الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْغَصْبِ]
(بَابُ الْغَصْبِ) مَصْدَرُ غَصَبَ يَغْصِبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ. وَيُقَالُ: اغْتَصَبَهُ يَغْتَصِبُهُ اغْتِصَابًا وَالشَّيْءُ مَغْصُوبٌ وَغَصْبٌ. وَهُوَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ وَشَرْعًا (اسْتِيلَاءٌ غَيْرُ حَرْبِيٍّ) بِفِعْلٍ يُعَدُّ اسْتِيلَاءً (عُرْفًا عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ) وَمِنْهُ الْمَأْخُوذُ مَكْسًا وَنَحْوُهُ فَلَا يَحْصُلُ بِلَا اسْتِيلَاءٍ. فَلَوْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ أَوْ أَرْضَهُ لَمْ يَضْمَنْهَا بِدُخُولِهِ بِلَا إذْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَوْ لَا. لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ نَقْلُ الْعَيْنِ. فَيَكْفِي مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَاقِفَةً لَيْسَ عِنْدَهَا رَبُّهَا وَلَوْ دَخَلَ دَارًا قَهْرًا وَأَخْرَجَ رَبَّهَا فَغَاصِبٌ. وَإِنْ أَخْرَجَهُ قَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ أَوْ دَخَلَ مَعَ حُضُورِ رَبِّهَا وَقُوَّتِهِ فَلَا. وَإِنْ دَخَلَ قَهْرًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ فَقَدْ غَصَبَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الْغَصْبَ.
وَإِنْ دَخَلَهَا قَهْرًا فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا فَغَاصِبٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا قُمَاشَةٌ. ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ. وَأَمَّا اسْتِيلَاءُ الْحَرْبِيِّ فَقَدْ سَبَقَ فِي الْغَنِيمَةِ. وَقَوْلُهُ:(عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ) يَشْمَلُ الْمِلْكَ وَالِاخْتِصَاصَ، وَقَوْلُهُ " قَهْرًا " أَخْرَجَ بِهِ الْمَسْرُوقَ وَالْمُخْتَلَسَ وَنَحْوَهُ. وَقَوْلُهُ " بِغَيْرِ حَقٍّ " خَرَجَ بِهِ الشُّفْعَةُ وَالْغَصْبُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
(وَيُضْمَنُ عَقَارٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ بِغَصْبٍ. لِحَدِيثِ " «مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِمَعْنَاهُ.
وَفِي لَفْظٍ " مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ " وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ كَسُكْنَاهُ الدَّارَ وَمَنْعِ صَاحِبِهَا مِنْهَا. أَشْبَهَ أَخْذَ الدَّابَّةِ وَالْمَتَاعِ. وَيَصِحُّ غَصْبُ مُشَاعٍ كَأَرْضٍ أَوْ دَارٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي أَيْدِيهِمَا فَيَنْزِلُ الْغَاصِبُ فِيهَا وَيُخْرِجُ أَحَدَهُمَا وَيُقِرُّ الْآخَرَ مَعَهُ عَلَى مَا كَانَ مَعَ الْمُخْرَجِ. فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا إلَّا نَصِيبَ الْمُخْرَجِ حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّا الْمِلْكَ أَوْ انْتَفَعَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَاقِي مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ الْمُخْرَجِ شَيْءٌ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ لِاثْنَيْنِ كَفَّ الْغَاصِبُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَنْهُ وَنَزَلَ فِي التَّسَلُّطِ عَلَيْهِ مَوْضِعَهُ مَعَ إقْرَارِ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ بَاعَاهُ بَطَلَ بَيْعُ الْغَاصِبِ لِلنِّصْفِ وَصَحَّ بَيْعُ الْآخَرِ لِنِصْفِهِ. وَلَوْ غَصَبَ مِنْ قَوْمٍ ضَيْعَةً ثُمَّ رَدَّ إلَى أَحَدِهِمْ نَصِيبَهُ مُشَاعًا لَمْ يُطْلَبْ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ. هَذَا مَعْنَى نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ مُلَخَّصًا.
(وَ) تُضْمَنُ (أُمُّ وَلَدٍ) بِغَصْبٍ ; لِأَنَّ حُكْمَهَا كَالْقِنِّ فِي الضَّمَانِ بِقِيمَتِهِمَا لَوْ قُتِلَتْ
دُونَ دَيْنِهَا. فَهُوَ دَلِيلُ مَالِيَّتِهَا (وَ) يُضْمَنُ (قِنٌّ) ذَكَرًا وَأُنْثَى وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ (بِغَصْبِهِ) كَسَائِرِ الْمَالِ (لَكِنْ لَا تَثْبُتُ) يَدُ غَاصِبٍ (عَلَى بُضْعِ أَمَةٍ) مَغْصُوبَةٍ (فَيَصِحُّ) مِنْ مَالِكِهَا (تَزْوِيجُهَا) وَهِيَ بِيَدِ غَاصِبِهَا (وَلَا يَضْمَنُ) الْغَاصِبُ (نَفْعَهُ) أَيْ: الْبُضْعِ ; لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ بِالْإِجَارَةِ.
(وَإِنْ غَصَبَ) شَخْصٌ (خَمْرَ مُسْلِمٍ ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ) مِنْهَا إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ رَدِّهِ ; لِأَنَّهَا صَارَتْ خَلًّا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا تَخَلَّلَ ; لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لَمْ تَزُلْ عَنْهَا بِالْغَصْبِ فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ فِي يَدِهِ.
وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَا تَخَلَّلَ مِمَّا جَمَعَ) مِنْ خَمْرٍ (بَعْدَ إرَاقَتِهَا) لِزَوَالِ الْيَدِ بِالْإِرَاقَةِ (وَيُرَدُّ خَمْرُ ذِمِّيٍّ مُسْتَتِرَةً) غُصِبَتْ (كَخَمْرِ خَلَّالٍ) ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ إمْسَاكِهَا (وَ) يُرَدُّ (كَلْبٌ يُقْتَنَى) كَكَلْبِ صَيْدٍ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَ (لَا) تُرَدُّ (قِيمَتُهَا) أَيْ: الْخَمْرِ لِذِمِّيٍّ أَوْ خَلَّالٍ وَلَا الْكَلْبِ (مَعَ تَلَفٍ) لِتَحْرِيمِهِمَا فَهُمَا كَالْمَيْتَةِ (وَلَا) يَلْزَمُ رَدُّ (جِلْدِ مَيْتَةٍ غُصِبَ ; لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغٍ) فَلَا سَبِيلَ إلَى إصْلَاحِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَفِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَالتَّوْضِيحِ: ; لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي الْيَابِسَاتِ فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ (وَلَا يَضْمَنُ حُرٌّ) كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا (بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ) بِأَنْ حَبَسَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَمَاتَ عِنْدَهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (وَتُضْمَنُ ثِيَابُ حُرٍّ صَغِيرٍ وَحُلِيُّهُ) وَلَوْ لَمْ يَنْزَعْهُمَا عَنْهُ ; لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا مُمَانَعَةَ مَعَهُ عَنْ ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهُ مُنْفَرِدًا. وَعَلَى مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ بَيْتِ أَهْلِهِ رَدُّهُ إلَيْهِ وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ.
وَ (لَا) تُضْمَنُ (دَابَّةٌ) غُصِبَتْ وَ (عَلَيْهَا مَالِكُهَا الْكَبِيرُ وَمَتَاعُهُ) ; لِأَنَّهَا فِي يَدِ مَالِكِهَا (وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ) أَيْ: الْحُرُّ (كُرْهًا) فِي خِدْمَةٍ أَوْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ ; لِاسْتِيفَائِهِ مَنَافِعَهُ الْمُتَقَوِّمَةَ فَيَضْمَنُهَا كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ (أَوْ حَبَسَهُ) أَيْ: الْحُرُّ (مُدَّةً) لَهَا أُجْرَةٌ (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) مُدَّةَ حَبْسِهِ، ; لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنْفَعَتَهُ زَمَنَ الْحَبْسِ، وَهِيَ مَالٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ.
وَ (لَا) أُجْرَةَ (إنْ مَنَعَ) شَخْصٌ آخَرُ (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْنُوعُ (قِنًّا: الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ) ; لِعَدَمِ تَلَفِهَا تَحْتَ يَدِهِ ; وَلِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَوْ سَيِّدِهِ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ، كَمَا لَا يُضْمَنُ هُوَ وَلَا ثِيَابُهُ إذَنْ (وَلَا يُضْمَنُ رِبْحٌ فَاتَ) عَلَى مَالِكٍ (بِحَبْسِ) غَاصِبٍ (مَالِ تِجَارَةٍ) مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَرْبَحَ فِيهَا إذَا لَمْ يَتَّجِرْ فِيهِ غَاصِبٌ كَمَا لَوْ حَبَسَ عَبْدًا يُرِيدُ مَالِكُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ صِنَاعَةً مُدَّةً يُمْكِنُ تَعَلُّمُهَا فِيهَا ; لِأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا