الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْعِتْقِ]
كِتَابُ الْعِتْقِ لُغَةً: الْخُلُوصُ، وَمِنْهُ عِتَاقُ الْخَيْلِ وَالطَّيْرِ أَيْ: خَالِصُهَا، وَسُمِّيَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ عَتِيقًا لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ (وَهُوَ) شَرْعًا (تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ) أَيْ: الذَّاتِ (وَتَخْلِيصُهَا مِنْ الرِّقِّ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ خُصَّتْ بِهِ الرَّقَبَةُ مَعَ وُقُوعِهِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ ; لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لَهُ كَالْغُلِّ فِي رَقَبَتِهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ. فَإِذَا عَتَقَ فَكَأَنَّ رَقَبَتَهُ أُطْلِقَتْ مِنْ ذَلِكَ. يُقَالُ: عَتَقَ الْعَبْدُ وَأَعْتَقْتُهُ أَنَا، فَهُوَ عَتِيق وَمُعْتَقٌ وَهُمْ عُتَقَاءُ، وَأَمَةٌ عَتِيق وَعَتِيقَةٌ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّتِهِ وَحُصُولِ الْقُرْبَةِ بِهِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] وَقَوْلِهِ: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ، حَتَّى إنَّهُ لَيُعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ وَالرِّجْلَ بِالرِّجْلِ وَالْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَ) هُوَ (مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ) ; لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ وَغَيْرِهِ، وَجَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم فِكَاكًا لِمُعْتِقِهِ مِنْ النَّارِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ وَمِلْكِ نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ وَتَكْمِيلِ أَحْكَامِهِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ: الرِّقَابُ لِلْعِتْقِ (أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا) أَيْ: أَعَزُّهَا فِي نُفُوسِ أَهْلِهَا (وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا) نَصًّا وَظَاهِرَةً وَلَوْ كَافِرَةً وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ لَكِنْ يُثَابُ عَلَى عِتْقِهِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَ) عِتْقُ (ذَكَرٍ) أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ أُنْثَى سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْفِكَاكِ مِنْ النَّارِ (وَتَعَدُّدٌ) وَلَوْ مِنْ إنَاثٍ (أَفْضَلُ) مِنْ وَاحِدٍ وَلَوْ ذَكَرًا
(وَسُنَّ عِتْقُ) مَنْ لَهُ كَسْبٌ لِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ كَسْبَهُ (وَ) سُنَّ (كِتَابَةُ مَنْ لَهُ كَسْبٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]
(وَكُرِهَا) أَيْ: الْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ (إنْ كَانَ) الْعَتِيقُ (لَا قُوَّةَ لَهُ وَلَا
كَسْبَ) لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْمَسْأَلَةِ
(أَوْ) كَانَ (يَخَافُ مِنْهُ) إنْ أُعْتِقَ (زِنًا أَوْ فَسَادَ) فَيُكْرَهُ عِتْقُهُ وَكَذَا إنْ خِيفَ رِدَّتُهُ وَلُحُوقُهُ بِدَارِ حَرْبٍ (وَإِنْ عُلِمَ) مِنْهُ (أَوْ ظُنَّ ذَلِكَ مِنْهُ حَرُمَ) ; لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْحَرَامِ (وَصَحَّ الْعِتْقُ) وَلَوْ مَعَ عِلْمِهِ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ ظَنِّهِ لِصُدُورِ الْعِتْقِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ أَشْبَهَ عِتْقَ غَيْرِهِ
(وَيَحْصُلُ) الْعِتْقُ (بِقَوْلٍ) مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ نِيَّةٍ كَالطَّلَاقِ وَيَنْقَسِمُ الْقَوْلُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ (وَصَرِيحُهُ لَفْظُ عِتْقٍ. وَ) لَفْظُ (حُرِّيَّةٍ) لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِمَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا (كَيْفَ صُرِفَا) كَقَوْلِهِ لِقِنِّهِ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ أَنْتَ عَتِيق أَوْ مُعْتَقٌ بِفَتْحِ التَّاءِ أَوْ أَعْتَقْتُك فَيُعْتَقُ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: تَنَحِّي يَا حُرَّةُ فَإِذَا هِيَ جَارِيَتُهُ قَالَ: قَدْ عَتَقَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِخَدَمٍ قِيَامٍ فِي وَلِيمَةٍ مُرُّوا أَنْتُمْ أَحْرَارٌ، وَكَانَ فِيهِمْ أُمُّ وَلَدِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا. قَالَ: هَذَا بِهِ عِنْدِي تُعْتَقُ أُمُّ وَلَدِهِ
(غَيْرَ أَمْرٍ وَمُضَارِعٍ وَاسْمِ فَاعِلٍ) كَقَوْلِهِ لِرَقِيقِهِ: حَرِّرْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ، أَوْ هَذَا مُحَرِّرٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَوْ مُعْتِقٌ بِكَسْرِ التَّاءِ. فَلَا يُعْتَقُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ طَلَبٌ أَوْ وَعْدٌ أَوْ خَبَرٌ عَنْ غَيْرِهِ. وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا صَالِحًا لِلْإِنْشَاءِ وَلَا إخْبَارًا عَنْ نَفْسِهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ. وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ لَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ عَاتِقٌ عَتَقَ
(وَيَقَعُ) الْعِتْقُ (مِنْ هَازِلٍ) كَالطَّلَاقِ. وَ (لَا) يَقَعُ (مِنْ نَائِمٍ وَنَحْوِهِ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَجْنُونٍ وَمُبَرْسَمٍ لِعَدَمِ عَقْلِهِمْ مَا يَقُولُونَ وَكَذَا حَاكٍ وَفَقِيهٍ يُكَرِّرُهُ فَتُعْتَبَرُ إرَادَةُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ لَا نِيَّةُ النَّفَاذِ وَالْقُرْبَةُ
(وَلَا) يَقَعُ عِتْقٌ (إنْ) قَالَ سَيِّدٌ لِرَقِيقِهِ: أَنْتَ حُرٌّ. وَ (نَوَى بِالْحُرِّيَّةِ عِفَّتَهُ وَكَرَمَ خُلُقِهِ وَنَحْوَهُ) كَصِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ. أَيْ: إنَّكَ لَا تُطِيعُنِي، وَلَا تَرَى لِي عَلَيْك حَقًّا وَلَا طَاعَةً ; لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ. وَإِنْ طَلَبَ اسْتِحْلَافَهُ حَلَفَ وَوَجْهُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَا أَرَادَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ تُمْدَحُ بِمِثْلِ هَذَا. يُقَالُ: امْرَأَةٌ حُرَّةٌ أَيْ: عَفِيفَةٌ. وَيُقَالُ لِكَرِيمِ الْأَخْلَاقِ حُرٌّ. قَالَتْ: سُبَيْعَةُ تَرْثِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ،
وَلَا تَسْأَمَا أَنْ تَبْكِيَا كُلَّ لَيْلَةٍ
…
وَيَوْمٍ عَلَى حُرٍّ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ
(وَ) إنْ قَالَ سَيِّدٌ لِرَقِيقِهِ: (أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا الزَّمَنِ أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا (الْبَلَدِ يُعْتَقُ مُطْلَقًا) ; لِأَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ فِي زَمَنٍ أَوْ بَلَدٍ لَمْ يُعَدَّ رَقِيقًا فِي غَيْرِهِمَا
(وَكِنَايَتُهُ) أَيْ: الْعِتْقِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا (مَعَ نِيَّتِهِ) أَيْ: الْعِتْقِ. قُلْت: أَوْ قَرِينَةٌ كَسُؤَالِ عِتْقٍ كَالطَّلَاقِ (خَلَّيْتُك أَوْ أَطْلَقْتُك وَالْحَقْ بِأَهْلِك) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَفَتْحِ الْحَاءِ (وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ وَلَا سَبِيلَ لِي) عَلَيْك (أَوْ لَا
سُلْطَانَ لِي) عَلَيْك (أَوْ لَا مِلْكَ لِي) عَلَيْك (أَوْ لَا رِقَّ لِي) عَلَيْك (أَوْ) لَا (خِدْمَةَ لِي عَلَيْك، وَفَكَكْت رَقَبَتَك وَوَهَبْتُك لِلَّهِ، وَرَفَعْتُ يَدِي عَنْك إلَى اللَّهِ وَأَنْتَ لِلَّهِ أَوْ) أَنْتَ (مَوْلَايَ أَوْ) أَنْتَ (سَائِبَةً وَمَلَّكْتُك نَفْسَك. وَ) مِنْ الْكِنَايَةِ. قَوْلُ السَّيِّدِ (لِأَمَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ. أَوْ) أَنْتِ (حَرَامٌ) .
وَفِي الِانْتِصَارِ. وَكَذَا اعْتَدِّي. وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي لَفْظِ الظِّهَارِ (وَ) مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ قَوْلُ السَّيِّدِ (لِمَنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ أَبَاهُ) مِنْ رَقِيقِهِ بِأَنْ كَانَ السَّيِّدُ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةٍ مَثَلًا. وَالرَّقِيقُ ابْنَ ثَلَاثِينَ فَأَكْثَرَ (أَنْتَ أَبِي أَوْ) قَالَ لِرَقِيقِهِ الَّذِي يُمْكِنُ كَوْنُهُ ابْنَهُ (أَنْتَ ابْنِي) فَيُعْتَقُ بِذَلِكَ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ (وَلَوْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوف) لِجَوَازِ كَوْنِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ.
وَ (لَا) عِتْقَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ (لِكِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ) أَيْ: هَذَا الْقَوْلِ (عِتْقَهُ) لِتَحَقُّقِ كَذِبِ هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّةٌ كَقَوْلِهِ: هَذَا الطِّفْلُ أَبِي أَوْ الطِّفْلَةُ هَذِهِ أُمِّي. وَكَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ أَسَنُّ مِنْهُ.: هَذِهِ ابْنَتِي. أَوْ قَالَ لَهَا وَهُوَ أَسَنُّ مِنْهُ هَذِهِ أُمِّي لَمْ تَطْلُقْ كَذَلِكَ هُنَا (كَ) قَوْلِهِ: لِرَقِيقِهِ (أَعْتَقْتُك) مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ (أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ (وَ) كَقَوْلِهِ: (أَنْتِ بِنْتِي لِعَبْدِهِ وَ) كَقَوْلِهِ (: أَنْتَ ابْنِي لِأَمَتِهِ) ; لِأَنَّهُ مُحَالٌ مَعْلُومٌ كَذِبُهُ، وَشَرْطُ الْعِتْقِ بِالْقَوْلِ كَوْنُهُ مِنْ مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ (وَ) يَحْصُلُ الْعِتْقُ (بِمِلْكٍ) مِنْ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ وَغَيْرِهِ (لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ بِنَسَبٍ) كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ. وَإِنْ عَلَا وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَوَلَدِهِمَا وَإِنْ نَزَلَ. وَعَمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالٍ وَخَالَتِهِ وَافَقَهُ فِي دِينِهِ أَوْ لَا.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: هُوَ آكَدُ مِنْ التَّعْلِيقِ.
فَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ ذِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ عَلَى مِلْكِهِ فَمَلَكَهُ عَتَقَ بِمِلْكِهِ لَا بِتَعْلِيقِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْلُوكُ (حَمْلًا) كَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَةَ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ الْحَامِلَ مِنْهُ. لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا يُجْزِئُ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ: فَقَوْلُهُ: (فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) بِشِرَائِهِ كَمَا يُقَالُ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، وَالضَّرْبُ هُوَ الْقَتْلُ وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَلَا يُعْتَقُ ابْنُ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ بِمِلْكِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ. وَلَا يُعْتَقُ مَحْرَمٌ مِنْ الرَّضَاعِ كَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَابْنِهِ مِنْ رَضَاعٍ ; لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي عِتْقِهِمْ وَلَا هُمْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَيَبْقُونَ عَلَى الْأَصْلِ
وَكَذَا الرَّبِيبَةُ وَأُمُّ الزَّوْجَةِ وَابْنَتُهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: جَرَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ يُبَاعُ الْأَخُ مِنْ الرَّضَاعِ (وَأَبٌ وَابْنٌ مِنْ زِنًا كَأَجْنَبِيَّيْنِ) فَلَا عِتْقَ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ نَصًّا لِعَدَمِ أَحْكَامِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ وَثُبُوتِ الْوِلَايَةِ، وَكَذَا أَخٌ وَنَحْوُهُ مِنْ زِنًا
(وَيُعْتَقُ حَمْلٌ لَمْ يُسْتَثْنَ) أَيْ: لَمْ يَسْتَثْنِهِ مُعْتِقُ أُمِّهِ (بِعِتْقِ أُمِّهِ) لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. فَفِي الْعِتْقِ أَوْلَى (وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ) أَيْ: الْحَمْلَ رَبُّ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مِنْ وَرَثَةِ مَيِّتٍ مُوصًى بِحَمْلِهَا لِغَيْرِهِ فَأَعْتَقَهَا فَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى الْحَمْلِ (إنْ كَانَ) مُعْتِقُهَا (مُوسِرًا) بِقِيمَةِ الْحَمْلِ يَوْمَ عِتْقِهِ كَفِطْرَةٍ (وَيَضْمَنُ) مُعْتِقُهَا (قِيمَتَهُ) أَيْ: الْحَمْلِ (لِمَالِكِهِ) الْمُوصَى لَهُ بِهِ يَوْمَ وِلَادَتِهِ حَيًّا، فَإِنْ اسْتَثْنَى الْحَمْلَ مُعْتِقُ أُمِّهِ لَمْ يُعْتَقْ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ.: أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعِتْقِ. وَلَا أَذْهَبُ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ. وَلِحَدِيثِ «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعِتْقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَالْمُنْفَصِلِ وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ فِي أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْمُعَوَّضِ لِيُعْلَمَ هَلْ يُقَابِلُ الْعِوَضَ أَوْ لَا
(وَيَصِحُّ عِتْقُهُ) أَيْ: الْحَمْلِ (دُونَهَا) أَيْ: دُونَ أُمِّهِ نَصًّا ; لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْإِنْسَانِ الْمُنْفَرِدِ، وَلِهَذَا تُورَثُ عَنْهُ الْغُرَّةُ إذَا ضَرَبَ بَطْنَ أُمِّهِ فَأَسْقَطَتْهُ كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَهُ، وَيَرِثُ
(وَمَنْ مَلَكَ بِغَيْرِ إرْثٍ) كَشِرَاءٍ وَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَغَنِيمَةٍ (جُزْءًا) كَثِيرًا. أَوْ قَلِيلًا (مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) بِمِلْكٍ (وَهُوَ) أَيْ: الْمَالِكُ لِلْجُزْءِ (مُوسِرٌ بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ فَاضِلَةٍ) عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ (كَفِطْرَةٍ) أَيْ: عَنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ نَحْوِ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ (يَوْمَ مِلْكِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُوسِرٍ (عَتَقَ) عَلَيْهِ (كُلُّهُ وَعَلَيْهِ مَا يُقَابِلُ جُزْءَ شَرِيكِهِ مِنْ قِيمَتِهِ كُلِّهِ) فَيُقَوَّمُ كَامِلًا لَا عِتْقَ فِيهِ وَتُؤْخَذُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ مِنْهَا لِفِعْلِهِ سَبَبَ الْعِتْقِ اخْتِيَارًا مِنْهُ وَقَصْدًا إلَيْهِ، فَسَرَى وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ مُوسِرًا بِقِيمَةِ بَاقِيهِ كُلِّهِ (عَتَقَ مَا يُقَابِلُ مَا هُوَ مُوسِرٌ بِهِ) مِمَّنْ مَلَكَ جُزْأَهُ بِغَيْرِ الْإِرْثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَتَقَ مَا مَلَكَهُ مِنْهُ فَقَطْ (وَ) إنْ مَلَكَ جُزْأَهُ (بِإِرْثٍ لَمْ يَعْتِقْ) عَلَيْهِ (إلَّا مَا) أَيْ: الْجُزْءُ الَّذِي (مَلَكَهُ وَلَوْ) كَانَ (مُوسِرًا) بِقِيمَةِ بَاقِيهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إلَى إعْتَاقِهِ لِحُصُولِ مِلْكِهِ بِدُونِ فِعْلِهِ وَقَصْدِهِ
(وَمَنْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَيْرَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (مَثَّلَ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ.
قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ مَثَّلْتُ بِالْحَيَوَانِ أُمَثِّلُ تَمْثِيلًا إذَا قَطَعْت أَطْرَافَهُ وَالْعَبْدُ إذَا جَدَعْتَ أَنْفَهُ وَنَحْوَهُ (وَلَوْ) كَانَ التَّمْثِيلُ (بِلَا قَصْدٍ بِرَقِيقِهِ فَجَدَعَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ