الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأحقاف
مكِّية
وهي ألف وستمائة حرف، وستمائة وأربع وأربعون كلمة، وخمس وثلاثون آية.
باب ما جاء فِي فضل قراءتها
عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الأحقاف أُعْطِيَ من الأجر بعدد كل رمل في الدنيا عشر حسنات، ومُحِيَ عنه عشرُ سيئات، ورُفِعَ له عشرُ درجات"
(1)
.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قرأ سورة الأحقاف حَفَّتْهُ ملائكةُ الرحمة، وطُرِدَتْ عنه ملائكةُ العذاب"
(2)
.
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} قد تقدم
(1)
ينظر: الكشف والبيان 9/ 5، الوسيط 4/ 102، الكشاف 3/ 528، مجمع البيان 9/ 136.
(2)
لَمْ أعثر له على تخريج.
نَظْمُ هذه الآية وإعرابُها في سورة الجاثية
(1)
، فأغنى عن الإعادة هاهنا؛ إذِ المعنى واحدٌ.
وما بعدها ظاهر التفسير الى قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} يعني: في الأرض {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ} "أمْ" هاهنا صلة
(2)
، يقول: ألَهُمْ شِرْكٌ مع اللَّه في مُلْكِ السماوات والأرض {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} يعني القرآن، فيه بُرْهانُ ما تَدَّعُونَ من عبادة الأصنام {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أي: بقية من علم الأولين {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)} أن للَّهِ شريكًا.
قرأ العامة: "أوْ أثارةٍ" بألف، وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ والحَسَنُ:"أوْ أثَرةٍ" بفتح الهمزة والثاء من غير ألف، وقرأ عكرمة:"أوْ مِيراثٍ مِنْ عِلْمٍ"
(3)
، ومعنى قوله:"أوْ أثارةٍ"؛ أي: بَقِيّةٍ، يقا لى: ناقةٌ ذاتُ أثارةٍ؛ أي: بَقِيّةٍ من شَحْمٍ
(4)
، وهي مصدر، قال الشاعر:
240 -
وَذاتِ أثارةٍ أكَلَتْ عَلَيْها
…
نَباتًا فِي أكِمَّتِها قِصارا
(5)
(1)
انظر ما سبق ص 753.
(2)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 13/ ب، وكثيرًا ما يُعَبِّرُ المؤلفُ بقوله: الميم في "أمْ" صلة، وهو يقصد أن "أمْ" بِمَعْنَى هَمْزةِ الاستفهام، ولكن الصحيح أن "أمْ" هنا منقطعة بِمَعْنَى "بَلْ" والهمزةِ، والمعنَى: بَلْ ألَهُمْ شِرْكٌ؟
(3)
قرأ عَلِيُّ بن أبِي طالب والسُّلَمِيُّ والحَسَنُ وقتادة: "أثَرةٍ" بفتح الثاء، ورُوِيَ عنه أيضًا:"أثْرةٍ" بإسكان الثاء، ورُويَت عن ابن عباس وزيد بن عَلِيٍّ وعِكْرِمةَ والأعمش والعطاردي وعمرو ابن ميمون، وقرأَ عكرمة:"أوْ مِيراثٍ مِنْ عِلْمٍ"، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 140، المحتسب 2/ 264، تفسير القرطبي 16/ 182، البحر المحيط 8/ 56.
(4)
قاله أبو عبيدة والنحاس، ينظر: مجاز القرآن 2/ 212، معانِي القرآن للنحاس 6/ 348، وينظر أيضًا: الوسيط 4/ 103، لسان العرب: أثر.
(5)
البيت من الوافر للراعي النميري، ورواية ديوانه:"فِي أكِمَّتِهِ قِفارًا"، ونُسِبَ للشماخ، وهو =
أي: بَقِيّةٍ من لَحْمٍ أُثِيرَتْ.
وأصل الكلمة من الأثَرِ وهي الرواية، يقال: أثَرْتُ الحَدِيثَ آثِرُهُ أثْرًا وَأثارةً، كالشجاعة والسماحة والجَلَادةِ والصَّلَابةِ، فأنا آثِرٌ، ومنه قيل للخبر: أثَرٌ
(1)
، قال الأعشى:
241 -
إنّ الذِي فِيهِ تَماريتُما
…
بُيِّنَ للِسّامِعِ والآثِرِ
(2)
قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} يعني: على كفار مكة {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} يعني بيان الحلال والحرام {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ} ؛ يعني القرآن {لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)} و"بَيِّناتٍ" في موضع نصب على الحال، وقد تقدم نظيرها في سورة الجاثية
(3)
.
= في ديوانه برواية: "فَفارا" على أنه فعل ماضٍ، ويُرْوَى عَجُزُهُ أيضًا:"حَدِيقًا فِي مَذانِبِهِ تُؤامًا". اللغة: يقال: سَمِنَتِ الإبلُ على أثارءة، أي: على عَتِيقِ شَحْمٍ كان قبل ذلك، أكِمَّتِهِ: جمع كِمٍّ وكِمّةُ، وهو وعاء الطَّلْعِ وغطاء النَّوْرِ.
التخريج: ديوان الراعي ص 142، ملحق ديوان الشماخ ص 445، مجاز القرآن 2/ 212، الجيم لأبِي عمرو الشيبانِيِّ 1/ 67، جامع البيان 26/ 6، مقاييس اللغة 1/ 56، الكشف والبيان 9/ 6، شرح أدب الكاتب للجواليقي ص 261، منتهى الطلب 6/ 19، عين المعانِي ورقة 121/ ب، تفسير القرطبي 16/ 182، اللسان: أثر، البحر المحيط 8/ 56، التاج: أثر.
(1)
هذا القول قاله أبو عبيد في غريب الحديث 2/ 59، وحكاه الأزهري عنه في تهذيب اللغة 15/ 120، وحكاه الثعلبي عن محمد بن كعب القرظبي في الكشف والبيان 9/ 6.
(2)
البيت من السريع للأعشى، ورواية ديوانه:"لِلسّامِعِ والنّاظِرِ"، ومعنى "تَماريتُما": اختلفتما وتَجادَلْتُما.
التخريج: ديوانه ص 191، غريب الحديث للهروي 2/ 59، مجمل اللغة ص 87، الكشف والبيان 9/ 6، المخصص 12/ 329، فصل المقال ص 7، تفسير القرطبي 16/ 182، 19/ 76، اللسان: أثر، مهر، البحر المحيط 8/ 56، التاج: أثر، مهر.
(3)
الآية 25، 3/ 35.
قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} يعني القرآن {قُلْ} يا محمد {إِنِ افْتَرَيْتُهُ} من تِلْقاءِ نفسي {فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} لا تَقْدِرُونَ أنْ تَرُدُّوني من عذابه، {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} يعني: في القرآن، يقال: أفاضَ القَوْمُ في الحديث، وحديثٌ مُسْتَفِيضٌ ومُسْتَفاضٌ: إذا شاعَ وكَثُرَ حتى يقول فيه الناس
(1)
.
وقوله: {كَفَى بِهِ شَهِيدًا} يريد اللَّه، فلا شاهد أفضل من اللَّه {بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} بأن القرآن جاء من اللَّه {وَهُوَ الْغَفُورُ} في تأخير العذاب عنهم {الرَّحِيمُ (8)} حين لا يُعَجِّلُ عليهم العقوبةَ، ونصب "شهِيدًا" على الحال، وقيل: على التمييز
(2)
، وقد تقدم نظيره في مَواضِعَ من القرآن.
قوله: {قُلْ} لهم يا محمد {مَا كُنْتُ بِدْعًا} ؛ أي: بَدِيعًا {مِنَ الرُّسُلِ} يعني: ما أنا أول رسول، قد بُعِثَ قبلي كَثِيرٌ من الرسل، قال عَدِيُّ بنُ زيدٍ
(3)
:
242 -
فَلَا أنا بِدْعٌ مِنْ حَوادِثَ تَعْتَرِي
…
رِجالًا غَدَتْ مِنْ بَعْدِ بُؤْسَى وَأسْعُدِ
(4)
(1)
قاله أبو بكر النقاش في شفاء الصدور ورقة 14/ أ، 14/ ب.
(2)
الوجهان قالهما النحاس ومكي، ينظر: إعراب القرآن للنحاس 4/ 159، مشكل إعراب القرآن 2/ 299.
(3)
عَدِيُّ بنُ زيدِ بنِ حَمّادِ بنِ زيدٍ العِبادِيُّ التَّمِيمِيُّ، شاعر من دُهاةِ الجاهليين، من أهل الحِيرةِ، كتب بالعربية في ديوان كِسْرَى، واتخذه ترجمانًا بينه وبين العرب، سكن المدائن، وتزوج هند بنت النعمان بن المنذر، ثم وَشَى به أعداؤه إلى النعمان، فقتله سنة (35 ق. هـ). [الشعر والشعراء ص 231 - 239، الأعلام 4/ 220].
(4)
البيت من الطويل لعَدِيِّ بن زيد، ورواية ديوانه:
فَما أنا بِدْعٌ مِنْ أُناسٍ حَوادِثٍ
…
رِجالٌ أتَتْ مِنْ بَعْدِ بُؤْسَى بِأسْعُدِ
التخريج: ديوانه ص 154، جامع البيان 26/ 8، الكشف والبيان 9/ 7، المحرر الوجيز 5/ 93، الحماسة البصرية 2/ 891، عين المعانِي ورقة 122/ أ، البحر المحيط 8/ 57، الدر المصون 6/ 136، اللباب في علوم الكتاب 17/ 382.
ومن قرأ: "بِدَعًا"
(1)
؛ أي: لأُبْدِعَ، والبدْعُ والبَدِيعُ من كل شيء: المُبْتَدَأُ، يقال: ابتدع فلان كذا: إذا أتى بما لَمْ يكن قَبله
(2)
، والبدْعُ: ما اخْتُرِعَ بما لَمْ تَجْرِ به السُّنّةُ، وجمع البِدْعِ أبْداعٌ
(3)
.
{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (9)} يعني: في الدنيا، يريد: هل أموت أم أُقْتَلُ؟ وهل تُرْمَوْنَ بالحجارة من السماء أم تُخْسَفُ بكم الأرضُ كما فُعِلَ بالأمم المُكَذِّبةِ مِنْ قَبْلِكُمْ؟ وأما فِي الآخرة فقد عَلِمَ أنه فِي الجنة، وأنّ مَنْ كَذَّبَهُ في النار بدليل قوله تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}
(4)
.
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} يعني القرآن {وَكَفَرْتُمْ بِهِ} شاهذا على صِدْقِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في نبوته، وقوله:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} المِثْلُ صلة، معناه: عليه
(5)
؛ أي: على أنه من عند اللَّه {فَآمَنَ} يعني الشاهد {وَاسْتَكْبَرْتُمْ} أنتم عن الإيمان {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)} لِدِينِهِ وحُجَّتِهِ.
(1)
هذه قراءة مجاهد وأبِي حَيْوةَ، ورُوِيَ عنهما وعن عكرمة وابن أبِي عبلة:"بِدَعًا" بكسر الباء وفتح الدال جمع بِدْعةٍ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 140، المحتسب 2/ 264 - 265، تفسير القرطبي 16/ 185، البحر المحيط 8/ 57.
(2)
من أول قوله: "والبدع والبديع" رواه النحاس عن المبرد في إعراب القرآن 4/ 160.
(3)
قاله الأخفش، ينظر قوله في الصحاح للجوهري 3/ 1184، وينظر أيضًا: تفسير القرطبي 16/ 185، اللسان: بدع، البحر المحيط 8/ 57، التاج: بدع.
(4)
الفتح 2، وهذا قول الحسن، ينظر: الوسيط للواحدي 4/ 104، عين المعاني ورقة 122/ أ.
(5)
المِثْلُ صِلةٌ إذا كان المراد بالشاهد عبدَ اللَّه بنَ سَلامٍ، وهذا ما قاله ابن فارس والواحدي وغيرهما. ينظر: الصاحبي ص 339، الوسيط 4/ 104، تفسير القرطبي 16/ 189، اللباب في علوم الكتاب 17/ 386.
قال أهل المعانِي
(1)
: وجواب قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} محذوف، على تقدير: ألَيْسَ قَدْ ظَلَمْتُمْ؟ ويدل على هذا المَحْذُوفِ قولُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
وقال الحَسَنُ
(2)
: جواب "إنْ": فمن أضل منكم؟ كما قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ} . . . الآية
(3)
. وقال أبو علي الفارسيُّ
(4)
: تقديره: أتَأْمَنُون عقوبةَ اللَّه تعالى، وقيل
(5)
: معناه: مَنِ المُحِقُّ ومَنِ المُبْطِلُ مِنّا ومِنْكُمْ؟
قوله تعالى: {وَمِنْ قَبْلِهِ} ؛ أي: ومن قبل القرآن {كِتَابُ مُوسَى} يعني التوراة {إِمَامًا} يُؤْتَمُّ به {وَرَحْمَةً} لِمَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالحًا، وفي نصبهما ثلاثة أوجه، أحدها: على الحال، وهو قول الزجاج والكسائي
(6)
، والثانِي:
(1)
قاله النحاس والواحدي، ينظر: معاني القرآن للنحاس 6/ 442، الوسيط 4/ 104 - 105، وهو قول الزمخشري أيضًا فِي الكشاف 3/ 518، وقال أبو حيان:"وقال الزمخشري: جواب الشرط محذوف تقديره: إن كان هذا القرآن من عند اللَّه وكفرتم به ألستم ظالمين؟ وجملة الاستفهام لا تكون جوابًا للشرط إلا بالفاء، فإن كانت الأداةُ الهمزةَ تقدمت الفاءَ نحو: إنْ تَزُرْنا أفَما نُحْسِنُ إلَيْكَ؟ أو غَيْرَها تقدمت الفاءُ نحو: إنْ تَزُرْنا فَهَلْ تَرَى إلّا خَيْرًا؟ فقول الزمخشري: ألستم ظالمين؟ بغير فاء لا يجوز أن يكون جواب الشرط". البحر المحيط 8/ 58، وقال السمين:"والزمخشري ذكر أمرًا تقديريًّا فَسَّرَ به المعنى لا الإعرابَ". الدر المصون 6/ 136.
(2)
ينظر قوله في الوسيط 4/ 105، زاد المسير 7/ 374، البحر المحيط 8/ 58.
(3)
فصلت 52.
(4)
قال الفارسي: "وكَأنّ التقدير: أتَأْمَنُونَ عُقُوبةَ اللَّه، أو لا تْخَشَوْنَ انتقامَهُ؟ ". المسائل الحلبيات ص 77.
(5)
هذا القول حكاه الثعلبي عن أهل المعانِي في الكشف والبيان 9/ 10، وينظر: زاد المسير 7/ 374، عين المعانِي ورقة 122/ أ، البحر المحيط 8/ 58، الدر المصون 6/ 137.
(6)
معانِي القرآن وإعرابه 4/ 440، وأما قول الكسائي فلم أقف عليه، ومعنى قولهما أن "إمامًا" حال من الضمير المَجْرُورِ في قوله:"قَبْلِهِ".
على القطع، وهو قول الأخفش
(1)
؛ لأن قوله: "كِتابُ مُوسَى" معرفة بالإضافة، والثالث -وهو قول أبِي عبيدة-
(2)
: أن فيه إضمارًا، مجازه: أنزلناه وجعلناه إمامًا ورحمة.
قوله: {وَهَذَا كِتَابٌ} خبره، و {مُصَدِّقٌ} نعته، وقوله:{لِسَانًا عَرَبِيًّا} منصوب على الحال، المعنى: مصدق لِما بين يديه، وذِكْرُ اللسانِ تَوْكِيدٌ، كما تقول: جاءنِي زيدٌ رَجُلًا صالِحًا، فتذكر رَجُلًا توكيدًا
(3)
.
وقيل
(4)
: أعْنِي لِسانًا، وقيل
(5)
: بلسان {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} يعني كفار مكة، ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية {وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)} بالجنة، يعني المُوَحِّدِينَ.
قرأ أهل المدينة والشام والبَزِّيُّ ويعقوبُ وأيوبُ: "لِتُنْذِرَ" بالتاء، وهو
(1)
المراد بالقطع هنا النصب على الحال كالقول السابق للكسائي والزجاج، ولكن الأخفش يجعله حالًا من "كِتابُ مُوسَى"، فقد قال:"وقال: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}، نصب لأنه خَبَرُ مَعْرِفةٍ". معانِي القرآن ص 478، وخبر المعرفة يعني به الحال.
(2)
لَمْ أقف على هذا القول في مجاز القرآن، وإنما ذكره الثعلبي في الكشف والبيان 9/ 10.
(3)
هذا قول الزجاج والأخفش الأصغر والنحاس والنقاش، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 4/ 441، معانِي القرآن للنحاس 6/ 446، إعراب القرآن 4/ 162، شفاء الصدور ورقة 16/ أ، ويعني بقوله:"وذِكْرُ اللسانِ توكيدٌ" أن اللسان حال مُوَطِّئةٌ، وصاحب الحال هو الضمير في "مُصَدِّقٌ"، وأجاز مَكِّي أن يكون حالًا من "كِتابٌ"، وإن كان نكرة لأنه نُعِتَ، فَقَرُبَ من المعرفة. ينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 299، وبه قال الزمخشري في الكشاف 3/ 520، وينظر أيضًا: البيان للأنباري 2/ 369.
(4)
قاله الأخفش فِي معانِي القرآن ص 478.
(5)
يعني أنه منصوب بِنَزْعِ الخافض، وقد ذكره الثعلبي بغير عزو في الكشف والبيان 9/ 10، وينظر: تفسير القرطبي 16/ 191، البحر المحيط 8/ 60، الدر المصون 6/ 137.
الاختيار على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ الباقون بالياء خَبَرًا عنه
(1)
، وقيل: عن الكتاب، {وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} فيه وجهان من الإعراب: الرفع على العطف على الكتاب]
(2)
، تقديره: وهذا كتابٌ مصدقٌ وبشرى، والثانِي: النصب على معنى: لِتُنْذِرَ الذين ظلموا وتُبَشِّرَ، كما يقال: أتَيْتُكَ لأزُورَكَ وكَرامةً لك وقَضاءً لِحَقِّكَ، بِمَعْنَى: لأزورَكَ وأكرِمَكَ وأقْضِيَ حَقَّكَ، فنصب الكرامة بفعل مضمر
(3)
.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)} وقوله: {إِنَّ} الثقيلة لا يقتضي جوابها بالفاء، فجاءت هاهنا للشرط الذي في قوله:{ثُمَّ اسْتَقَامُوا}
(4)
، ثم أخبر عن ثوابهم، ثم قال:{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} نصب على الحال {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)} من الصالحات، ونصب "جَزاءً" على المفعول له
(5)
، وقيل
(6)
: على المصدر.
(1)
ينظر: السبعة ص 596، البحر المحيط 8/ 60، الإتحاف 2/ 469 - 470.
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وقد أثْبَتُّهُ من الكشف والبيان 9/ 10 - 11؛ لأن المؤلف نقل هذه الفقرة بنصها منه.
(3)
هذان الوجهان: الرفع والنصب قالهما الفراء في معانِي القرآن 3/ 51 - 52، وقالهما الزجاج والنحاس أيضًا، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 4/ 441، إعراب القرآن 4/ 162 - 163.
(4)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 16/ أ، وإنما دخلت الفاء في خبر "إنّ" لمعنى الشرط الذي في "الذينَ"، وليس للشرط الذي في قوله:{ثُمَّ اسْتَقَامُوا} كما زعم المؤلف، وذلك ما سيذكره هو في الآية 34 من سورة محمد:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} وينظر: التبيان للعكبري ص 1155، الفريد للمنتجب الهمدانِيِّ 4/ 293، الدر المصون 6/ 138.
(5)
قاله الباقولِيُّ في كشف المشكلات 2/ 311، والأنباري في البيان 2/ 369.
(6)
قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 163، والعامل في هذا المصدر فِعْلٌ مضمر؛ أي: يُجْزَوْنَ جَزاءً، أو بِما تقدم؛ لأن معنى:{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} : جازيناهُمْ جَزاء، ينظر: البيان للأنباري 2/ 369، التبيان للعكبري ص 1155، الفريد للهمداني 4/ 294، الدر المصون 6/ 138.
قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} هذه قراءة العامة، وقرأ أهل الكوفة:{إِحْسَانًا} ، وهي قراءة ابن عباس
(1)
، والمعنى: أمَرْناهُ بالإحسان إليهما إحْسانًا
(2)
، وعلى قراءة العامة هو نصب على أنه قام مَقامَ مضاف محذوف، تقديره: ووصينا الإنسان بوالديه أمْرًا ذا حُسْنٍ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مُقامَهُ، وقرأ عيسى بن عمر:"حَسَنًا"
(3)
بفتحتين تقديره: فِعْلًا حَسَنًا
(4)
.
ثم ذكر ما قاسَتْهُ الأُمُّ فِي حَمْلِ الوَلَدِ وَوَضْعِهِ، فقال:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا} أي: بِكَرْهٍ ومَشَقّةٍ {وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا (15)} يريد: بِشِدّةِ الطَّلْقِ، وهما منصوبان بِنَزْعِ الخافض، قرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن ذَكْوانَ:{كُرْهًا} بضم الكاف، ورُوِيَ ذلك عن الحَسَنِ، وقرأ نافع وشيبة وأبو جعفر وأبو عمرو وأبو عبد الرحمن السُّلَمِي:{كَرْهًا}
(5)
بفتح الكاف، وهو أوْلَى لأنه المصدر بِعَيْنِهِ، والكُرْهُ اسم للمصدر لا مصدر
(6)
.
(1)
ينظر: السبعة ص 596، حجة القراءات ص 663، تفسير القرطبي 16/ 192، البحر المحيط 8/ 60، الإتحاف 2/ 470.
(2)
قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 4/ 442.
(3)
وهي قراءة عَلِيِّ بنِ أبِي طالب والسُّلَمِيِّ أيضًا، ورُوِيَ عن عيسى أيضًا:"حُسُنًا" بضمتين، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 140، المحتسب 2/ 264، 265، البحر المحيط 8/ 60.
(4)
من أول قوله: "على أنه قام مقام مضاف محذوف". قاله مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن 2/ 300.
(5)
قرأ بضم الكاف أيضًا: خَلَفٌ وابنُ عامر ويعقوبُ، وهشامٌ بخلاف عنه، وقرأ بفتح الكاف، أيضًا، ابنُ كثير وهشامٌ والأعرجُ والعُطارِدِيُّ ومجاهدٌ وعيسى. ينظر: السبعة ص 596، البحر المحيط 8/ 60، النشر 2/ 248، الإتحاف 2/ 470.
(6)
قال الأخفش: "وقال بعضهم: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا}، وقال بعضهم: "كُرْهًا"، وهما لغتان، مثل الغُسْلِ والغَسْلِ، والضَّعْفِ والضُّعْفِ، إلا أنه قد قال بعضهم: إنه إذا كان في موضع =
قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} ؛ يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا، فنُثِيبُهُمْ عليها في الآخرة {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} ، فلا نعاقبهم بها {فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} {فِي} بمعنى "مَعَ"، أي: مع أصحاب الجنة
(1)
{وَعْدَ الصِّدْقِ} نصب على المصدر
(2)
{الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)} وهو قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ}
(3)
.
قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} ؛ يعني: من القَبْرِ {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} ؛ يعني الأمم الخالية، فلم أرَ أحَدًا بُعِثَ، قرأ هشام:"أتَعِدانِّي" بنون واحدة مشددة، الباقون بنونين، وفتح الياء منه نافع وابن كثير، وأسكنها الباقون
(4)
.
= المصدر كان "كَرْهَا"، كما تقول: لا يقوم إلّا كَرْهًا، وتقول: لا يقوم إلّا على كُرْهٍ، وهما سَواءٌ". معانِي القرآن ص 171. وقال النحاس:"وقال الكسائيُّ: الكَرْهُ والكُرْهُ بمعنى واحد، وكذلك هو عند البصريين جميعًا، لا أعلم بينهم اختلافًا؛ لأن الكَرْهَ المصدر، والكُرْهَ اسم بمعناه". معانِي القرآن للنحاس 6/ 448، ولكن الفَرّاءَ فَرَّقَ بينهما، قال الأزهري:"وقد أجْمَعَ كثيرٌ من أهل اللغة أن الكَرْهُ والكُرْهُ لغتان، فبأيِّ لغةٍ قُرِئَ فجائز، إلّا الفَرّاءَ، فإنه زعم أن الكُرْه ما أكْرَهْتَ نَفْسَكَ عليه، والكَرْهُ ما أكْرَهَكَ غَيْرُكَ عليه، جئتك كُرْهًا وأدْخَلْتَنِي كَرْهًا. . . وقال الليث في الكُرْه والكَرْه: إذا ضَمُّوا أو خَفَضُوا قالوا كُرْهٌ، وإذا فتحوا قالوا: "كَرْهًا"، تقول: فعلته على كُرْهٍ وهو كُرْهٌ وتقول: فعلته كَرْهًا". تهذيب اللغة 6/ 12 - 13.
(1)
قاله الثعلبي في الكشف والبيان 9/ 12، وينظر: تفسير القرطبي 16/ 196، البحر المحيط 8/ 61، الدر المصون 6/ 139.
(2)
وهو مصدر مؤكد لِمضمونِ الجملة قبله، قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 4/ 443.
(3)
التوبة 72.
(4)
قرأ هشام والحسن وابن محيصن وعاصم، وأبو عمرو في روايةٍ عنه:"أتَعِدانِّي" بنون واحدة مشددة، وقرأ الباقون بنونين، وفتح ياءَهُ نافعٌ وابنُ كثير وأبو جعفر، وأسكنها الباقون. ينظر: السبعة ص 597، البحر المحيط 8/ 62، النشر 1/ 303، الإتحاف 2/ 471.
وقوله: {وَهُمَا} يعني والديه {يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} ؛ أي: يَدْعُوانِ اللَّهَ له بالهدى، والجارُّ محذوف والتقدير: يستغيثان باللَّه، ويقولان:{وَيْلَكَ آمِنْ} ؛ أي: صَدِّقْ بِالبَعْثِ {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بالبعث {حَقٌّ فَيَقُولُ} لهما: {مَا هَذَا} الذي تقولان {إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)} قيل
(1)
: نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبِي بكر
(2)
قبل إسلامه، والصحيح أنها نزلت في رجل كافرٍ عاقٍّ لوالديه.
قال الزجاج
(3)
: وقول من قال: إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبِي بكر قبل إسلامه يُبْطِلُهُ قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)} ، أعْلَمَ أن هؤلاء قد حَقَّتْ عليهم كلمةُ العذاب، وعبدُ الرَّحْمَنِ مؤمنٌ من أفاضِلِ المؤمنين، لا يكون مِمَّنْ حَقَّتْ عليه كلمةُ العذاب.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} ؛ يعني كفار مكة، فيقال لهم:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} ؛ يعني الرزق والنعمة التي كنتم فيها {فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا (20)} ولَمْ تُؤَدُّوا شكْرَها، وانتصب "يوم" علي إضمار فعل تقديره: واذكر يا محمد يوم يُعْرَضُ كُفّارُ مكةَ على النار، و {أَذْهَبْتُمْ} يُقْرَأ بالاستفهام والخبر، قال الفراء
(1)
هذا قول ابن عباس وقتادة والسدي، ينظر: جامع البيان 26/ 25، تفسير القرطبي 16/ 197، وقد أنكرت السيدة عائشة أن تكون هذه الآيات نزلت في أخيها عبد الرحمن، وهذا ما رواه البخاري في صحيحه 6/ 41 كتاب تفسير القرآن: سورة الأحقاف، وينظر أيضًا: لباب النقول ص 175.
(2)
شقيقُ أُمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنهما، تأخر إسلامه إلى فتح مكة، ثم شهد اليمامة والفتوح، وتوفِّيَ فجأة سنة (53 هـ) في طريق مكة، وقيل: بعد ذلك. [تهذيب الكمال 16/ 555 - 560، الإصابة 4/ 274 - 276].
(3)
معانِي القرآن وإعرابه 4/ 443 - 444 باختلاف يسير في ألفاظه.