الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن سَهْلِ بنِ سعدٍ قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تَسُبُّوا تُبَّعًا، فَإنّهُ كانَ قَدْ أسْلَمَ"
(1)
، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"لا تَسُبُّوا تُبَّعًا، فَإنّهُ كانَ رَجُلًا صالِحًا، ألا تَرَى أنّ اللَّهَ ذَمَّ قَوْمَهُ وَلَمْ يَذُمَّهُ"
(2)
.
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)} ؛ أي: لَمْ نَخْلُقْهُما عَبَثًا، نظيره قوله تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}
(3)
فنجزيكم بأعمالكم، وإنما قال:{وَمَا بَيْنَهُمَا} ولَمْ يقل: وما بينهن؛ لأن المعنى: وما بَيْنَ هذين النوعين من الأشياء
(4)
، ونصب {لَاعِبِينَ} على الحال.
{مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} ؛ أي: لِلْحَقِّ، يعني: للثواب على الطاعة، والعقابِ على المعصية {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} يعني المشركين {لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)} يعني يوم القيامة؛ لأنه يُفْصَلُ بالقضاء، يَقْضِي اللَّهُ للمؤمنين بالجنة، ويَقْضِي للكافرين بالنار، وقيل: يفصل بين المرء
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 5/ 340، ورواه الطبرانِيُّ عن سهلِ بنِ سعدٍ وابنِ عباسٍ في المعجم الأوسط 2/ 112، 3/ 323، والمعجم الكبير 6/ 203، 11/ 236، وينظر: شفاء الصدور ورقة 5/ ب، الكشف والبيان 8/ 354.
(2)
رواه الطبري في جامع البيان 25/ 166، وينظر: الكشف والبيان 8/ 354، الوسيط 4/ 91، زاد المسير 7/ 348، تفسير القرطبي 16/ 146.
(3)
المؤمنون 115، وينظر ما سبق 1/ 303.
(4)
قال الزمخشري: "وما بين الجنسين". الكشاف 3/ 505، وقرأ عبيد بن عمير:{وَما بَيْنَهُنَّ} . شواذ القراءة للكرماني ورقة 220، وينظر: البحر المحيط 8/ 39.
وعمله، وقرأ عُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ:{مِيقَاتُهُمْ}
(1)
بالنصب، جعله اسم "إنّ"، ونصب يومًا على الظرف، و {أَجْمَعِينَ} على الحال، ويكون التقدير: إن مِيقاتَهُمْ فِي يوم الفصل أجمعين.
{يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا} ؛ أي: لا يَنْفَعُ ولا يَدْفَعُ وَلِيٌّ عن وَلِيٍّ، ولا قَرِيبٌ عن قريب، ولا حَمِيمٌ عن حميم {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41)}؛ يعني: ولا يُمْنَعُونَ من العذاب، ونصب يومًا على البدل من "يَوْمَ" الأول
(2)
، ويحتمل أن يكون نصبًا على الظرف؛ أي: فِي ذلك اليوم
(3)
.
ثم استثنى فقال تعالى: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ} يعني: من المؤمنين، فإنه يشفع بعضهم لبعض، واختلف النحاة في محل {مَن} مِنَ الإعراب، فقال بعضهم
(4)
: محله رفع بدلًا من الاسم المضمر في {يُنْصَرُونَ} ، وإن شئت جعلته ابتداءً، وأضمرت خبره، تريد: إلا من رحم اللَّه، فإنه يشفع له
(5)
، وقيل
(6)
: هو بمعنى: لا يُغْنِي إلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ، وقيل: على البدل -كما تقدم- بمعنى: ولا يُنْصَرُ إلا مَنْ
(1)
ينظر: القرطبي 16/ 148، شواذ القراءة ورقة 220، عين المعاني ورقة 121/ أ، البحر المحيط 8/ 39.
(2)
يعني باليوم الأول "يَوْمَ الْفَصْلِ"، قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 133.
(3)
يعني أنه ظرف لِما دَلَّ عليه "الفصل"؛ أي: يفصل بينهم يوم لا يغني، ولا يتعلق بالفصل نفسه؛ لأنه قد أخبر عنه، هذا كلام العكبري في التبيان ص 1147.
(4)
هذا قول الفراء والأخفش ومَكِّيِّ بن أبِي طالب، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 42، معانِي القرآن للأخفش ص 475، مشكل إعراب القرآن 2/ 291.
(5)
هذا قولٌ آخَرُ للأخفش، ينظر: معانِي القرآن ص 475.
(6)
يعني أنه بَدَلٌ من {مَوْلًى} الأول، والتقدير: لا يغني إلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ؛ أي: لا يَشْفَعُ إلا مَنْ رحمه الله، واستحسن النحاسُ هذا الرأي. ينظر: إعراب القرآن 4/ 133 - 134، وينظر أيضًا: مشكل إعراب القرآن 2/ 291.
رَحِمَ اللَّهُ، هكذا ذكره الصَّفّارُ
(1)
، وإن شئت جعلته نصبًا على الاستثناء والانقطاع عن أول الكلام، وهو قول الكسائي والفراء
(2)
، تريد: اللَّهُمَّ إلّا مَنْ رَحِمَ اللَّه {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ} في نِقْمَتِهِ من أعدائه الذين لا شفاعة لهم {الرَّحِيمُ (42)} بالمؤمنين المُوَحِّدِينَ الذين استثنى اللَّهُ تعالى فِي هذه الآية.
قوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)} تقدم تفسيره فِي الصافات
(3)
، {طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)} الفاجر ذي الإثم، وهو أبو جهل {كَالْمُهْلِ} وهو دُرْدِيُّ الزَّيْتِ وعَكَرُ القَطِرانِ
(4)
، وقد تقدم تفسيره في سورة الكهف
(5)
{يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)} يعني بطون الكفار {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} يعني الماءَ الحارَّ إذا اشْتَدَّ غَلَيانُهُ.
قرأ ابن كثير وحَفْصٌ ورُوَيْسٌ: {يَغْلِي} بالياء، جعلوا الفعل للمُهْلِ، واختاره أبو عبيد
(6)
، قال
(7)
: لأن المُهْلَ مُذَكَّرٌ، وهو الذي يَلي الفِعْلَ، فصار أوْلَى به التذكيرُ ولِلْقُرْبِ، وقرأ الباقون بالتاء لتأنيث الشجرة
(8)
، قال أبو علي
(1)
يعني النحاس، ينظر: إعراب القرآن 4/ 133، 134.
(2)
معانِي القرآن للفراء 3/ 42، وينظر قول الكسائي في إعراب القرآن للنحاس 4/ 134، مشكل إعراب القرآن 2/ 291.
(3)
يعني قوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} الآية 62، ينظر 2/ 267.
(4)
دُرْدِيُّ الزيتِ: هو ما يبقى في أسفله، ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 3/ 218، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 282، شفاء الصدور ورقة 6/ أ، 6/ ب، لساَن العرب: مهل.
(5)
يعني قوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} الآية 29، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.
(6)
ينظر اختياره في إعراب القرآن للنحاس 4/ 134، الوسيط للواحدي 4/ 92.
(7)
ينظر قول أبِي عبيد في الوسيط 4/ 92.
(8)
ينظر: السبعة ص 592، تفسير القرطبي 16/ 149، البحر المحيط 8/ 40، الإتحاف 2/ 463 - 464.
الفارسي
(1)
: ولا يجوز أن يُحْمَلَ الغَلْيُ على المُهْلِ؛ لأن المُهْلَ إنّما ذُكِرَ للتشيبه به في الذَّوْبِ، ألا ترى أن المُهْلَ لا يَغْلِي في البطون، إنّما يَغْلِي ما يُشَبَّهُ به.
قوله تعالى: {خُذُوهُ} ؛ يعني أبا جهل، أي: يقال للزبانية {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)} ؛ أي: وَسَطِها؛ يعني: سُوقُوهُ وادفعوه الى النار، يقال: عَتَلَهُ يَعْتِلُهُ عَتْلًا: إذا ساقه بالعنف والدفع والجذب، وفيه لغتان: كسر التاء، وهي قراءة أبِي جعفر وأبِي عمرو وأهل الكوفة، وضَمُّها، وهي قراءة الباقين
(2)
.
قوله: {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)} وهو الذي قد غَلِيَ حَتَّى انتهى حَرُّهُ؛ لِيَغْلِيَ دِماغُهُ، ويقال له:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} يعني أبا جهل -لعنه اللَّه-
(3)
، وذلك أنه كان يقول: أنا أعَزُّ أهْلِ الوادي وأكْرَمُهُمْ، فيقول له الخَزَنةُ: ذُقْ هذا العذابَ أيها المُتَعَزِّزُ المُتَكَرِّمُ في زَعْمِكَ، وهذا القول أمْرٌ وَرَدَ على طريق الاستخفاف والإهانة والتوبيخ، لا على طريق الاستحقاق والتحقيق، قرأ العامة:"إنّكَ" بكسر الألف على الابتداء، وقرأه الكسائي بالنصب
(4)
على معنى: لأنك أو: بأنك.
(1)
الحجة 3/ 387 باختلاف في ألفاظه، وينظر: المسائل العضديات ص 116.
(2)
ينظر: السبعة ص 592، 593، البحر المحيط 8/ 40، النشر 2/ 371، الإتحاف 2/ 464، وينظر في هاتين اللغتين: معانِي القرآن للنحاس 6/ 414، تهذيب اللغة 2/ 270، الوسيط 4/ 92.
(3)
ينظر: الكشف والبيان 8/ 356، أسباب النزول ص 253، لباب النقول ص 174.
(4)
قرأ الكسائيُّ والحسنُ بنُ عَلِيٍّ والحَسَنُ البَصْرِيُّ: {أَنَّكَ} بفتح الهمزة، ينظر: السبعة ص 593، تفسير القرطبي 16/ 151، البحر المحيط 8/ 40، الإتحاف 2/ 464.