الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: لَمْ يكن لَهُمْ عَمَل صالِحٌ يصعد إلى السماء، فلم تَبْكِ عليهم السماءُ والأرضُ، وذلك أن المؤمن إذا مات بَكَتْ عليه السماءُ والأرضُ أربعين صباحًا
(1)
، وقيل
(2)
: معناه: أهْلُ السَّماءِ وَأهْلُ الأرْضِ {وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)} ؛ أي: لَمْ يُنْظَرُوا حتى أُغْرِقُوا.
رُوِيَ عن عَلِيِّ بنِ أبِي طالب رضي الله عنه أنه قال: "بكاء السماء حُمْرةُ أطرافها"
(3)
، وقيل:"لَمّا قُتِلَ الحُسَيْنُ بن علي رضي الله عنهما احْمَرَّتْ آفاقُ السماء"
(4)
، قال الربيع بن خُثَيْمٍ: بكت السماء بواكيها.
فصل
عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمن إلّا وله بابانِ: بابٌ يصعد فيه عملُه، وبابٌ يَنْزِلُ منه رزقه، فإذا مات فَقَداهُ، وبَكَيا عليه، فذلك قوله عز وجل:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}
(5)
.
(1)
قاله مجاهد، ينظر: جامع البيان 25/ 160، 161، الكشف والبيان 8/ 353، عين المعانِي ورقة 121/ أ، تفسير القرطبي 16/ 140.
(2)
قاله الحسن ومجاهد وابن قتيبة، ينظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 246، تأويل مشكل القرآن ص 170، إعراب القرآن 4/ 131، زاد المسير 7/ 345، عين المعانِي ورقة 121/ أ، البحر المحيط 8/ 37.
(3)
ينظر قوله في جامع البيان 25/ 160، شفاء الصدور ورقة 4/ ب، تفسير القرطبي 16/ 142، مجمع البيان 9/ 109، الدر المنثور 6/ 31.
(4)
هذا قول السدي ويزيد بن أبِي زياد، ينظر: شفاء الصدور ورقة 4/ ب، مجمع البيان 9/ 109، عين المعانِي ورقة 121/ أ، الدر المنثور 6/ 31.
(5)
رواه الترمذي في سننه 5/ 57 أبواب تفسير القرآن: سورة الدخان، والطبراني في المعجم =
وعن شُرَيْحِ بنِ عُبَيْدٍ الحَضْرَمِيِّ
(1)
قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا، ألا لا غُرْبةَ على مؤمنٍ، ما مات مؤمن في غُرْبةِ غابت عنه فيها بَواكِيهِ إلّا بكت عليه السماء والأرض"، ثم قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} ، ثم قال:"إنهما لا تبكيان على الكافر"
(2)
.
وفي الخَبَرِ: أن الشمس بَكَتْ على يَحْيَى عليه السلام أربعين صباحًا، وكان بكاؤها أنْ طَلَعَتْ حَمْراءَ وغَرَبَتْ حَمْراءَ
(3)
، ويُرْوَى أن يَحْيَى عليه السلام سَيِّدُ الشهداءِ يومَ القيامة، وقائدُهم إلى الجنة.
قوله تعالى: {أَنَّ هَؤُلَاءِ} يعني: كفار مكة {لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)} ؛ يعني: بِمَبْعُوثِينَ بعد الموت، ورفع {مَوْتَتُنَا} على خبر {إنْ}
(4)
؛ لأن {إنْ} بمعنى "ما"، والتقدير: ما هي إلا موتتنا الأولى {فَأْتُوا
= الأوسط 6/ 296، وينظر: الكشف والبيان 8/ 353، الوسيط 4/ 90، مجمع الزوائد 7/ 105 كتاب التفسير: سورة الدخان.
(1)
شُرَيْحُ بن عُبَيْدِ بن شُرَيْحِ بن عَبْدِ بن عَرِيبٍ الحَضْرَمِيُّ، أبو الطيب المِقْرائِيُّ الحِمْصِيُّ، تابعيٌّ شاميٌّ ثقة، روى عن أبِي الدرداء وأبِي أمامة وثوبان، توفِّي سنة (108 هـ). [التاريخ الكبير 4/ 230، تهذيب الكمال 12/ 446].
(2)
ينظر: جامع البيان 25/ 162، شفاء الصدور ورقة 4/ ب، الكشف والبيان 8/ 353، عين المعانِي ورقة 121/ أ، تفسير القرطبي 16/ 140، 141، الدر المنثور 6/ 30.
(3)
ينظر: مجمع البيان 9/ 109، تفسير القرطبي 10/ 220.
(4)
في الأصل "على خبر ما". وما قاله المؤلف هنا غير صحيح؛ لأن "إنْ" عَمِلَتْ، على قِلّةٍ، لشبهها بـ "لَيْسَ"، ومن شروط إعمالها عمل "لَيْسَ" ألا ينتقض نَفْيُها بـ "إلّا"، وقد انتقض النَّفْيُ هنا، فَبَطَلَ عَمَلُها، وعليه فـ {هِيَ} مبتدأ، و {إِلَّا} أداة استثناء ملغاة، و {مَوْتَتُنَا} خبر المبتدأ، ينظر في ذلك: البيان للأنباري 2/ 360، شرح التسهيل لابن مالك 1/ 375، 376، شرح الكافية للرضي 2/ 227، 228، ارتشاف الضرب ص 1207.
بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)} أنّا نُبْعَثُ أحْياءً بعد الموت، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، وهو كقوله تعالى:"يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ"
(1)
، فقال لِنَبيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} استفهام إنكار، يقول: أهُمْ أعَزُّ وأمْنَعُ وأَكْثَرُ أموالا وعددا أم قوم تُبَّع {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ؟ مثل عاد وثمود {أَهْلَكْنَاهُمْ} بالعذاب {إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)} يعني: مكذبين بالبعث.
ومحل {الَّذِينَ} رفعٌ بالعطف على {قَوْمُ تُبَّعٍ} ، ويحتمل أن يكون رفعًا بالابتداء وخبره {أَهْلَكْنَاهُمْ} ، ويحتمل أن يكون خفضًا بالعطف على {تُبَّعٍ} ، تقديره: أهُمْ خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَقَوْمُ الذينَ؟ ويحتمل أن يكون نصبًا بإضمار فعل تفسيره ما بعده تقديره: وأهلكنا الذين من قبلهم أهلكناهم
(2)
.
وقوم تُبَّعٍ كانوا من أهل اليمن، وتُبَّعٌ هم ملوك اليمن، وإنما سُمِّيَ كُلُّ واحد منهم تُبَّعًا لأنه يَتْبَعُ صاحبه، وهو بِمَنْزِلةِ الخليفة فِي الإسلام، وهم ملوكُ العربِ الأعاظمُ
(3)
، والتِّبْعُ أيضًا الذي يَتْبَعُ النساءَ
(4)
.
(1)
سورة الطلاق الآية الأولى، وهذا قول الفراء، قاله في معانِي القرآن 3/ 42، وينظر: معانِي القرآن للنحاس 6/ 408، شفاء الصدور للنقاش ورقة 5/ أ، 5/ ب.
(2)
وإذا كان معطوفًا على {قَوْمُ تُبَّعٍ} كانت جُمْلةُ {أَهْلَكْنَاهُمْ} استئنافية، ويجوز أن تكون حالًا، من الضمير المستكنِّ في الصلة، ينظر في هذه الأوجه: إعراب القرآن للنحاس 4/ 133، مشكل إعراب القرآن 2/ 290، البيان للأنباري 2/ 360، كشف المشكلات للباقولِيِّ 2/ 303، التبيان للعكبري ص 1147، الفريد للمنتجب الهمدانِيِّ 4/ 274، الدر المصون 6/ 116.
(3)
قاله أبو عبيدة والأخفش والنقاش، ينظر: مجاز القرآن 2/ 259، شفاء الصدور 5/ ب، وينظر قول الأخفش في عين المعانِي ورقة 121/ أ، زاد المسير 7/ 348، تفسير القرطبي 16/ 144.
(4)
قال الأزهري: "ويقال: فُلانٌ تِبْعُ نِساءٍ؛ أي: يَتْبَعُهُنَّ". تهذيب اللغة 2/ 283.