المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ٣

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الدخان

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فْصَلُ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الجاثية

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الأحقاف

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الفتح

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الحجرات

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة ق

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الذاريات

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الطور

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة النجم

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة القمر

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الرحمن

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الواقعة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الحديد

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة المجادلة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الحشر

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الامتحان

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌سورة الصف

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الجمعة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل في ذِكر بعض ما ورد من الأخبار في فَضْلِ هذا اليومِ وسُنَتِهِ

- ‌سورة المنافقين

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌سورة التغابن

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الطلاق

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة التحريم

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الملك

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌فصل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول

‌فصل

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَمّا رُفِعْتُ إلى سِدْرةِ المُنْتَهَى فِي السماء السابعة، فإذا نَبِقُها مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ

(1)

، ووَرَقُها مثل آذانِ الفِيَلةِ، يخرج من ساقها نهرانِ ظاهران ونهران باطنان، قلتُ: يا جبريل: ما هذا؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات"

(2)

.

{عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} قيل: إنه يأوي إليها جبريلُ والملائكةُ عليهم السلام، وقيل: تأوي إليها أرواحُ الشهداءِ {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)} قيل

(3)

: يغشاها فَراشٌ من ذَهَبٍ، وقيل

(4)

: تَغْشاها الملائكةُ أمْثالَ الغِرْبانِ حين يَقَعْنَ على الشجر، بدليل ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رَأيْتُ على كل ورقة من ورقها مَلَكًا قائما يُسَبِّحُ اللّهَ عز وجل"

(5)

{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)} يعني: ما مالَ بَصَرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يمينًا ولا شِمالًا، وما جاوَزَ ما رَأى، وهذا وَصْفُ أدَبِهِ في

(1)

هَجَرُ: مدينة بالبحرين، وهي قاعدة البحرين، كانت تُجْلَبُ منها القِلَالُ إلى المدينة. معجم البلدان 5/ 452.

(2)

رواه الإمام أحمد بسنده عن أنسِ بن مالك وعن مالك بن صعصعة في المسند 3/ 164، 4/ 207، 209، ورواه البخاري في صحيحه 4/ 249 كتاب بدء الخلق: باب حديث الإسراء، والحاكم في المستدرك 1/ 81 كتاب الإيمان: ذِكْر سدرة المنتهى.

(3)

رواه الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسند 1/ 387، 422، ومسلم في صحيحه 1/ 109 كتاب الإيمان: باب في ذِكْرِ سدرة المنتهى.

(4)

رواه الطبري بسنده عن أبِي هريرة في جامع البيان 27/ 75، وينظر: الكشف والبيان 9/ 143، الوسيط 4/ 198، زاد المسير 8/ 70، تفسير ابن كثير 4/ 270.

(5)

رواه الطبري في جامع البيان 27/ 75، وينظر: الكشف والبيان 9/ 143، الوسيط 4/ 198، مجمع البيان 9/ 292، تفسير القرطبي 17/ 96.

ص: 207

ذلك المَقامِ المُعَظَّمِ، إذْ لَمْ يَلْتَفِتْ جانبًا، ولَمْ يُمِلْ بَصَرَهُ يمينًا ولا شمالًا، ولَمْ يَمُدَّهُ أمامَهُ إلى حيث ينتهي بصره.

قوله: {لَقَدْ رَأَى} يعني: تلك الليلةَ {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} يعني الآياتِ العظامَ التي رآها تلك الليلةَ، وقيل: رأى جِبْرِيلَ عليه السلام في صورته التي خُلِقَ عليها، له سِتُّمِائةِ جَناحٍ قد سَدَّ أُفُقَ السماءِ.

قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ} يا أهل مكة {اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} هذه أسماءُ أصنامٍ اتخذوها آلهةً، فعبدوها من دون اللَّه، واشْتَقُّوا لها أسماءً من أسماء اللَّه عز وجل، فقالوا: اللَّاتُ من اللَّهِ، والعُزَّى من العَزِيزِ، واللَّات: صَنَمٌ كان لِثَقِيفٍ بالطائف، والعُزَّى لِغَطَفانَ، ومَناةُ لِخُزاعةَ وهُذَيلٍ.

وأصل اللَّات لَاوَهٌ، والتاء للتأنيث

(1)

، والعُزَّى تأنيث الأعَزِّ كالصُّغْرَى، وهي بمعنى العزيز

(2)

، وكانت سَمُرةً

(3)

بِنَخْلةٍ لِغَطَفانَ يعبدونها من دون اللَّه، فَبَعَثَ إليها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم خالِدَ بن الوليد، فقطعها وقال:

295 -

يا عُزَّ كُفْرانَكِ لَا سُبْحانَكِ

(1)

قال الفارسي: "فأما اشتقاق اللات فمن: لَوَيْتُ؛ لأنهم كانوا يَلْوُونَ على آلهتهم، ويعطفون عبادةً لها وتَقَربًا إليها، ويقال: لَوَى عَلَيْهِ وعَطَفَ عَلَيْهِ. . . فكأنّ اسمها اشْتُقَّ من هذا المعنى". الإغفال 2/ 535، وقال الزمخشري:"وهي "فَعَلةٌ" من: لَوَى؛ لأنهم كانوا يَلْوُونَ عليها، ويَعْكُفُونَ للعبادة". الكشاف 4/ 30، وينظر: البحر المحيط 8/ 158.

(2)

قاله الأزهري في التهذيب 1/ 85، وينظر: سر صناعة الإعراب ص 363، 364، الصحاح 3/ 886.

(3)

السَّمُرةُ من شجر الطَّلْحِ، والجمع سَمُرٌ وسَمُراتٌ. اللسان: سمر.

ص: 208

إنِّي رَأيْتُ اللَّهَ قَدْ أهانَكِ

(1)

فَخَرَجَ منها شَيْطانةٌ ناشِرةٌ شَعَرَها داعِية ويلًا، واضِعةٌ يَدَها على رأسها.

وكان الكسائي يقف على "اللّاتَ"

(2)

بالهاء على الأصل، وأبو حاتم يقف عليها بالتاء، وشَدَّدَ الباقون

(3)

، قال الزجّاجُ

(4)

: الوقف عليها بالتاء؛ لاتِّباعِ المصحف، فإنها كُتِبَتْ بالتاء.

(1)

الرجز لخالد بن الوليد، ويُرْوَى:

كُفْرانَكِ اليَوْمَ وَلَا سُبْحانَكِ

الحَمْدُ للَّهِ الذِي أهانَك

التخريج: معانِي القرآن للفراء 3/ 98، الحيوان 4/ 484، الكشف والبيان 9/ 145، المخصص 15/ 190، الوسيط 4/ 199، الكشاف 4/ 30، عين المعانِي ورقة 128/ أ، الفريد للهمداني 4/ 382، تفسير القرطبي 17/ 100، اللسان: عزز، البحر المحيط 8/ 158، سير أعلام النبلاء 1/ 369، التصريح 1/ 151، خزانة الأدب 7/ 220، 226، التاج: عزز.

(2)

في الأصل: "مناة"، وهو خطأ.

(3)

وقف الكسائي في رواية الدُّورِيِّ، وابنُ كثير في رواية البَزِّيِّ على "اللّاتَ" بالهاء، فقالوا:"اللّاهْ"، لأنه من: لَوَى، فالهاء زائدة للتأنيث، وقرأ ابن عباس ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو صالح وطلحة وأبو الجوزاء ويعقوب ورُويسٌ، وابنُ كثير فِي روايةِ عنه:"اللّاتَّ" بالتشديد، فاشتقاقه على هذا من: لَتَتَ، قال ابن عباس: كان هذا رَجُلًا بسوق عُكاظَ يَلُتُّ السَّمْنَ والسَّوِيقَ، فلما مات جعلوا له صَنَمًا وعَبَدُوهُ.

ويجوز أن يكون التشديد على لغة من يقف على تاء التأنيث بالتاء، قال الأخفش:"وقال بعضهم: "اللّات"، جعله من اللّات الذي يَلُتُّ، ولغة العرب يَسْكُتُونَ على ما فيه الهاءُ بالتاء، يقولون: رأيتُ طَلْحَتْ". معانِي القرآن ص 486، وينظر: معاني القرآن للفراء 3/ 97، 98، مختصر ابن خالويه ص 147، المحتسب 2/ 294، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 230، البحر 8/ 158، النشر 2/ 132.

(4)

معانِي القرآن وإعرابه 5/ 73 باختلاف في ألفاظه.

ص: 209

وكان ابن كثير يقرؤها

(1)

بالمَدِّ والهَمْزِ، والصحيح قراءة العامة؛ لأن العرب سَمَّتْ زيدَ مَناةَ وعَبْدَ مَناةَ، ولَمْ يُسْمَعْ فيها المَدُّ

(2)

، و"الثّالِثةَ" نعت لـ "مَناةَ"، يعني: الثالثةَ لِصَنَمَيْنِ في الذِّكْرِ، و"الأُخْرَى" نعت لها أيضًا، والجواب محذوف والتقدير: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تُغْنِي عنكم شيئًا؟

(3)

.

قوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)} استفهام فيه معنى التوبيخ، وذلك

(1)

يعني قوله: "وَمَناةَ"، قرأ العامة:"وَمَناةَ"، وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد والسلمي، والأعشى عن أبِي بكر عن عاصم:"ومَناءةَ" بهمزة بعد الألف، ينظر: السبعة ص 615، تفسير القرطبي 17/ 101، النشر 2/ 377، البحر المحيط 8/ 159، الإتحاف 2/ 501.

(2)

هذا القول تابَعَ فيه المؤلفُ أبا عَلِيٍّ الفارِسِيَّ، فإنه قال:"ولعل مَناءةَ بالمد لغة، ولَمْ أسمع بها عن أحد من رواة اللغة، وقد سَمُّوْا: زيدَ مَناةَ وعَبْدَ مَناةَ، ولَمْ أسمعه بالمد". الحجة 4/ 5. ولكن الأزهري قال: "المَدُّ والقَصْرُ في مَناةَ، وهو صنم، جائز، وكان لثقيف. . . وأنشد الكسائي بيتًا في "مناءة" ممدودة:

ألا هَلْ أتَى التَّيْمَ بنَ عَبْدِ مَناءةٍ

عَلَى الشَّنْءِ فِيما بَيْنَنا ابنُ تَمِيمِ

معانِي القراءات 3/ 37، 38. ومَنْ حَفِظَ حُجّةٌ على مَنْ لَمْ يحفظ، وعلى هذا فلا يجوز لأحدٍ أن يحكم على قراءة سبعية بانها غير صحيحة، خاصة وأن السماع يؤيدها، وينظر: الصحاح 6/ 2498، 2499، البحر المحيط 8/ 159، الدر المصون 6/ 208، اللباب في علوم الكتاب 18/ 180.

(3)

يعني أن المفعول الثانِيَ لـ "رَأيْتُمْ" محذوف، وذهب الفارسي إلى أن قوله:{أَلَكُمُ الذَّكَرُ} في موضع المفعول الثانِي، قال الفارسي:"فأما قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ} فهو بِمَنْزِلةِ: أخْبِرُوني، فَتَعَدَّى "أرَأيْتَ" إلى المفعول، ووقع الاستفهام فِي موضع المفعول الثانِي، والمعنى: أرأيتم جَعْلَكُم الَّلاتَ والعُزَّى بَناتِ اللَّه ألَكُمُ الذَّكَرُ؟ ". المسائل الحلبيات ص 78، وبه قال الباقولِيُّ والأنباري، ينظر: كشف المشكلات 2/ 337، البيان للأنباري 2/ 398، وذهب ابن عطية إلى أن "رأى" هنا بصرية، وليست متعدية لمفعولين، ينظر: المحرر الوجيز 5/ 200.

ص: 210

أن المشركين كانوا يقولون: الملائكة بنات اللَّه، تَعالَى اللَّهُ عن ذلك وتَعَظَّمَ، فنَزَّهَ نَفْسَهُ عما قال المشركون، فقال:{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)} يعني: ناقصة، وقيل: جائرة غير عادلة، حيث جَعَلُوا للَّهِ ما يَكْرَهُونَ لأنفسهم من نِسْبةِ الإناث إلى اللَّه -جَلَّ اسْمُهُ وتَعالَى عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا-.

يقال: ضازَهُ حَقَّهُ إذا نَقَصَهُ، وضازَ فِي الحُكْمِ: إذا جارَ فيه

(1)

، قرأ ابن كثير:"ضِئْزَى"

(2)

بالهمز، وضَأزَ يَضْأزُ ضَأْزًا: إذا ظَلَمَ ونَقَصَ، قال الشاعر:

296 -

ضازَتْ بَنُو أسَدٍ بِحُكْمِهِمُ

إذْ يَجْعَلُونَ الرَّأْسَ كالذَّنَبِ

(3)

وتقدير "ضِيزَى" من الكلام "فُعْلَى" بضم الفاء؛ لأنها صفة، والصفات لا تكون إلا على "فُعْلَى" بضم الفاء، نحو حُبْلَى وأُنْثَى وبُشْرَى، أو "فَعْلَى" بفتح الفاء، نحو: غَضْبَى وسَكْرَى وعَطْشَى، وليس في كلام العرب "فِعْلَى" بكسر الفاء في النعوت، إنما يكون في الأسماء مثل ذِكْرَى وشِعْرَى، وإنما

(1)

قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 5/ 73، وينظر: غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 149.

(2)

هذه قراءة ابن كثير وحده، ينظر: السبعة ص 615. قال الفارسي: "ولا ينبغي أن يكون ابن كثير أراد بـ "ضِئْزَى" فُعْلَى؛ لأنه لو أراد ذلك لكان ضُوزَى، ولَمْ يُرِدْ به، أيضًا، فِعْلَى صفة؛ لأن هذا البناء لَمْ يَجِئْ صفةً، ولكن ينبغي أن يكون أراد به المصدر مثل الذِّكْرَى، فكأنه قال: قِسْمةٌ ذاتَ ظُلْمٍ، فعلى هذا يكون وجه قراءته". الحجة 4/ 6.

(3)

البيت من الكامل، لامرئ القيس، وهو بيت مفرد في ملحق ديوانه، وروايته فيه:

إذْ يَعْدِلُونَ الرَّأْسَ بِالذَّنَبِ

التخريج: ملحق ديوانه ص 457، الكشف والبيان 9/ 146، شمس العلوم 6/ 4027، تفسير القرطبي 17/ 102، البحر المحيط 8/ 152، الدر المصون 6/ 209، اللباب في علوم الكتاب 18/ 183، روح المعانِي 27/ 57، فتح القدير 5/ 109.

ص: 211

كُسِرَت الضادُ للياء

(1)

، قال المُؤَرِّجُ

(2)

: كَرِهُوا ضَمَّ الضاد، وخافوا انقلابَ الياء واوًا، وهو من بنات الياء، فكسروا الضادَ لهذه العلة، كما قالوا في جمع أبْيَضَ: بِيضٌ، والأصل: بُيْضٌ مثل: حُمْرٍ وصُفْرٍ، وأما من قال: ضازَ يَضُوزُ، فالاسم منه ضُوزَى مثل: شُورَى

(3)

. ومحل {ضِيزَى} رفع، نعت {قِسْمَةٌ} ، و {قِسْمَةٌ} رفع لأنه خبر الابتداء، والابتداء قوله:"تِلْكَ".

قوله: {إِنْ هِيَ} ؛ أي: ما هي، يعني: الأصنام {إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ (23)} الآية، و"أنْتُمْ" رفع تأكيد للتاء والميم في {سَمَّيْتُمُوهَا} ، و {آبَاؤُكُمْ} عطف على {أَنْتُمْ}

(4)

.

قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} قال الأخفش

(5)

: المَلَكُ مُوَحَّدٌ، ومعناه الجمع؛ ولهذا جَمَعَ الكناية؛ لأن المراد بقوله:

(1)

ينظر: الكتاب 4/ 364، معانِي القرآن للفراء 3/ 98 - 99، أدب الكاتب ص 480، المقتضب 1/ 304، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 73، تهذيب اللغة 12/ 52، معانِي القراءات 3/ 38.

(2)

هو مُؤَرِّجُ بن عمرو بن الحارث بن ثور، أبو فَيْدٍ السَّدُوسِيُّ البصري، نحوي لغوي شاعر نَسّابةٌ، ولد بالبصرة، وأخذ العربية عن الخليل، اتصل بالمأمون وسكن مَرْوَ وانتقل إلى نيسابور، وتوفِّيَ بالبصرة سنة (195 هـ)، من كتبه: المعانِي، الأنواء، غريب القرآن. [إنباه الرواة 3/ 327: 330، بغية الوعاة 2/ 305، الأعلام 7/ 318].

(3)

ينظر قول المؤرج في الكشف والبيان 9/ 147، تفسير القرطبي 17/ 103، ومعنى كلامه أن من جعله مشتقًّا من ضازَ يَضُوزُ، وهي لغة حكاها الكسائي وأبو عبيدة، كان الاسم منه ضُوزَى على وزن فُعْلَى، ينظر: مجاز القرآن 2/ 237، الحجة للفارسي 4/ 5.

(4)

هذا غير صحيح؛ لأن قوله تعالى: {آبَاؤُكُمْ} معطوف على تاء الفاعل في قوله: {سَمَّيْتُمُوهَا} ، وجاءت "أنْتُمْ" توكيدًا له ليصح العطف عليه.

(5)

لَمْ يتعرض الأخفش لهذه الآية، وإنما تعرض للآية 47 من سورة الحاقة، فقال: "وقال: =

ص: 212

"وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ" الكثرةُ، وهو مثل قوله تعالى:{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}

(1)

.

قوله: {إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ} يريد: في الشفاعة {لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} يعني: من أهل التوحيد.

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أخْبَرَ عن قدرته وسَعةِ مُلْكِهِ وسلطانه {لِيَجْزِيَ} فِي الآخرة {الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} من الشِّرْكِ في الدنيا {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا} وَحَّدُوا رَبَّهُمْ {بِالْحُسْنَى (31)} بالجنة، واللام في قوله:"لِيَجْزِيَ" متعلق بِمَعْنَى الآية الأولى

(2)

، وهي لام العاقبة، وذلك أنّ عِلْمَهُ بالفريقين أدَّى إلى جزاء استحقاقهم.

ثم نَعَتَ المحسنين فقال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} {الَّذِينَ} في موضع نصب على النعت أو البدل من {الَّذِينَ} قبله، والكبائر: كُلُّ ذَنْبٍ حُتِمَ بالنار، والفواحشُ: كُلُّ ذَنْبٍ فيه الحَدُّ، وقرأ حمزة والكسائي:{كَبِيرَ الْإِثْمِ}

(3)

على التوحيد لأنه مضاف إلى واحد في اللفظ، وإن كان يُرادُ به الكثرةُ،

= {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} على المعنى، لأن معنى أحَدٍ معنى جماعة". معانِي القرآن ص 507.

(1)

الحاقة 47، وفي الأصل:"فما لكم".

(2)

يعني قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} ، وعلى هذا تكون اللام للصيرورة، كاللام في قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} ، قال ابن عطية:"واللام في قوله: {لِيَجْزِيَ} متعلقة بقوله: {ضَلَّ} وبقوله: {اهْتَدَى}، فكأنه قال: لِيَصِيرَ أمْرُهُم جميعًا إلى أن يَجْزِيَ". المحرر الوجيز 5/ 203، وينظر: الكشاف 4/ 32، البحر المحيط 8/ 162.

(3)

وهي أيضًا قراءة ابن مسعود والأعمش وخلف وابن وثاب، ينظر: السبعة ص 615، تفسير القرطبي 17/ 106، النشر 2/ 367.

ص: 213

فَلِتَوْحِيدِهُ في اللفظ وَحَّدَ الكبير وهو يريد الجمعَ، كقوله تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}

(1)

.

وقوله: {إِلَّا اللَّمَمَ} اختلفوا في معنى "إلّا"، فقال قوم

(2)

: هو استثناء صحيح، واللَّمَمُ من الكبائر والفواحش، ومعنى الآية: إلا أنْ يُلِمَّ بالفاحشة ثم يتوب فلا يعود، قال ابن عباس رضي الله عنه: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول

(3)

:

297 -

إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمّا

وَأيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا ألَمّا

(4)

أي: وأيُّ عَبْدٍ لَكَ لَمْ يُذْنِبْ.

(1)

إبراهيم 34، والنحل 18، وهذا القول قاله الفارسي في الحجة 4/ 6، 8.

(2)

يعني بالاستثناء الصحيح الاستئناءَ المتصلَ، وهذا قول الحسن والسدي والفراء، ينظر: معانِي القرآن للفر اء 3/ 100، الكشف والبيان 9/ 148، الوسيط للواحدي 4/ 202.

(3)

رواه الترمذي في سننه 5/ 71 أبواب تفسير القرآن: سورة النجم، والحاكم في المستدرك 1/ 54 - 55، كتاب الإيمان: باب الوصية لمن أراد سَفَرًا، 2/ 469 كتاب التفسير: سورة النجم، 4/ 245 كتاب التوبة والإنابة: باب عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من عمل الجاهلية قبل النبوة.

(4)

هذا الرَّجَزُ لأُمَيّةَ بن أبِي الصَّلْتِ، ونُسِبَ لأبِي خِراشٍ الهُذَلِيِّ، ويروى:

إنْ يَغْفِرِ اللَّهُ يَغْفِرْ جَمّا

اللغة: الجَمُّ: الكثير، الإلْمامُ: مُقارَبةُ الذَّنْبِ من غير وقوع فيه، وقيل: هو ما دون الكبائر من الذنوب.

التخريج: ديوان أمية بن أبِي الصلت ص 114، شرح أشعار الهذليين ص 1346، العين 8/ 321، 350، تأويل مشكل القرآن ص 548، جمهرة اللغة ص 92، شفاء الصدور 73/ أ، تهذيب اللغة 15/ 347، 425، الصاحبي ص 257، ديوان الأدب 3/ 166، الكشف والبيان 9/ 148، إصلاح الخلل ص 91، الاقتضاب 3/ 362، أمالِيُّ ابن الشجري 1/ 218، 2/ 324، 536، الإنصاف ص 76، البيان للأنباري 2/ 514، شرح الكافية للرضي =

ص: 214

وقال آخرون

(1)

: هو استثناء منقطعٌ، مجازه: لَكِنِ اللَّمَمَ، ولَمْ يجعلوا اللَّمَمَ من الكبائر والفواحش، ثم اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: هو ما سَلَفَ في الجاهلية فلا يُؤاخِذُهُمْ به، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين: إنّما كانوا بالأمس يعملون معنا، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية

(2)

.

وقال بعضهم

(3)

: هو صِغارُ الذُّنُوبِ من النظرة والغَمْزةِ والقُبْلةِ وما كان دون الزنا، وقيل

(4)

: اللَّمَمُ هو أن يُلِمَّ بَالذَّنْبِ، ثم لا يعود إليه، وقيل

(5)

: هو ما ألَمَّ على القَلْبِ أي: خَطَرَ، وقيل

(6)

: هي النظرة من غير تَعَمُّدٍ وهو مغفور، فإن أعادَ النظرَ فليس بِلَمَمٍ بل هو ذنب.

وأصل اللَّمَمِ والإلْمامِ: هو ما يعمله الإنسان المَرّةَ بعد المَرّةِ، والحِينَ بعد الحِينِ، ولا يَتَعَمَّقُ فيه، ولا يُقِيمُ عليه، يقال: ألْمَمْتُ به: إذا زُرْتَهُ وانْصَرَفْتَ

= 1/ 350، اللسان: جمم، لمم، لا، الجنى الدانِي ص 298، مغني اللبيب ص 321، المقاصد النحوية 4/ 216، اللباب في علوم الكتاب 18/ 195، شرح شواهد المغني ص 625، خزانة الأدب 2/ 295، 4/ 4، 7/ 190.

(1)

هذا قول أكثر العلماء، ينظر: مجاز القرآن 2/ 237، إعراب القرآن 4/ 275، الصاحبي ص 186، مشكل إعراب القرآن 2/ 332، المحرر الوجيز 5/ 254، الكشاف 4/ 32، البحر المحيط 8/ 162.

(2)

ينظر في سبب نزولها: جامع البيان 27/ 85، الدر المنثور 6/ 127.

(3)

قاله ابن مسعود وأبو هريرة وحذيفة ومسروق والشعبي، ينظر: الكشف والبيان 9/ 148، الوسيط 4/ 203، تفسير القرطبي 17/ 106.

(4)

قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وابن قتيبة، ينظر: غريب القرآن ص 429، وغريب الحديث لابن قتيبة ص 230، ياقوتة الصراط ص 489، الكشف والبيان 9/ 148، القرطبي 17/ 107.

(5)

قاله عطاء بن أبِي رباح، ينظر: الكشف والبيان 9/ 149، تفسير القرطبي 17/ 108

(6)

حكاه الفراء عن الكلبي في معانِي القرآن 3/ 100، وينظر: الكشف والبيان 9/ 149.

ص: 215