الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ، وَالتَّأْبِيدُ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُرَادُ تَأْبِيدُهُ مِنْ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ (وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (بِهَا) مُجَرَّدَةً عَمَّا يَصْرِفُهَا إلَيْهِ كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فِيهِ، لِأَنَّهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفٌ لُغَوِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ (إلَّا بِنِيَّةِ) الْوَقْفِ فَمَنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ نَوَى بِهَا الْوَقْفَ لَزِمَهُ حُكْمًا ; لِأَنَّهَا بِالنِّيَّةِ صَارَتْ ظَاهِرَةً فِيهِ وَإِنْ قَالَ: مَا أَرَدْتُ بِهَا الْوَقْفَ قُبِلَ قَوْلِهِ ; لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ، (أَوْ قَرَنَهَا) أَيْ: الْكِنَايَةَ فِي اللَّفْظِ (بِأَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ) وَهِيَ: الصَّرَائِحُ الثَّلَاثُ وَالْكِنَايَتَانِ (كَ) قَوْلِهِ (تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُحَبَّسَةً أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُسَبَّلَةً أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُحَرَّمَةً أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُؤَبَّدَةً أَوْ) قَرَنَ الْكِنَايَةَ (بِحُكْمِ الْوَقْفِ كَ) قَوْلِهِ: تَصَدَّقْتُ بِهِ صَدَقَةً (لَا تُبَاعُ أَوْ) صَدَقَةً (لَا تُوهَبُ أَوْ) صَدَقَةً (لَا تُورَثُ أَوْ) تَصَدَّقْتُ بِدَارِي (عَلَى قَبِيلَةِ) كَذَا (أَوْ) عَلَى (طَائِفَةِ كَذَا) ; لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ فَانْتَفَتْ الشَّرِكَةُ. وَكَذَا تَصَدَّقْتُ بِأَرْضِي أَوْ دَارِي عَلَى زَيْدٍ وَالنَّظَرُ لِي أَيَّامَ حَيَاتِي، أَوْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو، أَوْ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَنَحْوِهِ (فَلَوْ قَالَ: تَصَدَّقْتُ بِدَارِي عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ الْوَقْفَ وَأَنْكَرَ زَيْدٌ) إرَادَةَ الْوَقْفِ وَأَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهَا بِمَا أَرَادَ قُبِلَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَ (لَمْ تَكُنْ وَقْفًا) لِمُخَالَفَةِ قَوْلِ الْمُتَصَدِّقِ لِلظَّاهِرِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: فَيُعَايَا بِهَا.
[فَصْلٌ شُرُوطُ الْوَقْفِ]
(فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ) أَيْ: الْوَقْفِ (أَرْبَعَةٌ) أَحَدُهَا (مُصَادَفَتُهُ عَيْنًا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَيُنْتَفَعُ بِهَا) انْتِفَاعًا (عُرْفًا كَإِجَارَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ النَّفْعُ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ، مَقْصُودًا مُتَقَوِّمًا يُسْتَوْفَى (مَعَ بَقَائِهَا) أَيْ: الْعَيْنِ ; لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ لِيَكُونَ صَدَقَةً جَارِيَةً. وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِيمَا لَا تَبْقَى عَيْنُهُ (أَوْ) مُصَادَفَةُ الْوَقْفِ (جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهَا) أَيْ: الْعَيْنِ الْمُتَّصِفَةِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ. لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْمِائَةُ سَهْمِ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى بَعْضِ
الْجُمْلَةِ مُفْرَدًا، فَجَازَ عَلَيْهِ مُشَاعًا كَالْبَيْعِ. وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا. قَالَهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ثُمَّ يَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُشَاعَ لَوْ وَقَفَهُ مَسْجِدًا ثَبَتَ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَالِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ. ثُمَّ الْقِسْمَةُ مُتَعَيَّنَةٌ هُنَا لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ. وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (مَنْقُولَةً) كَانَتْ (كَحَيَوَانٍ) كَوَقْفِ فَرَسٍ عَلَى الْغُزَاةِ أَوْ عَبْدٍ لِخِدْمَةِ الْمَرْضَى.
وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ وَقَفَ نِصْفَ عَبْدِهِ صَحَّ وَلَمْ يَسْرِ إلَى بَقِيَّتِهِ (وَأَثَاثٍ) كَبِسَاطٍ يَقِفُهُ لِيَفْرِشَهُ بِمَسْجِدٍ (وَسِلَاحٍ) كَسَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ قَوْسٍ يَقِفُهُ عَلَى الْغُزَاةِ (وَحُلِيٍّ) يَقِفُهُ (عَلَى لُبْسٍ وَعَارِيَّةٍ) لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ. فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ قَطَعَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَالْإِقْنَاعِ (أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ مَنْقُولَةً (كَعَقَارٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ حَسَنَاتٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْأَعْتَادُ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكُوبِ وَسِلَاحٍ وَآلَةِ الْجِهَادِ، وَلِحَدِيثِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ نَافِعٍ " «أَنَّ حَفْصَةَ ابْتَاعَتْ حُلِيًّا بِعِشْرِينَ أَلْفًا حَبَسَتْهُ عَلَى نِسَاءِ آلِ الْخَطَّابِ فَكَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ» وَمَا عَدَا الْمَذْكُورِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ. وَإِذَا وَقَفَ عَقَارًا مَشْهُورًا لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ حُدُودِهِ نَصًّا وَ (لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ إنْ صَادَفَ (ذِمَّةً كَدَارٍ وَعَبْدٍ) وَلَوْ مَوْصُوفًا (وَ) صَادَفَ (مُبْهَمًا كَأَحَدِ هَذَيْنِ) الْعَبْدَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا، لِأَنَّهُ نَقْلُ الْمِلْكِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنْفَعَةٍ. وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مُصَادَفَتُهُ عَيْنًا "
(أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ (مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَأُمِّ وَلَدٍ وَكَلْبٍ) وَلَوْ لِنَحْوِ صَيْدٍ (وَمَرْهُونٍ) ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَالْوَقْفُ تَصَرُّفٌ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ (أَوْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَمَطْعُومٍ) وَمَشْرُوبِ غَيْرِ مَاءٍ (وَمَشْمُومٍ) لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، بِخِلَافِ نَدٍّ وَصَنْدَلٍ وَقِطَعِ كَافُورٍ. فَيَصِحُّ وَقْفُهُ لِشَمِّ مَرِيضٍ وَغَيْرِهِ.
(وَ) كَ (أَثْمَانٍ) وَلَوْ لِتَحَلٍّ وَوَزْنٍ (كَقِنْدِيلٍ مِنْ نَقْدٍ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَحَلَقَةِ فِضَّةٍ تُجْعَلُ فِي بَابِهِ وَوَقْفُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِيُنْتَفَعَ بِاقْتِرَاضِهَا، لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِتْلَافِهِ. لَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ، فَيُزَكِّي النَّقْدَ رَبُّهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (إلَّا تَبَعًا كَفَرَسٍ) وُقِفَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (بِلِجَامٍ وَسَرْجٍ مُفَضَّضَيْنِ) فَيَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الْكُلِّ. فَإِنْ بِيعَتْ الْفِضَّةُ مِنْ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَجُعِلَ ثَمَنُهُ
فِي وَقْفٍ مِثْلِهِ فَحَسَنٌ. لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا. أَشْبَهَ الْفَرَسَ الْحَبِيسَ إذَا عَطِبَ. وَلَا تُصْرَفُ فِي نَفَقَةِ الْفَرَسِ نَصًّا، لِأَنَّهُ صَرْفٌ لَهَا إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا.
وَفِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِلِاخْتِيَارَاتِ: تُصْرَفُ فِي نَفَقَتِهِ. وَكَذَا لَوْ وَقَفَ حُلِيًّا وَأَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي: كَوْنُهُ) أَيْ الْوَقْفِ (عَلَى بِرٍّ) مُسْلِمًا كَانَ الْوَاقِفُ أَوْ ذِمِّيًّا نَصًّا (كَ) الْوَقْفِ عَلَى (الْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْأَقَارِبِ) لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بِرٍّ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ الَّذِي شُرِعَ لِأَجْلِهِ. فَلَا يَصِحُّ عَلَى طَائِفَةِ الْأَغْنِيَاءِ. وَلَا عَلَى طَائِفَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا عَلَى صِنْفٍ مِنْهُمْ (وَيَصِحُّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ) أَوْ طَائِفَةٍ. كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (وَعَكْسِهِ) أَيْ وَيَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ زَوْجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَتْ عَلَى أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ " وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْقُرْبَةِ لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ الذِّمِّيُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (أَجْنَبِيًّا) مِنْ الْوَاقِفِ (وَيَسْتَمِرُّ) الْوَقْفُ (لَهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (إذَا أَسْلَمَ وَيَلْغُو شَرْطُهُ) أَيْ الْوَاقِفِ (مَا دَامَ كَذَلِكَ) أَيْ ذِمِّيًّا لِئَلَّا يَخْرُجَ الْوَقْفُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً.
وَ (لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى كَنَائِسَ) جَمْعُ كَنِيسَةٍ مُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ أَوْ النَّصَارَى أَوْ الْكُفَّارِ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (أَوْ) عَلَى (بُيُوتِ نَارٍ) تَعْبُدُهَا الْمَجُوسُ (أَوْ) عَلَى (بِيَعٍ) جَمْعُ بِيعَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مُتَعَبَّدِ النَّصَارَى (وَنَحْوِهَا) كَصَوَامِعِ الرُّهْبَانِ (وَلَوْ) كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا (مِنْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَإِعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى إظْهَارِ الْكُفْرِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ دِينِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِفَقْرِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ وَنَحْوِهِمَا. وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي نَصَارَى وَقَفُوا عَلَى الْبِيعَةِ ضِيَاعًا كَثِيرَةً وَمَاتُوا وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ نَصَارَى فَأَسْلَمُوا وَالضِّيَاعُ بِيَدِ النَّصَارَى: فَلَهُمْ أَخْذُهَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوهَا مِنْ أَيْدِيهمْ. وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا عَلَى مَنْ يَعْمُرُهَا لِأَنَّهُ يُرَادُ لِتَعْظِيمِهَا (بَلْ) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى الْمَارِّ بِهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُجْتَازِينَ وَصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْقُرْبَةِ، فَإِنْ خُصَّ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِوَقْفٍ عَلَى الْمَارَّةِ مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ
(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى كُتُبِ) أَيْ كِتَابَةِ (التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) أَوْ كِتَابَةِ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ، لِكَوْنِهَا مَنْسُوخَةً مُبَدَّلَةً. وَلِذَلِكَ «غَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ وَقَالَ: أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً؟ لَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي»
قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَيَلْحَقُ فِي ذَلِكَ كُتُبُ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا (أَوْ) عَلَى (حَرْبِيٍّ أَوْ) عَلَى (مُرْتَدٍّ) فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إتْلَافُهُمَا. وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهِمَا. وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا.
وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَهُمْ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ جِهَةُ بِرٍّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَمَّاعًا لِلْمَالِ أَوْ لَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ غَالِبًا أَوْ فَاسِقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ لِأَنَّهَا آدَابٌ وَضْعِيَّةٌ، يَعْنِي قَدْ اُصْطُلِحَ عَلَى وَضْعِهَا. وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْحَارِثِيُّ الْفَقْرَ.
وَيَصِحُّ وَقْفُ عَبْدِهِ عَلَى حُجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا. وَإِشْعَالِ قَنَادِيلِهَا وَإِصْلَاحِهَا لَا لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا الْحَرِيرِ وَالتَّعْلِيقُ وَكَنْسُ الْحَائِطِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَبْطَلَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقْفَ سُتُورٍ لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ. لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ فَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَتِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ. وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ بِصِحَّتِهِ وَيُنْفَقُ ثَمَنُهَا عَلَى عِمَارَتِهِ وَلَا يَسْتُرُ. لِأَنَّ الْكَعْبَةَ خُصَّتْ بِذَلِكَ كَالطَّوَافِ.
وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى قُطَّاعِ طَرِيقٍ وَلَا الْمَغَانِي وَلَا الْمُتَمَسْخِرِينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ حَيْثُ الْجِهَةُ. وَيَصِحُّ عَلَى مُعَيَّنٍ مُتَّصِفٍ بِذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّهُ لَوْ زَالَ ذَلِكَ الْوَصْفُ، وَيَلْغُو شَرْطُهُ مَا دَامَ كَذَلِكَ
(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَلَى نَفْسِهِ) نَقَلَ حَنْبَلٌ وَأَبُو طَالِبٍ: مَا سَمِعْتُ بِهَذَا. وَلَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ لِلَّهِ. وَلِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ إمَّا لِلرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْفَعَةٍ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ (وَيَنْصَرِفُ) الْوَقْفُ (إلَى مَنْ بَعْدَهُ فِي الْحَالِ) فَمَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ صُرِفَ فِي الْحَالِ إلَى أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ. فَكَأَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ نَفْسِهِ فَمِلْكُهُ بِحَالٍ وَيُوَرَّثُ عَنْهُ (وَعَنْهُ يَصِحُّ) الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ.
قَالَ (الْمُنَقِّحُ) فِي التَّنْقِيحِ (اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْحَارِثِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّصْحِيحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَمَالَ إلَيْهِ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْفَائِقِ وَالْمَجْدِ فِي مُسَوَّدَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) فِي زَمَنِنَا وَقَبْلَهُ عِنْدَ حُكَّامِنَا مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ (وَهُوَ أَظْهَرُ) .
وَفِي
الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ. وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَذْهَبِ.
وَفِي الْفُرُوعِ: وَمَتَى حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا. وَإِنْ كَانَ فِيهِ فِي الْبَاطِنِ الْخِلَافُ
(وَإِنْ وَقَفَ) شَيْئًا (عَلَى غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى غَلَّتَهُ) كُلَّهَا (أَوْ) اسْتَثْنَى (بَعْضَهَا لَهُ) أَيْ الْوَاقِفِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ (أَوْ) اسْتَثْنَى غَلَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا (لِوَلَدِهِ) أَيْ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ صَحَّ (أَوْ) اسْتَثْنَى (الْأَكْلَ) مِنْهُ (أَوْ) اسْتَثْنَى (الِانْتِفَاعَ) لِنَفْسِهِ (أَوْ لِأَهْلِهِ أَوْ) اشْتَرَطَ أَنَّهُ (يُطْعِمُ صَدِيقَهُ) مِنْهُ (مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ) الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ. احْتَجَّ أَحْمَدُ بِمَا رُوِيَ عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ «إنَّ فِي صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ» وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ عُمَرَ لَمَّا وَقَفَ " لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ " وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ، ثُمَّ بِنْتِهِ حَفْصَةَ ثُمَّ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. فَكَذَا هُنَا (فَلَوْ مَاتَ) مَنْ اسْتَثْنَى نَفْعَ مَا وَقَفَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (فِي أَثْنَائِهَا فَ) الْبَاقِي مِنْهَا (لِوَرَثَتِهِ) كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا سَنَةً ثُمَّ مَاتَ فِيهَا (وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الْمُدَّةِ الْمُسْتَثْنَى النَّفْعُ فِيهَا مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَغَيْرِهِ كَالْمُسْتَثْنَى فِي الْبَيْعِ قُلْتُ: وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ إجَارَةِ مَا شَرَطَ سُكْنَاهَا لِنَحْوِ بَيْتِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ خَطِيبٍ أَوْ إمَامٍ
(وَمَنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ تَنَاوَلَ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّنَاوُلُ (مِنْهُ) لِوُجُودِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ فِيهِ
(وَلَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ بِئْرًا أَوْ مَدْرَسَةً لِلْفُقَهَاءِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ) أَيْ نَوْعٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَالْحَنَابِلَةِ أَوْ الشَّافِعِيَّةِ (أَوْ) وَقَفَ (رِبَاطًا لِلصُّوفِيَّةِ) وَنَحْوَهُ (مِمَّا يَعُمُّ فَهُوَ) أَيْ الْوَاقِفُ (كَغَيْرِهِ) فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عُثْمَانَ سَبَّلَ بِئْرَ رُومَةَ وَكَانَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ " وَالصُّوفِيُّ الْمُتَبَتِّلُ لِلْعِبَادَةِ وَتَصْفِيَةِ النَّفْسِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ. وَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَمُلَازَمَةُ غَالِبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ قَوْلًا وَفِعْلًا. وَأَنْ يَكُونَ قَانِعًا بِالْكِفَايَةِ مِنْ الرِّزْقِ بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ، لَا لُبْسُ خِرْقَةٍ أَوْ لُزُومُ شَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي اللِّبْسَةِ وَنَحْوِهَا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: كَوْنُهُ) أَيْ الْوَقْفِ (عَلَى مُعَيَّنٍ) مِنْ جِهَةٍ أَوْ شَخْصٍ (يَمْلِكُ) مِلْكًا (ثَابِتًا) كَزَيْدٍ أَوْ مَسْجِدِ كَذَا. لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ. فَلَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ. وَلِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي
الدَّوَامَ وَمَنْ مِلْكُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ تَجُوزُ إزَالَتُهُ (فَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى مَجْهُولٍ، كَرَجُلٍ) لِصِدْقِهِ بِكُلِّ رَجُلٍ (وَ) كَ (مَسْجِدٍ) فَلَا يَصِحُّ، لِصِدْقِهِ بِكُلِّ مَسْجِدٍ (أَوْ) عَلَى (مُبْهَمٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ) الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْمَسْجِدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لِتَرَدُّدِهِ. كَبِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ
(أَوْ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ (لَا يَمْلِكُ كَقِنٍّ) وَمُدَبَّرٍ (وَأُمِّ وَلَدٍ وَمَلَكٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَحَدُ الْمَلَائِكَةِ (وَبَهِيمَةٍ) لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ. فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ. وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ عُيِّنَ فِي نَفْعٍ خَاصٍّ لَهُمْ
(وَ) لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ. لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ إذْنٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ. وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْمَعْدُومِ (كَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي أَوْ) عَلَى مَنْ سَيُولَدُ (لِفُلَانٍ) فَلَا يَصِحُّ أَصَالَةً (بَلْ) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ (تَبَعًا، كَ) قَوْلِ وَاقِفٍ: وَقَفْتُ كَذَا (عَلَى أَوْلَادِي) ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا (وَفِيهِمْ) أَيْ أَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ (حَمْلٌ) فَيَشْمَلُهُ، كَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ تَبَعًا (فَيَسْتَحِقُّ) الْحَمْلُ (بِوَضْعٍ. وَكُلُّ حَمْلٍ مِنْ أَهْلِ وَقْفٍ: مِنْ ثَمَرِ وَزَرْعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ) لِشَجَرٍ وَأَرْضٍ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ نَصًّا، قِيَاسًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْعَقْدِ (وَكَذَا مَنْ قَدِمَ إلَى) مَكَان (مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَكَانِ (أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى مِثْلِهِ) فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرِ وَزَرْعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لِكُلِّ زَمَنٍ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ فَيَكُونُ لَهُ بِقِسْطِهِ) وَقِيَاسُهُ عَلَى مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ وَاقِفَ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهَا جَعَلَ رِيعَ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ كَالْجُعْلِ عَلَى اشْتِغَالِ مَنْ هُوَ فِي الْمَدْرَسَةِ عَامًا. فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِنْ السَّنَةِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْإِنْسَانُ شَهْرًا فَيَأْخُذَ جَمِيعَ الْوَقْفِ وَيَحْضُرَ غَيْرُهُ بَاقِي السَّنَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ. فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَهَذَا يَأْبَاهُ مُقْتَضَى الْوُقُوفِ وَمَقَاصِدِهَا انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَسْتَحِقُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ مَغَلِّهِ. وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ (أَوْ يَمْلِكُ لَا ثَابِتًا كَمُكَاتَبٍ) فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. وَيَصِحُّ وَقْفُهُ. فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ.
الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا) أَيْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ وَلَا مُوَقَّتٍ وَلَا مَشْرُوطٍ فِيهِ خِيَارٌ، أَوْ نَحْوِهِ (فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) أَيْ الْوَقْفِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ لِابْتِدَائِهِ كَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ فَهَذَا وَقْفٌ عَلَيْهِ، أَوْ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَهَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَنَحْوِهِ، أَوْ
لِانْتِهَائِهِ كَدَارِي وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ إلَى أَنْ يَحْضُرَ عَمْرٌو أَوْ يُولَدَ لِي وَلَدٌ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيمَا لَمْ يَبِنْ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ. فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ كَالْهِبَةِ
(إلَّا) إنْ عَلَّقَ وَاقِفُ الْوَقْفِ (بِمَوْتِهِ) كَقَوْلِهِ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي. فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: قِفُوا دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه وَصَّى، فَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ " هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ. أَنَّ ثَمَغًا صَدَقَةٌ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْخَبَرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا. وَوَقْفُهُ هَذَا كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاشْتُهِرَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ. فَكَانَ إجْمَاعًا. وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ. لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ وَهِيَ أَوْسَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْحَيَاةِ، بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ وَ " ثَمَغٌ " بِالْفَتْحِ: مَالٌ بِالْمَدِينَةِ لِعُمَرَ وَقَفَهُ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، أَيْ فَتْحِ الْمِيمِ (وَيَلْزَمُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ (مِنْ حِينِهِ) أَيْ حِينِ صُدُورِهِ مِنْهُ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ: إنَّ الْمُدَبَّرَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ. وَهَذَا شَيْءٌ وَقَفَهُ عَلَى قَوْمٍ مَسَاكِينَ فَكَيْفَ يُحْدِثُ بِهِ شَيْئًا؟ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْفَرْقُ عُسْرٌ جِدًّا (وَيَكُونُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ (مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ مَال الْوَاقِفِ. لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لَزِمَ. وَإِنْ زَادَ لَزِمَ فِي الثُّلُثِ وَوَقَفَ الْبَاقِي عَلَى الْإِجَازَةِ
(وَشَرْطُ بَيْعِهِ) أَيْ الْوَقْفِ مَتَى شَاءَ الْوَاقِفُ (أَوْ) شَرْطُ (هِبَتِهِ مَتَى شَاءَ أَوْ) شَرْطُ (خِيَارٍ فِيهِ أَوْ) شَرْطُ (تَوْفِيَتِهِ) كَقَوْلِهِ: هُوَ وَقْفٌ يَوْمًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهُ (أَوْ) شَرْطُ (تَحْوِيلِهِ) أَيْ الْوَقْفِ، كَ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا عَلَى أَنْ أُحَوِّلَهَا عَنْهَا أَوْ عَنْ الْوَقْفِيَّةِ بِأَنْ أَرْجِعَ فِيهَا مَتَى شِئْتُ (مُبْطِلٌ) لِلْوَقْفِ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.