الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن أبِي هريرة عن كعب الأحبار قال: إنّ للَّهِ عز وجل ثَلَاثةَ أثْوابٍ، اتَّزَرَ بالعِزِّ، وتَسَرْبَلَ الرَّحْمةَ، وارْتَدَى الكِبْرِياءَ، فَمَنْ تَعَزَّزَ بغير ما أعَزَّهُ اللَّهُ، فذلك الذي يُقالُ له:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} ، وَمَنْ رَحِمَ النّاسَ بِرَحْمةِ اللَّه، ذلك الذي تَسَرْبَلَ بسِرْبالِهِ
(1)
الذي ينبغي له، ومن تَكَبَّرَ فذلك الذي نازَعَ اللَّهَ رِداءَهُ، إن اللَّه يقول:"لَاَ يَنْبَغِي لِمَن ادَّعَى رِدائِي أنْ أُدْخِلَهُ الجَنّةَ"
(2)
.
قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا} يعني العذاب {مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (5)} ؛ أي: تَشُكُّونَ به في الدنيا، ولا تؤمنون به، وتزعمون أنه غير كائن، فهذا مصير الكافرين ومستقرهم ومأواهم، والمِرْيةُ: الشَّكُّ.
ثم ذكر اللَّه تعالى مُسْتَقَرَّ المؤمنين، فقال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} يعني الذين يتقون الشرك {فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)} أمِنُوا فيه الغِيَرَ من الموت والحوادث، قرأ أهل المدينة والشام بضم الميم فِي المقام على المصدر، وهو موضع الإقامة؛ أي: في إقامة، وقرأ الباقون بالفتح
(3)
؛ أي: في مكان كريم، وهو موضعُ القيامِ؛ لأنك إذا جعلته من: قامَ يَقُومُ فهو مفتوح، وإذا جعلته من: أقامَ يُقِيمُ فهو مضموم؛ لأن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع منه
(1)
في الأصل: "فذلك تسربل بغير ماله"، والتصويب والزيادة من المستدرك للحاكم.
(2)
رواه الطبري في جامع البيان 25/ 174، والنقاش في شفاء الصدور ورقة 6/ ب، والحاكم فِي المستدرك 2/ 451 كتاب التفسير: سورة "حم الدخان"، وينظر: كنز العمال 3/ 534.
(3)
قرأ ابن عُمَرَ وزيد بن عَلِيٍّ وأبو جعفر وشيبة والأعرج والحسن وقتادة ونافع وابن عامر والأعمش: {مُقامٍ} بضم الميم، وقرأ أبو رجاء وعيسى بن عمر وابن وثاب وبقية السبعة بفتح الميم، ينظر: السبعة ص 593، تفسير القرطبي 16/ 152، البحر المحيط 8/ 40، الإتحاف 2/ 464.
مضموم، والمَقامُ: المَجْلِسُ، كقوله تعالى:{وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)}
(1)
، ومعنى القراءتين واحد
(2)
.
قوله: {جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ} وهو ما رَقَّ من الدِّيباجِ {وَإِسْتَبْرَقٍ} وهو ما غَلُظَ منه، وإنما قيل له: إسْتَبْرَقٌ لشدة بريقه
(3)
{مُتَقَابِلِينَ (53)} يقابل بعضهم بعضًا، وهم على الأسِرّةِ، كيفما أدار الوَلِيُّ وَجْهَهُ إلى جليسه دارَ به السَّرِيرُ، حتى لا ينظر بعضهم في قَفا بعض
(4)
، وهو نصب على الحال.
قوله: {كَذَلِكَ} ؛ أي: الأمر كما وصفنا هكذا، يعني: في الجنة، {وَزَوَّجْنَاهُمْ} يعني: قَرَنّاهُمْ {بِحُورٍ عِينٍ (54)} ، وليس في الجنة تزويج كتزويج الدنيا، قال أبو عبيدة
(5)
: جعلناهم أزواجًا بِهِنَّ كما تُزَوِّجُ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ؛ أي: جعلناهم اثنين اثنين، ونَحْوَ هذا قال الأخفشُ
(6)
: جعلناهم أزواجًا بالحور العين، وهُنَّ البِيضُ الوجوهِ، يَحارُ فيهنَّ الطَّرْفُ من بياضهنَّ وصَفاءِ لَوْنِهِنَّ.
(1)
الشعراء 58، والدخان 26.
(2)
وقال الفراء: "والمَقامُ بفتح الميم أجْوَدُ في العربية؛ لأنه المكان، والمُقامُ: الإقامةُ، وكُلٌّ صَوابٌ". معانِي القرآن 3/ 44، وقد أنكر النحاسُ على الفراء قوله عن بعض القراءات: هذه أجود من تلك، وعنده أن القراءتين بمعنى واحد، ينظر: إعراب القرآن 4/ 136، وكذلك قال الفارسي في الحجة للفارسي 3/ 388.
(3)
قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 4/ 428، وينظر: معانِي القرآن للنحاس 6/ 416، شفاء الصدور للنقاش ورقة 7/ أ.
(4)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 7/ أ.
(5)
مجاز القرآن 2/ 209.
(6)
معانِي القرآن ص 475.