الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة محمد صلى الله عليه وسلم
-
مدنيّة
وهي ألفان وثلاثمائة وتسعة وأربعون حرفًا، وخمسمائة وتسع وثلاثون كلمة، وثمان وثلاثون آية.
باب ما جاء فِي فضل قراءتها
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم كان حَقًّا على اللَّه أنْ يَسْقِيَهُ من أنهار الجنة"
(1)
.
ورُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم حَمَلَتْهُ الملائكةُ على أجنحتها، لا يَمُرُّ بشيء إلّا خَرَّ جاثيًا من شِدّةِ نُورِهِ"
(2)
.
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)} يعني
(1)
ينظر: الكشف والبيان 9/ 28، الوسيط 4/ 118، الكشاف 3/ 540، مجمع البيان 9/ 159، عين المعانِي ورقة 122/ ب.
(2)
لَمْ أعثر له على تخريج.
كفار مكة، كفروا بتوحيد اللَّه، وصَدُّوا الناسَ عن الإسلام، وقوله:{أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} ؛ أي: أبْطَلَها اللَّهُ وأذْهَبَها، حتى كأنها لَمْ تَكُنْ؛ لأنهم لَمْ يَرَوْا في الآخرة لها ثوابًا.
و {الَّذِينَ} في موضع رفع بالابتداء، وهو اسم ناقص، و {كَفَرُوا} من صلته، و {صَدُّوا} معطوف على {كَفَرُوا}
(1)
، ومن العرب من يقول:"اللَّذُونَ"
(2)
، فيجعله مُسَلَّمًا.
قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} وَصَدَّقُوا بتوحيد اللَّه {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ}؛ أي: صَدَّقُوا بما نُزِّلَ عليه من آيات القرآن {وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ؛ يعني: سَتَرَها عنهم، وغفرها لهم {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)}؛ يعني: حالهم، والبال: الحال في هذا الموضع
(3)
، وجمعه بالَاتٌ
(4)
، وقد يكون في غير هذا الموضع القَلْبَ، يقول القائل: لَمْ يَخْطُرْ هذا على بالِي؛ أي: قلبي
(5)
.
(1)
قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 177.
(2)
المصدر السابق 4/ 178، وقد تقدم مثل ذلك في آخر سورة الروم 2/ 50.
(3)
قاله قتادة والمبرد والنقاش، ينظر: شفاء الصدور ورقة 22/ ب، وقال ابن الأنباري: "والبال مُذَكَّرٌ، وهو الحال، قال اللَّه تعالى:{وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} . المذكر والمؤنث 1/ 539، وينظر قول المبرد في الوسيط 4/ 118، وزاد المسير 7/ 396.
(4)
قاله الثعلبي في الكشف والبيان 9/ 29، قال ابن عطية:"والبال: مصدر كالحال والشأن، ولا يُسْتَعْمَلُ منها فِعْلٌ، وكذلك عُرْفُهُ ألا يُثَنَّى ولا يُجْمَعَ، وقد جاء مجموعًا، لكنه شاذ، فإنهم قالوا: بالات". المحرر الوجيز 5/ 110، وقال السجاوندي:"ولا يجمع البال لإبهامه، وقيل: بالات كحالات". عين المعانِي ورقة 122/ ب، وينظر: البحر المحيط 8/ 70.
(5)
قاله المبرد والنقاش، ينظر قول المبرد في إعراب القرآن للنحاس 4/ 178، شفاء الصدور ورقة 22/ ب، وينظر أيضًا: تفسير القرطبي 16/ 224.
قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، يعني: من أهل الحرب {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} نصب على الإغراء
(1)
، وقيل
(2)
: على المصدر، أي: فاضْرِبُوا الرِّقابَ ضَرْبًا، والرقاب: الأعناق، واحدتها رَقَبةٌ، والمعنى: اقْتُلُوهُمْ؛ لأن أكثر مواضع القتل ضَرْبُ العُنُقِ، فَإنْ ضَرَبَهُ على مَقْتَلٍ آخَرَ كان كما لو ضَرَبَ عُنُقَهُ؛ لأن المَقْصِدَ قَتْلُهُ
(3)
.
قوله: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ} ؛ أي: بالَغْتُمْ في قَتْلِهِمْ، وقَهَرْتُمُو هُمْ وغَلَبْتُمُوهُمْ بالسيف، والإثخان: المبالغة فِي الضرب، مشتق من قولهم: شَيْءٌ ثَخِينٌ أي: مُتَكاثِفٌ
(4)
، وقوله:{فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} يعني: إذا أسَرْتُمُوهُمْ كَي لا يُفْلِتُوا، والوَثاقُ اسم من الإيثاقِ، أوْثَقَهُ إيثاقًا: إذا شَدَّ أسْرَهُ كَي لا يُفْلِتَ
(5)
.
قوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} يعني: بعد الأسْرِ {وَإِمَّا فِدَاءً} ، وهما مصدران منصوبان بإضمار فعلٍ، مجازه: فَإمّا أنْ تَمُنُّوا عليهم مَنًّا، فَتُطْلِقُوهُمْ من غير عِوَضٍ، وإما أنْ تُفادُوهُمْ فِداءً {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا (4)} يعني: بِتَرْكِ الشِّرْكِ حتى لا يكون في العرب مشرك، وقال ابن عباس
(6)
: حتى يُسْلِمَ كُلُّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الأرضِ، وقيل: حتى تقع الهُدْنةُ.
(1)
قاله الفراء في معانِي القرآن 3/ 57.
(2)
قاله أكثر العلماء، ينظر: معاني القرآن للفراء 1/ 3، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 6، إعراب القرآن 4/ 179، مشكل إعراب القرآن 2/ 305، الفريد للهمداني 4/ 306، التبيان للعكبري ص 1160، البحر المحيط 8/ 74.
(3)
قاله الواحدي في الوسيط 4/ 119.
(4)
قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 179.
(5)
قاله الأزهري في التهذيب 9/ 266، وينظر أيضًا: الوسيط 4/ 119.
(6)
ينظر قوله في الوسيط 4/ 120، وزاد المسير 7/ 397.
والمعنى: حتى يَضَعَ أهْلُ الحَرْبِ أوْزارَها، وهو السلاح، وأصل الوِزْرِ: ما حَمَلْتَهُ، فَسُمِّيَ السلاحُ وِزْرًا لأنه يُحْمَلُ
(1)
، وأمَرَ ألَّا يُقْبَلَ منهم إلّا الإسلامُ، ولَمْ يُسْمَعْ لأوْزارِ الحَرْبِ بِو احِدٍ، إلّا أنه على التأويل: وِزْرٌ
(2)
، وقد فَسَّرَهُ الأعشى بقوله:
250 -
وَأعْدَدْتُ لِلْحَزبِ أوْزارَها
…
رِماحًا طِوالًا وَخَيْلًا ذُكُورا
وَمِنْ نَسْجِ داوُدَ يُحْدَى بِها
…
عَلَى أثَرِ الحَيِّ عِيرًا فَعِيرا
(3)
أي: يُحْدَى بها الإبِلُ.
(1)
من أول قوله: "حتى يضع أهل الحرب"، قاله ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص 409، وينظر أيضًا: تأويل مشكل القرآن ص 170، معانِي القرآن للنحاس 6/ 464، شفاء الصدور ورقة 23/ أ، غريب القرآن للسجستانِي ص 142.
(2)
يفهم من كلام ابن قتيبة السابق ومن كلام أحمد بن يحيى الآتِي بعدُ أنّ واحد الأوزار وِزْرٌ، قال ثعلب:"قال: الوِزْرُ: كل ما احْتَمَلَ الرَّجُلُ على ظهره، وإنما سمى الوزير وزيرًا لأنه يَحْمِلُ أثقالَ صاحبه، وهو هاهنا حَمْلُ الإثْمِ، "حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزارَها" قال: تسقط آثام أهلها عنهم؛ أي: إذا قاتلوا فاستشهدوا وضعت أوزارهم، ومحصت عنهم الذنوب". مجالس ثعلب ص 225 - 226، وينظر: الصحاح 2/ 845، اللسان: وزر.
(3)
البيتان من المتقارب للأعشى، من قصيدة يمدح بها هَوْذةَ بن عَلِيٍّ الحنفي، ورواية ديوانه:
وَمِن نَسجِ داوُودَ مَوضونةً
…
تُساقُ مَعَ الحَيِّ عيرًا فَعيرا
اللغة: الأوزار هنا: السلاح وآلة الحرب، الحُداءُ: سَوْقُ الإبلِ والغناء لها، دِرْعٌ موضونةٌ: مضاعفة النَّسْجِ.
التخريج: ديوانه ص 149، العين 7/ 381، مجاز القرآن 2/ 248، تهذيب اللغة 13/ 244، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 110، المخصص 6/ 76، الكشف والبيان 9/ 30، 203، شمس العلوم 11/ 7146، زاد المسير 7/ 397، عين المعانِي ورقة 122/ ب، تفسير القرطبي 16/ 229، 17/ 201، تفسير غريب القرآن للرازي ص 249، أساس البلاغة: وزر، الكشاف 4/ 53، المحرر الوجيز 5/ 241، اللسان: وزر، وضن، البحر المحيط 8/ 75، 201، الدر المصون 6/ 147، 255، اللباب في علوم الكتاب 18/ 384، التاج: وزر، وضن.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} شرط وجزاء، والمعنى: إن تُعِينُوا رسولَهُ حيمث تَوَجَّهَ يُعِنْكُمْ على عدوكم {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} بالنصر عند القتال {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ} ؛ أي: بُعْدًا لهم، وقيل: نَكْسًا لهم، وقيل: خِزْيًا وبَلَاءً، وقيل: مَقْتًا، وقيل: عِثارًا وسقوطًا، وقيل: خَيْبةً، وقيل: مكروها وسُوءًا، ويقال
(1)
: الئعْسُ: أنْ يَخِرَّ على وجهه، والنَّكْسُ: أنْ يَخِرَّ على رأسه. وأصل التَّعْسِ فِي الناس والدَّوابِّ، يقال للعاثر: تَعْسًا: إذا لَمْ يريدوا قيامه، وقالوا: أتْعَسَهُ اللَّهُ فَتَعِسَ وهو مُتْعَسٌ.
قال ثعلب
(2)
: والتَّعْسُ: الهَلَاكُ. وضده لَعًا: إذا أرادوا قيامَهُ، ولَعًا بمعنى سَلِمْتَ، وقد جمعهما الأعشى في بيت واحد يصف به ناقته، فقال:
251 -
بِذاتِ لَوْثٍ عَفَرْناةٍ إذا عَثَرَتْ
…
والتَّعْسُ أدْنَى لَها مِنْ أقُولَ: لَعا
(3)
(1)
حكاه ابن الأنباري والنحاس عن ابن السكيت، ينظر: الزاهر لابن الأنباري 2/ 249، معانِي القرآن للنحاس 6/ 467، وحكاه الأزهري عن الرستمي في تهذيب اللغة 2/ 78، وينظر: غريب القرآن للسجستانِي ص 143، تفسير القرطبي 16/ 233.
(2)
ينظر قوله في الزاهر لابن الأنباري 2/ 248، شفاء الصدور ورقة 23/ ب، وقال النحاس:"التُّعْسُ: الشَّرُّ، قال: وقيل: هو البُعْدُ، وانْتُكِسَ: قُلِبَ أمْرُهُ وأُفْسِدَ". معانِي القرآن للنحاس 6/ 467، وينظر: التهذيب 2/ 78، عين المعانِي 123/ أ، تفسير القرطبي 16/ 232، البحر المحيط 8/ 71.
(3)
البيت من البسيط للأعشى، وقوله:"بِذاتِ لَوْثٍ" متعلق بالفعل "كَلَّفْتُ" في بيت قبله، وهو قوله:
كَلَّفتُ مَجهولَها نَفسي، وَشايَعَني
…
هَمّي عَلَيْها إذا ما آلُها لَمَعا
اللغة: اللَّوْثُ: القوة، ناقة عَفَرْناةٌ: قوية، الآلُ: السراب.
التخريج: ديوانه ص 153، العين 2/ 123، 8/ 239، جمهرة اللغة ص 952، الزاهر لابن الأنباري 2/ 248، سر صناعة الإعراب ص 692، المحتسب 2/ 141، مقاييس اللغة 4/ 65، 5/ 253، الكشف والبيان 9/ 31، فصل المقال في شرح كتاب الأمثال ص 101، =
وهو منصوب على المصدر على سبيل الدعاء، يقال لِمَنْ دُعِيَ عليه بالشر والهَلَكةِ: تَعِسَ يَتْعَسُ تَعْسًا: إذا عَثَرَ وانْكَمث
(1)
، وقيل: هو نصب بإضمار فعل تقديره: ألْزَمَهُم اللَّهُ تَعْسًا، وقيل: نصب على المَذَمّةِ، نحو قوله:{مَلْعُونِينَ}
(2)
، قال ابن عباس: يريد: في الدنيا العَثْرةُ، وفي الآخرة التَّرَدِّي فِي النار.
قوله: {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)} ؛ أي: أبْطَلَها؛ لأنها كانت في طاعة الشيطان، خاليةً عن الإيمان، وقد تقدم نظيرها في أول السورة
(3)
.
قوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} يعني كفار مكة {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (10)} الآية، ونصب {فَيَنْظُرُوا} على جواب الجحد، وقد تَقَدَّمَ تفسيرُ نظيرِها في سورة الحج
(4)
.
قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} ؛ أي: وكم من قرية قد مضت {هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} يعني: أشد بطشًا وأكثر عددًا {مِنْ قَرْيَتِكَ} ؛ يعني مكة {الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} أهْلُها، يعني أهل مكة حين أخرجوا محمدًا صلى الله عليه وسلم منها، فكنى بالقرية عن الرجال، ولهذا قال:{أَهْلَكْنَاهُمْ} ولَمْ يقل: أهلكناها، قال مقاتل: أُهْلِكُوا بالعذاب حين كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ {فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)} ؛ أي: لَمْ يكن لهم ناصر يمنعهم من عذاب اللَّه.
= أساس البلاغة: لعو، الكشاف 3/ 532، المحرر الوجيز 5/ 112، الفريد للهمداني 4/ 307، عين المعانِي ورقة 123/ أ، تفسير القرطبي 6/ 358، 16/ 232، اللسان: تعس، لعا، لوث، البحر المحيط 8/ 71، الدر المصون 6/ 148، التاج: لوث، تعس، لعا.
(1)
هذا القول حكاه الواحدي عن المبرد في الوسيط 4/ 121.
(2)
الأحزاب الآية 61، وانظر ما سبق 2/ 138.
(3)
الآية الأولَى 3/ 69.
(4)
الآية 46، وينظر 1/ 257.