الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانْقادَ عَلَى ما أرادَ -جَلَّ وَعَزَّ-، وهذا داخِلٌ في كُلِّ شَيْءٍ؛ لأن {مَا} عامّةٌ في كَلَامِ العَرَب، والتَّسْبِيحُ هو التَّنْزِيهُ للَّه تعالى، {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه مِمَّنْ عَصاهُ {الْحَكِيمُ (1)} في تَدْبِيرِهِ
(1)
.
فصل
رُوِيَ عن النبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ للَّه تعالى مَلَائِكةً في السماء الدنيا قِيامًا مُنْذُ خَلَقَهُم اللَّهُ تعالى إلَى أنْ تَقُومَ الساعةُ، واللَّه مَلَائِكةً في السماء الثانية رُكَّعًا مُنْذُ خَلَقَهُم اللَّهُ إلَى أنْ تَقُومَ الساعةُ، وللَّهِ مَلَائِكةً في السماء الثالثة سُجَّدًا مُنْذُ خَلَقَهُم اللَّهُ إلَى أنْ تَقُومَ الساعةُ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ تعالى"، فقال عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه: يا نَبِيَّ اللَّه: ما يَقُولُونَ؟ فَإذا الرُّوحُ الأمِينُ جِبْرِيلُ عليه السلام قد نَزَلَ فقال: "إنَّ اللَّهَ تعالى يُقْرِئُ عُمَرَ بن الخطاب السلامَ، ويَقُولُ: إنَّ أهْلَ السَّماءِ الدُّنْيا يَقُولُونَ: سُبْحانَ ذِي العِزّةِ والجَبَرُوتِ، وأهْلُ السَّماءِ الثانية يقولون: سُبْحانَ ذِي المُلْكِ والمَلَكُوتِ، وأهْلَ السماء الثالثة يقولون: سُبْحانَ الحَيِّ الذي لا يَمُوتُ"
(2)
.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)} الأصل "لِما"، حُذِفَتِ الألِفُ لاتِّصالِ الكلمة بما قَبْلَها، وهو استفهامُ إنكارٍ، قيل
(3)
:
(1)
من أول قوله: "وهذا داخل في كل شيء". قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 419.
(2)
هذا جزء من حديث رواه الحاكم عن ابن عمر في المستدرك 3/ 87، 88 كتاب معرفة الصحابة: باب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وينظر: جامع البيان 1/ 352، 303، شفاء الصدور ورقة 126/ أ، الدر المنثور 1/ 46.
(3)
ينظر: شفاء الصدور ورقة 126/ ب، الكشف والبيان 9/ 302، أسباب النزول ص 285، عين المعاني ورقة 134/ أ.
كان السبب لِنُزُولِ هذه الآية أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يَتَمَنَّوْنَ القتالَ قَبْلَ أنْ يُؤْمَرُوا به، فلما رَأوْهُ كَرِهُوهُ، فنَزَلَتْ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} .
{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} ؛ أي: عَظُمَ بُغْضًا عند اللَّه، نصب على التمييز {أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} قال الكِسائِيُّ
(1)
: {أَنْ} في موضع رفع بالابتداء، أو على إضمار مبتدأ، لأن {كَبُرَ} بمَنْزِلةِ قولك: بِئْسَ رَجُلًا أخُوكَ، وأضْمَرَ الفَرّاءُ فيه اسمًا مرفوعًا
(2)
، وقيل
(3)
: مَحَلُّهُ رفع، لأنه فاعل بـ {كَبُرَ} ، تقديره: كَبُرَ قَوْلُكُمْ، والمَقْتُ والمَقاتةُ مصدران، يقال: رَجُلٌ مَمْقُوتٌ ومَقِيتٌ: إذا لَمْ يُحِبَّهُ الناسُ
(4)
.
قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ
(1)
ذكره النحاس بغير عزو في إعراب القرآن 4/ 419، وصرح الثعلبيُّ بنسبته للكسائي في الكشف والبيان 9/ 303، وكذا القرطبي في تفسيره 18/ 81، وإذا كان "أنْ تَقُولُوا" مبتدأ، فالخبر إما أن يكون جملة {كَبُرَ مَقْتًا} ، والمعنى: قَوْلُكُمْ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا، وإما أن يكون خَبَرَ ابْتِداءٍ محذوف؛ أي: هُوَ قَوْلُكُمْ ما لا تَفْعَلُونَ، وعلى هذين الوجهين فَفاعِلُ {كَبُرَ} ضمير مستتر، والتقدير: كَبُرَ المَقْتُ مَقْتًا، ينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 373، الفريد للهمداني 4/ 461.
(2)
قال الفراء: "وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ}، أضمر في {كَبُرَ} اسمًا يكون مرفوعًا، وأما قوله: "كَبُرَتْ كَلِمة"، فإن الحسن قرأها رفعًا؛ لأنه لَمْ يُضْمِرْ شيئًا، وجعل الفعل للكلمة، ومن نصب أضمر في "كَبُرَتْ" اسمًا يُنْوَى به الرفعُ". معانِي القرآن 3/ 153.
(3)
قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 5/ 163، وأجازه ابن عطية في المحرر الوجيز 5/ 301.
(4)
هذا القول حكاه الأزهري عن الليث في تهذيب اللغة 9/ 66، ونسبه أبو حيان للمبرد في البحر المحيط 8/ 259.
(4)
} يعني: مُلْزَقًا بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ في الصَّفِّ، كقوله صلى الله عليه وسلم:"تَراصُّوا بَيْنَكُمْ في الصُّفُوفِ، لا يَتَخَلَّلْكُمُ الشيْطانُ"
(1)
، ويقال: رَصَصْتُ البِناءَ أرُصُّهُ: إذا ضَمَمْتَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ، وأصله من الرَّصاصِ
(2)
.
أعْلَمَ اللَّهُ تعالى أنهُ يُحِبُّ مَنْ يَثْبُتُ فِي القِتالِ، ويَلْزَمُ مَكانَهُ كَثُبُوتِ البِناءِ المَرْصُوصِ، ونصب {صَفًّا} على المصدر؛ أي: يَصُفُّونَ أنْفُسَهُمْ في القتال صَفًّا، وهو مصدر فِي موضع الحال تقديره: يُقاتِلُونَ في سَبِيلِهِ مُصْطَفِّينَ.
قال المفسرون: إن المؤمنين قالوا: وَدِدْنا أنَّ اللَّه يُخْبِرُنا بِأحَبِّ الأعمال إليه حَتَّى نَعْمَلَهُ، ولو ذَهَبَتْ فيه أمْوالُنا وَأنْفُسُنا، فَأنْزَلَ اللَّهُ هذه الآيةَ، فَكَرِهُوا المَوْتَ، وأحَبُّوا الحَياةَ، وتَوَلَّوْا يَوْمَ أُحُدٍ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حَتَّى شُجَّ وَجْهُهُ، وكُسِرَتْ رُباعِيَّتُهُ، فأنزل اللَّه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} . . . . لآيات
(3)
.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6)} الآية، قرأ أهْلُ المدينة وابنُ كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم:{مِنْ بَعْدِيَ} بِياءٍ مُحَرَّكةٍ، وقرأ حمزة
(1)
رواه الطَّبَرانِيُّ عن البَراءِ بن عازِبٍ في المعجم الصغير 1/ 119، والحاكم في المستدرك 1/ 217 كتاب الإمامة وصلاة الجماعة: باب "مِنْ حُسْنِ الصَّلاةِ إقامةُ الصَّفّ"، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 3/ 101 باب إتمام الصفوف المقدمة.
(2)
هذا القول حكاه الأزهري عن الليث في التهذيب 12/ 111، وينظرة اللسان: رصص.
(3)
رَواه الحاكم عن عبد اللَّه بن سلام في المستدرك 2/ 229 كتاب التفسير: باب شأن نزول سورة الصف، وينظر: جامع البيان 28/ 109، الكشف والبيان 9/ 302، أسباب النزول ص 285، الدر المنثور 6/ 213.