الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعلها نَكالًا لأعدائه، وإنما هي خَلْقٌ من خَلْقِهِ، مطيعة له، تتقرب إليه بإحراق أعدائه
(1)
، وقيل: معنى "هَلْ مِنْ مَزِيدٍ"؛ أي: قد امتلأتُ، ولَمْ يَبْقَ فِيَّ مَوْضِعٌ لَمْ يُمْلأْ، وهذا استفهام إنكار، ويجوز أن يكون المعنى أنها طلبت أن تُزادَ فِي سَعَتِها لِتَضايُقِها بأهلها.
والعامل فِي "يوم"
(2)
: {بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}
(3)
، ومنهم من قال: في {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} قولان، أحدهما: ما فِيَّ مِنْ مَزِيدٍ، والثانِي: اسْتِدْعاءٌ للزيادة كما ذكرنا
(4)
، وهو قول أنس بن مالك رضي الله عنه.
فصل
رُوِيَ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال جهنم تقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، حتَّى يضع رَبُّ العالمين فيها -أو قال: عليها- قَدَمَهُ، فتقول: قَطْ قَطْ -أي: حَسْبِي حَسْبِي-"
(5)
، فهذا الحديث صحيح الإسناد، وهو يَدُلُّ على خلاف القول الأول، وينبغي الوقوف والتسليم بهذا الحديث من غير تكييف.
(1)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 51/ ب.
(2)
في الأصل: "يوم القيامة"، وهو خطأ.
(3)
هذا قول النحاس فِي إعراب القرآن 4/ 229، وأجاز الزجاج والأزهري أن يكون "يَوْمَ" منصوبًا بقوله:"يُبَدَّلُ" أو بفعل مضمر؛ أي: أنْذِرْهُمْ يَوْمَ نَقُولُ. معانِي القرآن وإعرابه 5/ 229، معانِي القراءات للأزهري 3/ 27.
(4)
هذان القولان قالهما الزجاج والنحاس والواحدي، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 47، إعراب القرآن 4/ 229 - 230، الوسيط 4/ 168.
(5)
رواه الإمام أحمد بسنده عن أنس رضي الله عنه في المسند 3/ 134، 141، 230، 234، 279، والبخاري في صحيحه 6/ 47، 48 كتاب تفسير القرآن: سورة ق، 7/ 224 - 225 كتاب الأيمان والنذور: باب الحَلِفِ بِعِزّةِ اللَّه وصفاته.
قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} يعني: بُرِّزَتْ وقُرِّبَتْ منهم {غَيْرَ بَعِيدٍ (31)} نصب على الحال، يعني: ينظرون إليها قبل دخولها غير متباعدين، ويقال لهم:{هَذَا} الذي تَرَوْنَهُ {مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)} راجِعٍ عن معاصي اللَّه، حَفِيظٍ يَحْفَظُ ذُنُوبَهُ حتَّى يرجع عنها، ويستغفر لها، وقرأ ابن كثير:{يُوعَدُونَ} بالياء
(1)
.
قوله: {مَنْ خَشِيَ} يعني الأواب الحفيظ؛ أي: هو {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} يعني: خافَهُ وأطاعَهُ، ولَمْ يَرَهُ {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)} مخلص راجع عن معاصي اللَّه إلى طاعة اللَّه.
وفي محل "مَنْ" مِن الإعراب وجهان
(2)
: الخفض على البدل من "حَفِيظٍ"، والرفع على الاستئناف، والخبر في قوله:{دْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} ؛ أي: يُقالُ لهم: ادخلوا الجنة بسلامة من الهموم والعذاب {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)} يعني: في الجنة؛ لأنَّهُ لا مَوْتَ فيها {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} يزيدهم اللَّه تعالى من عنده ما لَمْ يَسْألُوهُ، رُوِيَ عن عَلِيِّ بنِ أبِي طالبٍ -كَرُّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ- عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى:{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} قال: "يَتَجَلَّى الرَّبُّ لَهُمْ"
(3)
.
ثم خَوُّفَ كُفّارَ مكة، فقال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ
(1)
وهذه قراءة أبِي عمرو أيضًا، ينظر: تفسير القرطبي 17/ 20، البحر المحيط 8/ 126، النشر 2/ 376.
(2)
الوجهان قالهما الفراء والنحاس، ينظر: معانِي القرآن 3/ 79، إعراب القرآن 4/ 230 - 231، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 321، البيان للأنباري 2/ 387، التبيان للعكبري ص 1176، الفريد 4/ 355 - 356، البحر المحيط 8/ 126.
(3)
ينظر: الوسيط للواحدي 4/ 169، وذكره الهيثمي عن أنس في مجمع الزوائد 7/ 112 كتاب التفسير: سورة ق، وينظر: فتح الباري 13/ 364، الدر المنثور 6/ 108.
مِنْهُمْ بَطْشًا} نصب على التفسير {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ (36)} قال امرؤُ القيس الشاعِرُ:
277 -
لقدْ نَقَّبْتُ فِي الآفاقِ حَتَّى
…
رَضِيتُ مِنَ الغَنِيمةِ بِالإيابِ
(1)
ويقال: رَجُلٌ نَقِيبٌ: إذا كان يَظُنُّ ظَنًّا فَيُصِيبُهُ، والنَّقِيبُ فوق العَرِيفِ، وأصله من: نَقَّبَ عن الأمر؛ أي: تَعَرَّفَهُ
(2)
.
قرأ العامة: "فنَقَّبُوا" بفتح القاف مشددة، وقرأ الحسن بفتح القاف مخففة، وقرأ السُّلَمِيُّ ويحيى بن يَعْمُرَ
(3)
بكسر القاف مشددة
(4)
على التهديد والوعيد.
(1)
البيت من الوافر لامرئ القيس، ورواية ديوانه:"وَقَدْ طَوَّفْتُ"، ومعنى قوله:"نَقَّبْتُ في الآفاقِ": سِرْتُ في البلاد، وقوله:"رَضِيتُ مِن الغَنِيمةِ بالإياب" يُضْرَبُ لمن يسعى في طلب حاجته، فَيُشْرِفُ على الهلكة، حتَّى يرضى بأن يُفْلِتَ سالِمًا.
التخريج: ديوانه ص 99، مجاز القرآن 2/ 224، البيان والتبيين 3/ 256، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 48، الزاهر لابن الأنباري 2/ 10، التهذيب 9/ 197، معانِي القراءات 3/ 28، الحجة للفارسي 3/ 417، جمهرة الأمثال 1/ 394، ديوان المعانِي 2/ 193، العقد الفريد 3/ 126، الكشف والبيان 9/ 105، مجمع الأمثال 1/ 295، المستقصى 2/ 100، المحرر الوجيز 5/ 167، التذكرة الحمدونية 8/ 122، زاد المسير 8/ 22، عين المعانِي ورقة 126/ أ، الفريد 4/ 356، تفسير القرطبي 4/ 37، 17/ 22، اللسان: نقب، البحر المحيط 8/ 127، الدر المصون 6/ 181، اللباب في علوم الكتاب 18/ 44، التاج: نقب.
(2)
قاله النقاش في شفاء الصدور 53/أ، وينظر: غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 42، اللسان: نقب.
(3)
أبو سليمان الوَشْقِي العَدْوانِي، من علماء التابعين، وقيل: هو أول من نقط المصاحف، كان عالمًا بالحديث والفقه ولغات العرب ومن كتاب الرسائل الديوانية، ولد بالأهواز وسكن البصرة، ووَلِيَ قضاءها حتَّى مات سنة 129 هـ. [إنباه الرواة 4/ 24: 27، غاية النهاية 2/ 381، سير أعلام النبلاء 4/ 441: 443].
(4)
قرأ ابن عباس والحسن وأبو عمرو وأبو العالية: "فنَقَبُوا" بفتح القاف مخففة، وقرأ ابن عباس أيضًا، والسُّلَمِي وابن يَعْمُرَ وأبو العالية ونصر بن سَيّارٍ وأبو حَيْوةَ، وأبو عمرو في =
قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} عني الذي ذُكِرَ من إهْلَاكِ القُرَى {لَذِكْرَى} تذكرة وموعظة {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} قال ابن عباس: عقل، قال الفراء
(1)
: وهذا جائز في العربية أن تقول: ما لَكَ قَلْبٌ، وما قَلْبُكَ مَعَكَ؛ أي: ما عَقْلُكَ مَعَكَ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} ؛ أي: استمع ما يُقالُ له، يقال: ألْقِ سَمْعَكَ إلَيَّ؛ أي: اسْتَمِعْ مِنِّي
(2)
{وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} شاهد بالقلب والفهم ليس بِغافِلٍ ولا ساهٍ.
واختلف العلماء في ماهِيّةِ العَقْلِ، قيل: هو الغَرِيزةُ، وقيل: هو نُورٌ، وقيل: هو قُوّة يُفْصَلُ بِها بين حقائق المعلومات، وقيل: هو نوع من المعلومات الضرورية، وقيل: هو جَوْهَرٌ بَسِيطٌ، وقيل: هو جسم شَفّافٌ، كما قيل في الرُّوحِ: إنه جسم لطيف يَسْكُنُ البَدَنَ.
وأصل العَقْلِ: الامْتِناعُ، يقال: عَقَلْتُ النّاقةَ؛ أي: مَنَعْتُها من السَّيْرِ، وسُمِّيَ العَقْلُ عَقْلًا لأنَّهُ يَمْنَعُ من فِعْلِ القَبِيحِ، واختلفوا في مَحَلِّهِ، فمنهم من قال: مَحَلُّهُ القَلْبُ، وهو مذهب الشافعيِّ -رحمه اللَّه تعالى-، لقوله تعالى:{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}
(3)
وقوله هاهنا: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} ؛ أي: عَقْلٌ، فَعَبَّرَ عنه لأنَّهُ محله، ومنهم من قال: مَحَلُّهُ الدِّماغُ، وهو قول أبِي حنيفة رحمه الله، ومنهم من قال: هو مُشْتَرَكٌ بين الرأس والقلب، هكذا ذكره ابن الجَوْزِيِّ في كتاب الأذكياء
(4)
، واللَّه أعلم.
= رواية الأصمعي عنه: "فنَقِّبُوا" على الأمر، ينظر: السبعة ص 607، مختصر ابن خالويه ص 145، المحتسب 2/ 285، تفسير القرطبي 17/ 22، البحر المحيط 8/ 127.
(1)
معانِي القرآن 3/ 80.
(2)
قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 5/ 49، وينظر: تفسير القرطبي 17/ 23.
(3)
الحج 46.
(4)
أخبار الأذكياء لابن الجوزي ص 30.