الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم نَعَتَهُنَّ، فقال تعالى:{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} واحدتها حَوْراءُ، وهي البيضاء، وقوله:{مَقْصُورَاتٌ} ؛ أي: مَحْبُوساتٌ على أزواجهن {فِي الْخِيَامِ} يعني: في الدُّرّةِ المُجَوَّفةِ، قَصَرْنَ طَرْفَهُنَّ على أزواجهن، فلا ينظرن إلى غير أزواجهن، والخِيامُ جمع خَيْمٍ، وخَيْمٌ جمع خَيْمةٍ
(1)
، وهي أعْوادٌ تُنْصَبُ وتُظَلَّلُ بالنبات، فتكون أبْرَدَ من الأخْبِيةِ، وأما خِيامُ الجنة فقد رَوَى قَتادةُ عن ابن عباس قال: الخَيْمةُ دُرّةٌ مُجَوَّفةٌ، فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ، فيها أربعة آلاف مِصْراعٍ من ذهب
(2)
.
فصل
عن أبِي موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الخَيْمةُ دُرّةٌ مُجَوَّفةٌ، طُولُها فِي السماء ستون مِيلًا، فِي كل زاوية منها أهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ، لا يراهم الآخرون"
(3)
.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَرَرْتُ لَيْلةَ أُسْرِيَ بِي بِنَهَرٍ
(1)
قال ابن دريد: "والخِيَمُ جَمْعُ خَيْمةٍ في أدْنَى العدد، وقالوا: خِيامٌ وخَيْمٌ". جمهرة اللغة 1/ 662، أما الجوهري فالخَيْمُ عنده مفرد كالخَيْمةِ، فقد قال:"الخَيْمةُ: بَيْتٌ تَبْنِيهِ العَرَبُ من عِيدانِ الشَّجَرِ، والجمع خَيْماتٌ وخِيَمٌ مثل بَدْراتٍ وبِدَرٍ، والخَيْمُ مثل الخَيْمةِ، والجمع خِيامٌ مثل فَرْخٍ وفِراخٍ". الصحاح 5/ 1916، وينظر: المحكم والمحيط الأعظم 5/ 165، الوسيط 4/ 229.
(2)
ينظر: مصنف عبد الرزاق 11/ 418، المصنف لابن أبِي شيبة 8/ 83، الوسيط 4/ 229، عين المعانِي ورقة 130/ ب، تفسير القرطبي 17/ 188.
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 400، 411 - 419، والبخاري في صحيحه 4/ 86 كتاب بدء الخلق: باب ما جاء في صفة الجنة، ومسلم في صحيحه 8/ 148 - 149 كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها: باب في صفة خيام الجنة.
حافَّتاهُ المَرْجانُ، فَنُودِيتُ منه: السلام عليك يا رسول اللَّه، فقلتُ: يا جبريلُ! مَنْ هؤلاء؟ قال: هؤلاء جَوارٍ من الحُورِ العِينِ، اسْتَأْذَنَّ رَبَّهُنَّ عز وجل أن يُسَلِّمْنَ عليكَ فَأذِنَ لَهُنَّ، فَقُلْنَ: نحن الخالدات فلا نَمُوتُ، ونحن الناعمات فلا نَبْأسُ، أزْواجُ رِجالٍ كِرامٍ"، ثم قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}، قال: "مَحْبُوساتٌ"
(1)
.
{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} ؛ أي: لَمْ يَطَأْهُنَّ ولَمْ يَقْرَبْهُنَّ ولَمْ يَمَسَّهُنَّ {إِنْسٌ قَبْلَهُمْ} يعني: قبل أهل الجنة {وَلَا جَانٌّ} وقد تقدم نظيرها، قرأه العامّةُ بكسر الميم، وهي الاختيار، وقرأ أبو حَيْوةَ الشاميُّ وطلحة بن مُصَرِّفٍ بالضم في الموضعين، وكان الكسائي يَضُمُّ الأوَّلَ ويَكْسِرُ الآخَرَ
(2)
، وهما لغتان.
قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)} الرَّفْرَفُ هاهنا قيل: هي رِياضُ الجنة، واحدتها رَفْرَفةٌ، والرَّفارِفُ جَمْعُ الجَمْعِ
(3)
، وقيل: هي المَحابِسُ والبُسُطُ، وقيل: هي الوَسائِدُ، وقيل: الزَّرابِيُّ، وقيل: المَرافِقُ، وقيل: كُلُّ ثَوْبٍ عَرِيضٍ عند العرب فهو رَفْرَفٌ
(4)
، قال ابن مقبل:
(1)
رواه الثعلبي في الكشف والبيان 9/ 196، وينظر: مجمع البيان 9/ 353، عين المعانِي ورقة 130/ ب، تفسير القرطبي 17/ 189.
(2)
ينظر ما سبق في الآية 56 من هذه السورة ص 274.
(3)
حكاه أبو عبيد عن خلف الأحمر في غريب الحديث 3/ 400، ولكن النحاس جعل الرَّفْرَفَ اسمَ جَمْعٍ كالرَّهْطِ والقَوْمِ، ينظر: إعراب القرآن 4/ 318، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 15/ 171، مشكل إعراب القرآن 2/ 347، اللسان: رفف، التاج: رفف.
(4)
ينظر في هذه الأقوال: غريب القرآن لابن قتيبة ص 443 - 444، جامع البيان 27/ معانِي القرآن وإعرابه 5/ 105، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 152، زاد المسير 8/ 127، الكشف والبيان 9/ 197، تفسير القرطبي 17/ 190.
319 -
وَإنّا لنزّالُونَ، تَغْشَى نِعالَنا
…
سَواقِطُ مِنْ أصْنافِ ريطٍ وَرَفْرَفُ
(1)
ورُوِيَ عن عاصم الجَحْدَرِيِّ أنه قرأ: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}
(2)
، قال صاحب "إنسان العين"
(3)
: وقراءة "عَباقِرِيَّ" لا تُحْمَدُ؛ إذْ لا يكون بعد ألف الجمع ثلاثة أحرف وأربعة إلّا وفي الثانِي حرفُ لِينٍ نحو قَنادِيلَ، ووَجْهُهُ النِّسْبةُ نحو مَدائِنِيٍّ، و"خضر" جمع أخضر.
والعَبْقَرِيُّ: الطَّنافِسُ والزَّرابِيُّ
(4)
، وهي جمع واحدتها عَبْقَرِيّةٌ، وقيل: هي الدِّيباجُ، وقال القُتَيْبِي
(5)
: كُلُّ ثَوْبٍ مُوَشًّى عند العرب عَبْقَرِيٌّ.
قال أبو عبيد
(6)
: هو منسوب إلى أرضٍ يُعْمَلُ بها الوَشْيُ. وقال أبو
(1)
البيت من الطويل، لابن مقبل، ورواية ديوانه:"سَوابِغُ مِنْ أصْنافِ".
اللغة: تَغْشَى نِعالَنا: تُغَطِّيها، السَّواقِطُ والسَّوابغُ: الثياب الضافية الطويلة، الزَّيْطُ: جمع ريطةٍ وهي كل ثوب لين دقيق، الرَّفْرَفُ: الرقيق من الديباج.
التخريج: ديوانه ص 152، عين المعانِي ورقة 130/ ب، تفسير القرطبي 17/ 190، التاج: رفرف.
(2)
قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وعثمانُ بنُ عفان ونصرُ بنُ عَلِيٍّ وعاصمٌ الجَحْدَرِيُّ وأبو الجَلْدِ ومالكُ بنُ دينار وأبو طُعْمةَ وابنُ محيصن وزهيرٌ الفُرْقُبِيُّ وابنُ مِقْسَيم: "عَلَى رَفارِفَ خُضْرٍ وَعَباقِرِيَّ"، ورُوِيَ عنهم ضَمُّ الضاد من "خُضُرٍ"، وعنهم فتح القاف من "عَباقَرِيٍّ" وصرفه. ينظر: مختصر ابن خالويه ص 151، المحتسب 2/ 305، 306، شواذ القراءة للكرمانِي ورقة 236، الكامل لابن جبارة ورقة 478، تفسير القرطبي 17/ 191، 192، البحر المحيط 8/ 197، 198.
(3)
عين المعانِي ورقة 130/ ب.
(4)
الطَّنافِسُ: جمع طِنْفِسةٍ وهي البساطُ فوق الرَّحْلِ، والزَّرابِيُّ: جمع زَرْبِيّةٍ وهي البِساطُ.
(5)
الذي قاله ابن قتيبة: "والعَبْقَرِيُّ: الطنافِسُ الثِّخانُ". تفسير غريب القرآن ص 444.
(6)
غريب الحديث لأبِي عبيد 1/ 88 - 89.
عبيد
(1)
: كُلُّ شَيْءٍ من البُسُطِ عَبْقَرِيٌّ، ويقال: إن عَبْقَرَ أرْضٌ يسكنها الجِنُّ.
وقال قُطْرُبٌ
(2)
: ليس هو منسوبًا، ولكنه بمنزلة قولك: كُرسِيٌّ وكَراسِيَّ وبُخْتِيٍّ وبَخاتِيَّ. وقال الخليل
(3)
: كُلُّ شَيْءٍ جَلِيل نَفِيسٍ فاضِلٍ فاخِرٍ من الرجال وغيرهم عند العرب عَبْقَرِيٌّ، ومنه الحديث في عمر رضي الله عنه:"فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرْيَهُ"
(4)
، ونصب "مُتَّكِئِينَ" على الحال.
ثم خَتَمَ السورة بما ينبغي أن يُمَجَّدَ به ويُعَظَّمَ، فقال تعالى:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} ؛ أي: الجليل الكريم، وفي الحديث:"ألِظُّوا بِياذا الجَلَالِ والإكْرامِ"
(5)
.
قرأ ابن عامر: {ذُو الْجَلَالِ}
(6)
بالواو إجراءً على الاسم، وذلك يَدُلُّ
(1)
غريب الحديث لأبِي عبيد 1/ 88، 3/ 400، 402.
(2)
ينظر قوله في المحتسب 2/ 305، الكشف والبيان 9/ 198، تفسير القرطبي 17/ 193.
(3)
لَمْ يذكر الخليل ذلك في كلامه على مادة "عبقر" في العين 2/ 298، وأما القول الوارد هنا فقد حكاه الثعلبي عنه في الكشف والبيان 9/ 198، وينظر أيضًا: تفسير القرطبي 17/ 192، اللباب في علوم الكتاب 18/ 364.
(4)
هذا جزء من حديث رواه البخاري عن عبد اللَّه بن عُمَرَ في صحيحه 4/ 198 كتاب المناقب: باب مناقب المهاجرين، ورواه الإمام أحمد في المسند 2/ 450، والترمذي في سننه 3/ 369 أبواب الرؤيا: باب ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الميزان والدلو.
(5)
رواه الإمام أحمد بسنده عن ربيعة بن عامر في المسند 4/ 177، ورواه الترمذي عن أنس في سننه 5/ 201 أبواب الدعوات، ورواه الحاكم في المستدرك 1/ 499 كتاب الدعاء: باب "ألِظُّوا بِيا ذا الجَلَالِ والإكْرامِ".
(6)
هذه قراءة ابن مسعود وأُبَيِّ بنِ كعب وابنِ عامر وأهلِ الشام. ينظر: السبعة ص 621، تفسير القرطبي 17/ 193، البحر المحيط 8/ 198.
على أن الاسم هو المُسَمَّى
(1)
، وكذلك هو في قراءة أهل الشام وفي مصاحفهم، وقرأ الباقون:"ذِي الْجَلَالِ والإِكْرامِ" بالياء على نعت الرب، ولا خلاف في قوله:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} أنه بالواو، نَعْتٌ لِلْوَجِهِ، وقد تقدم، واللَّه أعلم.
* * *
(1)
للعلماء في هذه المسألة ثلاثة مذاهب، فذهبت الأشْعَرِيّةُ إلى أنّ الاسم عَيْنُ المُسَمَّى، وذهبت المُعْتَزِلةُ إلى أنه غَيْرُ المُسَمَّى، ومَنَعَ الشَّافِعِيُّ وابنُ حَنْبَلٍ وأكْثَرُ الفُقَهاءِ والمُحَدِّثِينَ طَرِيقَ الكلامِ في الاسم والمُسَمَّى، حَتَّى قال الشافعي: إذا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: الاسْمُ هو المُسَمَّى أو غَيْرُ المُسَمَّى، فاشْهَدْ بِأنّهُ مِنْ أهْلِ الكَلَامِ، وَلا دِينَ لَهُ، والراجح من هذه الأقوال عند جمهور العلماء هو أن الاسم يغاير المسمى لأمور، منها: أن أسماء الذوات لو كانت هي الذوات، لكانت أسماءُ الأفعالِ هي الأفعالَ؛ وهذا ممتنع في الأفعال، فامتنع في الذوات. ومنها: أن الاسم يوصف بكونه عربيًّا وعجميًّا ومُعربًا، وثلاثيًّا ورباعيًّا، إلى غير ذلك، مع خُلُوِّ المدلول عليه عن هذه الصفات. ومنها: أن الاسم قد يكون موجودًا، والمُسمَّى معدومًا، والعكس.
ينظر في هذه المسألة: مجاز القرآن 1/ 16، تأويل مشكل القرآن ص 255، تفسير الطبري 1/ 78، المخصص 17/ 134، الوسيط للواحدي 4/ 469، النكت للأعلم الشنتمري ص 95، 96، المنصد الأسنى ص 13، مقالة الاسم والمسمى ضمن (رسائل في اللغة) لابن السيد ص 91، زاد المسير 8/ 129، الفريد للمنتجب الهمداني 1/ 154، 4/ 414، نتائج الفكر ص 39، المحرر الوجيز 1/ 62، تفسير القرطبي 1/ 101، البحر المحيط 8/ 198، ابن كثير 1/ 20.