الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجحيم والحميم، فإذا استغاثوا من النار جُعِلَ غِياثُهُم الحَمِيمَ الآنِيَ الذي قد صار كالمُهْلِ.
قال كعب الأحبار
(1)
: هو وادٍ من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار، فَيُنْطَلَقُ بهم وهم في الأغلال، فَيُغْمَسُونَ في ذلك الوادي حتى تُخَلَّعَ أوصالُهُمْ، ثم يخرجون منه، وقد أحْدَثَ اللَّه تعالى لهم خَلْقًا جديدًا، فَيُلْقَوْن في النار، فذلك قوله تعالى:{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} ، وخفض الآنِي على النعت للحميم.
فصل
عن أنس بن مالك قال: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيَدِهِ: لقد خُلِقَتْ ملائكةُ جهنم قبل أن تُخْلَقَ جَهَنَّمُ بألف عام، فهم كُلَّ يَوْمٍ يَزْدادُوَنَ قُوّةً إلى قُوَّتِهِمْ، حَتَّى يَقْبِضُوا على من قَبَضُوا عليه بالنواصي والأقدام"
(2)
. فنستجير باللَّه منهم ومن جهنم.
وعن مِرْدَويهِ الصّائِغِ
(3)
قال: "صَلَّى بنا الإمامُ صلاةَ الصبح، فقرأ سورة الرحمن، ومعنا عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ بنِ عِياضٍ
(4)
، فلما قرأ الإمام: {يُعْرَفُ
(1)
ينظر: الكشف والبيان 9/ 188، 189، عين المعانِي ورقة 130/ أ، تفسير القرطبي 17/ 175 - 176.
(2)
ينظر: الوسيط 4/ 224، الدر المنثور 6/ 145.
(3)
هو عبد الصمد بن يزيد أبو عبد اللَّه، ثقة، من أهل السُّنّة والورع، كان من أصحاب الفضيل ابن عياض، توفي سنة (235 هـ). [تاريخ بغداد 11/ 40، تهذيب التهذيب 6/ 293].
(4)
كان كثير العبادة والورع والخوف والخشية ثقةً عالمًا عاملًا، روى عن عبد العزيز بن أبِي رَوّادِ وغيرِهِ، روى عنه أبوه الفضيلُ بن عياض وأحمد بن يونس، توفِّي سنة (183 هـ). [تهذيب الكمال 21/ 96 - 106].
الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}، خَرَّ مَغْشِيًّا عليه حتى فَرَغْنا من الصلاة، فلما كان بعد ذلك قلنا له: يا عَلِيُّ: أما سَمِعْتَ الإمامَ يقول: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} ؟ قال: شَغَلَنِي عنها: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}
(1)
.
وكُلُّ ما ذَكَرَ اللَّهُ تعالى من قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} إلى قوله: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} مَواعِظُ ومَزاجِرُ وتَهَدُّدٌ وتَخْوِيفٌ، وهي كلها نعمة من اللَّه تعالى لِلانْزِجارِ به عن المعاصي، ولذلك ختم كل آية بقوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
(2)
.
ثم أعْلَمَ ما لِمَنِ اتَّقاهُ وخافه بقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} يعني منامه بين يَدَيْ رَبِّهِ للحساب، نظيرها قوله تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}
(3)
.
قيل
(4)
: نزلت هذه الآية في أبِي بكر الصديق رضي الله عنه، ومعنى قوله:"جَنَّتانِ"؛ أي: بُسْتانانِ من الياقوت الأحمر والزُّمُرُّدِ الأخضر، تُرابُهُما الكافور والعَنْبَرُ، وحَمْأتُهُما المِسْكُ الأذْفَرُ
(5)
، كل بستان منهما مسيرة مائة عام، في وسط كل بستان دار من نور، وقال مقاتل: هما جَنّةُ عَدْنٍ وجَنّةُ النَّعِيمِ، وقال
(1)
ينظر: الوسيط 4/ 224، زاد المسير 8/ 119.
(2)
قاله الواحدي في الوسيط 4/ 225، وينظر: تفسير القرطبي 17/ 176.
(3)
النازعات 40 - 41.
(4)
ينظر: عين المعانِي 130/ أ، القرطبي 17/ 178، لباب النقول ص 186، الدر المنثور 6/ 145.
(5)
الحَمْأةُ: الطِّينُ، الأذْفَرُ: الطَّيِّبُ الرّائِحةِ، يقال: ذَفِرَ الشَّيءُ يَذْفَرُ ذَفَرًا فهو ذَفِرٌ وأذْفَرُ: إذا اشْتَدُّ طِيبُ رائِحَتِهِ. اللسان: حمأ، ذفر.