الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و"السّابِقُونَ" الأول رفع بالابتداء، والثانِي توكيد، ويكون الخبر قوله تعالى:{أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)}
(1)
يريد: إلى جَزِيلِ ثَوابِ اللَّه وعَظِيمِ كَرامَتِهِ مثل النبيين والمرسلين والشهداء والصالحين، ثم أخْبَرَنا أين محلهم فقال:{فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)} على الجمع.
فصل
عن أبِي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الجَنّةُ لَبِنةٌ من فِضّةٍ، ولَبِنةٌ من ذَهَبٍ، تُرابُها الزَّعْفَرانُ، وطِينُها المِسْكُ، خَلَقَها اللَّهُ تعالى بِيَدِهِ، وخَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وكَتَبَ التَّوْراةَ بِيَدِهِ"
(2)
.
وعن كعبٍ فِي قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} ، قال:"هُمْ أهْلُ القرآن، وهم المُتَوَّجُونَ يومَ القيامة"
(3)
.
قوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)} قال الزَّجّاجُ
(4)
: المعنى: هُمْ ثُلّةٌ من
(1)
هذا الوجه قاله الفراء والزجاج، وأجازا وجهًا آخَرَ، وهو أن يكون قوله:{السَّابِقُونَ} الأول مبتدأ، والثاني خبره، ينظر: معاني القرآن للفراء 3/ 122، معاني القرآن وإعرابه 5/ 109، وجعل الزجاج جُملة {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} صفة للخبر، وخَطَّأهُ النَّحّاسُ في ذلك، فقال:"لأن ما فيه الألف واللام لا يُوصَفُ بالمبهم، لا يَجُوزُ عند سيبويه: مَرَرْتُ بالرَّجُلِ ذَلِكَ، ولا مَرَرْتُ بالرَّجُلِ هذا على النعت، والعِلّةُ فيه أن المبهم أعْرَفُ مما فيه الألف واللام. . . ولكن يكون {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} بَدَلًا، أو خَبَرًا بعد خَبَرِ". إعراب القرآن 4/ 324 - 325.
(2)
رواه النقاش في شفاء الصدور ورقة 93/ أ، وروى الإمام أحمد بسنده عن أبِي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلنا: يا رسول اللَّه! أخبرنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: "لَبِنةٌ من ذَهَبٍ، ولَبِنةٌ من فِضّةٍ، مِلَاطُها المِسْكُ الأذْفَرُ، حَصْباؤُها الياقوت واللؤلؤ، وتُربَتُها الوَرْسُ والزَّعْفَرانُ، من يدخلها يخلد لا يموت. . . ". المسند 2/ 445، وينظر: المعجم الأوسط 7/ 145.
(3)
قول كعب في الكشف والبيان 9/ 202، زاد المسير 8/ 133.
(4)
معانِي القرآن وإعرابه 5/ 109.
الأوَّلِينَ، يعني: من الأُمَمِ الماضية {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} يعني: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: والثُّلّةُ غير محصورة العَدَدِ، وهي الفِرْقةُ من الناس، وجمعها ثُلَلٌ، واشتقاق الثُّلّةِ من القطعة، والثَّلُّ: الكَسْرُ والقَطْعُ، والثُّلّةُ نحو الفِئةِ والفِرْقةِ والقِطْعةِ
(1)
.
وقوله: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)} ؛ أي: مَنْسُوجةٍ مُشَبَّكةٍ بالذَّهَبِ والفِضّةِ والياقُوتِ والجَوْهَرِ واللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ، قد أُدْخِلَ بَعْضُها فِي بعض، كما تُوضَنُ حِلَقُ الدِّرْعِ بَعْضُها في بعض مُضاعَفةً
(2)
، قال الأعشى:
324 -
وَبَيْضاءَ كالنِّهْيِ مَوْضُونةً
…
لَها قَوْنَسٌ فَوْقَ جَيْبِ البَدَنْ
(3)
وإنما سَمَّتِ العربُ وَضِينَ الناقة وَضِينًا لأنه منسوج
(4)
.
والسُّرُرُ جمع سرير، قال الكلبي
(5)
: طول كل سرير ثلاثمائة ذراع، فإذا
(1)
من أول قوله: "واشتقاق الثلة" قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 5/ 109، وينظر: شفاء الصدور ورقة 93/ أ.
(2)
قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 248، وينظر أيضًا: الصحاح 6/ 2214، غريب القرآن للسجستانِي ص 153.
(3)
البيت من المتقارب للأعشى، من قصيدة له في مدح قيس بن مَعْدِي كَرِب الكِنْدِيِّ.
اللغة: البَيْضاءُ: الدِّرْعُ، النِّهْيُ: غَدِيرُ الماءِ، المَوْضُونةُ: المَنْسُوجةُ بِالجَواهِرِ، وقيل: المُضاعَفةُ النَّسْجِ، قَوْنَسُ البَيْضةِ من السِّلَاحِ: مُقَدَّمُها، وقيل: أعْلَاها، البَدَنُ: الدِّرْعُ القَصِيرةُ على قَدْرِ الجَسَدِ فقط، وجَيْبُها: فَتْحَتُها.
التخريج: ديوانه ص 75، جمهرة أشعار العرب ص 18، الكشف والبيان 9/ 203، ذكر الفرق بين الأحرف الخمسة ص 388، عين المعانِي ورقة 130/ ب، تفسير القرطبي 8/ 380، 17/ 201.
(4)
قاله الفراء في معانِي القرآن 3/ 122، وينظر: شفاء الصدور ورقة 93/ ب، تهذيب اللغة 12/ 68، والوَضِينُ: بِطانٌ مَنْسُوجٌ بَعْضُهُ على بعض، يُشَدُّ به الرَّحْلُ على البعير، اللسان: وضن.
(5)
ينظر قوله في الكشف والبيان 9/ 203، تفسير القرطبي 17/ 202.
أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت، فإذا جلس عليها ارتفعت {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)} يعني: في الزيارة، لا ينظر بعضُهم في قَفا بَعْضٍ، وهما منصوبان على الحال.
قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)} غِلْمانٌ لا يموتون ولا يَهْرَمُونَ ولا يَكْبُرُونَ، مُنَعَّمُونَ مُقَرَّطُونَ، قال المُؤَرِّجُ
(1)
: يقال لِلْقُرْطِ: الخَلَدُ، ومنه قولهم: خَلَّدَ جارِيتَهُ: إذا حَلَّاها بالخِلَدِ وهي القِرَطةُ، قال الشاعر:
325 -
وَمُخَلَّداتٍ بِاللُّجَيْنِ، كَأنّما
…
أعْجازُهُنَّ أقاوِزُ الكُثْبانِ
(2)
وقيل
(3)
: هُمْ وِلْدانُ أهْلِ الدنيا، لَمْ يكن لهم حسنات فَيُثابُوا عليها، ولا سَيِّئاتٌ فَيُعاقَبُوا عليها، لأن الجنة لا وِلَادةَ فيها، وفِي الحديث:"أطْفالُ الكُفّارِ خَدَمُ أهْلِ الجَنّةِ"
(4)
.
(1)
ينظر قوله في الكشف والبيان 9/ 204، وبدون نسبة في الوسيط 4/ 233، وحكاه الأزهري بنصه عن أبِي عمرو فِي التهذيب 7/ 279، وينظر: اللسان: خلد، تاج العروس: خلد.
(2)
البيت من الكامل لشاعرٍ حِمْيَرِيٍّ.
اللغة: اللُّجَيْنُ: الفِضّةُ، الأقاوِزُ: جمع قَوْزٍ وهو كَثِيبٌ صغيرٌ من الرَّمْلِ مُسْتَدِيرٌ تُشَبَّهُ بهِ أرْدافُ النِّساءِ.
التخريج: غريب القرآن لابن قتيبة ص 447، جمهرة اللغة ص 580، 823، الزاهر 2/ 83، 157، تهذيب اللغة 7/ 287، مقاييس اللغة 2/ 208، ديوان الأدب 2/ 349، المخصص 10/ 137، الكشف والبيان 9/ 204، زاد المسير 8/ 136، عين المعانِي ورقة 135/ ب، تفسير القرطبي 17/ 202، اللسان: خلد، قوز، اللباب في علوم الكتاب 18/ 385، التاج: خلد، قوز.
(3)
قاله الحسن، ينظر: زاد المسير 8/ 135، عين المعاني ورقة 130/ ب، تفسير القرطبي 17/ 203، الدر المنثور 6/ 219.
(4)
رواه الطبراني عن سمرة بن جندب وأنس بن مالك في المعجم الأوسط 2/ 302 - 303، =
وقوله: {بِأَكْوَابٍ} جمع كُوبٍ، وهي الأقداح المستديرة الأفْواهِ، لا آذانَ لها ولا عُرًى {وَأَبَارِيقَ} جمع إبْرِيقٍ، وهي ذات الخراطيم، سُمِّيَتْ بذلك لِبَرِيقِ لونها من صفائها، ولَمْ ينصرف "أبارِيقَ"؛ لأنه جمع لا نظير له في الواحد
(1)
{وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)} ؛ أي: خمر جارية، والكأس: الخمر، والمعين: الجاري.
قال الضحاك
(2)
: كل كَأْسٍ فِي القرآن فهي الخَمْرُ، وقوله:"مِنْ مَعِينٍ" قال قتادة
(3)
: يعني: من خَمْرٍ تُرَى بالعُيُونِ، وقيل
(4)
: تَجْرِي من العيون.
قوله: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)} يعني: لا تُصَدَّعُ رُؤُوسهُمْ من شربها، ولا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ؛ أي: لا يَسْكَرُونَ كَفِعْلِ خَمْرِ أهْلِ الدنيا إذا شَرْبُوها، فهي كما قال اللَّه تعالى:{لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}
(5)
، وقرأ الكوفيون:{وَلَا يُنْزِفُونَ}
(6)
بكسر الزاي، والمعنى: لا تَفْنَى خَمْرُهُمْ.
= 3/ 220، 5/ 294، والمعجم الكبير 7/ 244، وينظر: مسند أبِي يعلى 7/ 131، مجمع الزوائد 7/ 219 كتاب القَدَرِ: باب فِي أولاد المشركين.
(1)
قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 325 - 326، وقال الجوهوي:"والإبْرِيقُ: واحد الأباريق، فارسي معرب". الصحاح 4/ 1449، وينظر: المحكم والمحيط الأعظم 5/ 245، المعرب للجواليقي ص 23، 265، زاد المسير 8/ 136.
(2)
ينظر قوله في جامع البيان 23/ 63، إعراب القرآن للنحاس 4/ 326، تفسير القرطبي 15/ 77.
(3)
ينظر قوله في إعراب القرآن للنحاس 4/ 326.
(4)
قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 5/ 110، وينظر: تفسير القرطبي 17/ 203.
(5)
الصافات 46، ومحمد 15.
(6)
قرأ ابن مسعود وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وابن أبي إسحاق والسلمي والأعمش وطلحة وعيسى ابن عمر: "يُنْزِفُونَ" بكسر الزاي، وقرأ الباقون بفتح الزاي، ينظر: القرطبي 17/ 203، البحر المحيط 8/ 205، النشر 2/ 357، الإتحاف 2/ 515، وينظر: ما سبق في سورة الصافات الآية 47، 2/ 265.