم الخافض؛ أي: كَسُنّةِ اللَّهِ الَّتِي قد خَلَتْ

(1)

.

وقيل

(2)

: هو نصب على المصدر، وقال أبو إسحاق الزجاج

(3)

: يجوز "سُنّةُ اللَّهِ" بالرفع؛ أي: تلك سنة اللَّه التي قد خلت من قبل في نصر أوليائه وقهر أعدائه {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)} .

قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني كفار مكة {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ

= ويجوز أن يكون {أُخْرَى} مبتدأ والخبر {قَدْ أَحَاطَ} ، ينظر: التبيان للعكبري ص 1167، الدر المصون 6/ 163.

(1)

ذكره القرطبي بغير عزو في تفسيره 16/ 280.

(2)

هذا قول الزجاج والنحاس، فقد قال الزجاج:"و"سُنةَ اللَّهِ" منصوب على المصدر؛ لأن قوله: {لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ} معناه: سَنَّ اللَّهُ خِذْلانَهُم سُنّةً". معانِي القرآن وإعرابه 5/ 26، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 4/ 201، وينظر أيضًا: مشكل إعراب القرآن 2/ 311.

(3)

معانِي القرآن وإعرابه 5/ 26 باختلاف في ألفاظه، وذكر الزجاج أنه لا يجوز أن يُقْرَأ به، لأنه لَمْ يَرِدْ.

ص: 101

الْحَرَامِ} أن تطوفوا به {وَالْهَدْيَ} معطوف على الكاف والميم؛ أي: وصَدُّوا الهَدْيَ {مَعْكُوفًا} يعني: محبوسًا، يقال: عَكَفْتُهُ عن كذا عَكْفًا؛ أي: حَبَسْتُهُ، فَعَكَفَ عُكُوفًا، كما يقال: رَجَعْتُهُ رَجْعًا، فَرَجَعَ رُجُوعًا

(1)

، ونصب {مَعْكُوفًا} على الحال.

وقوله: {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} يعني مَنْحَرَهُ، وهو حيث يَحِلُّ نَحْرُهُ، يعني الحرم {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ} رفع إما بالابتداء وإما بفعل مضمر

(2)

تقديره: ولولا ثَبَتَ رجالٌ مؤمنون {وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} يعني المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا بمكة بين الكفار {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ} ؛ أي: لَمْ تعرفوهم {أَنْ تَطَئُوهُمْ} أي: بالقتل، وتقعوا بهم، يقال: وَطِئْتُ القَوْمَ: إذا أوْقَعْتَ بهم، قال الزَّجّاجُ

(3)

: المعنى: لولا أن تَطَؤُوا رجالًا مؤمنين ونساء مؤمنات {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ} والمَعَرّةُ: المَشَقّةُ، وأصلها من الجَرَبِ

(4)

.

ونصب "فتصِيبَكُمْ" عطفًا على "تَطَؤُوهُمْ" وهو الحَرْبُ، وقوله:{بِغَيْرِ عِلْمٍ} موضعه التقديم؛ لأن التقدير: لولا أن تَطَؤُوهُمْ بغير علم {لِيُدْخِلَ اللَّهُ

(1)

قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 413، وقال الأزهري:"يقال: عَكَفْتُهُ عَكْفا فَعَكَفَ عُكُوفًا، وهو لازم وواقع، كما يقال: رَجَعْتُهُ فَرَجَعَ، إلا أن مصدر اللازم العُكُوفُ، ومصدر الواقع العَكْفُ". تهذيب اللغة 1/ 321.

(2)

البصريون يرفعونه بالابتداء، وخبره محذوف وجوبًا، والكوفيون يرفعونه بفعل مضمر، وقد سبق مثل ذلك فِي الآية 53 من سورة العنكبوت 2/ 21 والآية 45 من سورة فصلت 2/ 418 وفيهما اختار المؤلف مذهب الكوفيين.

(3)

معانِي القرآن وإعرابه 5/ 27.

(4)

قال أبو عبيدة: "مَعَرّةٌ: جِنايةٌ كَجِنايةِ العَرِّ وهو الجَرَبُ". مجاز القرآن 2/ 217، وقال ثعلب:"أي: يصيبكم أمْرٌ تكرهونه وهو أخْذُ الدِّياتِ، والعَرُّ: الجَرَبُ". مجالس ثعلب ص 310، وينظر: شفاء الصدور ورقة 35/ ب، تهذيب اللغة 1/ 99.

ص: 102

فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} اللّام متعلق بمحذوف دَلَّ عليه معنى الكلام على تقدير: حالَ بينكم وبينهم؛ ليدخل اللَّه في رحمته من يشاء

(1)

، يعني مَنْ أسْلَمَ من الكفار بعد الصلح، هكذا نَظْمُ الآية وحكمُها، فحذف جواب "لَوْلا" استغناءً بدلالة الكلام عليه

(2)

.

وقوله: {لَوْ تَزَيَّلُوا} ؛ أي: تَمَيَّزُوا، يعني المؤمنين من الكفار {لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)} يعني: بالقتل والسَّبْيِ بأيديكم.

قوله: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ} مفعول {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} نصب على البدل من الأُولَى، وذلك حين صَدُّوا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن البيت، ومَنَعُوهُ الطوافَ، ولَمْ يُقِرُّوا برسالته. و {إِذْ} في قوله:{إِذْ جَعَلَ} من صلة قوله: {لَعَذَّبْنَا} .

والحَمِيّةُ "فَعِيلةٌ" من قول القائل: حَمَى فلانٌ أنْفَهُ يَحْمِي حَمِيّةً ومَحْمِيةً

(3)

، قال المتلمس

(4)

:

(1)

قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 202، وينظر: المحرر الوجيز 5/ 137، كشف المشكلات 2/ 320، البيان للأنباري 2/ 379، الفريد للهمداني 4/ 328.

(2)

يعني أن جواب "لَوْ تَزَيَّلُوا" وهو قوله: "لَعَذبْنا" يَدُلُّ على جواب "لَوْلا"، وهذا ما قاله الفارسي في كتاب الشعر ص 65، وتابعه عليه الواحديُّ فِي الوسيط 4/ 143. وذهب ابن قتيبة إلى أن قوله:"لَعَذَّبْنا" جواب لقوله: "وَلَوْلا رِجالٌ"، ولقوله:"لَوْ تَزَيَّلُوا" مَعًا؛ أي: أنه سَدَّ مَسَدَّ الجَوابَيْنِ، ينظر: تأويل مشكل القرآن ص 368، وتبعه الزمخشري وابن الشجري، ينظر: الكشاف 3/ 548، أمالِيُّ ابن الشجري 1/ 356، 357، 2/ 119، 120.

وينظر أيضًا: البيان للأنباري 2/ 278، التبيان للعكبري ص 1167، البحر المحيط 8/ 97، الدر المصون 6/ 164.

(3)

قاله أبو عبيدة وابن السكيت، ينظر: مجاز القرآن 2/ 217 - 218، إصلاح المنطق ص 227، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 5/ 274.

(4)

هو جرير بن عبد العُزَّى، أو عبد المسيح، من ربيعة، شاعر جاهلي من أهل البحرين، =

ص: 103

260 -

ألا إنّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِيَ عِرْضُهُمْ

كَذِي الرَّأْسِ يَحْمِي أنْفَهُ أنْ يُهَشَّما

(1)

أي: يَمْنَعُ، وكل ما مَنَعْتَهُ أي: حَمَيْتَهُ.

{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} حتى لا يَدْخُلَهُمْ ما دَخَلَ الكُفّارَ من الحَمِيّةِ {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} وهي: لا إله إلا اللَّه، كلمة الإخلاص التي يُتَّقَى بها من الشرك {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} يعني: وكان المؤمنون أحَقَّ بها من كفار مكة، وكانوا أهْلَها في عِلْمِ اللَّه؛ لأن اللَّه تعالى اختار لدينه ولِنَبيِّهِ أهل الخير ومَنْ هو أوْلَى بالهداية مِنْ غيرهم {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)} من أمْرِ الفريقين.

قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} هما مفعولان، وهي الرؤيا التي أراها اللَّهُ نَبِيَّهُ في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يَدْخُلُ هو وأصحابُهُ المسجدَ الحرامَ، فقال تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} اللام لام جواب القسم المضمر، والنون توكيد لفعل جماعة الرجال؛ ولهذا ضَمَمْتَ ما قبل النون، والتقدير: واللَّهِ لَتَدْخُلُنَّ المسجدَ الحرامَ {إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} كلها {وَمُقَصِّرِينَ} بَعْضَها.

= وهو خال طرفة بن العبد، كان ينادم الملك عمرو بن هند، ثم هجاه، فأراد عمرٌو قَتْلَهُ، فَفَرَّ منه إلى الشام، ومات بِبُصْرَى سنة (569 م). [الشعر والشعراء ص 185 - 190، طبقات فحول الشعراء ص 155 - 156، الأعلام 2/ 119].

(1)

البيت من الطويل للمُتَلَمِّسِ، ورواية ديوانه:"أن يُكَشَّما"، والكَشْمُ: قطع الأنف باستئصال.

التخريج: ديوانه ص 21، الجيم للشيبانِيِّ 3/ 172، جامع البيان 26/ 135، الكشف والبيان 9/ 63، عين المعانِي ورقة 124/ ب، تفسير القرطبي 16/ 288، البحر المحيط 8/ 98، الدر المصون 6/ 165، اللباب في علوم الكتاب 17/ 506.

ص: 104

قال أبو عبيدة

(1)

: "إنْ" هاهنا بمعنى "إذْ"، مَجازُهُ: إذْ شاء اللَّه، حيث أرَى رَسُولَهُ ذلك، وقيل

(2)

: الاستثناء من المخلوقين؛ لأنهم لا يعرفون عواقب الأمور، وقيل

(3)

: خُوطِبَ الناسُ بما يعرفون؛ لأن الاستثناء لا يكون في البِشارةِ، فيكون فيها فائدة.

ونصب {آمِنِينَ} و {مُحَلِّقِينَ} على الحال، وزعم الفراء أنه يجوز {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}

(4)

، يعني: بَعْضُكُمْ كَذا وبَعْضُكُمْ كَذا، وأنشد:

وَغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ

(5)

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} من الضلالة {وَدِينِ الْحَقِّ} يعني دين الإسلام؛ لأن كُلَّ دِينٍ باطِلٌ غَيْرَ الإسلام {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} يعني: على مِلّةِ اهل الأديان كلها {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)} بأنك نَبِيٌّ صادقٌ فيما تخبر به، ونصب {شَهِيدًا} على التفسير، وقيل: على الحال والقطع، وقد تقدم نظيره في مواضع من القرآن.

(1)

لَمْ أقف على هذا القول في مجاز القرآن، وإنما حكاه النحاس عنه في إعراب القرآن 4/ 204، وينظر: شفاء الصدور ورقة 37/ أ، الكشف والبيان 9/ 64، الوسيط 4/ 145، زاد المسير 7/ 443، عين المعانِي ورقة 124/ ب، تفسير القرطبي 16/ 290.

(2)

قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 204، وحكاه الواحدي عن ثعلب في الوسيط 4/ 145.

(3)

قاله النحاس والنقاش، ينظر: إعراب القرآن 4/ 204، شفاء الصدور ورقة 36/ ب، وينظر أيضًا: الكشاف 3/ 549، زاد المسير 7/ 443، الفريد 4/ 330، البحر المحيط 8/ 100.

(4)

معانِي القرآن للفراء 3/ 68، وقد قرأ اليمانِيُّ:{مُحَلِّقُونَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرُونَ} ، ينظر: شواذ القراءة للكرمانِيِّ ورقة 266.

(5)

تقدم برقم 2200/ 326.

ص: 105

قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} ، تَمَّ الكلامُ هاهنا، ثم قال مبتدئًا:{وَالَّذِينَ مَعَهُ} يعني: من المؤمنين، الواو فيه استئناف، و {وَالَّذِينَ مَعَهُ} في محل الرفع بالابتداء {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} يعني: غِلَظًا كقوله تعالى: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}

(1)

{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} أىِ: مُتَوادُّونَ متواضعون، بعضهم لبعض كالوَلَدِ لِوالِدِهِ، والعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، كقوله تعالى:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}

(2)

، {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} إخبار عن كثرة صلاتهم ومُداوَمَتِهِمْ عليها، وأصل الرُّكُوعِ: الانْحِناءُ، يقال: رَكَعَ الشَّيْخُ: إذا انْحَنَى من الكِبَرِ، قال لبيد:

261 -

أدِبُّ كَأنِّي كُلَّما قُمْتُ راكِعُ

(3)

والسجود: الانحناء أيضًا، وهما منصوبان على الحال.

وقوله: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ} يعني رزقًا، وهو الجنة {وَرِضْوَانًا} يعني رِضاءَ اللَّهِ عز وجل {سِيمَاهُمْ}؛ أي: علامتهم {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} قرأ الأعرج: {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ساكنة الثاء

(4)

، وقرأ الباقون بالفتح،

(1)

المائدة 54.

(2)

المائدة 54.

(3)

هذا عَجُزُ بيتٍ من الطويل لِلَبِيدٍ، وصدره:

أُخَبِّرُ أخْبارَ القُرُونِ التِي مَضَتْ

اللفة: أدِبُّ: أمْشِي الدَّبيبَ، وهو مشيُ الشيخ الهَرِمِ، راكع: مُنْحَنٍ بسبب كِبَرِ السِّنِّ.

التخريج: ديوانه ص 89، العين 1/ 200، مجاز القرآن 1/ 54، عيون الأخبار 2/ 323، الزاهر لابن الأنباري 1/ 46، الأضداد لابن الأنباري ص 297، مقاييس اللغة 2/ 435، مجمل اللغة ص 397، المخصص 13/ 87، ديوان الأدب 2/ 210، بهجة المجالس 2/ 238، اللسان: ركع، التاج: ركع.

(4)

ومكسورة الهمزة أيضًا، وقرأ قتادة والحسن واليمانِيُّ وعيسى الحجازي:"مِنْ آثارِ السُّجُودِ"، =

ص: 106

وَأثَرٌ وَإثْرٌ واحد

(1)

، {ذَلِكَ} يعني الذي ذكره من نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم {مَثَلُهُمْ} يعني صفتهم {فِي التَّوْرَاةِ} ، وتَمَّ الكلامُ، ثم استأنف

(2)

وقال: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} ؛ أي: وَصْفُهُمْ {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} يعني نَباتَهُ

(3)

، وقيل

(4)

: سُنْبُلَهُ حين يُسَنْبِلُ نَباتُهُ، وقيل

(5)

: فُرُوخُهُ، وجمعه أشْطاءٌ. والعرب تقول: أشْطَأ الزَّرْعُ فهو شَطْء ومُشْطِئٌ: إذا انْبَسَطَ، واسْتَأْزَرَ: إذا فَرَّخَ

(6)

، قال الشاعر:

262 -

أخْرَجَ الشَّطْءَ عَلَى وَجْهِ الثَّرَى

وَمِنَ الأشْجارِ أفْنانُ الثَّمَرْ

(7)

= ينظر: مختصر ابن خالويه ص 143، شواذ القراءة ورقة 226، المحرر الوجيز 5/ 141، البحر المحيط 8/ 101، الدر المصون 6/ 166.

(1)

قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 37/ ب.

(2)

وأجاز الفراء أن يكون المعنى: وفي الإنجيل أيضًا، كمثلهم في القرآن، ينظر: معانِي القرآن 3/ 69، وهذا قول مجاهد كما ذكر النحاس، فقد قال:"وعلى قول مجاهد التمامُ: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ}، تعطف مثلًا على مثل، ثم تبتدئ: "كَزَرْعٍ"؛ أي: هُمْ كَزَرْعٍ". إعراب القرآن 4/ 205، وينظر: إيضاح الوقف والابتداء ص 901، المُكْتَفى في الوقف والابتدا للدانِي ص 333.

(3)

هذا قول أنس بن مالك وقتادة والزهري، ينظر: جامع البيان 26/ 246، 147، معانِي القرآن للنحاس 6/ 516، إعراب القرآن 4/ 205، الكشف والبيان 9/ 66.

(4)

هذا قول ابن عباس والفراء، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 69، جامع البيان 26/ 147، الكشف والبيان 9/ 66، وحكاه السجاوندي عن الأخفش في عين المعانِي ورقة 124/ ب.

(5)

قاله أبو عبيدة وابن قتيبة، ينظر: مجاز القرآن 2/ 218، غريب القرآن ص 413، وحكاه الأزهري عن ابن الأعرابِيِّ فِي تهذيب اللغة 11/ 392، وحكاه الثعلبي عن الأخفش فِي الكشف والبيان 9/ 66.

(6)

قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 38/ أ.

(7)

البيت من الرمل، للزبير بن العوام، ويُرْوَى:"أفْرَخَ الشَّطْءَ".

اللغة: الأفنان: جمع فَنَنٍ وهو الغصن.

التخريج: جمهرة أشعار العرب ص 30، عين المعانِي ورقة 124/ ب، تفسير القرطبي =

ص: 107

واختلف القُرّاءُ فيه، فقرأ العامة بجزم الطاء، وقرأ أهل مكة والشام بفتحه، وقرأ أنسٌ ويحيى بنُ وثاب:"شَطاهُ" مثل: عَصاهُ، وقرأ الجحدري:"شَطَهُ" بلا همزة

(1)

، وكلها لغات، والشَّطْءُ والشَّطَأُ لغتان كالبَعْرِ والبَعَرِ، وهذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم إذْ أُخْرِجُ وَحْدَهُ ثم قَوّاهُ اللَّهُ عز وجل بأصحابه

(2)

.

قوله: {فَآزَرَهُ} ؛ أي: فَساواهُ في طُولِهِ، وقيل: شَدَّهُ وأعانَهُ وقَوّاهُ، وقرأ ابن عامر:"فَأزَرَهُ"

(3)

مقصورًا، قال الفراء

(4)

: يقال: أزَرْتُ فُلَانًا أزِرُهُ أزْرًا: إذا قَوَّيْتَهُ {فَاسْتَغْلَظَ} ، أي: غَلُظَ ذلك الزرعُ وقَوِيَ واشْتَدَّ {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} يعني: قام

= 16/ 294، البحر المحيط 8/ 101، الدر المصون 6/ 167، اللباب في علوم الكتاب 17/ 516، فتح القدير 5/ 56، روح المعاني 26/ 26.

(1)

قرأ ابن كثير، وابنُ عامر من طريق ابن ذكوان، وابنُ محيصن:{شَطْأَهُ} بفتح الطاء وبالهمز، وقرأ أنس بن مالك وابن وثاب وزيد بن عَلِيٍّ ونصر بن عاصم:{شَطْأَهُ} بفتح الطاء وإبدال الهمزة ألفًا، وقرأ عاصمٌ الجحدريُّ ونافعٌ وأبو جعفر وابن أبِي إسحاق وشيبةُ:{شَطْأَهُ} بفتح الطاء وبغير همزة، ينظر: السبعة ص 604، مختصر ابن خالويه ص 143، المحتسب 2/ 277، عين المعانِي ورقة 124/ ب، تفسير القرطبي 16/ 295، البحر المحيط 8/ 102، الإتحاف 2/ 484.

(2)

قاله الفراء وابن قتيبة، ينظر: معاني القرآن للفراء 3/ 69، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 414.

(3)

وبها قرأ أيضًا ابنُ عامر وابنُ ذكوان، وهشامٌ من طريق الداجوانِيِّ، وأبو حيوة وحميد بن قيس. ينظر: السبعة ص 605، تفسير القرطبي 16/ 295، البحر المحيط 8/ 102، النشر 2/ 375، الإتحاف 2/ 484.

(4)

الذي قاله الفراء: "آزَرْتُ أُؤازِرُهُ مُؤازَرةً: قَوَّيْتُهُ وعاوَنْتُهُ، وهي المُؤازَرةُ". معانِي القرآن 3/ 69، أما النص الذي أورده المؤلف هنا فقد حكاه الأزهري عن الفراء، فقال:"قال الفراء: أزَرَهُ يَأْزِرُهُ أزْرًا أي: قَوّاهُ، ومنه قول اللَّه: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي}؛ أي: قَوِّني". معاني القراءات 3/ 22، وحكاه عن الفراء في التهذيب أيضًا 13/ 247، وينظر: الوسيط 4/ 147.

ص: 108