الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: وَهَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُرَدُّ (وَيَزُولُ ضَمَانُهُ) أَيْ الْمُحَرَّمِ الْتِقَاطُهُ (بِدَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) ; لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي مَالِ الْغَائِبِ (أَوْ رَدَّهُ) أَيْ: الْمَأْخُوذِ مِنْ ذَلِكَ (إلَى مَكَانِهِ) الْمَأْخُوذِ مِنْهُ (بِأَمْرِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِقَوْلِ عُمَرَ لِرَجُلٍ وَجَدَ بَعِيرًا " أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِأَنَّ أَمْرَهُ بِرَدِّهِ كَأَخْذِهِ مِنْهُ. فَإِنْ رَدَّهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ كَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ. الْقِسْمُ (الثَّالِث: مَا عَدَاهُمَا) أَيْ: الْقِسْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ (مِنْ ثَمَنٍ) أَيْ: نَقْدٍ (وَمَتَاعٍ) كَثِيَابٍ وَكُتُبٍ وَفُرُشٍ وَأَوَانٍ وَآلَاتِ حَرْثٍ وَنَحْوِهَا (وَغَنَمٍ وَفُصْلَانِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ (وَعَجَاجِيلَ) جَمْعُ عِجْلٍ وَلَدُ الْبَقَرَةِ (وَأَفْلَاءٍ) بِالْمَدِّ جَمْعُ فِلْوٍ، بِوَزْنِ سِحْرٍ وَجَرْوٍ وَعَدُوٍّ وَسُمُوٍّ. وَهُوَ الْجَحْشُ وَالْمُهْرُ إذَا فُطِمَا أَوْ بَلَغَا السَّنَةَ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (وَقِنٍّ صَغِيرٍ) وَمَرِيضٍ مِنْ كِبَارِ إبِلٍ وَنَحْوِهَا كَالصَّغِيرِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَخَشَبَةٍ صَغِيرَةٍ وَقِطْعَةِ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ وَزِقِّ دُهْنٍ أَوْ عَسَلٍ وَغِرَارَةِ نَحْوِ بُرٍّ (فَيُحَرَّمُ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ مِمَّا ذَكَرَ (أَخْذُهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِهَا عَلَى رَبِّهَا كَإِتْلَافِهَا وَكَمَا لَوْ نَوَى تَمَلُّكَهَا فِي الْحَالِ أَوْ كِتْمَانَهَا (وَيَضْمَنُهَا بِهِ) أَيْ: بِأَخْذِهَا مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا إنْ تَلِفَتْ، فَرَّطَ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ. أَشْبَهَ الْغَاصِبَ (وَلَمْ يَمْلِكْهَا) مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا (وَلَوْ عَرَّفَهَا) لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرِّمَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ كَالسَّرِقَةِ، وَالْخَبَرُ مَخْصُوصٌ (وَإِنْ أَمِنَ) الْمُلْتَقِطُ (نَفْسَهُ) عَلَيْهَا (وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا) لِلْخَبَرِ فِي النَّقْدَيْنِ وَالشَّاةِ، وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَسَوَاءٌ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَعْرِيفِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا،، وَإِنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ ثُمَّ طَرَأَ قَصْدُ الْخِيَانَةِ فَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ لَا يَضْمَنُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ (وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا (تَرْكُهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ. فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ (وَلَوْ) وَجَدَهَا (بِمَضْيَعَةٍ) ; لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِنَفْسِهِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ وَتَضْيِيعِ الْأَمَانَةِ فِيهَا (وَمَنْ أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا أَوْ فَرَّطَ) فِيهَا فَتَلِفَتْ (ضَمِنَهَا) لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ. وَتَرْكُهَا وَالتَّفْرِيطُ فِيهَا تَضْيِيعٌ لَهَا (إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِرَدِّهَا) إلَى مَوْضِعِهَا فَيَبْرَأُ بِهِ. وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ; لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي الْمَالِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ. فَإِنْ تَلِفَتْ مِنْهُ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهَا
[فَصْلٌ وَمَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِث ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ]
.
(فَصْلٌ وَمَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِث (ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ) أَحَدُهَا (حَيَوَانٌ) مَأْكُولٌ كَفَصِيلٍ وَشَاةٍ وَدَجَاجَةٍ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطَ (فِعْلُ الْأَصْلَحِ) لِمَالِكِهِ (مِنْ) ثَلَاثَةِ أُمُورٍ (أَكْلِهِ بِقِيمَتِهِ) فِي الْحَالِ لِحَدِيثِ «هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» فَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ وَهُوَ لَا يَسْتَأْنِي بِأَكْلِهَا. وَلِأَنَّ فِيهِ إغْنَاءً عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهِ عَلَى رَبِّهِ إذَا جَاءَ. وَإِذَا أَرَادَ أَكْلَهُ حَفِظَ صِفَتَهُ فَمَتَى جَاءَ رَبُّهُ فَوَصَفَهُ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ (أَوْ بَيْعَهُ) أَيْ: الْحَيَوَانِ (وَحِفْظِ ثَمَنِهِ) وَلَوْ بِلَا إذْنِ إمَامٍ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَكْلُهُ بِلَا إذْنٍ فَبَيْعُهُ أَوْلَى (تَتِمَّةٌ) فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ: كُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا أَوْ بَيْعِ الْبَعْضِ فِي مُؤْنَةِ مَا يَبْقَى أَوْ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ يُؤَجِّرَهُ فِي الْمُؤْنَةِ فَعَلَ (أَوْ حِفْظِهِ وَيُنْفِقُ) مُلْتَقِطٌ (عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ) لِيَحْفَظَهُ لِمَالِكِهِ فَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا إنْفَاقٍ عَلَيْهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (الرُّجُوعُ) عَلَى رَبِّهِ إنْ وَجَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ (بِنِيَّتِهِ) أَيْ: الرُّجُوعِ نَصًّا. لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِحِفْظِهِ فَكَانَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ كَمُؤْنَةِ تَجْفِيفِ عِنَبٍ وَرُطَبٍ (فَإِنْ اسْتَوَتْ) الْأُمُورُ (الثَّلَاثَةُ) فِي نَظَرِ مُلْتَقِطٍ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّ أَحَدَهَا أَحَظُّ (خُيِّرَ) بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، الضَّرْبُ (الثَّانِي: مَا يُخْشَى فَسَادُهُ) بِإِبْقَائِهِ كَخَضْرَاوَاتٍ وَنَحْوِهَا (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطَ (فِعْلُ الْأَحَظِّ مِنْ بَيْعِهِ) بِقِيمَتِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ أَكْلُهُ بِقِيمَتِهِ) قِيَاسًا لَهُ عَلَى الشَّاةِ وَلِحِفْظِ مَالِيَّتِهِ عَلَى رَبِّهِ (أَوْ تَجْفِيفِ مَا يُجَفَّفُ) كَعِنَبٍ وَرُطَبٍ. لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَحَظِّ فِيهِ. فَإِنْ احْتَاجَ فِي تَجْفِيفِهِ إلَى مُؤْنَةٍ بَاعَ بَعْضَهُ فِيهِ (فَإِنْ اسْتَوَتْ) الثَّلَاثَةُ (خُيِّرَ) مُلْتَقِطٌ بَيْنَهَا فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ. الضَّرْبُ (الثَّالِث: بَاقِي الْمَالِ) الْمُبَاحِ الْتِقَاطُهُ مِنْ أَثْمَانٍ وَمَتَاعٍ وَنَحْوِهِمَا (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطَ (حِفْظُ الْجَمِيعِ) ; لِأَنَّهُ صَارَ أَمَانَةً بِيَدِهِ بِالْتِقَاطِهِ.
(وَ) يَلْزَمُهُ (تَعْرِيفُهُ) أَيْ: الْجَمِيعِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ أَرَادَ تَمَلُّكًا أَوْ حِفْظًا لِرَبِّهِ. لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ» ، وَلِأَنَّ حِفْظَهَا لِرَبِّهَا إنَّمَا يُفِيدُ بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ وَطَرِيقَةِ التَّعْرِيفِ (فَوْرًا) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَمْرِ. وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا (نَهَارًا) ; لِأَنَّهُ مَجْمَعُ النَّاسِ وَمُلْتَقَاهُمْ
(أَوَّلَ كُلِّ يَوْمٍ) قَبْلَ اشْتِغَالِ النَّاسِ بِمَعَاشِهِمْ (أُسْبُوعًا) أَيْ: سَبْعَةَ أَيَّامٍ. لِأَنَّ الطَّلَبَ فِيهَا أَكْثَرُ (ثُمَّ) يُعَرِّفُهَا (عَادَةً) أَيْ: كَعَادَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ يُعَرِّفُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ أُسْبُوعًا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً شَهْرًا ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ (حَوْلًا مِنْ الْتِقَاطِهِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ. لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ. فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِعَامٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْقَوَافِلُ وَيَمْضِي فِيهَا الزَّمَانُ الَّذِي تُقْصَدُ فِيهِ الْبِلَادُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ كَمُدَّةِ الْعِنِّينِ (بِأَنْ يُنَادِي: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ نَفَقَةٌ) وَلَا يَصِفُهَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَهَا بَعْضُ مَنْ سَمِعَ صِفَاتِهَا فَتَضِيعُ عَلَى مَالِكِهَا فَإِنْ وَصَفَهَا فَأَخَذَهَا غَيْرُ رَبِّهَا ضَمِنِهَا مُلْتَقِطٌ كَوَدِيعٍ دَلَّ لِصًّا عَلَى وَدِيعَةٍ (فِي الْأَسْوَاقِ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، (وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ) أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ. ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إشَاعَةُ ذِكْرِهَا، وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ وِجْدَانِهَا، وَالْوَقْتِ الَّذِي يَلِي الْتِقَاطَهَا. وَإِنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ عَرَّفَهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهَا (وَكُرِهَ) تَعْرِيفُهَا (دَاخِلَهَا) أَيْ الْمَسَاجِدِ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ إلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» وَلِمُلْتَقِطٍ تَعْرِيفُهَا بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ (، وَأُجْرَةُ مُنَادٍ عَلَى مُلْتَقَطٍ) نَصًّا. لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْعَمَلِ، وَالتَّعْرِيفُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُلْتَقِطِ فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ (وَيُنْتَفَعُ بِمُبَاحٍ مِنْ كِلَابٍ وَلَا تُعَرَّفُ) وَظَاهِرُهُ: جَوَازُ الْتِقَاطِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمَنْعِ. وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَمْنُوعِ، وَفِي أَخْذِهِ حِفْظٌ عَلَى مُسْتَحَقِّهِ. أَشْبَهَ الْأَثْمَانَ وَأَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مَالًا فَهُوَ أَخَفُّ. وَأَدْخَلَهُ الْمُوَفَّقُ فِيمَا يُمْتَنَعُ الْتِقَاطُهُ اعْتِبَارًا بِمَنَعَتِهِ بِنَابِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ (وَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: التَّعْرِيفَ فِيهِ (الْحَوْلَ) كُلَّهُ (أَوْ) أَخَّرَهُ (بَعْضَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ (وَلَمْ يَمْلِكْهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (بِهِ) أَيْ: التَّعْرِيفِ (بَعْدَ) الْحَوْلِ ; لِأَنَّ شَرْطَ الْمِلْكِ التَّعْرِيفُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَرَبُّهَا بَعْدَهُ يَسْلُوهَا وَيَتْرُكُ طَلَبَهَا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ غَالِبًا. وَلِذَلِكَ يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ نَصًّا، وَإِنْ تَرَكَهُ بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقَطْ. فَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَحَبْسٍ مَلَكَهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ. هَذَا مَفْهُومُ كَلَامِهِ تَبَعًا لِلتَّنْقِيحِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي لَا يَمْلِكُهَا لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ فِي الْحَوْلِ سَوَاءٌ أَهْمَلَهُ لِعُذْرِهِ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ (كَالْتِقَاطِهِ بِنِيَّةِ تَمَلُّكٍ)
بِلَا تَعْرِيفٍ (وَلَمْ يُرِدْ) بِهِ (تَعْرِيفًا) وَلَا تَمَلُّكًا لِلُقَطَةٍ فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَوْ عَرَّفَهَا. لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ. أَشْبَهَ الْغَاصِبَ (وَلَيْسَ خَوْفُهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ (بِأَنْ يَأْخُذَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوْ) خَوْفُ مُلْتَقِطٍ أَنْ (يُطَالِبَهُ) سُلْطَانٌ جَائِرٌ (بِأَكْثَرَ) مِمَّا وَجَدَ (عُذْرًا) لَهُ (فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا حَتَّى يَمْلِكَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (بِدُونِهِ) أَيْ: بِلَا تَعْرِيفٍ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَلِهَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهِ بَعْدُ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: تَبْقَى بِيَدِهِ. فَإِذَا وَجَدَ أَمْنًا عَرَّفَهَا حَوْلًا انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا مَا يُرَجِّحُ أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِلْعُذْرِ لَا يُؤَثِّرُ (وَمَنْ عَرَّفَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ حَوْلًا (فَلَمْ تُعَرَّفْ) فِيهِ وَهِيَ مَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ (دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا» وَفِي لَفْظٍ " وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكٍ " وَفِي لَفْظٍ " ثُمَّ كُلْهَا ".
وَفِي لَفْظٍ " فَانْتَفِعْ بِهَا " وَفِي لَفْظٍ " " فَشَأْنُكَ بِهَا " وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ " فَاسْتَنْفِقْهَا " وَفِي لَفْظٍ " فَاسْتَمْتِعْ بِهَا " هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (حُكْمًا) كَالْمِيرَاثِ نَصًّا. فَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِحَدِيثِ «وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ» وَقَوْلُهُ " فَاسْتَنْفِقْهَا " وَلَوْ وَقَفَ مِلْكُهَا عَلَى تَمَلُّكِهَا لِبَيِّنَةٍ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ وَالتَّعْرِيفَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ. فَإِذَا تَمَّا وَجَبَ بِثُبُوتِهِ حُكْمًا كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ (وَلَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (عَرْضًا) فَتُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ قَهْرًا كَالْأَثْمَانِ، لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ. وَإِنْ رُوِيَ فِي الْأَثْمَانِ نَصٌّ خَاصٌّ فَقَدْ رُوِيَ خَبَرٌ عَامٌّ فَيُعْمَلُ بِهِمَا، بَلْ فِي الْعُرُوضِ نَصٌّ خَاصٌّ أَيْضًا، ثُمَّ لَا مَانِعَ مِنْ قِيَاسِ الْعُرُوضِ عَلَى الْأَثْمَانِ (أَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (لُقَطَةَ الْحَرَمِ) فَتُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ كَلُقَطَةِ الْحِلِّ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَكَحَرَمِ الْمَدِينَةِ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْوَدِيعَةِ، وَحَدِيثِ «لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا لِمَنْ عَرَّفَهَا عَامًا وَتَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِهَا كَحَدِيثِ «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» (أَوْ لَمْ يَخْتَرْ) الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا وَتَقَدَّمَ (أَوْ أَخَّرَهُ) أَيْ التَّعْرِيفَ (لِعُذْرٍ) ثُمَّ عَرَّفَهَا فَيَمْلِكُهَا وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ
(أَوْ ضَاعَتْ) اللُّقَطَةُ مِنْ وَاجِدِهَا بِلَا تَفْرِيطٍ فَالْتَقَطَهَا آخَرُ (فَعَرَّفَهَا الثَّانِي مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ) أَيْ: بِأَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ الْأَوَّلِ (أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ) أَيْ يُعْلِمْ الثَّانِي الْأَوَّلَ بِاللُّقَطَةِ (أَوْ أَعْلَمَهُ) وَعَرَّفَهَا الثَّانِي (وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا) تَمَلُّكَهَا (لِنَفْسِهِ)