الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن أبِي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه يقول يوم القيامة: أمَرْتُكُمْ، فَضَيَّعْتُمْ ما عَهِدْتُ إليكم، ورَفَعْتُمْ أنسابكم، فاليومَ أرْفَعُ نَسَبي، وأضَعُ أنْسابَكُمْ؛ أيْنَ المُتَّقُونَ؟ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} "
(1)
.
وعن يحيى بن أبِي كثير
(2)
أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّه لا ينظر إلى صُوَرِكُمْ، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وإنما أنتم -بني آدم- أكْرَمُكُمْ عند اللَّه أتقاكم"
(3)
، وعن أبِي هريرة قال: قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مَنْ أكْرَمُ الناسِ؟ قال: "أتقاهم"
(4)
.
وأنشد ابن الفَرُّخانِ
(5)
في المعنى:
(1)
رواه الحاكم في المستدرك 2/ 463 كتاب التفسير: سورة الحجرات، وينظر: الوسيط للواحدي 4/ 159، الدر المنثور 6/ 98.
(2)
هو يحيى بن صالح الطائي بالولاء، أبو نصر اليمامي، عالِمُ أهل اليمامة في عصره، وهو من ثقات أهل الحديث، قيل: أقام بالمدينة عشر سنين يأخذ عن أعيان التابعين، ثم سكن اليمامة فاشتهر، وعاب على بَنِي أُمَيّةَ بعضَ أفاعيلهم، فضُرِبَ وحُبسَ. [سير أعلام النبلاء 6/ 27 - 31، الأعلام 8/ 150].
(3)
رواه الإمام أحمد بسنده عن أبِي هريرة في المسند 2/ 285، 539، ومسلم في صحيحه 8/ 11 كتاب البر والصلة: باب تحريم ظلم المسلم، وابن ماجه في سننه 2/ 1388 كتاب الزهد: باب القناعة.
(4)
هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 431، والبخاري في صحيحه 4/ 11، 119، 122 كتاب أحاديث الأنبياء: باب {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} ، وباب {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} ، 4/ 147 كتاب بدء الخلق: باب المناقب، 5/ 216 كتاب تفسير القرآن: سورة يوسف.
(5)
هو أبو حفص عمر بن الحفص بن الفَرُّخانِ الطبري البغدادي المتوفِّى سنة (294 هـ) تقريبًا، =
268 -
ما يَصْنَعُ العَبْدُ بِعِزِّ الغِنَى
…
والعِزُّ كُلُّ العِزِّ لِلْمُتُّقِي
مَنْ عَرَفَ اللَّهَ فَلَمْ تُغْنِهِ
…
مَعْرِفةُ اللَّهِ فَذاكَ الشَّقِي
(1)
قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} قيل
(2)
: نزلت فِي بني أسَدِ بن خُزَيْمةَ، قَدِمُوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينةَ فِي سنة جَدْبةٍ، فأظهروا شهادة أن لا إله إلا اللَّه، ولَمْ يكونوا مؤمنين في السِّرِّ، إنما كانوا يطلبون الصدقة.
وقيل
(3)
: نزلت في الأعراب الذين ذكرهم اللَّه عز وجل في سورة الفتح، وهم أعراب جُهَيْنةَ وأسْلَمَ وأشْجَعَ وغِفارٍ ومُزَيْنةَ، كانوا يقولون: آمنا باللَّه؛ ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم، فقال اللَّه تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} ؛ أي: انْقَدْنا واسْتَسْلَمْنا مَخافةَ القتل والسَّبْيِ.
ثم بينَ أن الإيمان محله القلب لا اللسان بقوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ، فَأخْبَرَ أن حقيقة الإيمان التصديق بالقلب، وأن الإقرار باللسان،
= من تصانيفه: كتاب المحاسن، اتفاق الفلاسفة واختلافهم في خطوط الكواكب. [الفهرست ص 332، هدية العارفين 1/ 780، معجم المؤلفين 7/ 283].
(1)
البيتان من السريع، لزينِ العابدين عَلِيِّ بنِ الحسين، يخاطب عُبّادَ البصرة حين اسْتَسْقَوْا فلم يُسْقَوْا.
التخريج: الكشف والبيان 9/ 89، عين المعانِي ورقة 125/ ب، تفسير القرطبي 16/ 346.
(2)
هذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة، ينظر: تفسير مجاهد 2/ 608، معانِي القرآن للفراء 3/ 73، جامع البيان 26/ 182، الكشف والبيان 9/ 89، الوسيط 4/ 159، 160، تفسير القرطبي 16/ 348.
(3)
هذا قول السُّدِّيِّ، ينظر: الكشف والبيان 9/ 89، عين المعاني ورقة 125/ ب، تفسير القرطبي 16/ 348.
وإظهار شرائعه بالأبدان، لا يكون إيمانًا دون الإخلاص الذي محله القلب، ولِما رَوَى أنَسٌ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الإسلامُ عَلَانِيةٌ، والإيمانُ في القلب"
(1)
، وأشار إلى صدره.
قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يريد: ظاهرًا وباطنًا، وسِرًّا وعَلَانِيةً {لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} قرأ أبو عمرو ويعقوب:{يَأْلِتْكُمْ}
(2)
بالألف، واختاره أبو حاتم اعتبارًا بقوله:"وَما ألَتْناهُمْ"
(3)
، يقال: ألَتَ يَأْلِتُ ألْتًا، قال الشاعر:
269 -
أبْلِغْ بَنِي ثُعَلٍ مِنِّي مُغَلْغَلةً
…
جَهْدَ الرِّسالةِ لَا ألْتًا وَلَا كَذِبا
(4)
وقرأ الآخرون: {يَلِتْكُمْ} بغير ألف من: لَاتَ يَلِيتُ لَيْتًا، كقول رؤبة:
270 -
وَلَيْلةٍ ذاتِ نَدًى سَرَيْتُ
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 3/ 134، 135، وأبو يعلى الموصلي في مسنده 5/ 301، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 52 كتاب الإيمان: بابٌ في الإسلام والإيمان.
(2)
وهي قراءة الحسن واليزيدي والأعرج والدُّورِيِّ أيضًا، ينظر: السبعة ص 606، تفسير تفسير القرطبي 16/ 348، البحر المحيط 8/ 116، الإتحاف 2/ 478.
(3)
الطور 21.
(4)
البيت من البسيط، للحُطَيْئةِ، ويُرْوَى:
أبلِغ سَراةَ بَني سَعدٍ مُغَلغَلةً
اللغة: المُغَلْغَلةُ: الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد، الجَهْدُ: المبالغة والغاية.
التخريج: ديوانه ص 17، معاني القرآن للفراء 3/ 92، مجاز القرآن 2/ 221، جامع البيان 27/ 36، تهذيب اللغة 14/ 320، المحتسب 2/ 290، الكشف والبيان 9/ 90، شمس العلوم 1/ 311، عين المعانِي ورقة 125/ ب، تفسير القرطبي 16/ 349، اللسان: ألت، البحر المحيط 8/ 104، اللباب في علوم الكتاب 17/ 561، التاج: ألت.
وَلَم يَلِتْنِي عَنْ سُراها لَيْتُ
(1)
وهما لغتان
(2)
، ومعنى القراءتين جميعًا: لا يَنْقُصْكُمْ ولا يَظْلِمْكُمْ من ثواب أعمالكم شيئًا، إن تطيعوا اللَّه {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)} .
قوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} يا محمد {أَنْ أَسْلَمُوا} ؛ أي: بأن أسلموا، وذلك بأنهم كانوا يأتون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في كل يوم، يقولون: يا محمد! إنّ لنا عليك حَقًّا أصابك، أسْلَمْنا، وأتَيْناكَ بذَرارِينا، ولَمْ نُقاتِلْكَ كما قاتلك بنو فلان، يَمُنُّونَ عليه بذلك، فقال سبحانه:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ} ؛ أي:
(1)
الرجز لأبِي محمد الفَقْعَسِيِّ، وليس في ديوان رؤبة، ويُرْوَى:"ذاتِ دُجًى".
اللغة: لاتَهُ عَنْ الشي يَليتُهُ وَيَلُوتُهُ لَيْتًا: صَرَفَهُ وَحَبَسَهُ، وقيل: معناه: لَمْ يَلتْني عن سُراها أن أتندَّمَ، فأقول: ليتني ما سَرَيْتُها.
التخريج: معانِي القرآن للفراء 3/ 92، المقصور والممدود للفراء ص 74، مجاز القرآن 2/ 221، 232، إصلاح المنطق ص 136، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 66، إعراب ثلاثين سورة ص 74، تهذيب اللغة 14/ 320، الحجة للفارسي 3/ 414، المحتسب 2/ 290، سر صناعة الإعراب ص 636، مقاييس اللغة 5/ 223، مجمل اللغة ص 219، 799، الكشف والبيان 9/ 90، أساس البلاغة: ليت، عين المعانِي ورقة 125/ ب، الفريد 4/ 34 القرطبي 10/ 205، 16/ 349، اللسان: حنن، ليت، البحر المحيط 8/ 104، اللباب في علوم الكتاب 17/ 561، التاج: حنن، ليت.
(2)
قال الفراء: "وقد قرأ بعضهم: {لَا يَأْلِتْكُمْ}، ولستُ أشتهيها؛ لأنها بغير ألف كُتِبَتْ في المصاحف، وليس هذا بمَوْضِع يجوز فيه سقوط الهمز. . . وإنما اجترأ على قراءتها: "يَأْلِتْكُمْ" أنه وجد: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} في موضع، فأخذ ذا من ذلك، فالقرآن يأتِي باللغتين المختلفتين. . . ولَاتَ يَليتُ، وألَتَ يَأْلِتُ لغتان". معانِي القرآن 3/ 74.
وقال النحاس: "إنهما لغتان معروفتان مشهورتان، فماذا كان الأمر كذلك فاتباع السواد أولى". إعراب القرآن 4/ 216، وينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 416، تهذيب اللغة 14/ 320، 321، معانِي القراءات 3/ 25، الحجة للفارسي 3/ 414.
بإسلامكم {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ} نصب على الصرف
(1)
، وإن شئت على نزع الصفة؛ أي: بأن هداكم {لِلْإِيَمُانِ} وفِي مصحف عبد اللَّه: "إذْ هَداكُمْ لِلإيمانِ"
(2)
، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)} أنكم مؤمنون.
{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} فلا يخفى عليه شيء، قرأ ابن كثير والأعمش وطلحة وعيسى بن عمر بالياء
(3)
، وقرأ الباقون بالتاء، واللَّه أعلم.
* * *
(1)
ربما يعني بالنصب على الصرف هنا النصبَ على المفعول من أجله، وهو أحد وجهين فِي قوله تعالى:{أَنْ هَدَاكُمْ} والوجه الثانِي ما ذكره هو من أنه منصوب على نزع الخافض، وهو قول الفراء والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 74، إعراب القرآن 4/ 217، وينظر أيضًا الفريد للمنتجب الهمدانِيِّ 4/ 343، البحر المحيط 8/ 117، الدر المصون 6/ 173.
والنصب على الصرف مصطلح كوفِيٌّ يُقْصَدُ به شيء آخر غير ما ورد هنا، فإنّهُم يَعْنُونَ به الفعلَ المضارعَ الذي صُرِفَ من حال الجزم إلى حال النصب لوقوعه بعد الواو استخفافًا للنصب، وقد ذكر الجِبْليُّ هذا فِي الآية 35 من سورة الشورى 2/ 440 وينظر: مصطلحات النحو الكوفِيِّ ص 105 - 110، فقد ذكر مؤلفه أن هذا المصطلح قد يطلق عند الكوفيين على الاسم المنصوب بعد واو المعية على المفعول معه.
(2)
وهي قراءة زيد بن عَلِيٍّ أيضًا، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 144، تفسير القرطبي 16/ 350، البحر المحيط 8/ 117.
(3)
وبها أيضًا قرأ عاصمٌ في رواية أبان عنه، وابنُ محيصن وأبو عمرو، ينظر: السبعة ص 606، تفسير القرطبي 16/ 350، البحر المحيط 8/ 117، الإتحاف 2/ 487.