الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهْلِ الجَنّةِ، ونَبَأ أهْلِ النار، ونَبَأ الدنيا ونَبَأ الآخِرةِ، فَلْيَقْرَأْ سُورةَ الواقِعةِ".
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)} ؛ أي: إذا قامت القيامةُ، والواقعة: اسم للقيامة كالآزِفةِ وغيرها، و"إذا" في موضع نصب لأنها ظرف زمان، والعامل فيها "وَقَعَت"؛ لأنها تُشْبِهُ حُرُوفَ الشرط، وإنما يَعْمَلُ فيها ما بعدها
(1)
.
قوله: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)} اسم "لَيْسَ"؛ أي: ليس لِمَجِيئها وظهورها تَكذِيبٌ، وهو اسم مصدر كالعافية والنازلة والعاقبة، قاله الفراء
(2)
، وقال الكسائي
(3)
: هو بمعنى الكذب، كقوله تعالى:{لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً}
(4)
؛ أي: لَغْوًا، ومنه قول العامّةِ: عائِذًا باللَّه؛ أي: مَعاذَ اللَّهِ، وقُمْ قائِمًا؛ أي: قُمْ قِيامًا، ولبعض نساء العرب تُرَقِّصُ ابْنَها:
320 -
قُمْ قائِمًا قُمْ قائِما
= المدينة في خلافة أبِي بكر، ثم سكن الكوفة، وشهد حروب عَلِيٍّ ومعاوية، قيل: كان أعلم الناس بالفتيا من شُرَيْحٍ، وشُرَيْحٌ أبْصَرُ منه بالقضاء، توفي سنة (63 هـ). [تهذيب الكمال 27/ 451: 457، سير أعلام النبلاء 4/ 63، الأعلام 7/ 215].
وينظر قوله في الكشف والبيان 9/ 199، الوسيط 4/ 231، مجمع البيان 9/ 354، تفسير القرطبي 17/ 194.
(1)
قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 321.
(2)
معانِي القرآن 3/ 121.
(3)
ينظر قوله في الكشف والبيان 9/ 200، تفسير القرطبي 17/ 195.
(4)
الغاشية 11.
أصَبْتَ عَبْدًا نائِما
(1)
قوله: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)} تَخْفِضُ المُتَكَبِّرِينَ إلى النار، وتَرْفَعُ المُتَواضِعِينَ إلى الجنة، يقال: خَفَضَتْ فَأسْمَعَت القريبَ، ورَفَعَتْ فَأسْمَعَت البعيدَ، وهو رفعٌ على إضمار مبتدأ محذوف؛ أي: هي خافضة رافعة، وهذه قراءة العامة، ومَنْ قَرَأ بالنصب
(2)
، وهي قراءة اليَزِيدِيِّ
(3)
، فَعَلَى الحال من "الواقِعةٌ"، وفيه بُعْدٌ؛ لأن الحال في أكثر أحوالها إنما تكون لِما يُمْكِنُ أن يكون، ويُمْكِنُ ألَّا يكون، والقيامة لا شَكَّ فيها أنها تَرْفَعُ قومًا إلى الجنة، وتَخْفِضُ آخَرِينَ إلى النار، لا بُدَّ من ذلك، فلا فائدة في الحال، وقد أجازه الفراء على
(1)
لَمْ أقف على قائل هذا الرجز، ويُروَى الثاني:
صادَفْتَ عَبْدًا نائِما
التخريج: الخصائص 3/ 103، الصاحبي ص 394، أمالِيُّ ابن الشجري 1/ 252، 2/ 105، عين المعانِي ورقة 130/ ب، تفسير القرطبي 17/ 195، شرح التسهيل لابن مالك 2/ 357، ارتشاف الضرب ص 1601، 1958، المقاصد النحوية 3/ 184، همع الهوامع 3/ 145، خزانة الأدب 9/ 317.
(2)
قرأ اليَزِيدِيُّ والحسنُ وعيسى بنُ عُمَرَ وأبو حَيْوةَ وأبو عُمَرَ الدُّورِيُّ وزيدُ بنُ عَلِيِّ وابنُ أبِي عَبْلةَ وابنُ مِقْسَمٍ والزعفرانِيُّ: "خافِضةً رافِعةً" بالنصب، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 151، المحتسب 2/ 307، تفسير القرطبي 17/ 196، البحر المحيط 8/ 203.
(3)
هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العَدَوِيُّ بالولاء، أبو محمد اليزيدي، أحد القراء الفصحاء، عالِمٌ بلغات العرب، من أهل البصرة، سكن بغداد، واتصل بالرشيد، فَأدَّبَ ابنَهُ المأمونَ، توفِّي سنة (202 هـ)، من كتبه: النوادر، المقصور والممدود، مناقب بني العباس. [إنباه الرواة 4/ 31 - 39، غاية النهاية 2/ 375 - 377، بغية الوعاة 2/ 340].
إضمار: وَقَعَتْ خافِضةً رافِعةً
(1)
، هكذا ذكره المَكِّيُّ في مُشْكِلِهِ
(2)
.
وقال ابن الأنباري
(3)
: وذلك أن تَنْصِبَهُما على مذهب المدح، كما تقول: جاءَنِي عَبْدُ اللَّهِ العاقِلَ، وأنت تمدحه، وكذلك: كَلَّمَنِي زيدٌ الفاسِقَ، وأنت تَذُمُّهُ.
قوله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)} مصدر؛ أي: إذا زُلْزِلَت الأرضُ زِلْزالًا فَتَحَرَّكَت بأهلها، وكل ما زُعْزِعَ فقد رُجَّ، وكل ما اضطرب حتى سُمِعَ فقد رُجَّ، وصَوْتُهُ رَجَّتُهُ
(4)
، ومنه قولهم: السَّهْمُ يَرْتَجُّ فِي الغَرَضِ؛ أي: يَهْتَزُّ ويَضْطَرِبُ.
قال المفسرون
(5)
: تَرْتَجُّ الأرْضُ كما يَرْتَجُّ الصَّبِيُّ فِي المَهْدِ، حتى يَتَهَدَّمَ كُلُّ بِناءٍ عليها، ويَتَكَسَّرَ كُلُّ شَيْءٍ عليها من الجبال وغيرها، وأصل الرَّجِّ في اللغة: التَّحْرِيكُ، يقال: رَجَجْتُهُ فارْتَجَّ، فإن ضاعَفْتَهُ قُلْتَ: رَجْرَجْتُهُ فَتَرَجْرَجَ.
قوله: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)} ؛ أي: فتِّتَتْ فَتًّا، وَلُتَّتْ لَتَّا، كما يُبَسُّ السَّوِيقُ ويُلَتُّ
(6)
، قال الشاعر:
(1)
أجازه الفراء، ولكنْ على قُبْحٍ، فقال:"ولو قرأ قارئ: "خافِضةً رافِعةً" يريد: إذا وَقَعَتْ وَقَعَتْ خافِضةً لِقَوْمٍ رافِعةً لآخَرِينَ. ولكنه يَقْبُحُ؛ لأن العرب لا تقول: إذا أتَيْتَنِي زائِرًا، حتى يقولوا: إذا أتَيْتَنِي زائِرًا فَأْتِنِي زائِرًا أو ائْتِنِي زائِرًا". معانِي القرآن 3/ 121.
(2)
مشكل إعراب القرآن 2/ 349، ونص كلامه من أول قوله:"وفيه بُعْدٌ".
(3)
إيضاح الوقف والابتداء ص 918.
(4)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 92/ أ، وينظر: النهاية لابن الأثير 2/ 197.
(5)
حكاه الثعلبي في الكشف والبيان 9/ 200، وينظر: الوسيط 4/ 232، القرطبي 17/ 196.
(6)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 92/ أ.
321 -
فانْبَسَّ حَيّاتُ الكَثِيبِ الأهْيَلِ
(1)
والبَسِيسةُ عند العرب: الدقيق أو السَّوِيقُ يُلَتُّ ويُتَّخَذُ زادًا
(2)
، وذُكِرَ عن لِصٍّ من غَطَفانَ أنه أراد أن يَخْبِزَ، فَخافَ أن يُعَجَّلَ عن الخَبْزِ، فقال:
322 -
لَا تَخْبِزا خُبْزًا وَبُسّا بَسّا
وَلَا تُطِيلَنْ بِمُناخٍ حَبْسا
(3)
وقوله: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)} ؛ أي: كالهَباءِ، وهو الغُبارُ المُنْبَثُّ
(1)
البيت من الرجز المشطور، لأبِي النجم العِجْلِيِّ يصف إبِلًا، ورواية ديوانه:"وانْسابَ حَياتُ".
اللغة: انْبَسَّتِ الحَيّةُ: انْسابَتْ على وجه الأرض، كَثِيبٌ أهْيَلُ: مُنْهالٌ لا يثبت.
التخريج: ديوانه ص 219، الحيوان للجاحظ 4/ 256، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 108، جمهرة اللغة ص 69، تهذيب اللغة 12/ 316، مقاييس اللغة 1/ 181، مجمل اللغة ص 112، اللسان: بسس، عدل، التاج: عدل، هيل.
(2)
قاله الفراء في معانِي القرآن 3/ 122، وحكاه الأزهري عنه في التهذيب 12/ 316.
(3)
من الرجز المشطور لِلْهَفْوانِ العُقَيْلِيِّ أحد بني المُنْتَفِقِ، ويُرْوَى:"وَنُسّا نَسّا" بالنون.
اللغة: بَسَّ الشيءَ: خَلَطَهُ وَفتّتَهُ وَلَتَّه، والنَّسُّ: السَّيْرُ الشديد، المُناخُ: الموضع الذي تُناخُ فيه الإبلُ.
التخريج: ديوانه ص 631 (ضمن أشعار اللصوص)، معانِي القرآن للفراء 3/ 121، مَجاز القرآن 2/ 248، الحيوان للجاحظ 4/ 490 - 491، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 108، جمهرة اللغة ص 69، معجم الشعراء ص 476، تهذيب اللغة 7/ 215، 216، 12/ 316، 458، مجمل اللغة ص 112، مقاييس اللغة 1/ 181، 2/ 240، ديوان الأدب للفارابي 2/ 160، 3/ 124، المخصص 7/ 104، 127، الكشف والبيان 9/ 200، المحرَر الوجيز 5/ 239، غريب القرآن للسجستانِي ص 153، شمس العلوم لنشوان الحميري 1/ 401، 3/ 1705، عين المعانِي ورقة 130/ ب، اللسان: بسس، حدس، خبز، التاج: خبز، بسس، حدس، ملس.
المُتَفَرِّقُ الأجزاءِ، وقيل: الْهَباءُ: هو الذي يُرَى مع الشمس، وقيل: هو ما تَطايَرَ من شَرَرِ النار، قرأه العامة:{مُنْبَثًّا} بالثاء؛ أي: متفرقًا، وقرأه النخعي بالتاء
(1)
؛ أي: مُنْقَطِعًا.
ثم ذكر أحوال الناس، فقال:{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)} يعني أصنافًا ثلاثة، يقال للأصناف التي بعضها مع بعض: أزْواجٌ، كما يقال لِلْخُفَّيْنِ: زَوْجانِ
(2)
.
ثم أخْبَرَ عنهم فقال تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} يعني: الذين يُؤْخَذُ بِهِمْ ذاتَ اليمين إلى الجنة، وقيل: هم الذين يُعْطَوْنَ كُتبهُمْ بِأيْمانِهِمْ، واليمين صفة لكل خير وسعادة، وهي بِشارةٌ لهم بالجنة والكرامة.
ثم عَجَّبَ نَبيَّهُ عليه السلام، فقال:{مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8)} ؛ أي: ماذا من الخير لأصحَاب الميمنة؟ فالأصحاب الأوَّلُونَ مرفوعون بما عاد من الأصحاب الآخرين، وهو رفع بالابتداء، و"ما" -أيضًا- محله رفع بالابتداء، و"أصحاب الميمنة" خبره، وهما جميعًا خبر المبتدأ الأول
(3)
، و"ما" حرف تعجب
(4)
، ومثله:{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ}
(5)
، وهذا كما يقال: زَيْدٌ ما زَيْدٌ أراد: زَيْدٌ شَدِيدٌ
(6)
.
(1)
قرأ النخعي ومسروق وأبو حيوة: "مُنْبَتًّا" بالتاء، ينظر: تفسير القرطبي 17/ 197.
(2)
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 5/ 108، وينظر: إعراب القرآن 4/ 323، شفاء الصدور 92/ أ.
(3)
قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 324، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 350.
(4)
يعني بالحرف هنا الحرفَ بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي؛ لأن "ما" التعجبية اسم باتفاق.
(5)
الحاقة 1 - 2.
(6)
قاله الأخفش في معانِي القرآن ص 491.
قوله: {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} يعني أصحاب الشِّمالِ، وهم المَشائِيمُ على أنفسهم {مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)}؛ أي: ما لأصحاب المشأمة من الشَّرِّ، والمشأمة صفة لكل شر وشقاوة، وهي بشارة لهم بالنار والخِزْيِ والهَوانِ، والعرب تسمي اليَدَ اليُسْرَى شُؤْمَى
(1)
، قال الشاعر:
323 -
السُّمُّ والشَّرُّ فِي شُؤْمَى يَدَيْكَ لَهُمْ.. وَفِي يَمِينِكَ ماءُ المُزْنِ والضَّرَبُ
(2)
وكذلك تُسَمِّي الجانِبَ الأيْسَرَ: الأشْأمَ، ومنه اليُمْنُ والشُّؤْمُ، فاليُمْنُ كأنه ما جاء عن اليَمِينِ، والشُّؤْمُ ما جاء عن الشِّمالِ، ومنه الشّامُ واليَمَنُ
(3)
؛ لأن اليَمَنَ على يَمِينِ الكعبة، والشّامُ على شِمالِها إذا دَخَلْتَ الحِجْرَ تَحْتَ المِيزابِ
(4)
، وهم الذين يُؤْخَذُ بهم ذات الشمال إلى النار، وقيل: هم الذين يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشَمائِلِهِمْ، وقيل: هم المَشائِيمُ على أنفسهم، وكانت أعمارهم فِي المعاصي.
قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)} يعني: إلى الجنة فِي أوَّلِ زُمْرةٍ، وهم السابقون في الدنيا إلى الخَيْراتِ، وقيل: هم أوَّلُ الناس رَواحًا إلى المسجد، وأوَّلُهُمْ خُرُوجًا في سبيل اللَّه، وقيل: السابقون إلى إجابة الرسول في الدنيا، هم السابقون إلى الجنة في العُقْبَى.
(1)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 446، وينظر: اللسان: شأم.
(2)
البيت من البسيط، لَمْ أقف على قائله، والضَّرَبُ: العسل الأبيض الغليظ، وقيل: هو عسل البَرِّ.
التخريج: الكشف والبيان 9/ 201، عين المعانِي ورقة 130/ ب.
(3)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 446، وينظر: غريب القرآن للسجستانِي ص 153.
(4)
قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 248، وينظر: غريب القرآن للسجستانِي ص 153.