الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن أبِي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كاتِبُ الحَسَناتِ على يمين الرَّجُلِ، وكاتِبُ السَّيِّئاتِ على يَسارِ الرَّجُلِ، فَكاتِبُ الحَسَناتِ أمِيرٌ على كاتِبِ السَّيِّئاتِ، فإذا عَمِلَ حَسَنةً كَتبَها صاحِبُ اليَمِينِ عَشْرًا، وإذا عَمِلَ سَيِّئةً قال صاحِبُ اليَمِينِ لِصاحِبِ الشِّمالِ: دَعْهُ سَبْعَ ساعاتٍ، لَعَلَّهُ يُسَبِّحُ أو يَسْتَغْفِرُ، فإن اسْتَغْفَرَ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْ شَيْئًا، وإنْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ كَتَبَ عَلَيْهِ سَيِّئةً واحدةً"
(1)
.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّ اللَّه تبارك وتعالى وَكَّلَ بعَبْدِه المُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يكتبان عَمَلَهُ، فإذا مات قال المَلَكانِ اللَّذانِ وُكِّلَا به يَكْتُبانِ عَمَلَهُ: يا رَبِّ! قد مات فلانٌ، فَأْذَنْ لنا نَصْعَدْ إلى السماء، فيقول اللَّه تعالى: سَمائِي مَمْلُوءةٌ من ملائكتي، فيقولان: نُقِيمُ فِي الأرض، فيقول اللَّه تعالى: أرْضِي مَمْلُوءةٌ من خَلْقِي يُسَبِّحُونَ لِي، فيقولان: فأين نذهبُ؛ فيقول: قُوما على قَبْرِ عَبْدِي، فَسَبِّحانِي وكَبِّرانِي وهَلِّلَانِي، واكْتُبا ذلك له إلى يوم القيامة"
(2)
.
قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} ؛ أي: ما يَتَكَلَّمُ من قول {إِلَّا لَدَيْهِ} ؛ أي: عنده {رَقِيبٌ} يَرْقُبُهُ ويَحْفَظُ عليه عَمَلَهُ خَيْرَهُ وشَرَّهُ {عَتِيدٌ (18)} ؛ أي: حاضر
(1)
ينظر: المعجم الكبير 8/ 191، 247، الكشف والبيان 9/ 99، الوسيط 4/ 166، زاد المسير 8/ 11، مجمع الزوائد 10/ 209 كتاب التوبة: باب العجلة بالاستغفار.
(2)
هذا حديث موضوع رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء 7/ 102، وينظر: الكشف والبيان 9/ 100، الوسيط 4/ 166، الموضوعات لابن الجوزي 3/ 229، تفسير القرطبي 17/ 12، الدر المنثور 6/ 105.
لا يغيب عنه، وهو معنى المُعْتَدِ، من قوله:{أَعْتَدْنَا}
(1)
، والعرب تُعاقِبُ بين التاء والدال لقرب مخرجيهما، فتقول: أعْتَدْتُ وأعْدَدْتُ، وهَرَدَ وَهَرَتَ
(2)
، وَكَبِدٌ وَكَبِتٌ، قال الشاعر:
272 -
لَئِنْ كُنْتَ مِنِّي فِي العِيانِ مُغَيَّبًا
…
فَذِكْرُكَ عِنْدِي فِي الفُؤادِ عَتِيدُ
(3)
أي: حاضر، و"رَقِيبٌ" رفع لأنَّهُ خبر الظرف، وهو "لَدَيَّ"، و"عَتِيدٌ" نعته.
قوله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} ؛ أي: غَمْرَتُهُ وشِدَّتُهُ التي تَغْشَى الإنسانَ وتَغْلِبُ على عقله {بِالْحَقِّ} يعني: بحقيقة الموت، يريد: أنه حَقٌّ كائنٌ {ذَلِكَ} أي: ذلك الموت {مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)} ؛ أي: تَفِرُّ وتَكْرَهُ وتَهْرُبُ وتَمِيلُ، وأصل الحَيْدِ المَيْلُ، يقال: حِدْتُ عن الشيء أحِيدُ حَيْدًا: إذا مِلْتَ عنه، قال طرفة:
273 -
أبا مُنْذِرٍ رُمْتَ الوَفاءَ فَهِبْتَهُ
…
وَحِدْتَ كَما حادَ البَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ
(4)
(1)
كقوله تعالى: {أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} . الكهف 102، ومعنى كلامه أن لفظ "عَتِيد" فَعِيلٌ بمعنى مُفْعَل، قال أبو عبيدة:"والعرب قد تضع "فَعِيلٌ" في معنى "مُفْعَلٍ"، وفي آية أخرى: "هَذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ"، مجازه: مُعَدٌّ". مجاز القرآن 1/ 272، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 4/ 225، وحكاه الأزهري عن الليث في تهذيب اللغة 2/ 195.
(2)
قال ابن السكيت: "ويقال: هَرَتَ القَصّارُ الثَّوْبَ وَهَرَدَهُ: إذا خَرَّقَهُ، وكذلك يُقالُ: هَرَتَ عِرْضَهُ وَهَرَدَهُ". الإبدال لابن السكيت ص 103، وينظر:"التهذيب" 2/ 194، اللسان: هرت، هرد.
(3)
البيت من الطويل، لَمْ أقف على قائله، وقد وجدتُ لطَرّادِ بنِ عَلِيٍّ بن عبد العزيز المعروف بالبديع الدمشقي (ت 524 هـ) بَيْتًا يتفق معه في الصدر، وهو قوله:
لَئِنْ كُنْتَ عَنِّي فِي العِيانِ مُغَيَّبًا
…
فَما أنْتَ عَنْ سَمْعِي وَقَلْبِي بِغَائِبِ
التخريج: البيت الشاهد في الكشف والبيان 9/ 100، عين المعانِي ورقة 126/ أ، تفسير القرطبي 17/ 11، وبيتُ طَرّادٍ بن عَلِيٍّ في معجم الأدباء 12/ 22.
(4)
البيت من الطويل لِطَرَفةَ يخاطب الملكَ عَمْرَو بن هِنْدٍ. =
قوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} يعني نَفْخةَ البعث {ذَلِكَ} يعني: ذلك اليوم {يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)} قال مقاتل
(1)
: يعني بالوعيدِ العَذابَ فِي الآخرة، والمعنى: فِي ذلك يَوْمُ وُقُوعِ الوَعِيدِ.
{وَجَاءَتْ} يعني فِي ذلك اليوم {كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ} يَسُوقُها إلى المَحْشَرِ {وَشَهِيدٌ (21)} يشهد عليها بما عملت، قال الكلبي
(2)
: السائق: هو الذي كان يكتب عليها، والمراد بالنفس هاهنا نفس الكافر، يدل عليه قوله تعالى:{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} يعني البعث والحساب {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)} ؛ أي: قَوِيٌّ نافِذٌ ثاقِبٌ، تَرَى ما كان محجوبًا عنك، وتُبْصِرُ ما كنتَ تُنْكِرُهُ في الدنيا، قال مقاتل: هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي.
ثم يقول اللَّه تعالى للزبانية: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)} ؛ أي: مُعانِدٍ للَّه تعالى ورسولِهِ، مُجانِبِ للإيمان، مُعْرِضٍ عن الحق، مأخوذ من العَنَدِ، وهو عَظْمٌ يَعْتَرِضُ فِي الحَلْقِ
(3)
، قال الشاعر:
274 -
إنِّي كَبِيرٌ لا أُطِيقُ العُنَّدا
(4)
= اللغة: أبو منذر: كنية الملك عمرو بن هند، الدحض: يقال: مكان دَحْضٌ ودَحَضٌ؛ أي: زَلقٌ.
التخريج: ديوانه ص 210، الزاهر لابن الأنباري 1/ 333، الكشف والبيان 9/ 100، عين المعانِي ورقة 126/ أ، تفسير القرطبي 11/ 6، 17/ 13، اللسان: دحض، التاج: دحض.
(1)
ينظر قوله في الوسيط 4/ 167.
(2)
ينظر قوله في الوسيط للواحدي 4/ 167، زاد المسير 8/ 13، عين المعانِي ورقة 126/ أ.
(3)
حكاه الأزهري عن أبِي عبيد في تهذيب اللغة 2/ 221.
(4)
من الرجز المشطور، نسبه القرطبي للحارثي، وقبله:
إذا رَجِلْتُ فاجْعَلُونِي وَسَطا
وقد اختلفا فِي الرَّوِيِّ، لِقُرْبِ مَخْرَجَي الدال والطاء، وهذا ما يسمى في علم العروض بالإِكْفاءِ.
اللغة: العُنَّدُ: جمع عانِدةٍ، وهي الناقة التي لا تُخالِطُ الإِبِلَ، بل ترعى وحدها. =
وقوله: "ألقيا" قيل: هو خطاب لِخَزَنةِ جَهَنَّمَ وزَبانِيَتِها، وقال الفَرّاءُ
(1)
: هو خِطابٌ للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب، تقول للواحد: ارْحَلاها وازْجُراها وخُذاهُ وأطْلِقاهُ، قال امرؤ القيس:
قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
(2)
وقال أيضًا:
275 -
خَلِيلَيَّ مُرّا بِي عَلَى أُمِّ جُنْدُبِ
…
نُقَضِّ لُباناتِ الفُؤادِ المُعَذَّبِ
ألَمْ تَرَ أنِّي كُلَّما جِئْتُ طارِقًا
…
وَجَدْتُ بِها طِيبًا وَإنْ لَمْ تَطَيَّبِ
(3)
معناه: ألَمْ تَرَيانِي، فَرَجَعَ إلى الواحد، وأوَّلُ الكلام اثْنانِ، وقال آخر:
= التخريج: مجاز القرآن 1/ 291، 337، 2/ 275، أدب الكاتب ص 380، المقتضب 1/ 353، جمهرة اللغة ص 666، 879، الاقتضاب 3/ 304، شرح أدب الكاتب للجواليقي ص 245، أمالِيُّ ابن الشجري 1/ 422، تفسير القرطبى 9/ 54، 349، 19/ 73، اللسان: عند، وسط، مغني اللبيب ص 894، التاج: كفأ، عند.
(1)
هذا معنى كلام الفراء، فهو مختلف اختلافًا كبيرًا عن نص كلامه في معاني القرآن 3/ 78 - 79.
(2)
تقدم عَجُزُهُ وتخريجه كاملًا برقم 46، 3/ 150.
(3)
البيتان من بحر الطويل، لامرئ القيس من معلقته، ورواية الثاني في ديوانه:"ألَمْ تَرَيانِي"، ويُروى الأول:"لِنَقْضِيَ حاجاتِ الفُؤادِ".
اللغة: أمُّ جُنْدُبٍ: زوج امرئ القيس، وكان قد طَلَّقَها، اللُّباناتُ: جمع لُبانةٍ وهي الحاجة من غير فاقة، ولكن من هِمّةٍ.
التخريج: ديوانه ص 41، معانِي القرآن للفراء 3/ 79، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 46، إعراب القرآن 4/ 228، شفاء الصدور ورقة 51/ أ، الكشف والبيان 9/ 101، شمس العلوم 9/ 6097، عين المعانِي ورقة 129/ ب، تفسير القرطبي 15/ 51، 17/ 16، 20/ 2، التذكرة الحمدونية 7/ 225، 280، اللسان: محل، ندل، البحر المحيط 7/ 330.
276 -
فَإنْ تَزْجُرانِي يا ابْنَ عَفَّانَ أنْزَجِرْ
…
وَإنْ تَدَعانِي أحْمِ عِرْضًا مُمَنَّعا
(1)
والخطاب لِخازِنِ النارِ على قول الفراء، والعرب تَأْمُرُ الواحِدَ والجَمْعَ كما تَأْمُرُ الاثْنَيْنِ، وذلك أن الرجل أدْنَى أعْوانِهِ فِي إبِلِهِ وغَنَمِهِ اثنان، وكذلك الرفْقةُ أدْنَى ما تكون ثلاثةً، فَجَرَى كلام الواحد على صاحبيه
(2)
، وقال الزجاج
(3)
: هذا أمْرٌ لِلْمَلَكَيْنِ المُوَكَّلَيْنِ به، وهما السائق والشهيد.
قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} هذا سؤال توبيخ لِمَنْ دخلها، وقرأ قتادة والأعرج وشيبة ونافع وأبو بكر:"يَقُولُ" بالياء
(4)
على معنى: يقول اللَّه لجهنم: {هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} تَسْتَزِيدُ رَبَّها تَعَبُّدًا منها له؛ لأنَّهُ
(1)
البيت من الطويل، لسُوَيْدِ بن كُراعٍ العُكْلِيِّ يُخاطِبُ سعيد بن عثمان بن عفان وَحْدَهُ، ورواية ديوانه:"وإنْ تَتْرُكانِي"، ويروى:"أزْدَجِرْ".
التخريج: شعره ص 63 ضمن (شعراء مقلون)، معانِي القرآن للفراء 3/ 78، تأويل مشكل القرآن ص 291، جمهرة اللغة ص 839، الكشف والبيان 9/ 101، المخصص 2/ 5، المحرر الوجيز 5/ 163، شمس العلوم 9/ 6097، التنبيه والإيضاح 2/ 239، التبيان للعكبري ص 1167، عين المعانِي ورقة 126/ أ، الفريد للهمداني 4/ 353، تفسير القرطبي 17/ 16، شرح التسهيل لابن مالك 1/ 111، اللسان: جزز، الدر المصون 6/ 178، اللباب في علوم الكتاب 18/ 30، شرح شواهد الشافية ص 483 - 484 التاج: جزز.
(2)
هذا الكلام تتمةٌ لكلام الفراء في معانِي القرآن 3/ 78.
(3)
معانِي القرآن وإعرابه 5/ 45.
(4)
وهي أيضًا قراءة الحسن والعطاردي وأبِي جعفر والأعمش، ولَمْ أقف على أنها قراءة لقتادة، وقرأ ابن مسعود والحسن والأعمش وأبانٌ عن عاصمٍ:{يَوْمَ نَقُولُ} ، وقرأ الحسن أيضًا:{يَوْمَ نَقُولُ} ، وقرأ الباقون وحَفْصٌ عن عاصم:{نَقُولُ} . ينظر: السبعة ص 607، مختصر ابن خالويه ص 145، المحتسب 2/ 284، تفسير القرطبي 17/ 18، البحر المحيط 8/ 126، الإتحاف 8/ 489.