الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} بِحَقِّهِ الذي فَرَضَ عليكم، فأطيعوه فيه {إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ} على من تاب إليه من ذنوبه {رَحِيمٌ (12)} بِخَلْقِهِ فلا أرْحَمَ منه.
فصل
عن أبِي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الغِيبةِ: ما هي؟ قال: "ذِكْرُكَ أخاكَ بِما يَكْرَهُ"، قال: فإن كان في أخي ما أقولُ، قال:"إن كان فيه ما تقول فقد اغْتَبْتَهُ، وإن لَمْ يكن ما قلتَ فيه فقد بَهَتَّهُ"
(1)
.
ورُوِيَ عن أبي حكيم العَنْبَرِيِّ قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها عن الغِيبةِ، فقالتْ؛ عَلَى الخَبِيرِ سَقَطْتَ، دخلت امرأةٌ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَتْ تسألُهُ عن حاجتها، وكانت امرأةً جميلةً، إلا أنها كانت قصيرة، فلما خَرَجَتْ قُلْتُ: ما رأيتُ كاليوم امرأةً أجْمَلَ منها إلا أنها قصيرةٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اغْتَبْتِها؛ لأنكِ نَظَرْتِ إلى أسوأ ما فيها فَذَكَرْتهِ"
(2)
.
وعن أبِي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْلةَ أُسْرِيَ بِي مَرَرْتُ في السماء بقوم يُقَطَّعُ اللَّحْمُ من جُنُوبِهِمْ، ثم يُلْقَمُونَهُ، ثم يقال لهم: كُلُوا ما كنتم تأكلون من لحمِ أخيكم، قلت: يا جبريل: مَنْ هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الهَمّازُونَ اللَّمّازُون"
(3)
، يعني: المغتابين.
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 230، 384، 386، 458، ومسلم في صحيحه 8/ 21 كتاب البر والصلة: باب تحريم الغيبة.
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 6/ 136، 206، وابن عدي في الكامل فِي الضعفاء 2/ 295، وابن راهويه في مسنده 3/ 921، وينظر: شفاء الصدور ورقة 43/ ب، الدر المنثور 6/ 94، 96.
(3)
هذا جزء من حديث الإسراء الذي رواه الطبري في جامع البيان 15/ 18، وينظر: تاريخ دمشق 3/ 512، تفسير ابن كثير 4/ 235، الدر المنثور 4/ 143.
وعن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَمّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بقوم لهم أظْفارٌ من نُحاسٍ، يَخْمِشُونَ بها وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويَقَعُونَ فِي أعراضهم"
(1)
.
وعن جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ وأبِي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنهما قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إيّاكُمْ والغِيبةَ، فإن الغيبة أشَدُّ من الزِّنا"، قيل: وكيف ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: "إن الرجل يَزْنِي ويَتُوبُ، فَيَتُوبُ اللَّهُ عليه، وإن صاحب الغيبة لا يُغْفَرُ له حتى يَغْفِرَ له صاحِبُهُ"
(2)
.
وعن سَهْلِ بن سَعْدٍ السّاعِدِيِّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا اغتاب أحدُكم أخاه مِنْ خَلْفِهِ فَلْيَسْتَغْفِرْ له، فإن ذلك كَفّارةٌ له"
(3)
.
وعن ابن شَوْذَبٍ
(4)
قال: قال رَجُلٌ لابن سِيرِينَ: إنِّي قد اغْتَبْتُكَ، فاجعلني فِي حِلٍّ، قال: أكْرَهُ أنْ أُحِلَّ ما حُرِّمَ
(5)
.
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 3/ 224، وأبو داود في سننه 2/ 451 كتاب الأدب: باب في الغيبة، والطبرانِيُّ في المعجم الأوسط 1/ 7، وينظر: الكشف والبيان 9/ 85.
(2)
ينظر: المعجم الأوسط 6/ 348، كتاب المجروحين 2/ 168، الكشف والبيان 9/ 85، عين المعانِي 125/ أ، مجمع الزوائد 8/ 91 كتاب الأدب: باب ما جاء في الغيبة والنميمة، الدر المنثور 6/ 97.
(3)
هذا حديث موضوع رواه ابن عدي في الكامل 3/ 247، وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 118، وينظر: كنز العمال 3/ 588، تذكرة الموضوعات للفَتَّنِيِّ ص 170.
(4)
هو عبد اللَّه بن عمر بن شَوْذَبٍ البَلْخِيُّ، أبو عبد الرحمن البصري، الإمام الثقة، روى عن الحسن وابن سيرين، سكن البصرة ثم بيت المقدس، توفي سنة (156 هـ). [حلية الأولياء 6/ 129 - 135، تهذيب الكمال 15/ 94 - 97].
(5)
ينظر: الكشف والبيان 9/ 86، تاريخ مدينة دمشق 53/ 212، 213، عين المعانِي ورقة 125/ أ، ب، حلية الأولياء 2/ 263، مجمع البيان 9/ 229.
ورُوِيَ عن عيسى عليه السلام أنه قال لأصحابه: "أرأيتم لو أن أحَدَكُمْ رَأى أخاه المسلمَ قد كَشَفَ الرِّيحُ ثِيابَهُ؟ قالوا: سبحان اللَّه! إذَنْ كُنّا نَرُدُّها عليه، قال: بل كنتم تكشفون ما بَقِيَ، تسمعون للرجل سَيِّئةً، فتذكرون أكثرَ من ذلك"
(1)
، فَضَرَبَ لهم مَثَلًا.
ورُوِيَ عن خالد الرَّبَعِيِّ
(2)
قال: كنتُ في المسجد الجامع وفيه جماعة، فَتَناوَلُوا رَجُلًا، فنَهَيْتُهُمْ عن ذلك، فَكَفُّوا عنه، وأخذوا عن غيره، ثم عادوا إليه، فدخلتُ معهم في شيء من أمره، فرأيتُ في تلك الليلةَ في المنام كأنه أتانِي رَجُلٌ أسْوَدُ طويلٌ جدا، ومعه طَبَقٌ عليه قطعة من لحم خِنْزِيرٍ، فقال لِي: كُلْ، فقلتُ: آكُلُ لَحْمَ الخنزير؟! واللَّه لا أكَلْتُهُ، فانْتَهَرَنِي انتهارًا شديدًا، وقال: قد أكَلْتَ ما هو شَرٌّ منه، فَجَعَلَ يَدُسُّهُ فِي فِيَّ حتى استيقظتُ من منامي، فواللَّه لقد مَكَثْتُ ثلاثين يوما أو أربعين يوما ما أكلتُ طعاما إلّا وَجَدْتُ طَعْمَ ذلك اللحم ونَتَنَهُ فِي فَمِي.
ويقال: ثلاثة لا تكون غيبتهم غيبةً: سلطان جائر، وفاسقٌ مُعْلِنٌ بِفِسْقِهِ، وصاحبُ بِدْعةٍ، يعني: إذا ذَكَرَ فِعْلَهُمْ، فلو ذَكَرَ شَيْئًا من أديانهم يَعِيبُ منهم ذلك، لكان ذلك غِيبةً عنهم، ولكن إذا ذَكَرَ فِعْلَهُمْ ومَذْهَبَهُمْ فلا بأس؛ لكي يَحْذَرَهُم
(1)
رواه الثعلبي عن خالد الرَّبَعِيِّ في الكشف والبيان 9/ 86، وينظر: تاريخ دمشق 47/ 435 - 436، الدر المنثور 2/ 28.
(2)
هو خالد بن باب الرَّبَعِيِّ الأحْدَبُ، ابن أخي صفوان بن مُحْرِزٍ، تابعي بصري، روى عن أنس بن مالك وأبِي هريرة وشَهْرِ بن حَوْشَبٍ، قال أبو زرعة: متروك الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، ووَثَّقَهُ ابنُ حِبَّانَ. [الثقات لابن حبان 4/ 200، الجرح والتعديل للرازي 3/ 322، لسان الميزان 2/ 374].
الناسُ، وقد قال عليه السلام:"اذْكُرُوا الفاسِقَ بِما فيه يَحْذَرْهُ النّاسُ"
(1)
.
قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} آدم وحواء، {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا} جمع شَعْبٍ، وهي رُؤوسُ القبائل مثل رَبيعةَ ومُضَرَ والأوْسِ والخَزْرَجِ، واحدها شَعْبٌ بفتح الشين، سُمُّوا بذلك لِتَشَعُّبِهِمْ واجتماعهم كَتَشَعُّبِ أغصان الشجر.
قوله: {وَقَبَائِلَ} القبائل دون الشعوب، واحدتها قبيلة، وهم كَبَكْرٍ من رَبيعةَ، وَتَمِيمٍ من مُضَرَ، هذا قول جماعة المفسرين
(2)
، وقال أنس بن مالك وأَبن عباس
(3)
: أراد بالشعوب المَوالِيَ، وبالقبائل العَرَبَ.
وإلى هذا ذهب قومٌ، فقالوا
(4)
: الشعوب من العَجَمِ، وهم من لا يُعْرَفُ له أصْلُ نَسَبٍ كالهِنْدِ والجِبِلِّ
(5)
والتُرْكِ، والقبائلُ من العرب، والقبيلة: الجماعة من أب واحد، والقَبِيلُ: من آباءٍ شَتَّى، والسلطان: الشجرة لها أغصان وأصلها واحد، ويقال
(6)
: إن القبائل مأخوذة من قبائل الرَّأْسِ، وهي أرْبَعُ قِطَعٍ مَشْعُوبٍ بَعْضُها إلَى بَعْضٍ.
(1)
رواه ابن عَدِيٍّ عن بَهْزِ بن حكيم في الكامل في الضعفاء 2/ 173، 5/ 134، وينظر: الضعفاء الكبير 1/ 202، الجامع الصغير 1/ 22، كشف الخفاء 1/ 106.
(2)
ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 37، الكشف والبيان 9/ 87، الوسيط 4/ 158، تفسير القرطبي 16/ 343.
(3)
ينظر: الوسيط 4/ 158، تفسير القرطبي 16/ 344، البحر المحيط 8/ 115.
(4)
ممن قال بذلك: الثعلبي والقشيري، ينظر: الكشف والبيان 9/ 87، الوسيط 4/ 158، المحرر الوجيز 5/ 153، تفسير القرطبي 16/ 344، البحر المحيط 8/ 115.
(5)
الجِبِلُّ: الأُمّةُ من الخَلْقِ والجَماعةُ من الناس. اللسان: جبل.
(6)
ذكره النقاش بغير عزو فِي شفاء الصدور ورقة 44/ ب، وينظر: المحرر الوجيز لابن عطية 5/ 153.
والشعوب أعظم من القبائل، ثم بعد القبائل العَمائِرُ، واحدها عَمِيرٌ، وقيل: عَمارةٌ بفتح العين، وهم كَشَيْبانَ من بَكْرٍ، ودارِمٍ من تَمِيمٍ، ودون العمائر البطون واحدتها بَطْنٌ، وهم كبَنِي غالِبٍ ولُؤَيٍّ من قريش، ثم الأفخاذ واحدها فَخِذٌ، وهم كبني هاشم وبني أمية من بني لُؤَيٍّ، ثم الفصائل واحدها فصيلة، ثم العشائر واحدها عَشِيرةٌ، وليس بعد العشيرة حَيٌّ يُوصَفُ
(1)
، والأسْباطُ من بني إسرائيل
(2)
.
وقوله: {لِتَعَارَفُوا} ؛ أي: لِيَعْرِفَ بعضكم بعضًا في قُرْبِ النَّسَبِ وبُعْدِه، لا لِتَتَفاخَرُوا، وقرأ الأعمش:"لِتَتَعارَفُوا" بتاءين، وقرأ ابن عباس:{لِتَعَارَفُوا} بغير ألف
(3)
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} .
(1)
ينظر فِي هذه التسميات: نهاية الأرب فِي معرفة أنساب العرب للقلقشندي ص 20 - 22، فقد فَصَّلَها وبَيَّنَها، وينظر: غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 144، الكشف والبيان 9/ 87، الكشاف 3/ 569، المحرر الوجيز 5/ 153، تفسير القرطبي 16/ 345، تفسير البغوي 4/ 217.
(2)
يبدو أنه يريد ما قاله الزجاج: "والأسباط هم الذين من ذرية الأنبياء، والأسباط اثنا عشر سبطا، وهم ولد يعقوب عليه السلام". معانِي القرآن وإعرابه 1/ 217.
وقال الأزهري: "وقال الزجاج: قال بعضهم: السِّبْطُ: القَرْنُ الذي يَجِيءُ بعد قَرْنٍ، قال: والصحيح أن الأسباط فِي ولد إسحاق، عليه السلام، بمَنْزِلةِ القبائل فِي ولد إسماعيل، فَوَلَدُ كُلِّ وَلَدٍ من أولاد يعقوب سِبْطٌ، وَوَلَدُ كُلِّ وَلَدٍ من أوَلاد إسماعيل قَبِيلةٌ، وإنما سُمُّوا هؤلاء بالأسباط وهؤلاء بالقبائل، لِيُفْصَلَ بين ولد إسماعيل وولد إسحاق، عليهما السلام". تهذيب اللغة 12/ 342، وينظر: اللسان: سبط.
(3)
قرأ ابن مسعود والأعمش: {لِتَتَعَارَفُوا} وذكر ابن خالويه أنها في بعض المصاحف، وقرأ ابن عباس، وعاصمٌ فِي رواية أبانٍ عنه:{لِتَعَارَفُوا} ، وقرأ الأعمش أيضًا:{لِتَتَعَرَّفُوا} ينظر: مختصر ابن خالويه ص 14 المحتسب 2/ 280، شواذ القراءة للكرمانِيُّ ورقة 227، البحر المحيط 8/ 115.