الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل
(1)
: هو منصوب بوقوع الفعل عليه {قَالَ} إبراهيم {سَلَامٌ} ؛ أي: عَلَيْكُمْ سَلامُ، وقد تقدم نظيره في سورة هود
(2)
، وقرأ حمزة والكسائي:"قالَ سِلْمٌ"
(3)
، وفي هذا تقديران، أحدهما: أن يكون سِلْمٌ وسَلَامٌ بمعنى واحد، مثل حِلٍّ وحَلَالٍ، ويجوز أن يكون التقدير: نَحْنُ سِلْمٌ
(4)
.
وقوله: {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)} خبر ابتداء محذوف تقديره: أنْتُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، قال ابن عباس رضي الله عنه: قال في نفسه: هؤلاء قوم لا نعرفهم، وذلك أنه ظَنُّهُمْ من الإنس، ولَمْ يَعْرِفْهُمْ، وكانوا جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ عليهم السلام.
فصل
عن أبِي شُرَيْحٍ الخُزاعِيِّ
(5)
قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّه واليوم الآخَر فَلْيُحْسِنْ إلَى جارِهِ، ومَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ
(1)
قال أبو عبيدة: "قالَ" تجيء للحكاية، وفي موضعِ فِعْلٍ يَعْمَلُ، فجاءت المنصوبة وقد عَمِلَ فيها "قالُوا"، وجاء المرفوع كأنه حكاية". مجاز القرآن 2/ 226، وينظر أيضًا: إعراب القرآن 4/ 243.
(2)
الآية 69، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.
(3)
وهي أيضًا قراءة ابن وَثّابٍ والنَّخْعِيِّ وابن جبير وطلحة، ينظر: تفسير القرطبي 17/ 45، البحر المحيط 8/ 137، إتحاف فضلاء البشر 2/ 492.
(4)
هذان التقديران قالهما النحاس في إعراب القرآن 4/ 243، وينظر: الحجة للفارسي 9/ 409.
(5)
اختلف في اسمه، والصحيح أنه خُوَيْلدُ بن عمرو بن صخر بن عبد العُزَّى، صحابِيٌّ نزل المدينة وأسلم قبل الفتح، وتوفِّيَ بالمدينة سنة (68 هـ). [أسد الغابة 2/ 128، تهذيب الكمال 33/ 400 - 401، الإصابة 2/ 494].
ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتَ"
(1)
.
قوله تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ} يعني سارةَ {فِي صَرَّةٍ} ؛ أي: فِي صَيْحةٍ وصَرْخةٍ وشِدّةِ صَوْتٍ
(2)
، وقيل
(3)
: في جَماعةِ نِسْوةٍ مُتَبادِراتٍ؛ لِيَنْظُرْنَ الملائكةَ، {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} معنى الصَّكِّ: ضَرْبُ الشيءِ بالشيءِ العَرِيضِ
(4)
؛ أي: ضَرَبَتْ وَجْهَها بجميع أصابعها تَعَجُّبًا {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)} ؛ أي: أنا عجوزٌ عاقِرٌ، فكيف ألِدُ؟! {قَالُوا كَذَلِكِ}؛ أي: هكذا {قَالَ رَبُّكِ} سَتَلِدِينَ غُلَامًا {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ} بأمر الوَلَدِ في بَطْنِ سارّةَ {الْعَلِيمُ (30)} بما لَمْ يَعْلَمْ به العبادُ.
قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ} ابتداء وخبر؛ أي: ما أمْرُكُمْ؟ {أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31)} ، فَأخْبَرُوهُ فـ {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)} يعني قوم لوط {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً (34)} هو مِنْ نَعْتِ الحجارة، أو هي نصب على
(1)
رواه الإمام أحمد عن أبِي شريح وعبد اللَّه بن عمرو وأبِي هريرة والسيدة عائشة، رضي الله عنهم، في المسند 2/ 174، 267، 269، 433، 4/ 31، 5/ 412، 6/ 69، 384، 385، ورواه البخاري في صحيحه 7/ 78، 79، 104، كتاب الأدب: باب "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخَر"، وباب إكرام لضيف، 7/ 184، كتاب الرقاق: باب حفظ اللسان.
(2)
قاله الفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة وغيرهم، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 87، مجاز القرآن 2/ 227، غريب القرآن لابن قتيبة ص 421، وينظر: ياقوتة الصراط ص 483، غريب القرآن للسجستانِي ص 147.
(3)
ذكره النحاس بغير عزو في إعراب القرآن 4/ 244، وقال الراغب:"والصُّرّةُ: الجماعة المُنْضَمُّ بَعْضُهُمْ إلى بعض، كأنهم صُرُّوا أي جُمِعُوا في وِعاءٍ". مفردات ألفاظ القرآن ص 279.
(4)
حكاه الأزهري عن الليث في "التهذيب" 9/ 428، وينظر: زاد المسير 8/ 37، اللسان: صكك.
لحال
(1)
، وقد تقدم تفسير المُسَوَّمةِ في سورة هود
(2)
، فأغنى عن الإعادة هاهنا.
قوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ} قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف والأعمش بجَرِّ الميمِ
(3)
؛ أي: وفي قَوْمِ نُوحٍ، وقرأ غيرهم بالنصب، وفيه ثلاثة أوجه أحدها: أن يَكون مَرْدُودًا على الهاء والميم في قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ (44)} ؛ أي: وَأخَذَتْ قَوْمَ نُوحٍ الصّاعِقةُ، وقرأ الكسائيُّ:{الصَّعْقةُ}
(4)
ساكنة العين من غير ألف، والثانِي: على تقدير: وأهْلَكْنا قَوْمَ نُوحٍ، والثالث: واذْكُرْ قَوْمَ نُوحٍ
(5)
{مِنْ قَبْلُ} ؛ أي: مِنْ قَبْلِ عاب وفِرْعَوْنَ وثَمُودَ {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)} ؛ أي: عاصِينَ خارجين عن أمْرِ اللَّه وطاعَتِهِ.
(1)
إذا جُعِلَ {مُسَوَّمَةً} حالًا، فإما أن يكون حالًا من {حِجَارَةً} وإن كان نكرة؛ لأنَّهُ وُصِفَ بقوله:"مِنْ طِينٍ"، فَقَرُبَ من المعرفة، وإما أن يكون حالًا من الضمير في الجارِّ والمجرور في قوله:"مِنْ طِينٍ". ينظر: التبيان للعكبري ص 1181، الفريد للهمدانِيِّ 4/ 365، الدر المصون 6/ 189 - 190.
(2)
الآية 83، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.
(3)
وهي أيضًا قراءة ابن مسعود والحسن واليزيدي وابن محيصن بخلاف عنه، وقرأ الباقون وأبو عمرو في روايةٍ عنه بالنصب، ينظر: السبعة ص 609، تفسير القرطبي 17/ 52، البحر المحيط 8/ 139، النشر 2/ 377، الإتحاف 2/ 493.
(4)
وبها قرأ أيضًا عُمَرُ بنُ الخطاب وعثمانُ بنُ عفان وزيدُ بنُ عَلِيٍّ والحسنُ وحُمَيْدٌ ومجاهدٌ، وابنُ محيصن بخلاف عنه، ينظر: السبعة ص 609، تفسير القرطبي 17/ 51، البحر المحيط 8/ 139، الإتحاف 2/ 493.
(5)
هذه الأوجه الثلاثة في نصب "قَوْمَ نُوحٍ" قالها الفراء في معانِي القرآن 3/ 88، 89، وذكر الزجاج الوجهين الأول والثانِيَ، ثم قال:"والأحسن، واللَّه أعلم، أن يكون محمولًا على قوله: فَأخَذْناهُ وجُنُودَهُ وأغْرَقْنا قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ". معانِي القرآن وإعرابه 5/ 57، وينظر: إعراب القرآن 4/ 248.
قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} ؛ أي: بِقُوّةٍ، كقوله تعالى:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ}
(1)
أي: ذا القُوّةِ فِي العبادة، والمعنى: رَفَعْناها، وكل شيء ارتفع فوق شيء فهو بناء
(2)
، {إِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)} لَذَوُو سَعةٍ لِخَلْقِنا، والمعنى: لقادرون على رزقهم لا نعجز عنه، والمُوسِعُ: ذُو الوُسْعِ والسَّعةِ.
قوله: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} ؛ أي: بَسَطْناها، نظيره:{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا}
(3)
، وقد تقدم في سورة ق {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} قال ابن عباس: نِعْمَ ما وَطَّأْتُ لِعِبادِي {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} صِنْفَيْنِ ونَوْعَيْنِ كالسماء والأرض، والشمس والقمر، والبَرِّ والبَحْرِ، والنُّورِ والظُّلْمةِ، والحُلْوِ والمُرِّ {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)} أي: لكي تتعظوا، فتعلموا أن خالق الأزواج واحِدٌ أحَدٌ فَرْدٌ صَمَدٌ، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} يريد: بالتوبة من ذنوبكم، والمعنى: فِرُّوا من الكفر والعصيان إلى الطاعة والإيمان، والْجَأُوا إلى اللَّه، وفارِقُوا ما أنتم عليه من المَظالِمِ والمعاصي {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)} أنذِرُكُم العقابَ على الكفر والمعصية، وأصل الفرار البُعْدُ من الشيء، وقال شُرَيْكٌ
(4)
: فِرُّوا منه إليه، قال الشاعر:
283 -
مِنْهُ إلَيْهِ يَفِرُّ العالِمُونَ بِهَ
…
وَأيْنَ إلَّا إلَيْهِ يَلْجَأُ اللّاجِئُ؟
(5)
(1)
ص 17.
(2)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 59/ ب.
(3)
الحجر 19، وق 7.
(4)
هو شُرَيْكُ بن عبد اللَّه بن الحارث النَّخْعِيُّ، أبو عبد اللَّه الكوفِي، عالِمٌ بالحديث والفقه، اشتهر بقوة ذكائه وسرعة بديهته، استقضاه المنصورُ على الكوفة سنة (153 هـ) ثم عزله، وكان عادلًا في قضائه، وُلِدَ ببُخارَى، وتُوُفِّيَ بالكوفة سنة (177 هـ). [تهذيب الكمال 462: 475، الأعلام 3/ 163].
(5)
البيت من البسيط، لَمْ أقف على قائله.
التخريج: شفاء الصدور ورقة 61/ ب.
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} قرأ العامة بكسر النون مضافة إلى اللَّه، وقرأ بعض أهل الشام بنصب النون
(1)
، قال: ولو كان بالكسر ما عُبِدَ غَيْرُ اللَّهِ؛ لأن مِنْهُمْ مَنْ عَبَدَهُ، ومِنْهُمْ مَنْ عَبَدَ غَيْرَهُ، قال المفسرون
(2)
: هذا خاصٌّ لأهل طاعته، يعني: مَنْ آمَنَ مِنَ الفريقين، وفي قراءة أُبَيٍّ:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ مِنَ المُؤْمِنِينَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
(3)
، والمعنى: إلا لِيَخْضَعُوا إلَيَّ ويَتَذَلَّلُوا، ومعنى العبادة في اللغة: الذُّلُّ والانْقِيادُ.
{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} ؛ أي قُوّةٍ، وقيل: أُجْرةٍ {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)} ؛ أي: ما أريد منهم أن يَرْزُقُوا أحَدًا من خَلْقِي، ولا أن يُطْعِمُوا أحَدًا من خَلْقِي، وإنما أسْنَدَ الإطْعامَ إلى نفسه، لأن الخَلْقَ عِيالُ اللَّهِ، فمن أطْعَمَ عِيالَ اللَّهِ فقد أطْعَمَهُ، وهذا كما يُرْوَى أن اللَّه يقول:"عَبْدِي: اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي"
(4)
، أي: فَلَمْ تُطْعِمْ عَبْدِي.
ثم بَيَّنَ أن الرَّزّاقَ هو لا غيره، فقال:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} لهم المُطْعِمُ {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} قرأه العامة برفع النون على أنه خبر بعد خبر لـ "إنّ"،
(1)
هذه القراءة ذكرها النقاش بغير عزو، ثم قال:"فمعنى فَتْح النونِ: إلّا لِلْعِبادةِ يَعْبُدُونَ، فَعَمَلُ اللامِ في العبادة المحذوفةِ، لا في قوله: {يَعْبُدُونَ}، وقد يُحْذَفُ الشَّيْءُ، والمعنى فيه الإثباتُ، كقوله: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ}، المعنى: فَضَرَبَ فانْفَلَقَ، ومثله كثير في القرآن". شفاء الصدور ورقة 62/ أ، 62/ ب.
(2)
ينظر قولهم في الوسيط 4/ 181.
(3)
هذه قراءة ابن عباس، ورَواها هو عن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ولَمْ أقف على أنها قراءة لأُبَيٍّ، ينظر: مختصر ابن خالوبه ص 146، تفسير القرطبي 17/ 55، البحر المحيط 8/ 141.
(4)
هذا جزء من حديث رواه الإمام مسلم بسنده عن أبِي هريرة في صحيحه 8/ 13 كتاب البر والصلة: باب فضل عيادة المريض، ورواه ابن راهويه في مسنده 1/ 115.
وقيل: هو نعت للرَّزّاقِ أو لذي القوة، أو على إضمار مبتدأ أو نعت لاسم "إنّ" على الموضع
(1)
، وقرأه يحيى والأعمشُ خَفْضًا
(2)
على نعت القُوّةِ، وأصل القُوّةِ الطّاقةُ من طاقات الحَبْلِ وهي صَلَابَتُهُ، ثم جُعِلَ ذلك للإنسان ولغيره
(3)
.
والمَتِينُ هو القَوِيُّ المُقْتَدِرُ المُبالِغُ فِي القُوّةِ والقُدْرةِ، يقال: مَتُنَ مَتانةً: إذا قَوِىَ، قال الفراء
(4)
: كان حَقُّهُ: المَتِينةُ، فذَكَّرَهُ لأنَّهُ ذهب به إلى الشيء المُبْرَمِ المُحْكَمِ الفَتْلِ، كما يقال: حَبْلٌ مَتِينٌ، وأنشد الفراء:
284 -
لِكُلِّ دَهْرٍ قَدْ لَبِسْتُ أثْؤُبا
حَتَّى اكْتَسَى الرَّأْسُ قِناعًا أشْيَبا
مِنْ رَيْطةٍ واليَمْنةَ المُعَصَّبا
(5)
فَذَكَّرَ المُعَصَّبَ لأن اليَمْنةَ صِنْفٌ من الثياب.
(1)
هذه الأوجه في رفع "المَتِينُ" ذكرها النحاس في إعراب القرآن 4/ 252، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 326، الفريد للهمداني 4/ 367 - 368.
(2)
وهي قراءة النخعي أيضًا. ينظر: تفسير القرطبي 17/ 56، البحر المحيط 8/ 141، الإتحاف 2/ 494.
(3)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 62/ أ، 62/ ب، وينظر: تهذيب اللغة 9/ 368، الصحاح 6/ 2469.
(4)
معانِي القرآن 3/ 90، وهذا معنى كلام الفراء، وليس نص كلامه.
(5)
الأبيات من الرجز المشطور، لِحُمَيْدِ بن ثَوْرٍ، ونُسِبَتْ لِمَعْرُوفِ بن عبد الرحمن، ويُرْوَى الثالثُ:
رِياطَهُ واليَمْنةَ المُنَشَّبا
اللغة: الرَّيْطةُ: المُلاءة إذا كانت قطعة واحدة ولَمْ تكن لِفْقَيْنِ، وقيل: هي كل ثوب لَيِّنٍ، وجمعه ريطٌ ورِياطٌ، اليَمْنةُ: بفتح الياء وضمها، نوع من بُرود اليمن، وبُرْدٌ مُنَشَّبٌ؛ أي: مُسَهَّمٌ يُشْبِهُ وَشْيُهُ أفاوِيقَ السِّهامِ. =
قوله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} يعني كفار مكة {ذَنُوبًا} قيل: نَصِيبًا، وقيل: حَظًّا، وقيل: عَذابًا، وقيل: طَرَفًا، وقيل: دَوْلةً، وقيل: دَلْوًا، وأصل الذَّنُوب فِي اللغة: الدَّلْوُ العَظِيمةُ المَمْلُوءةُ ماءً، ولا يقال لها: ذَنُوبٌ وهي فارغة
(1)
، وجمعها أذْنِبةٌ وذَنائِبُ، قال الراجز:
285 -
لَنا ذَنُوبٌ وَلَكُمْ ذَنُوبُ
فَإنْ أَبَيْتُمْ فَلَنا القَلِيبُ
(2)
وقال آخر:
286 -
إنّا إذا نازَعَنا شَرِيبُ
= التخريج: ديوان حميد بن ثور ص 61، الكتاب 3/ 588، غريب الحديث للهروي 2/ 206، الجيم 3/ 273، المقتضب 1/ 167، 270، 2/ 197، شرح أبيات سيبويه 2/ 392، مجالس ثعلب ص 371، المنصف 1/ 284، 3/ 74، سر صناعة الإعراب ص 804، الكشف والبيان 9/ 121، أساس البلاغة: نشب، شرح المفصل 10/ 11، 79، تفسير القرطبي 17/ 57، اللسان: ثوب، ملح، يمن، المقاصد النحوية 4/ 522، التاج: ثوب.
(1)
قاله ابن السكيت في إصلاح المنطق ص 334، 361، وقال النقاش:"قال الأصمعي: لا يُقالُ له ذَنُوبٌ إلّا وفيه ماءٌ، فلذلك سَمَّوا النَّصِيبَ ذَنُوبًا". شفاء الصدور ورقة 62/ ب، وينظر: تهذيب اللغة 14/ 439، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 147.
(2)
لَمْ أقف على قائل هذا الرجز.
اللغة: القليب: البئر قبل أن تُطْوَى، وقيل: هي البئر القديمة التي لا يُعْلَمُ لها صاحبٌ.
التخريج: العين 8/ 190، جمهرة اللغة ص 306، تهذيب اللغة 14/ 439، الكشف والبيان 9/ 122، الكشاف 4/ 21، زاد المسير 8/ 44، تفسير غريب القرآن للرازي ص 104، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 2/ 110، تفسير القرطبي 17/ 57، اللسان: ذنب، البحر المحيط 8/ 131، الدر المصون 6/ 194، اللباب في علوم الكتاب 18/ 110، التاج: ذنب.
لَنا ذَنُوبٌ، وَلَهُ ذَنُوبُ
فَإنْ أبَى كانَ لَهُ القَلِيبُ
(1)
وقال آخر:
287 -
لَعَمْرُكَ والمَنايا طارِقاتٌ
…
لِكُلِّ بَنِي أبٍ مِنْها ذَنُوبُ
(2)
وقوله: {مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} يعني: مثل نصيب أصحابهم من الأمم الخالية، نحو قوم نوح وعاد وثمود الذين عُذِّبُوا، ونصب "مِثْلَ" على البدل من "ذَنُوبًا"، {فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} يريد: بالعذاب، تهديد لهم ووعيد، وكان أصله: يَسْتَعْجِلُوني، فحذفت الياء للنهي، وبقيت الكسرةُ فِي النون لتدل على
(1)
لَمْ أقف على قائل هذا الرجز، ويُرْوَى:
إنِّي إذا نازَعَنِي شَرِيبُ
فَلِي ذَنُوبٌ، وَلَهُ ذَنُوبُ
فَإنْ أبَى كانَ لَهُ القَلِيبُ
اللغة: المنازعة هنا منازعة الدلاء كالمساجلة، بأن يَنْزِعَ هذا دَلْوًا وهذا دَلْوًا، الشريب: الذي يُشارِبُكَ.
التخريج: تأويل مشكل القرآن ص 150، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 1/ 449، الفروق اللغوية ص 258، المختار من شعر بشار ص 112، المخصص 17/ 18، المحرر الوجيز 5/ 183، شمس العلوم 4/ 2299، 10/ 6566، البحر المحيط 8/ 131، روح المعانِي ورقة 27/ 24.
(2)
البيت من الوافر، لأبِي ذُؤيبٍ الهُذَلِيِّ، ورواية ديوانه:
لَعَمْرُكَ والمَنايا غالِباتٌ
التخريج: شرح أشعار الهذليين ص 104، الكشف والبيان 9/ 122، شمس العلوم 4/ 2299، عين المعانِي ورقة 127/ أ، تفسير القرطبي 17/ 57، اللسان: ذنب، البحر المحيط 8/ 132، التاج: ذنب.
الحذف؛ لأن النون صارت عوضًا من الياء؛ لأنها مكسورة وهي رأس آية
(1)
.
والمعنى: أنهم أُخِّرُوا إلى يوم القيامة، يدل على ذلك قوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: من أهل مكة {مِنْ يَوْمِهِمُ} يعني يوم القيامة {الَّذِي يُوعَدُونَ (60)} فيه من العذاب، وباللَّه التوفيق.
* * *
(1)
هذا خطأ، فهذه النون ليست عوضًا من الياء ولا دالةً عليها؛ لأنها نون الوقاية، وإنما يدل على الياء المحذوفة كسرة هذه النون.
وثمة خطأٌ ثانٍ، وهو قوله:"فحذفت الياء للنهي"؛ لأن المحذوف لأجل النهي إنما هو نون الرفع؛ لأن الأصل فيه: يستعجلونني فحذفت نون الرفع لأجل النهي، وحذفت الياء لأنها رأس آية، كما قال النحاس في إعراب القرآن 4/ 252، وقد قرأ يعقوب:{لِيَعْبُدُونِي} و {أَنْ يُطْعِمُونِي} و {فَلَا يَسْتَعْجِلُونِي} بياءٍ في الوصل والوقف، ينظر: معانِي القراءات 3/ 32، النشر 2/ 377، إتحاف فضلاء البشر 2/ 494.